هل يمكن لحزب غير ديمقراطي ، لا يؤمن بافكار اليمقراطية ولا بمبادئها ، ان يأتي من خلالها الى منصة الحكم لكي يفرض البديل الاخر غير الديمقراطي.؟
ان ذلك مثل الذي يسمح للصوص بحراسة بيت المال ويطلب منهم عدم السرقة . في دساتير الدول الديمقراطية هناك مادة تصنف الناس حسب موقفهم من الدستور،اعداء اواصدقاء ، ووفقها لا يسمح للاحزاب التي تحاول تغيير النظام او لا تحترم المبادئ اليمقراطية ، بالعمل السياسي القانوني او الاشتراك بالانتخابات .هذه المسألة ضرورية جدا لاي مجتمع يحاول شق طريقه وسط غابة كثيفة من الادغال والاحراش تحوي انواعا كثيرة من الزواحف الخطرة .فلا يمكن لفكر يعتبر ان اكرام المرأة هو في بقائها في البيت ، ان يكون فكرا ديمقراطيا . ولا يمكن لفكر لا يؤمن بالتطور البشري ويقول بصلاح الشريعة لكل زمان ومكان ان يكون فكرا ديمقراطيا . ولا يمكن لفكر يعتبر التفكير الحر والتفكير العلماني الحادا وهرطقة ان يكون فكرا ديمقراطيا .ولا يمكن لفكر يحرم ويحلل حسب وجهات نظر اتت من حقب التاريخ الموغلة بالقدم ان يكون فكرا ديمقراطيا .ولا يمكن لفكر لا يؤمن بفصل الدين عن الدولة ان يكون فكرا ديمقراطيا .
فالديمقراطية اظافة الى انها اسلوب حكم فهي ايضا علاقات انسانية مشبعة بالحرية واحترام ارادة الانسان الحرة غير المقيدة بنصوص تفسر وفق مزاجات وفهم خاص لا يمت الى الواقع بصلة.الديمقراطية اضافة الى انها حكم الاغلبية فهي ايضا احترام رأي الاقلية . الديمقراطية اسلوب انساني لا يجب ان يطعم بأحكام الاهية او بنزعات التقديس والتبجيل .الديمقراطية هي معترك سياسي كل الاسلحة فيه مسمحوحة الا اسلحة التقديس. وهي قبل كل شئ اتفاق بين الاحزاب للحكم ظمن اسلوب لا يمكن الانقلاب عليه او الاخلال به تحت اية ذريعة .
لقد اقتربت الاحزاب الاسلامية في الجزائر من الفوز بالانتخابات ،ثم بدأت التصريحات التي تدل على تصميم هذه الاحزاب الدينية على تدمير المركبة التي اقلتها لتصل الى دفة الحكم .وبدأت حملة من التصريحات والشعارات بضرورة استعداد الناس الى تغيير مأكلهم ومشربهم ووطرقة كلامهم وان يطلقوا لحاهم ويحبسوا نسائهم في البيوت .اليس هذا تأمر واضح على الناس الذين وضعوا ثقتهم في هذه الاحزاب المؤتلفة في الجبهه الاسلامية وخيانة واضحة لحيز الديمقراطية وللاحزاب الاخرى التي كانت تنافسهم في الحملة الانتخابية .؟
وتبين بعد ذلك كم هو خطأ السياسة الجزائرية في السماح للدين في التدخل بالشأن السياسي للبلد ، وتبين ايضا ان هذه الاحزاب التي تدعي مصلحة الانسان من خلال الاخلاص الى الله ،لم تراعي الله في حرمة قتل الاطفال و النساء والرجال ، فذبحتهم كما تذبح النعاج . ماذا لو وصلوا هؤلاء السفاحون الى سدة الحكم .؟ فهل الديمقراطية تبيح لمثل هؤلاء الذين يحللون ذبح الناس على الطريقة الشرعية الوصول الى الدولة ليحولوا مرافقها الى قصابخانة كما كان الحال في افغانستان وحتى في ايران.؟
اليمقراطية ليست حرية اختيار الجلاد ، اكان الجلاد فكرا او نظام ، بل اسلوب لسد الثغرات التي يمكن للجلاد ان ينفذ منها .
في لبنان رغم ان المسلمين يشكلون الاكثرية والشيعة هم الاغلبية الا ان النظام الطائفي الذي نميل الى تشريحه كلما سنحت لنا الفرصة، قائم على توازن الطوائف ،والدستور علماني والقوانيين علمانية ليست لها اي طابع ديني ،ولا احد يذكر الشريعة حتى ولو على سبيل المثال .لماذا لا يطالب المسلمون بحكم اسلامي في لبنان رغم اغلبيتهم الشيعية التي تجد جذورها المعرفية وولائاتها في ايران .؟لانهم يعرفون ان ذلك يقود الى حرب لا نهاية لها الا بالرجوع الى علمانية الدولة مرة اخرى .
