من المتوقع أن يعيد قانون تأسيس وتنظيم الأحزاب السياسية طرح السؤال حول وظيفتها الطبيعية بعد تراجعها البين داخل ساحة الفعل السياسي والجماهيري. ولعل أحداث 16 ماي الإرهابية التي عاشت مآسيها البلاد وكذا نسبة المشاركة الهزيلة مؤشران قويان على حصول هذا التراجع. فما هي إذن، الأسباب الخفية والمعلنة الثاوية وراء ضعف أحزابنا السياسية؟ وهل من شأن قانون تأسيس وتنظيم الأحزاب إصلاح الاختلالات العميقة التي تنخر جسدها؟ ولماذا لازالت نخبتها لا تعترف بوجود هذه الاختلالات التي غدت عقبة كأداة تقف أمام تطور الآلة الحزبية وتحول دون أدائها لوظيفتها المتجسدة أساسا في مسألة التمثيلية؟ وما هي "الأمراض" التي تسببت في تراجع الأحزاب؟
طرح مشروع قانون تأسيس وتنظيم الأحزاب إبان حكومة التناوب التوافقي، وذلك بخلفية قطع الطريق على أنصار مقاطعة المسلسل الانتخابي سواء اليساريين منهم (حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، النهج الديمقراطي...) أو الإسلاميين (جماعة العدل والإحسان...) وأيضا تنظيم المشهد الحزبي. لكن، سرعان ما سحبت الحكومة هذا المشروع لما أثير حوله من الجدل والأخد والرد، ليعاد طرحه من جديد بعد الخطاب الملكي الداعي إلى ضرورة إحداث قانون لتنظيم الأحزاب وتأطير العمل الحزبي.
وتسعى الدولة من خلال هذا القانون إلى ضبط المجال الحزبي والتحكم في مكوناته خاصة منها تلك التي تحاول الإخلال بقواعد اللعب المرسومة من طرف الإدارة، كما هو الحال بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية الذي تجاوز في الشهور الأخيرة الحدود الفاصلة بين الديني والسياسي بعد اختلال التوازن داخله إثر اكتساح حركة التوحيد والإصلاح بزعامة أحمد الريسوني قبل إرغامه على تقديم إستقالته من رئاسة الحركة المذكورة، القريبة منه لتنظيماته وهياكله(أي حزب العدالة والتنمية). فهل من شأن هذا القانون أن يصحح بعض الاختلالات التي يعرفها الجسد الحزبي مع العلم بأن الأحزاب هي نتاج وانعكاس لبنية نظام بأكمله لكونها لا تعمل إلا على إعادة إنتاج نفس السلوكات الممارسة من قبل النظام؟!
ـ البلقنـــــة
يمكن القول إن البلقنة، التي عرفتها الساحة السياسية من خلال ما سمي بـ "أحزاب العهد الجديد" أو "أحزاب الملك محمد السادس" تعود إلى عوامل متعددة منها أساسا ما هو هيكلي يرتبط بطبيعة النظام السياسي وما هو ظرفي يتمثل خصوصا في عدم التقاط الفاعلين السياسيين للإشارات التي أصدرها الملك بعيد تربعه على عرش المملكة، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر دعوته الأحزاب السياسية إلى إدخال الشفافية والديمقراطية وتنظيم هياكلها حتى تستطيع أداء وظيفتها الطبيعية وبالتالي بعث الروح في "دكاكينها" السياسية التي أصبحت أشبه ما تكون، في فراغها، بأعجاز نخل خاوية.
وقد كان تعامل الأحزاب مع هذه الدعوة التي وردت في سياق خطاب ملكي سام ألقاه الملك بمناسبة افتتاح إحدى دورات البرلمان على مستويات متباينة، إذ قام الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالرد عليها من خلال افتتاحية لسان حاله الناطق بالعربية والتي طالب بإجراء إصلاح دستوري، وكأنه يقول للملك إن تنظيم الأحزاب يفرض أوتوماتيكيا تعديل الدستور كأسمى قانون للأمة!!
