كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 2325 - 2008 / 6 / 27 - 10:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحلقة الثالثة
أهداف الولايات المتحدة في العراق والمنطقة
احتلت الولايات المتحدة في أعقاب انهيار المنظومة الاشتراكية موقع الدولة الأعظم على الصعيد العالمي, كما أنها تحتل اليوم الموقع الأول والقيادي في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبار + 1 , وتلعب الدور الأول والموجه في مؤسستي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي, إضافة إلى منظمة التجارة الدولية الحرة. وكل هذا وغيره يضع الولايات المتحدة, التي تعتبر أقوى وأكبر دولة من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية, بالرغم من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها في المرحلة الراهنة والذي يتجلى بوضوح في تدني سعر صرف الدولار الأمريكي وما يقترن بذلك من إشكاليات أخرى, وبضمنها مشكلة ارتفاع متواصل في أسعار النفط الخام الذي يعود في أحد أسبابه إلى تدهور سعر الدولار والمضاربات المالية والخشية من حصول نقص في توفير النفط الخام في السوق الدولي بسبب محدودية الطاقة الاستخراجية الراهنة, رغم وجود موازنة عقلانية حالياً بين العرض والطلب على النفط الخام لا تستوجب بأي حال مثل هذا الارتفاع غير المنضبط والمفتعل لأسعاره.
وكلنا أدرك بأن انهيار المنظومة الاشتراكية قد أدى إلى بقاء نظام اقتصادي واحد هو النظام الرأسمالي على الصعيد الدولي, رغم أن الآخر لم يكن نظاماً اشتراكياً بل رأسمالية دولة بيروقراطية, وإلى نشوء سوق دولي واحد أسقط مجلس التعاضد الاقتصادي الاشتراكي, وتنامي مظاهر العولمة الاقتصادية التي كانت تحد منها إشكاليات وجود الاتحاد السوفييتي والحرب الباردة والتي اقترنت بثورة عارمة للاتصالات والمعلومات والتي لا شك في أنها ارتبطت بمظاهر عولمية أخرى على الصعد السياسية والعسكرية والأمنية والثقافية وفي مجالات أخرى كالإرهاب والمتاجرة بالمخدرات وبالإنسان. ولا شك في أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تستثمر العولمة بصورة غير عقلانية في غالب الأحيان, باعتبارها عملية موضوعية ومرحلة متقدمة من مراحل التطور الرأسمالي على الصعيد الدولي, من خلال ممارسة سياسات عولمية لا تخدم اقتصاديات الدول النامية, بل توجه المنفعة لصالحها, وفي بعض الأحيان لصالح بقية الدول السبع الكبار, مما يقود إلى عواقب وخيمة لا على الدول النامية حسب, بل وعلى الصعيد الدولي والذي تكشف عنه الفجوة المتفاقمة والمتسعة بين مستويات تطور الدول الرأسمالية المتقدمة والدول النامية لا في مجال الفقر والغني حسب, بل بالأساس في مجال التطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والتقني والاتصالات ..الخ ونشوء اختلالات شديدة في حركة وفعل القوانين الاقتصادية الموضوعية وما يتسبب عنها من صراعات ونزاعات مؤذية. إلا أن هذا لا يعني الدعوة بأي حال إلى أن تبني شعار "مغادرة العولمة", إذ ليس هناك من طريق للخروج من العالم ومن الظواهر أو القوانين الفاعلة فيه, ومنها العولمة, بل يفترض التفكير في سبل الاستفادة من العولمة لصالح الدول النامية وكل بلد من البلدان وتقليص الجوانب السلبية ومن نتائجها المتأتية من طبيعتها الرأسمالية أولاً, ومن سياسات الدول الرأسمالية التي تمارسها إزاء الدول النامية في إطار العولمة ذاتها ثانياً. مع علمنا المسبق بأن الدول المتقدمة قادرة موضوعياً على الاستفادة من العولمة أكثر بكثير من الدول المتخلفة والنامية.
