|
الأسئلة القاتلة
أحمد السامر
الحوار المتمدن-العدد: 2325 - 2008 / 6 / 27 - 00:22
المحور:
حقوق الانسان
(لو أنك وجدت نفسك فجأة على جزيرة في البحر ...فما هو أول سؤال يتبادر إلى ذهنك؟؟ الجواب من الطبيعي أن تتساءل التساؤلات التالية 1. من الذي جاء بي إلى هذه الجزيرة ؟!! 2. ولماذا جاء بي إلى هنا ؟!! 3. وماذا يريد مني؟! والآن أنت تجد نفسك في هذا الكوكب الصغير جداً في هذا الكون الواسع ... فهل توقفت يوماً وسألت نفسك : من الذي جاء بي إلى هذا الكوكب؟؟ ولماذا جاء بي إليه ؟ وماذا يريد مني؟؟ هل وجدت الإجابة ؟؟؟ من الذي جاء بك ؟!! لا أحد يعرف الإجابة عن هذه الأسئلة ...! الذي يعرفها فقط هو الذي جاء بنا إلى هذا الكوكب ..)
عن موقع ديني ..
مع كل احترامي.. هذا الكلام يؤول إلى أن الذي يعرف لا بد و أن يبعث لنا رسلا ليعطونا الإجابات الصحيحة ...الخ
طالما تأملت في كلمات و أفكار من هذا النوع. ما وجدته هو أن كل المتدينين، يهود مسيحيون ومسلمون ينطلقون في الاستدلال على معتقداتهم من هذه الأسئلة. برأيي أن هذه الأسئلة إذا ما طرحها شخص وجد نفسه فجأة في جزيرة فإنها تكبله و تجعله تابعا لهوامات غيبية " وقد يستغلها أي شخص أخر، و من يدري؟، أكثر منه علما بخصائص تلك الجزيرة"..
السؤال الأول ( من الذي جاء بي إلى هنا) يقتل فيه العلم .. و لذلك استراح الناس إلى أسطورة خلق الإنسان من طين و حكاية خلق أمنا حواء من ضلعه الأعوج، و كفى الله المؤمنين "شر" العناء الفكري و البحث العلمي..و لذلك نرى المؤمنين يقاومون بشدة نظريات التطور و كل ما له علاقة . بل يتحاملون حتى على الأشخاص..أذكر على طول سنوات دراستي، بأن ما أخذته من أساتذتنا عن حماقة و جهل و خبث "كذا" العالم الجليل داروين أكثر مما عرفته عن نظرية التطور نفسها.. بعد أن بحثت في النظرية بعيدا عن أحكامي الملقنة ، أدركت الجرم الكبير الذي اقترفه داروين و جلب عليه التحامل الهستيري من أساتذتي .. فبغض النظر عن مدى صحة بحوثه، فان الرجل لم يزد على أن قوم السؤال إياه من الذي جاء بي إلى الجزيرة؟ فأقامه على رجليه ليصبح : كيف جئت إلى هنا؟ و لا داعي للتعليق هنا.. واضح جدا أن السؤال الأخير أجدى للإنسان علميا من حيث وضعه في السكة الموضوعية.
