|
لماذا هذا التباعد بين يابسة دول آسيا الوسطى ورقعة العالم العربي؟
مهدي حسانين
الحوار المتمدن-العدد: 2326 - 2008 / 6 / 28 - 12:27
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
تمثل دول آسيا الوسطى واحدة من أهم نقاط التماس الجغرافي، والتاريخي، والثقافي، والعقائدي، مع الدول العربية، وعلى الرغم من التقارب الواضح بين هذه اليابسة والرقعة العربية، إلا أن الشاهد لحجم العلاقات بينهما يرى أنها لا تتعدى الإطار الدبلوماسي الطبيعي، وانماط التفاعل المعتادة بين أي دولة وأخرى، بل تكاد تصل في بعض الأحيان إلى انعدام العلاقات، ويذكر أن هذه الكتلة الجغرافية والتي تتحتوي في جعبتها على ست دول اساسية هما (قرقيزيا، أذربيجان، أوزوبكستان، قازاقستان، تركمانستان، طاجيكستان) كانت ضمن المربع السيوفيتي الكبير ولكن مع انهيار الكتلة السوفيتية وإعلان سقوط الكتلة الشيوعية في العالم تسارعت دويلات الاتحاد السوفيتي إلى التحرر والانطلاق نحو حركات التحرر الوطني وحصلت معظمها على الاستقلال وهو نفس الشىء الذي اتبعته دول آسيا الوسطي حتى خلصت من الهيمنة السيوفتية بمقتضى اتفاقية "منسك" في الثامن من ديسمبر عام 1991م. رغبة واحدة ومنذ ذلك الحين ُطرحت على الساحة السياسية العربية محور إقامة علاقات وتعاون مع الجمهوريات الست، لاسيما وهي تمثل بؤرة خصبة لتقبل تلك العلاقات العربية، فقد كانت تسعى هي الأخرى إلى توسيع دائرة علاقاتها مع مختلف دول العالم ومن ضمنها الدول العربية، ويذكر أن إقامة علاقات عربية مع دول أسيا الوسطى كانت من أولويات الأجندة السياسية في بدايتها، شأنها في ذلك شأن جميع الدول التي تحررت وسعت إلى إقامة أكبر شبكة علاقات دولية، وعلى الرغم من هذه الرغبة المتوفرة عند كلا الجانبين، إلا أن هناك بعض العوامل التي أدت إلى إخفاق هذه العلاقات، منها ما يتعلق بالجانب العربي من ناحية، وما يتعلق من جانب الجمهوريات الست من ناحية أخرى، فلو نظرنا إلى الجانب العربي نجد أنه اتبع في سياسته العامل الديني، على اعتبار أن الجمهوريات تلك تتدين بالدين الإسلامي وبالتالي فهي تنظر إلى المملكة العربية السعودية، بما تشملة من وجود الحرمين الشرفين والدولة المصرية بما تحتويه من الأزهر الشريف، على أنهما منارة للإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، وهو ما دفع بالدول العربية إلى التركيز على العامل الديني في علاقتها بجمهوريات آسيا الوسطى، من خلال دعمها بالوعاظ والدعاة الدينيين، فضلاً عن منح أبنائها من الدارسين بعض المنح الدراسية في الجامعات الإسلامية السعودية والأزهر الشريف، إلى جانب أمدادها بالكتب الإسلامية ومساعدتها في بناء المكتبات والمساجد والمدارس والمعاهد الإسلامية التي تؤهل أبنئاها على تفهم وتدبر الدين الإسلامي عن قرب. رفض وصفهم بالجمهوريات الإسلامية وعلى عكس ما كان متوقع من أن يحدثه العامل الديني من تقارب بين الجانبين، إذ أحدث تحولات سلبية في فكر وتوجهات ومعتقدات النخب الحاكمة المسيطرة حيث كانوا يفضلون في سياستهم اتباع النمط الغربي بشقيه العلماني والشيوعي المعادي بالطبع للفكر الإسلامي وخير دليل على ذلك رفضهم التام لفكرة وصفهم "بالجمهوريات الإسلامية الست"، فضلاً عن مخاوفهم من انتشار تيارات الأصولية الاسلامية، واعتقادهم بأنها تمثل تهديدًا لأمنهم واستقرارهم، لاسيما بعد تصاعد المواجهات بين هذه التيارات والولايات المتحدة الأمريكية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأن الولايات المتحدة تستخدم مثل تلك الحراكات المستخدمة للعنف وسيلة لها في الوصول إلى أهدافها، ذريعة من أجل التدخل في البلاد التي يكون لهذه الحركات أصولاً بداخلها أمثال ما حدث في افغانستان وما يحدث الأن في العراق، كل هذا حدا بحكام أسيا الوسطى إلى عدم