ومن هذا المنطلق، قام الملك بتجاوز الأحزاب التقليدية على يمينها، وذلك من خلال فتحه الباب على مصراعيه أمام "طابور" من الوجوه التي كانت ترغب في إحداث دكاكين سياسية خاصة، وهكذا شهدنا ولادة مجموعة من الأحزاب السياسية لا تحمل من مقومات الهيأة السياسية إلا الاسم، إذ سرعان ما كشفت المحطة الانتخابية الأخيرة " "عورتها". وأمام هذا الوضع بدأ الحديث مجددا عن ضرورة هيكلة وتنظيم المشهد الحزبي.
فبعد فراغ دام زهاء أربعين سنة تقوم الإدارة، اليوم، بطرح قانون تأسيس وتنظيم الأحزاب السياسية، مع العلم بأن قانون الحريات العامة لا يشير إلا إلى الجمعية السياسية وليس إلى الحزب!؟. ودون شك، هذا الوضع ساعد الإدارة على التدخل في المجال الحزبي خدمة لتوازنات سياسية معينة، إلا أن إصدار مثل هذا القانون من شأنه أن يحد من صلاحياتها، وأن يلزمها هي الأخرى، بالتالي، بالوقوف باحترام الحدود التي رسمها لها والتي تقضي عليها باحترام مكونات المجال الحزبي في استقلاليته واختياراته ومواقعه السياسية.. بمعنى أكثر وضوحا، فالأحزاب ستتحول بمقتضى هذا القانون إلى مؤسسات تتمتع باستقلاليتها في اتخاذ القرار، حيث إن بعض الممارسات ستنتفي، دون شك، لمجرد دخول هذا القانون حيز التنفيذ كإقدام بعض الجهات على فرض وجوها بعينها على حزب معين لتبنيها سياسيا قصد الاستوزار (حالة حزب الاستقلال بمثابة نموذج صارخ).
الانتخابات هي الاخرى شكلت أداة لتفتيت المشهد الحزبي وذلك من خلال اعتماد نظام اقتراع لائحي كرس هذه البلقنة من خلال تشتيت الاصوات والمقاعد وعجز أي تكثل سياسي عن تحقيق الاغلبية وخير مثال على ذلك المحطة الانتخابية الأخيرة، وكل ذلك بخلفية افساح المجال أمام الملك ليختار من يريد.
ـ زلزال 16ماي
الأكيد أن الأعمال الإرهابية التي كانت العاصمة الاقتصادية للمملكة مسرحا لها في 16 ماي كشفت بالملموس غياب هذه الأحزاب عن الساحة السياسية وبالتالي، وهو الغياب الذي جعل الدور الوظيفي للأحزاب (التأطير، التوعية...) يتعطل وأتاح بالمقابل للجماعات المؤمنة حتى النخاع بطروحات وفلسفة الإسلام الجهادي فرصة التغلغل في صفوف شباب متخلى عنه، ضائع ويائس، وجدت فيه هذه الجماعات مرتعا خصبا لزرع أفكارها وتنميتها، إذ وجدته أطوع لها من بنانها وهي تجنده لخدمة مخططاتها الظلامية الهدامة لدرجة أنها لم تجد عناء في تحويله إلى قنابل موقوتة تهدد أمن البلاد واستقرارها. وهذا الوضع كان حافزا للدولة على دفع الأحزاب إلى لعب دورها الطبيعي، إذ أعطيت التوجيهات للسلطات العمومية قصد تشجيع الفعل الحزبي وتوفير المناخ السليم لأنصاره، لكن سرعان ما أظهرت الوقائع والأحداث أن النخبة الحزبية لم تستفد بما يكفي من زلزال 16 ماي فأية مصيبة مفجعة أقوى من التي حلت بنا تنتظر هذه النخبة حدوثها كي تتحرك باتجاه تقوية حضورها السياسي والجماهيري وردم الهوة الفاصلة بينها وبين المواطن من خلال إبدائها حسن النية اتجاهه وقيامها بوظائفها الطبيعية بالأمانة اللازمة والتفاني المطلوب إذا كانت فعلا تروم استعادة ثقته فيها ومساندته لها خلال المحطات الانتخابية التي تمر عبرها البلاد؟؟
الأكيد أنها لن تفعل ذلك إلا إذا كانت روح المواطنة تدب في كل أوصالها وتجري منها مجرى الدم في العروق، فآنذاك فقط ستهب لأداء واجبها الوطني مدفوعة بالغيرة على الصالح العام وعلى المصلحة العليا للبلاد التي لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي.
