أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية والسير على قدم واحدة














المزيد.....

سورية والسير على قدم واحدة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2324 - 2008 / 6 / 26 - 11:53
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ليست الضغوط الخارجية ولا وجود أراض سورية محتلة ولا وعورة البيئة الإقليمية هي التي تحول دون تقدم سورية أو انصلاح أحوالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية. ما يشل البلد ويعوق تراكما مثمرا فيه هو التمركز المفرط لنظامها حول ذاته، أو أولوية النظام، أمنه وبقاؤه وسلامته وسيطرته الكلية، على كل شيء آخر. بمهمة عليا من هذا النوع سينظر إلى الاقتصاد والتعليم والإدارة والثقافة، والتسوية مع إسرائيل، من زاوية انعكاساتها المحتملة على المركزية المطلقة للنظام في الحياة العامة السورية. فإذا كان من المحتمل أن يتسبب إصلاح اقتصادي مثلا في تعريض أمن النظام واستقراره لخطر جدي اتجه التفضيل الغريزي للنظام نحو تأجيل أو إلغاء أو تعديل الوجهة الإصلاحية، ما يفقد الإصلاح اتساقه الضروري ومردوده المرغوب. فلا ينجز ما قد ينجز إلا وقد استحال شيئا آخر، لا تأثير إيجابيا له على المشكلة التي يراد إصلاحها أو ربما فاقمها.
وينبع من مبدأ أولوية السلطة أن الاقتصاد ليس قطاعا مستقلا، وأن الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي لا يجري تقييمها باعتبارات اقتصادية واجتماعية مستقلة عن المصلحة الذاتية والحصرية لنخبة السلطة العليا. هذا يعوق بلورة سياسة اقتصادية متسقة وذات مفعول تراكمي.
وقبل ذلك هذا ينطبق على الإصلاح السياسي، الأمر الذي يفسر أن النظام لم يكف عن الوعد بقانون أحزاب طوال السنوات الثماني الماضية دون أن يقدم على إصداره. يفسر أيضا الفائض الأمني غير العقلاني الذي تميزت به سورية طوال عقود ثلاثة على الأقل، نالت خلال عقدين منها (ثمانينات وتسعينات القرن الماضي) المرتبة الثانية في سوء السمعة عربيا بعد عراق صدام.
بل إن مثل ذلك يقال على التفاوض السوري الإسرائيلي، الذي لا يرتاب معلقون كثيرون في أن دافعا مهما من دوافعه هو إعادة تطبيع النظام في المعادلة الإقليمية، والالتفاف على الأطراف العربية التي تدهورت علاقاتها بالنظام في السنوات الثلاث الأخيرة، السعودية ومصر بالخصوص.
وتفسر أولوية النظام عل كل ما عداه أن بلدا متنوعا في هيكل موارده وتكوينه الاجتماعي، وكان من أكثر البلدان العربية تقدما، تعليميا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا قبل جيل واحد أو أزيد قليلا، هو بلد يتخلف اليوم عن أكثر البلدان العربية على مستويات متعددة. وجوهر المشكلة يتمثل في أن نوعية الأولوية المذكورة تمنع استقلال الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية والإعلامية.. بعقلانيات قطاعية تخص كل منها. علما أن اختصاص الاقتصاد والتعليم.. بعقلانيات واستقلال ذاتيين هو شرط التراكم، وتاليا التقدم، في هذه المجالات.
قد يقال إن الوضع اليوم مختلف قليلا. إنه كذلك بالفعل. يتلامح اليوم مركزان للبلد لا مركز واحد: مركز سياسي أمني، ومركز اقتصادي اجتماعي. لكن عدا أن التغير الاقتصادي الجاري في سورية محاب للبرجوازية الجديدة التي تكونت في كنف النظام وتحوز نفاذا واسعا إلى مراتبه العليا، فإن المركز الاقتصادي لا يزال ضعيف التشكل، وأكثر أيضا ضعيف الاستقلالية. ورغم أن الطبقات أكثر ظهورا اليوم على العموم، إلا أنها معزولة سياسيا لا تزال. فهي "طبقات في ذاتها" وليست "طبقات لذاتها"، أن استعرنا المصطلحية الماركسية ذات الأصول الهيغلية. وتبقى السمة البنيوية للنظام سمة نظام تسلطي، ذي غريزة بقاء حساسة ومتضخمة.
