ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2325 - 2008 / 6 / 27 - 05:49
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
قبل أسبوع كنت أتجول مع صديق في حي الدقي القديم وسط القاهرة ، أشار لي أنه في أحد هذه الأبنية كان يسكن سياسي مشاكس ، فار من حكم الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم ، وطالب مشرد لا يملك قوت يومه إلا بما يتصدق عليه أهل هذا الحي المصري .
سهمت طويلاً وكدت أغرق في الماضي ، لكن سرعان ما تذكرت مصائب العراق قبل وبعد صدام ، بطبيعة الحال لا يهم الحي الذي عاش فيه صدام ، ولا كيف كان يمضي يومه ، المهم أنه هل بدأ العراقيون الذين أصبحت جثث قتلاهم اليوم ترقم بأختام أميركية وأخرى عراقية طائفية يسومون سوء العذاب ، فقط لأنهم استبدلوا ديكتاتور قومي بآخر طائفي ؟.
خطر صدام على دول الجوار العراقي انتهى بانتهاء عاصفة الصحراء ، أما خطر الغليان الطائفي فسوف لن ينتهي ، وربما يكون خطره أعمق وأبعد أثراً من خطر صدام ، هذا الخطر لن توقفه ألف عاصفة ، لن يتوقف إلا من خلال رتق الفتق الطائفي ، وهذا بحاجة إلى استيلاد ديكتاتور سياسي - عسكري يمقت الطائفية ويعلن الحراب عليها .
فهل أصبح العراق بحاجة إلى صدام جديد ؟ العراقي الذي انتشى فرحاً بسقوط صدام ، بات اليوم يندب حظه العاثر ويبكي قتلاه ويلطم خده ، فالعنف لن يهدأ حتى لو خرج آخر جندي أميركي ، والفوضى تحرق الأخضر قبل اليابس ، والأقسى أن قتلى العراق الجديد الذي لا يزيد عمره عن خمس سنوات فاق قتلى صدام طيلة
ثلاثة عقود.
جوهر القضية ببساطة ، ثمة غابتان يمكن أن تعيش إحداهما بود وسلام ، وأخرى يستحيل أن تعيش إلا بوجود غول يضبط إيقاع حركتها ، وغابة العراق لاشك أنها جزء من غابات هذا الكون ، لكنها لا تستطيع العيش من دون ذلك الغول الضابط ، شئنا أم أبينا .
العنف والديمقراطية صناعة محلية ، بالإمكان تصديرهما لكن فرص نجاحهما غير مضمونة ، نظراً لخصوصية المكان وخصوصية البشر ، ونعني بالخصوصية التاريخ وتراكماته وكذلك الطباع التي تطبّعَ بها الأفراد ، فأرض العراق وشعبه ليستا كأرض سورية وتركيا المجاورتين ، إنها منبع العنف الأزلي ، الذي خلدته الملاحم وجسدته الأساطير والمتاحف بأبهى الصور وأعنفها .
هذا العنف النابع من جوف الأرض يولد الصراع على ما يحيط بها ، سواء كان ديناً أو نفطاً ، ولطالما كان الاستقرار نقيض العنف ، فإن ما سيعيد الاستقرار إلى سابق عهده ويكبت العنف دون أن يلغيه ، ليست الديمقراطية التي لا تتناسب مع غابة العراق كما أسلفنا ، إنما ذلك الغول الضابط الذي آن مجيئه بعد أن بلغ السيل الزبى ، فهل يظهر مرة أخرى ؟.
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