أضحت الانتظارية بالنسبة إلى الأحزاب السياسية خيارا استراتيجيا، إذ أصبح الانشغال المركزي لنخبتها هو التقاط الإشارات الآتية من الدوائر الرسمية العليا والاجتهاد في التكيف مع مضامنيها وأهدافها بغية تحسين مواقعها الاجتماعية.
فواقع حال الساحة السياسية يكاد يؤكد أن هذه الأحزاب قد استقالت من وظيفة التأطير والتعبئة والتنظيم المنصوص عليها في أسمى قانون للامة لأسباب تداخل فيها الذاتي بالموضوعي. ولعل طبيعة السياسة التي نهجتها الإدارة اتجاه الأحزاب السياسية في السابق قد نجحت إلى حد ما في إفراغ هياكل هذه الأخيرة من الكوادر البشرية التي أدمجتها في مقاربتها وطعمت بها مؤسساتها ولجانها ومجالسها الاستشارية كما هو عليه واقع الحال اليوم(المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، لجنة الإنصاف والمصالحة...)
وهذا الواقع من شأنه أن يحدث اختلالا في التوازن الطبيعي بين المؤسسات قد تترتب عنه بعض المشاكل خاصة إذا استمرت المؤسسة الملكية في الاشتغال لوحدها في غياب باقي المؤسسات الدستورية، ولنا في تجارب عدة ما يكفي من الدروس والعبر.
وضع غير مريح!!
تحتل الأحزاب السياسية داخل النسق السياسي المغربي موقعا متدنيا اعتبارا للخصوصية الثقافية والسياسية التي يحظى بها هذا الأخير، فالأحزاب ـ حسب الأستاذ محمد المعتصم ـ تمارس نشاطها داخل نسق يتسم بعدة خصائص:
أولاها، أن الملك (أمير المؤمنين) هو من يقوم بتحديد الاختيارات الكبرى للأمة وليس الأحزاب السياسية،
ثانيها أن الحكومة لا تعمل إلا على ترجمة البرنامج الحكومي الذي يستمد أسسه من التوجيهات الملكية، وكل اختلاف بين مكوناتها هو اختلاف حول سبل تنفيذ اختيارات الأمة كما صاغها الممثل الأسمى للأمة في إطار احترام الملكية والإسلام إلى غير ذلك من المواضيع المجمع حولها التي تشكل ثوابت الأمة، والأحزاب تتصرف كمعين للملك، تقدم إليه المشورة وتساعده على تدبير شؤون الأمة،
ثالثها، أن التنظيم الحزبي هو بمتابة أداة تحركها الدولة وفق توجهاتها السياسية دون المساس بالروابط المباشرة بين الشعب والملك. ولعل هذا الوضع غير المريح للأحزاب السياسية يعود ـ حسب أحد الباحثين ـ إلى تظافر أربعة عوامل هامة هي:
1- استراتيجية الإنشاء والتسخير التي تتقنها المؤسسة الملكية بحكم انتمائها إلى ثقافة مخزنية ضاربة في القدم،
2- استراتيجية منح التمثيلية للأحزاب من الأعلى،
3- غياب إيديولوجية واضحة المعالم لدى الأحزاب،
4- غياب اعتماد الأساليب الديمقراطية داخل الأحزاب، والركون إلى إنتاج النموذج "النيوباترياركالي" المتجسد في الثقافة المخزنية العتيقة. ذلك أن الكثير من الأحداث والوقائع سجلت عزوف قادة الأحزاب( الغارقة في نظام المكافآت المادية والرمزية) عن اعتماد الحداثة ورفضها تطبيق القانون مقابل اللجوء إلى سلوكات وأساليب بعيدة كل البعد عن الدمقرطة( التحكيم الملكي..).