الفاعلية والحماس مع المشروعات التنموية الدينية المقدمة من قبل البلدان العربية وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، والدولة المصرية، فيذكر أنه عندما أرادت القاهرة تقديم الدعم إلى الجمهورية "القازاقية" من أجل إقامة جامعة عربية خالصة للدراسات الإسلامية تقوم بتعليم أبناء هذه الجمهورية تعاليم الدين الإسلامي من قرآن وسنة وتشريع، واجهت العديد من التحديات والمعوقات عند أنشاءها، أدت إلى تأخر افتتاحها ثماني سنوات كاملة منذ أن طرحت فكرة انشاءها عام 1993 إلى أن تم افتتاحها الفعلي عام 2001م. إخفاق العامل الديني ويبدو أن استخدام الدول العربية لمثل هذا العامل الديني كوسيلة للتقارب وفتح قنوات اتصال وعلاقات تعاونية مع هذه الجمهوريات الست لم يؤدي إلى الغرض المرجو منه، على الرغم من علو ومنزلة مثل هذا العامل ونجاحه أيضًا في العديد من التجارب المستخدمة، فقد استخدمته الدولة اليهودية في أثيوبيا وكثير من الدول الإفريقية، إلا أن أستخدام مثل هذا العامل في مثل تلك الظروف من تصاعد الهجمات ضد الإسلام والمسلمين في مختلف بقاع الأرض، في محاولة لطمس الهوية الإسلامية وطبعها بالطابع العدائي، وأنها مصدر لمعظم الأفكار المتطرفة في العالم، ومع تواجد هذه الجمهوريات الست، وسط أكبر الدول ذات الاتجاهات الشيوعية والعلمانية في العالم، يؤكد أن استخدام الدول العربية لمثل هذا العامل ينم إما عن جهل في كيفية إقامة علاقات دولية سليمة وصحيحة، أو تجاهل إقامة علاقات مع مثل هذه الكيانات الجديدة أصلاً. علامات التقارب رغم أن الدول العربية في أشد الحاجة إلى إحداث التقارب مع مثل هذه الدول، التي تمتلك احتياطات بترولية ضخمة تنتشر في معظم أرجاء بحر قزوين، لاسيما في قازاقستان وأذربيجان، إذ يقدر مخزومنهما النفطي بأكثر من عشرة مليارات طن أي يفوق المخزون النفطي للملكة العربية السعودية، التي تعد من أكبر الدول العربية والخليجية امتلاكًا للمخزون النفطي، بالإضافة إلى المخزون الهائل من الغاز الطبيعي، الذي يكاد يصل إلى أكثر من تريليوني متر مكعب، ووفق أخر الأحصائيات الصادرة عن حجم الإحتياطات النفطية والبترولية في العالم، تبين أن ثروة تركمانستان من الغاز الطبيعي، تتجاوز أضعاف ما تمتلكه جمهورية قازاقستان، إلا أن الدول العربية فشلت في ترويض علاقاتها مع هذا البحر البترولي، علمًا بأن الدول العربية وعلى رأسها الخليجية، كان عليها أن تؤكد علاقتها بها، وذلك من خلال وضع ألية تنسقية من باب الحفاظ على مستوى تعادل الأسعار النفطية في العالم، بالإضافة إلى إمكانية إقامة تعاون مشترك في عملية الانتاج من تطوير كيفية الاستخراج والاستخدام للحقول النفطية. الدول العربية وموقف المتفرج ومع هذا الإخفاق الواضح في العلاقات العربية مع الجمهوريات الست قابله نجاح مستمر ومتواصل من قبل الجانب الإسرائيلي معها، وهو ما يبدو واضحًا من العلاقات التعاونية في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية بل والنووية، إذ اتجهت الدولة الإسرائلية إلى تلك الدول مبكرًا وسعت إلى تكوين علاقات قوية تلك الدول، من خلال فتح أسواق تجارية ضخمة، إلى جانب إقامة استثمارات اقتصادية عملاقة عن طريق الزج بأكبر المجموعات الإستثمارية مثل مجموعة " شول أيزنبرج" ومجموعة "ميرهاف" الاستثمارية إلى سوق الدول الست، وهكذا استطاعت الدولة اليهودية أن تمد علاقاتها إلى هذه الدول، بل واصبح لها موطىء قدم في صلب الاقتصاد القومي لهذه الدول، في حين يقف العالم العربي كما هي عادته موقف المتفرج دون أن يقترب أو حتى يدخل اللعبة، علمًا بأنه هي الأحرى بالاقتراب من أي دولة أخرى، ولكن دائمًا اسرائيل يكون لها السبق على العالم العربي في محاولة باتت مستمرة وناجحة في تضيق الخناق على علاقات العالم العربي مع الدول الجديدة.