السؤال الثاني ( و لماذا جاء بي إلى هنا ) يقتل فيه التعرف إلى المحيط و التعامل معه بانسجام. ذلك أن هذا السؤال يفضي إلى مجموعة من قواعد السلوك و التفكير و المعاملة مملاة من طرف هذا الذي ألقاك بالجزيرة. و ما دام المصدر يعرفنا و لا نعرفه، فان أوامره تكتسي طابع الإطلاق و التعالي، و مخالفته غير محمودة العواقب ، كحالة من يلقى في بهو معصوب العينين بأوامر يحتذيها هناك ، فطبيعي أن يتوقع لدى أية مخالفة مطرقة لا يدري من أين تأخذه.. و هكذا فسروا جميع إخفاقاتهم .. وهكذا أيضا يستبشرون بسادية غريبة لما يحصل من كوارث طبيعية أو إجرامية في العالم المتقدم.. لماذا جاء بي إلى هنا.؛ يقتضي تصور سلوك و غاية.. و الآخرون؟؟ أكيد هم كفار أو ضالون..أو مساكين؟؟.. لاحظ أن المؤمنين عموما لا ينسجمون مع نظرائهم من البشر..أكثر من ذلك، لا ينسجمون في ما بينهم من دين إلى دين و حتى داخل الدين من عقيدة إلى أخرى.. و التاريخ الإنساني يشهد بأن الحروب و المجاعات و التهجيرات في أغلبها تعود إلى أسباب دينية.. و النسبة القليلة الباقية تعود إلى اديلوجيات مغلقة.. مع التذكير بأن الاديولوجيا المغلقة هي الابن المشوه للدين..أي أن المصدر في النهاية واحد. المؤمنون لا يرتاحون كثيرا إلى ما يسمونه بالقانون "الوضعي" ..هم يمقتون فلاسفة الأنوار و من واصل بعدهم.. ويكرهون إلى حد الجنون ثلاثي" الرعب" ؛ ماركس فروود دركايم.. و السبب دائما بسيط.. هؤلاء الرجال قوموا السؤال الأبله، لماذا جاء"؟؟" بي إلى هنا.. ليصبح : ما الذي يربطني بالمحيط ؟ الثلاثي الذي أرعب المؤمنين، خصوصا في الديانات المدعاه : " سماوية"، قفز بالإنسان أبعد ما يكون في الانسجام.. خطوة مع ماركس في الانسجام مع التاريخ الموضوعي.. ومادا بعد؟ لابد من مراجعة اعتقاداتنا الطفولية الناجمة عن قراءاتنا الغيبية كما أوحى لنا الذين صنعنا كل علمهم ببلاهتنا. فخطوة مع دركايم في الانسجام مع الاجتماع البشري بفهم الظاهرة وآليات حركتها . ثم خطوة أخرى مع فروود ، فاتح العقل الباطن للإنسان الفرد، في الانسجام مع اللاوعي.. فقطع الطريق أمام مرتزقة السماء المتلاعبين بعواطف الناس. أكيد أعمال هذا الثلاثي ليست كل شيء بالمجالات الثلاثة.. و لكن بمقاييس عصرهم أسسوا الخطوة على سلامة الاتجاه.. و الطريق ماض إلى اليوم بما "نرى و نسمع " من حولنا و نحن كالأطرش في الزفة.
السؤال الثالث ( و ماذا يريد مني) يقتل فيه الإرادة و يسلب منه الاختيار.. و بهذا استراح الفرد المؤمن من تبعات الاجتهاد بعد أن استوفى مناسكه و فوض أمره.. كما استراح من تبعات كل الجرائم المتصورة" من مواجهة الأب أو الابن بالسيف و قتله إلى ذبح شعب بأكمله " مع الاحتفاظ بالنساء للتسري" و الإبقاء على الأطفال لبيعهم بأسواق النخاسة "استكثارا لأموال الفتوح المقدسة المبرمجة عقبا" ..استراح الفرد المؤمن من تبعات وخز الضمير على أقل تقدير إذا بقي بالفعل ضمير، ما دام الذي" ألقاه بالجزيرة" أمره بذلك من فوق سبع سماوات.. هدا السؤال المسخ؛ ( ماذا يريد مني) جرف الإنسان فرق عملة بين سماسرة السماء و سماسرة الأرض.. هؤلاء جميعا كانوا و لا يزالون إخوة يشدون على بعضهم و تجمعهم مصلحة واحدة هي تجهيل و تكبيل البشر.. و لا اصدق أبدا حكاية التناقض المصطنع بينهم . لنا صور من تكاتفهم في أنظمتنا الحالية؛ رسمية، عرفية، قبلية، أو حتى بعض المدنية التي لما تزل في طور الابن المشوه إياه.. كما لنا صورا أشد وضوحا في تاريخنا الأول.. هم جميعا يدا واحدة على من تحدثه نفسه بتقويم السؤال المكيدة : ماذا يريد مني .. إن الطليعة التي تشتغل اليوم على تقويم هذا السؤال و إقامته على رجليه بصيغة: ماذا يجب علي فعله، أمامها تحديات كبيرة .. أنا متفائل جدا ..ليس لأن القضية عادلة كما يقولون..و لكن لأني أرى الزمن يستعجلهم بفضل العلم و الإعلام المتفجر..
#أحمد_السامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه..رئيس الوزراء المجري أوربان يبعث
...
-
مفوضة حقوق الطفل الروسية تعلن إعادة مجموعة أخرى من الأطفال
...
-
هل تواجه إسرائيل عزلة دولية بعد أمر اعتقال نتنياهو وغالانت؟
...
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
-
كيف -أفلت- الأسد من المحكمة الجنائية الدولية؟
-
حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|