اختلالات بنيوية
تعرف أحزابنا أزمة هوية، فبعد التغييرات العميقة التي عرفها العالم في عقد التسعينات من القرن الماضي، لم تستطع هذه الأحزاب فتح أوراش التفكير والحوار أمام مثقفيها حول مسألة الهوية علما بأن أغلبها كان يدين بـ "الولاء" لجهة معينة وهكذا عرف حزب المرحوم علي يعته بـ "ولائه" لموسكو زمن الامبراطورية السوفياتية إلى درجة كان البعض معها يقول على سبيل "التنكيت الشعبي" إذا كانت الأمطار تسقط في روسيا فإن أنصار حزب التقدم والاشتراكية يرفعون مظلاتهم بالمغرب!! فهذا الحزب انتقل تدريجيا نحو اخضاع برنامجه المرحلي "الثورة الوطنية الديمقراطية" لمتطلبات الشرعية والمشروعية التي يفرضها المخزن بعدما تبخرت أحلام هذه الثورة لصالح برنامج إصلاحي تجاه النظام!! وعرفت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي هي الأخرى بتبعيتها للشرق وخاصة لأنصار ميشيل عفلق في حزب البعث.. وعرف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أيضا بتأثره باشتراكيي فرنسا...إلخ.
لقد خلخلت أحداث نهاية القرن مجموعة من المفاهيم وزعزعت العديد من القناعات وشككت في جملة من المسلمات.. وكان على أحزابها ـ أمام هذا الوضع ـ أن تعيد النظر في تصوراتها وطروحاتها، لكن شيئا من هذا لم يحدث بالشكل الذي كان مطلوبا، مما جعل غالبية الفرق السياسية تتخبط في أزمة هوية قاتلة.
لقد ظلت معظم أحزابنا تفتقر إلى الديمقراطية تصورا وممارسة. فبالرغم من القوانين التي تقنن وتنظم الممارسة الحزبية داخل هياكلها، فإن سلوكها اليومي أكد أنها لا تعمل إلا على إعادة إنتاج نفس الممارسات التي تنتقدها في أدبياتها الحزبية، إذ تطالب الدولة بنهج الديمقراطية فيما تعيش هي مجازر بشعة للديمقراطية داخل بيوتها، ويكفي الاطلاع على بنياتها "المغلقة" للوقوف على مدى تجذر ثقافة "الشيخ في علاقته بالمريد" في ممارساتها وتعاطيها مع مناضليها وقواعدها وفي تدبيرها لشؤونها الداخلية، حيث تم تقبيل الأيدي والتماس البركة والاجتهاد في تقديم الطاعة، وهي سلوكات تحملها المؤسسة الحزبية المرتدية لأثواب المعاصرة المرتبطة أساسا بمكانة الزعماء السياسيين والحصانة التي وجب أن يحظوا بها داخل الفضاء الحزبي، فأغلب القادة يعيشون على الماضي، يستمدون منه ـ من أجل حماية أنفسهم وتحصينها ـ أفكار مثل الشرعية التاريخية والقيادة التاريخية... يقاومون مشاريع الإصلاح والتغيير ويعمدون إلى استخدام أدوات الضبط والتحكم القانوني ومساطر التخلص من المنتقدين.. وما شابه ذلك من السلوكات التقليدية كالأبوية نسقا وتسييرا حسب المفكر هشام شرابي التي يزخر بها فرع الأدب السلطاني في العلوم الاجتماعية، ناهيك عن استشراء الثقافة القبلية والقرابة والمصاهرة وغيرها داخل الجسد الحزبي.
وأمام هذا الوضع عرفت عملية دوران النخب داخل الأحزاب "بلوكاجا" قويا، ونفس الأمر بالنسبة إلى الشبان والنساء. فالفئة الأولى يتم تهميشها وتركها للعب أدوار صغيرة كتوزيع المناشير والقيام بالدعاية الحزبية... في حين تعرف الفئة الاجتماعية الثانية تمثيلا متدنيا، وإن حصل يكون الهدف منه تأثيث فضاء القيادة الحزبية، فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على سبيل المثال ظل مكتبه السياسي فارغا من تمثيلية العنصر النسوي إلى حدود المؤتمر الوطني السادس، حيث كانت "الكوطا" هي الأسلوب الوحيد الذي وجدته المرأة كخيار للارتقاء في السلم الحزبي في مواجهة العقلية الذكورية!!