من هنا نتحمل جميعاً مسئولية التعرف على الاستراتيجية الأمريكية على صعيد العراق والمنطقة والعالم والتعريف بها في آن واحد, كما يفترض أن نتعرف على تناقضاتها وصراعاتها الدولية ونستوعب حركتها ونتفهم أفعالها ونتائج تلك الأفعال, لكي لا نصبح جزءاً منها من جهة, ولكي نستفيد من إمكانية التفاعل مع الوسط الدولي بصورة فعالة لصالح العراق من جهة ثانية, ولكي نستفيد من التعاون المتعدد الجوانب مع الدولة الأعظم دون أن نقيد أنفسنا بقيود غير مفيدة ومضرة, بل عبر اتفاقيات تخدم مصالح العراق, ولكنها لا تضر بالولايات المتحدة بل يمكن أن تكون نافعة لها أيضاً دون أن تلحق الضرر بطرف ثالث. وفي هذا يمكن التعرف على الكثير من مجالات العمل المشترك من جهة ثالثة. وأشير هنا بأن الضرورة تقتضي أن نبتعد عن الرؤية القومية العربية الشوفينية الضيقة أو الرؤية الإسلامية السياسية المتطرفة التي تنظر منها إيران مثلاً أو حزب الله ومن يماثلهما, وكلاهما لا يريان في الولايات المتحدة إلا عدواً, وكانتا تنظران إلى الاتحاد السوفييتي باعتباره عدواً أيضاً ولكن من طرف خفي. فنحن في عالم كله رأسمالي وعلينا أن نقيم علاقاتنا وفق مصالحنا وتقديم الحد الأدنى من الخسائر التي لا يمكن تجاوزها بفعل طبيعة العلاقات الإنتاجية السائدة وميزان القوى على الصعد الدولية والإقليمية والداخلية لنحقق إعادة البناء والتقدم لشعبنا ولبلادنا.
من المعروف أن الهدف الأول في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد الدولي وفي كل منطقة ودولة هو أن يبقى العالم كله في إطار النظام الرأسمالي العالمي وبعيداً عن التفكير بأي نظام آخر أو بناء اشتراكيات في هذه الدولة أو تلك كما كانت عليه حقبة الحرب الباردة السابقة. والهدف الثاني في هذه الاستراتيجية هو أن يبقى للولايات المتحدة الدور الأول على الصعيد الدولي وفي جميع المجالات ومنع التفوق عليها أو منافستها في موقعها ودورها ومكانتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية, إضافة إلى منع أو محاربة أي تكتل يمكن أن يتوجه ضدها أو ينافسها. ويرتبط بهذا الهدف أن يكون للولايات المتحدة علاقات الدولة الأكثر تفضيلاً مع الدول الأخرى والأكثر تأثيراً في أحداث هذا البلد أو ذاك. ولا شك في أن أحد الأهداف البارزة في الاستراتيجية الأمريكية والمتعددة الرؤوس هما الجانبان الاقتصادي والأمني ويرتبطان بخمس مسائل جوهرية:
1. ضمان أوسع العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية مع الدول الأخرى التي تحقق للولايات المتحدة وشركاتها الدولية أكبر النفوذ والتأثير وأكثر الاستثمارات والتبادل التجاري وتحقيق أقصى الأرباح لشركاتها الدولية المتعددة الجنسية والعملاقة, إضافة إلى أهمية انسياب رؤوس أموال الدول النفطية وغيرها إلى اقتصادها الأمريكي.
2. الحفاظ على الموقع الأول للولايات المتحدة في الأشراف على الموارد الأولية في العالم, وخاصة مصادر إنتاج النفط الخام وتصديره, واليورانيوم والفلزات أو الخامات الأخرى وخاصة الاستراتيجية والثمينة منها.
3. الإشراف الكامل على المؤسسات المالية والتجارية الدولية لضمان الموقع الأول والمحدد للأهداف وللقرارات والنتائج وضمان الالتزام بالنماذج التنموية والمالية والتجارية التي تطرحها هذه المؤسسات.
4. الإشراف الكامل على أسواق السلاح في العالم والسعي إلى عقد أوسع العقود مع الدول الأخرى والسعي قدر الإمكان لاحتكار هذا السوق وتصدير السلاح أو جعله تحت رقابتها وتقليص دور منافسيها على الصعيد العالمي.
5. العمل من أجل منع انتشار الأسلحة النووية إنتاجاً أو اقتناءً وحصرها بالدول الراهنة والعمل على تقليص المخزون منها في الدول الأخرى مع احتفاظها بأوسع ترسانة ممكنة لها وإنتاج أجيال جديدة متقدمة منها والإشراف الكامل على ما هو موجود في بقية الدول. ولا ينطبق الأمر الأخير على إسرائيل إلا بحدود ضيقة, إذ توافق الإدارة الأمريكية, سواء أكانت بقيادة جمهورية أم ديمقراطية, على احتفاظ إسرائيل بتفوق عسكري نووي تام في المنطقة.