والخلاصة أن سورية لم تكد تتقدم لأنها طوال نحو أربعين عاما كانت تقف على قدم واحدة، النظام وأمنه الذاتي، الأمر الذي يجعل حركتها عسيرة كل العسر وبطيئة كل البطء. فإن كان لها أن تتقدم فعلا، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، فسيتعين عليها السير على قدمين. وهذا يقتضي استقلالية أوسع للاقتصادي والاجتماعي والثقافي عن السياسي، وكذلك كسر المطابقة بين السياسي والأمني أو التمركز المفرط حول السلطة.
ويبدو لنا أن الإصلاحات الاقتصادية الجارية في البلد ستصل سريعا إلى حد لا تتجاوزه دون مساس بهذه المركزية المتصلبة. فالنمو الاقتصادي ذاته يقتضي إصلاحا قضائيا جديا، أي استقلالا حقيقا للقضاء عن النظام السياسي، وذلك من أجل البت المنصف في النزاعات المحتملة. ومعلوم أن في سورية تعددية قضائية تتعارض مع مبدأ العدالة (قضاء استثنائي وقضاء عادي ودور قضائي للأجهزة الأمنية)، هذا في حين أن العدالة وظيفة سيادية، ينبغي أن تكون واحدة حتما.
ومن جهة أخرى يستوجب النمو الاقتصادي أيضا درجة واسعة من حرية الوصول إلى المعلومات وتداولها للعموم، وهو ما تظهر السلطات السوري حذرا مفرطا حياله، يشهد عليه التضييق الشديد على شبكة الانترنت. في الحالين تتعارض مقتضيات النمو الاقتصادي مع متطلبات النظام الذاتية. ولا نتصور أن هذا الشرط ممكن الاستمرار لزمن طويل. فإما يتجمد التحول الاقتصادي وتعود معدلات النمو المتحسنة في الأعوام الثلاث الأخيرة إلى الانخفاض ويعم الركود مجددا، وإلا فلا بد من إعادة النظر في المركزية المفرطة لأمن النظام وبقائه. وأولا في ميداني القضاء وتداول المعلومات.
وإذا كان للتحول الاقتصادي الليبرالي الذي يستجيب لدواعي التنمية أن يستجيب أيضا لمقتضيات العدالة والتوازن الاجتماعي فلا بد من تحرير المبادرة الاجتماعية وحرية التنظيم، النقابي والسياسي. فهذا ما قد يمكن جمهورا تتراجع سيطرته على شروط حياته اجتماعيا واقتصاديا بعد أن كانت متراجعة سياسية منذ عقود، ما قد يمكَنه من الدفاع عن نفسه.
أما المثابرة على الجمع بين تحرير اقتصادي وتسلط سياسي فهو وصفة للانفجار الاجتماعي. هذه عبرة يستخلصها المرء من أحول بلدان سبقتنا على هذا الدرب. لا خصوصية سورية في هذا المجال حتى لو كان كل شيء يوحي بالهدوء حاليا.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أي موقع للسلطة الدينية الإسلامية في الدولة الحديثة، عندنا؟
- المثقفون والمخابرات والمؤامرات والتنوير...
- المثقفون السوريون والتفاوض السوري الإسرائيلي
- الوطنية التخوينية والتدين التكفيري
- أفحمتُه، أفحمناهم... النقاش كاستمرار للحرب بوسائل أخرى
- في نقد الأهل وأهل النقد
- لبنان: السهل والصعب والغريب!
- لبنان، سورية، إسرائيل وفلسطين: -نماذج مثالية- لدول استثنائية
- في شأن الإصلاح السياسي والهوية الوطنية في سورية
- -التفاصلية- والعلمانية ونقد الشأن الإسلامي
- حزب الله مقاوماً في .. بيروت
- شتاينماير ضد كانط
- جيل عربي ثالث أمام الواقعة الإسرائيلية
- خبز شعير.. عربي
- الأولوية، عربيا، للتقدم أم لمواجهة إسرائيل؟
- الدين كحق من حقوق الإنسان
- سلام في سورية من أجل سلام لسورية...
- من أجل نقد عقلاني للسياسة الأميركية
- أميركا الشرق أوسطية ونحن.. الأميركيون!
- الشرق أوسطية: الإيديولوجية والنظام


المزيد.....




- -جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال ...
- مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش ...
- ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف ...
- ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
- حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر ...
- البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
- -أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك ...
- ملكة و-زير رجال-!


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية والسير على قدم واحدة