لقد كشفت الانشقاقات التي عرفها الجسد الحزبي عجز الأحزاب السياسية عن إحداث آليات للتدبير العقلاني لخلافاتها واختلافاتها، فكلما وصلت الأطراف المتصارعة داخل حزب معين إلى الباب المسدود، إلا وعرف الحزب انشقاقا، ليدخل بعده الطرفان في متاهات الصراع حول الممتلكات المادية والمعنوية للحزب بدءا من المقرات إلى الرموز الحزبية (الشهداء...)، وقد يصل هذا الصراع في كثير من الأحيان إلى ردهات المحاكم.. والأمثلة في هذا الباب كثيرة وكثيرة جدا. لكن دراسة واقع حال الأحزاب بشكل موضوعي لا يجب أن ينسينا الدور المتميز للدولة في واقع التمزق الذي يشهده الجسم الحزبي. فآلية الانشقاق استعملت ضد الأحزاب، يمينها (الحركة الشعبية...) ويسارها (منظمة العمل الديمقراطي الشعبي...) ووسطها ( التجمع الوطني للأحرار...) ولنا في تاريخ الأحزاب المغربية في علاقتها بالمخزن ما يكفي من الخلاصات والاستنتاجات الهامة في هذا المجال.
مسألة الدعم المقدم من طرف الحكومة إلى الأحزاب السياسية شكلت دوما هي الأخرى موضوع صراع داخل العديد من الأحزاب، فلا تأتي محطة انتخابية إلا ونشهد صراعات حول عدم شفافية توظيف الدعم الممنوح للهيئات السياسية من أجل تمويل حملاتها الانتخابية، ذلك أن هذه القضية ظلت محصورة في دائرة المسكوت عنه داخل الأحزاب خاصة بالنسبة إلى الأحزاب التي تصنف في خانة "اليمين الإداري" والتي لا تمتلك قواعد لمحاسبة قادتها.. فلا يوجد أي قانون أساسي لأحزابنا ينظم بشكل واضح المسألة المالية داخل بيوتها، كما أن التقارير المالية للأحزاب كثيرا ما تكون خالية من الشفافية والوضوح، ويرجع السبب في ذلك ربما إلى كون الدولة تعاملت ردحا طويلا من الزمن مع الدعم المالي بوصفه نوعا من الرشوة الكبيرة التي كانت تقدمها إلى نخب الأحزاب السياسية لأهداف لم تعد مضمرة أو خافية على أحد، وهي ضمان تواطئها معها في مسألة التحكم في تشكيل فسيفساء المشهد السياسي تماما كما توزع البيادق على رقعة الشطرنج...
لقد قدمت جميع الأحزاب تقاريرها إلى المجلس الأعلى للحسابات حول وجوه صرفها للدعم المالي المقدم لها من طرف الحكومة بمناسبة الانتخابات الأخيرة، إلا أننا لم نسمع أن هذا المجلس قام بمتابعة هذا الحزب أو ذاك، ربما، لصعوبة إيجاد الأدلة الدامغة على وجود التلاعبات التي كانت تقترفها النخبة الحزبية دون أن تترك أثرا يشير إليها وذلك بفضل تحايلها والتفافها على القانون وتطويعها لنصوصه بشكل يسوغ لها ارتكاب المحظور...
وتأسيسا على ما سبق الإشارة إليه، يبقى السؤال المطروح هل من شأن القانون الجديد لتأسيس وتنظيم الأحزاب أن يحد من مظاهر الاختلالات العميقة التي تعيشها، ويدفعها بالتالي إلى استعادة دورها ووظيفتها الطبيعية خاصة بعد الفراغ القاتل الذي تشكوا منه الساحة الوطنية؟ وهل من شأن هذا القانون أن يجعل الاحزاب تتحول إلى مؤسسات بدل واقع المنشأة الذي توجد عليه اليوم؟ وهل توفرت الارادة السياسية لدى النظام قصد ترك هذه الاحزاب تقوم بوظيفتها في إطار القانون بكل حرية واستقلالية؟