ويتبين بأن النقطتين الأخيرتين تتضمنان جانباً اقتصادياً وآخر عسكرياً وأمنياً في آن واحد.
وعلى صعيد المنطقة تعمل الولايات المتحدة على تحقيق جملة من الأهداف التي تدخل في إطار الاستراتيجية وبعضها تكتيكات تساهم في تحقيق الاستراتيجية المنشودة. ويمكن بلورة ذلك في النقاط التالية:
1. ضمان الوجود الأمريكي السياسي والعسكري والاقتصادي والأمني في المنطقة, ومنها العراق, باعتباره الضمانة لبقية الأهداف والمشاريع وتكريس ذلك عبر اتفاقيات ملزمة لتحقيق ما أشير إليه قبل ذاك من أهداف.
2. إبعاد كل الدول المنافسة مثل روسيا والصين واليابان ودول الاتحاد الأوروبي قدر الإمكان ومنعها من تقليص النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط مع إضعاف دور وتأثير تلك الدول على دول المنطقة.
3. تأمين الحماية التامة لدولة إسرائيل, باعتبارها الحليف الأول والأساسي والرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة, من احتمالات تحول الصراعات الراهنة إلى نزاعات دموية وتعزيز قدراتها العسكرية والأمنية ومساعدتها اقتصادياً ومنع حصول أي تفوق عسكري ونووي عليها ومساعدتها في استمرار هجرة يهود العالم إليها. ويزداد هذا الأمر إلحاحاً لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية بشكل خاص حين يظهر على خارطة الشرق الأوسط رجل مغامر وفاشي النزعة مثل محمد احمدي نجاد على رأس دولة دينية طائفية متطرفة مثل إيران يطالب بمسح إسرائيل من خارطة الشرق الأوسط.
4. الإمساك بالمسألة الفلسطينية بيد الولايات المتحدة وإبعاد كل دول العالم الأخرى عن المس بالحل النهائي لهذه المشكلة أو التأثير عليه أو إعاقة إسرائيل عن تحقيق النهج الذي تمارسه في فلسطين وفي العلاقة مع الفلسطينيين. وتحظى إسرائيل بتأييد مطلق تقريباً من جانب الولايات المتحدة أياً كان الحزب الحاكم في البيت الأبيض. ورغم الدور المتزايد للاتحاد الأوروبي وروسيا, إلا أنه يبقى محجم لصالح دور الولايات المتحدة.
5. الاحتفاظ الفعلي والرقابة التامة على اقتصاد النفط الخام في المنطقة, باعتباره الشريان الرئيس للاقتصاد الأمريكي والدول الصناعية الكبرى والعالم. ومثل هذه المهمة لا تعرف المساومة, إذ أن الولايات المتحدة مستعدة في الذهاب إلى أبعد الحدود من أجل الحفاظ على موقعها الأول والمراقب والمشرف على اقتصاد نفط الشرق الأوسط.
6. تأمين المراقبة المباشرة على سياسة الحكومة الإيرانية في داخل إيران وفي المنطقة وعلى الصعيد العالمي, إذ أنها تعتبر إيران دولة إرهابية تسعى إلى تصدير ثورتها الإسلامية السياسية المتطرفة إلى دول أخرى وإلى إثارة الشعوب ضد الولايات المتحدة وضد القيم التي تؤمن بها. وفي هذا الكثير من الصحة طبعاً. ويدخل في هذا الإطار التحالف الإيراني - السوري الذي يشكل عبئاً على شعوب ودول المنطقة حالياً ودور إيران في تموين وتمويل حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان بالسلاح والأموال, وما نشأ عن ذلك من انقلاب في غزة ومن نشوء دولة حزب الله داخل الدولة اللبنانية وإعاقة أو تعطيل أي عمل حكومي فيها.
