|
هل سيعود الاحتلال العربي للعراق
صفاء النوري
الحوار المتمدن-العدد: 2325 - 2008 / 6 / 27 - 10:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ الغزو العربي- الاسلامي للعراق ظل هذا البلد بكل ماينطوي عليه من مخزون حضاري واهمية جيوسياسية ساحة صراع هويات بين الامم الكبيرة المحيطة: العربية والفارسية والتركية. ولذلك فان ارض العراق قد شهدت كبرى التحولات في تاريخ المنطقة كما شهدت ابشع انواع الصراعات وعمليات التطهير القومي والديني والطائفي التي بدأها المسلمون حينما قضوا على كل الديانات التي كانت تزخر بها ارض العراق وكانت تعبر عن التنوع والثراء الحضاري لهذه الارض. مع ذلك فان العراقيين خلافا لبقية الشعوب التي غزتها القبائل العربية القادمة من الجزيرة حاملة العقيدة المحمدية لم يستسلموا بسهولة ولم ينقادوا لسيطرة اعراب الجزيرة على مقاليد امورهم فعرفوا بتمردهم وثوراتهم الى حد ان الملوك الامويين الممثلين للارستقراطية القريشية اضطروا ان يبعثوا واحداَ من عتاة المجرمين لحكم هذه البلاد بالنار والحديد فجاء الحجاج ليقطف "رؤؤسا قد اينعت" ، ومنذ ذلك الوقت كان الاحتلال العربي للعراق يقوم على تسليط المجرمين الذين يسلطون بدورهم اقلية مستفيدة على رقاب العراقيين وحكمهم بالارهاب والعنف المطلق، وفي الحقيقة ان عقيدة التشيع ظهرت كمدرسة دينية سياسية تعبر عن تكيف العراقيين مع الاسلام دون خضوعهم للقبائل العربية التي حملته ومعه كل مظاهر العنصرية العربية ، فالتشيع كان اكثر ثورية وتقدمية وتعبيرا عن الروح الجدلية والنزعة الحضارية لشعوب هذه الارض كما انه استعار بعض الطروحات الفكرية والطقوس المعتمدة في الديانات التي تواجدت سابقا في العراق كالمسيحية واليهودية والمانوية والمندائية فاصبح بذاته دينا عراقيا موازيا للدين العروبي الذي رعته الفلسفة الاموية واصبح الدين الرسمي المستند على قران عثمان والسنة المنقولة عن محمد. والطريف ان التقدم الحضاري الهائل الذي شهدته ارض العراق خلال العصر العباسي ينسبه العرب الى مايسمونه بـ"الحضارة العربية الاسلامية " وفي الحقيقة انه كان نتاج الشعوب غير العربية التي ادخلت الاسلام قسرا ووجدت لها في ارض العراق فضاءا خصبا وليس للقبائل العربية من فضل فيه . منذ الغزو العربي للعراق جرت عمليات منظمة لتدمير الشخصية الحضارية العراقية اقترنت مع هجرات غير منقطعة للقبائل العربية البدوية التي جائت بقيم البداوة وتقديس القوة وامتهان المرأة وعبادة الحاكم والفرهود وماالى ذلك من صفات لتفقد هذه الارض بريقها وريادتها النهضوية واصبح التشيع بدوره مشبعا بهذه العادات والمفاهيم وهيمن الجهل تماما في ظل العثمانيين ، وعندما جاء الاحتلال البريطاني كانت الفرصة متاخرة تماما ولم يكن الشعب العراقي يمتلك اي رسالة حضارية تساعده على الاستفادة من انهيار العثمانيين الامر الذي دفع البريطانيين الى اعادة احياء الاحتلال العربي للعراق بفعل الجهل المطبق لمعظم السكان وغياب الهوية الحضارية وتم استيراد ملك للعراق من الجزيرة العربية وجئ بالقوميين العرب ليضعوا مناهج التعليم في العراق وتولت القبائل السنية العراقية مهمة احتضان الاحتلال العربي للعراق في الوقت الذي اتجه مثقفوا الشيعة الى احتضان الفكر الشيوعي في تعبير عن صحوة الشخصية العراقية المتمردة على محيطها وتحديدا على الاحتلال العربي غير ان السنة العرب المرتبطين بالتوازنات الدولية والمتحالفين مع القوى الاقليمية والغربية ظلوا يقاومون استقلال العراق عن هذا الاحتلال المقيت وتمثلت هذه المقاومة بقتلهم البشع لعبد الكريم قاسم بوصفه اول زعيم وطني عراقي يسعى من اجل الهوية العراقية ثم بتسلم حزب البعث مقاليد الامور وتوليه دور الحجاج التاريخي لاسيما مع وصول صدام حسين الى السلطة وكانت اهم بشائر ذلك هو اعلانه الحرب على ايران نيابة عن الدول العربية وخدمة للاحتلال العربي للعراق. مع دخول الامريكيين الى العراق لاحت للمرة الاولى فرصة ان يتحرر العراقيون من الاحتلال العربي وان يعيدوا بناء شخصيتهم الوطنية المغايرة واحياء تراثهم الحضاري الا ان المقاومة التي ابداها سنة العراق بوصفهم وكلاء للاحتلال العربي وفشل شيعة العراق لبعض الوقت في تجاوز الاسلام الشيعي التقليدي الذي صار اكثر تحجرا وبات جزءا من الاطار العام للتدين الاسلامي المتخلف ، حالا حتى هذه اللحظة دون تحقيق هذا الهدف وصار البعض يستغل الماسي التي حصلت بعد الحرب للدعوة من اجل عودة الاحتلال العربي للعراق بحجة الامن والاستقرار وللاسف يقع الكثير من العراقيين السذج ضحية هذه الخدعة ويتناسون ان عملاء الاحتلال العربي هم الذين فعلوا كل هذه الماسي للعراقيين واعاقوا وسيستمرون باعاقة نهضة العراق وشخصيته الحضارية التي مسخت منذ اللحضة التي استبدل بها العراقيون رموزهم الحقيقيين مثل حمورابي ونبوخذ نصربشخصيات بدوية قرشية لايمتون لها بصلة . اليوم باسم مواجهة نفوذ ايران يحاول بعض عملاء الاحتلال العربي الترويج لعودة الهيمنة العربية التي اذا ماعادت فانها ستوقع مجازر تفوق كل البشاعات التي حصلت في السنوات الاخيرة في العراق وساكتب عن ذلك بالتفصيل في مقالة لاحقة . ان الشخصية العراقية الحقيقية تبدأ بالتخلص من الاثقال التي فرضها الاسلام القرشي على العقل العراقي واعادة اكتشاف الذات بعيدا عن اوهام الجنة والنار خصوصا بعد ما جرب العراقيون رؤية النار في ضل الاحتلال العربي ولم يعودوا بحاجة للخوف منها بعد اليوم ...
#صفاء_النوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|