في الهند حيث تحترم جميع الاديان وجميع الشرائع في ظل حكم علماني ،المسلمون هم اكثر مكونات الشعب حرصا على علمانية الحكم ،ويبدوا ان المسلمين على اختلاف انواعهم شيعة ام سنة وهابين ممعنين في تطرفهم او حنفيين ، لا يجدون في علمانية الهند الحادا او اخلالا او تجاوزا على الشرع ، بينما يجدوها في كل الدول التي يشكل المسلمون فيها الاكثرية من السكان.فاذن المصلحة هي التي تحكم التوجه وليس الدين هو الذ ي يحدد ذلك.
في العراق حيث يوجد مزيج متنوع من الاعراق والاديان والمذاهب لا يمكن لنظام الحكم الا ان يكون علمانيا بعيدا عن اي تأثير ديني او طائفي ،وحقيقة وجود مذاهب متنافرة في ما بينها ،سنة اوشيعة تلغي مبدأ الحكم الديني الذي سيولد صراعا ما بين الطوائف المتعددة حول تعيين مذهب الدولة الاسلامي
. لقد اثاراذان الصلاة من خلال وسائل الاعلام ،مثل التلفاز او الراديو ،اثار جدلا واسعا بين رجال الدين السنة وورجال الدين الشيعة ، حول طبيعة الاذان ايكون شيعيا او سنيا ثم اتفقوا على تقسيمه فيما بينهم. و وزارة الاوقاف قد الغيت لعدم وجود الثقة بين المسلمين المتنفذين من سنة وشيعة ،ولقد صرح احد رجال الدين السنة عندما سمع ان الوزير سيكون شيعي صرح ان الوزارة ستكون بأيدي غير امينة،هم لا يثقون بعضهم ببعض فكيف لنا ان نثق بهم وبديمقراطيتهم .؟
الدين هوعلاقة خاصة بين المعبود والعابد ولا ثالث بينهما ،وهو حرية شخصية في العبادة دون الزام بها اذا انتفى الاقتناع .ولا يمكن فرض الاحكام الدينية بالقوة لانها لا يمكن ان تكتسب صفة القانون العام لطبيعتها و ماهيتها وجوهرها الذي يوعز كل شئ الى امر رباني ،او مرجع ديني اعلى دون استشارة الناس ودون اتفاق عام بينهم في اصدار او تشريع حكم ما، الاحكام الدينية هي نتيجة اجتهاد افراد و تفسيرات لنصوص مقدسة او سير لأئمة وانبياء وفق فهم مرتبط بمقدار التطور الذهني او المادي لمرحلة تاريخية معينة وليس باختيار الناس او بموافقتهم ، ولذا لا يمكن ان يكون قانونا عاما ، الا باضطهاد مرافق ، مسلط على الحريات والاختيارات الانسانية التي تنزع نحو التحرر من كل القيود .
وعندما يصر المسلمون على مبدأ الانتخابات لاضفاء الشرعية على الحكومة المنبثقة منها ،فأنهم بذلك يتناقضون مع انفسهم ومع الحكم الاسلامي الذي لا يخير الشعب ولا يعطي فرصة مناقشة القوانين الاسلامية ، التي لا تملك شرعية سوى شرعية الايمان و فرض الاحكام. ففي ظل حكومة اسلامية تصبح فتوى رجل الدين او وجهة نظره قانونا عاما لا يمكن تجاهلهه ووجب تطبيقه ، ولاية الفقيه مثلا او توجيهات مرشد الثورة السيد خمنائي.
في العراق وقبل الشروع في عملية الانتخابات وتأسيس الجمعية الوطنية وكتابة الدستور يجب الوصول الى اتفاق مبدأي بين كل الاطراف المشاركة في العملية السياسية بضرورة ابعاد الدين عن السياسة ،وعدم استخدام الدين لاغراض سياسية ، ولا اعرف كيف يوافق المسلمون على استخدام المقدس لاغراض الدعاية السياسية وفي امور دنيوية ..!
كما ان مبدا احترام الاديان لا يعني تطبيقها او الاخذ بتشريعاتها ،بقدر ما يعني ضمان حرية العبادة واحترام المقدسات والمناسبات الدينية وعدم التضييق على المؤمنيين بأي شكل من الاشكال ،اكان شكلا قانونيا او اجتماعيا او ماليا .واحترام الاديان يعني عدم التفضيل بين الاديان او بين المذاهب ..ويعني ايضا عدم تلويثها بالسياسة وحبائلها....ولا يتم كل ذلك الا باتباع العلمانية .
العلمانية لا تعادي الاديان بينما الاديان تعادي العلمانية ..والعلمانية تضمن حقوق المؤمنيين بينما الاديان لا تضمن حقوق العلمانيين ولا تحترمهم بل تنعتهم بالكفر والالحاد ..فاي دولة اذن توفر العدالة غيرالدولة العلمانية..