7. ولا شك في أن الإرهاب الإسلامي السياسي, الذي بدأ منذ عدة سنوات في عدد من الدول ضد المصالح الأمريكية قد نما وتطور إلى ما حصل في 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة وتصاعد ذلك في أوروبا ولكن بشكل خاص في أعقاب إسقاط النظام العراقي وفي أفغانستان, يشكل هاجساً ضاغطاً على السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية وكذلك على الشعوب الأخرى. وكانت أكبر معارك هذه القوى التكفيرية والظلامية والاستبدادية, وخاصة تنظيمات القاعدة المسلحة والبعث ألصدامي, قد وقعت في العراق خلال السنوات الخمس المنصرمة ولم تنته بعد. وقد تحققت نجاحات كبيرة ضد هذا التنظيم وضد قوى أخرى مماثلة لها في العدوانية. وهو إنجاز كبير ولكنه كان مرتفع الثمن بشرياً ومالياً بالنسبة للشعب العراقي وللولايات المتحدة الأمريكية في آن واحد. ولكن كان لا بد منه بغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبت في هذه المسيرة.
إن تشخيصنا للأهداف الاستراتيجية لكل طرف من الأطراف يضعنا أمام أربعة مواقف هي:
1. رغبة الولايات المتحدة في عقد اتفاقية استراتيجية للتعاون طويل الأمد تشتمل على جوانب سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية واجتماعية, وبضمنها ثقافية, مع العراق بحيث يحقق لها مكاسب مهمة وموقع الدولة الأكثر تفضيلاً في المعاملة.
2. رغبة حكومة إيران الجارفة في أن لا يوقع العراق أية اتفاقية استراتيجية أو غير استراتيجية مع الولايات المتحدة, بل أن يوقع العراق مثل هذه الاتفاقية معها, إذ يمكن لدولة إيران, كما تبشر به, أن تسد الفراغ الذي يتركه خروج القوات الأمريكية من العراق! كما أنها تخشى من اتفاقية مع الولايات المتحدة, إذ تعتبرها موجهة ضدها وتمنع تدخلها الفظ الجاري حالياً في العراق.
3. رغبة الغالبية العظمى من القوى السياسية في العراق, سنية كانت أم شيعية, كردية أم عربية, دينية أم علمانية, في أن يوقع العراق اتفاقية استراتيجية مع الولايات المتحدة شريطة أن تكون متكافئة وعادلة ينتهي معها وجود العراق تحت الفصل السابع والاحتلال عملياً ويقف التدخل الخارجي المستمر من دول الجوار ويتحدد موعد بدء خروج القوات الأجنبية التدريجي نهائياً من البلاد.
4. إلى جانب هذا الموقف توجد قوى سياسية عراقية غير واسعة ترفض عقد أي اتفاقية مع الولايات المتحدة, وهي تتوزع باتجاهين, إما أنها مع إيران مثل التيار الصدري وقوى إسلامية سياسية أخرى, وإما أن تكون من بين القوى البعثية والقومية الشوفينية التي رفضت حتى الآن العملية السياسية, أو أن البعض الآخر لا يعترف بشرعية الحكومة العراقية لأي سبب كان, وبالتالي فهم جميعاً يرون أن ليس من حق هذه الحكومة عقد اتفاقيات مع دول أخرى وهي تحت الاحتلال.
ومن خلال استعراضي للمواقف السابقة يمكن أن نتبين العوامل الكامنة وراء كل من هذه المواقف, كما يتبين منها كيف يفترض أن تكون عليه الاتفاقية العراقية – الأمريكية المطلوبة بحيث تخلق التوازن والعقلانية في المصالح بين الجانبين العراقي والأمريكي ولا تثير الدول الأخرى أو تنتقص من السيادة العراقية. وأوليات المسيرة صوب الاتفاقية تؤكد إمكانية خوض النقاش الناجح لعقدها بما لا يلحق الضرر, بل يجلب النفع المناسب للعراق وللدول المجاورة ولا شك في أن الحكومة العراقية والطرف المفاوض قد استمع إلى صوت العراقيات والعراقيين خلال الأسابيع المنصرمة ويفترض أن يحرصا في أن يؤكد الطرفان على رغبتهما الصادقة في إقامة علاقات ودية وتعاون مثمر بعيد المدى في مختلف المجالات السياسية, ويشمل الجوانب الأمنية والعسكرية, والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية, إضافة إلى خروج العراق من وصاية وفعل الفصل السابع, وأن الطرفين يعقدان اتفاقية أولية مدتها خمس سنوات, يمكن أن تنتهي أو تمدد أو تعدل أو تغتني بالجديد بعد انتهاء الفترة المحددة, تشتمل على جميع المجالات المشار إليها سابقاً. وقد طرحت تصوراتي عن بعض تفاصيل هذه الاتفاقية في مقالات سابقة.
25/6/2008 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