اتجاهات وتوجهات النخب الحاكمة ناهيك عن الهيمنة السوفيتية، التي لازالت تتمتلك اليد العليا في الجمهوريات تلك، وهو ما يتضح من اتجاهات وتوجهات النخب الحاكمة، بل والنخب الثقافية والاقتصادية التي تدين بالولاء شبة الكامل للكتلة الشيوعية، حتى ذهب البعض إلى القول بأن الجمهوريات الست مازالت قلبًا وقالبًا شيوعية، مرجعين ذلك إلى أن أغلب تلك النخب كانت ضمن كوادر الحزب الشيوعي السوفيتي، فضلاً عن انتشار الثقافة الشيوعية والماركسية داخل مجتمعات تلك الدول، وقد ساعد على انتشار مثل هذه الثقافة هو طول مدة الارتباط الاتحادي، التي وصلت إلى أكثر من سبعين عامًا ُبثت خلالها الأفكار الشيوعية، ونشأت على نهجها الأجيال القادمة، وبالتالي كان من الصعوبة فك ذلك الارتباط حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ناهيك عن أصحاب الافكار العلمانية الذين أخذوا في الظهور، لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وهم من أصحاب التوجه الغربي بمختلف أفكاره ومعتقداته، ويضعون صوب أعينهم القطب الأمريكي الجديد بمختلف اتجاهاته عن الحرية والديمقراطية، علمًا بأن هذا حال أغلب دول العالم ومن ضمنها الدول العربية التي تسعى جاهدة إلى التقرب من الولايات المتحدة الامريكية وهذا يأخذنا إلى نظرية أحادية العالم في يد دولة كبرى واحدة تسيطر وتتحكم تسعى كل الدول النامية إلى التقرب منها بعكس الحال عندما كان العالم ثنائي القطبية حيث كان هناك نوعًا ما من الحرية في التعامل. ما يجب اتباعه وأخيرًا نود هنا أن نؤكد على أن التعامل مع مثل هذه الجمهوريات يتطلب رؤية جديدة في العلاقات الدولية العربية، تتناسب مع الهيمنة السوفيتية والزحف الإسرائيلي إلى مثل هذه الجمهوريات وأن اتباع العامل الديني وحده ليس كافيًا لإقامة علاقات تعاونية وهو ما أكده ذات مرة مفتي دولة "قازقستان" "بأن الدول العربية التي تظن أن واجبها إزاء المجتمعات الإسلامية في آسيا الوسطى يتحقق بتقديم المصاحف، لاتدرك عمق وصعوبة المشكلات الاقتصادية في منطقة آسيا الوسطى وجمهورياتها الست، والتي تدفعها غالبًا إلى إقامة علاقات صديقة مع أي دولة تمد إليها يد العون والمساعدة وهو ما يدفع بدخول رؤس الأموال التي تحمل في طياتها أفكار وثقافات بل وسياسات أصحاب رؤس الأموال هذه" مما يستوجب على الدول العربية اتباع عوامل أخرى تتناسب مع التطورات العصرية والعلمية في مجال العلاقات الدولية حتى يكون لها موطىء قدم في بلاد هي الأحرى بإقامة العلاقات الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية بل والسياسية معها.
#مهدي_حسانين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القارة السمراء في عيون السياسة الخارجية الإسرائيلية
-
نصر فريد واصل يؤكد: فتوى الدين للمتخصصين فقط
-
المرأة العمانية.. والمجتمع المدني
-
سيدات الأعمال العرب... نواة لتكتل اقتصادي عربي
-
فشل المرأة الكويتية في الانتخابات.. هل هو تكريس لظاهرة خليجي
...
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|