|
دليل الرجل الذكي إلى الشهرة والأضواء.. ( حين يتسلق اللبلاب ) – 4 -
عبدو أبو يامن
الحوار المتمدن-العدد: 2321 - 2008 / 6 / 23 - 05:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هذا عن ( اللبلاب الطبيعي الحقيقي!! ) فماذا عن لبلابنا الإنساني المقلد أو المزيف، أو الذي يحاول أن يظهر بمظهر اللبلاب ولكنه ليس به؟!! الذي طال مكثه في الظلال والعتمة! والذي تعب من افتراش الأرض عرضة لأقدام السائرين والعابرين والغرباء أيضا!! والذي يبحث عن نسمة هواء فلا يكاد يجدها، ودفقة ماء فلا يكاد يحصل عليها، وفلذة غذاء فلا يكاد يحصلها!! ولم كل هذا؟ كل هذا الحرمان والبؤس، والمنع والصد وأرض الله واسعة ونعمه سابغة والقمة تسع الجميع؟!! ألست ترى معي إلى كل هذه الأشجار العظيمة وهذه السنديانات السامقة؛ ألا ترى إلى آثار النعيم المقيم والترف المريم يتبدى في جذوعها وسيقانها، وفروعها وأغصانها، وأوراقها وثمارها؟!! ألا ترى إلى كل هذه الخضرة الريانة، والظلال الفينانة؟!! فما بالنا نحرم منها وهم يتنعمون بها؛ هؤلاء الذين نعرفهم، شخصهم ورسمهم ودقهم وجلهم، إذ كانوا يعيشون معنا وفينا وبيننا... ثم فجأة أين هم وأين نحن؟!! وللحقيقة نقول : إن بعضهم كافح وكابد وشقي وعاني حتى وصل إلى ما وصل إليه من تلك الذرى البعيدة والأعماق السحيقة، حيث النور والضياء والروح والغذاء، لذلك ترى جذوره ضاربة في التربة بعمق كتلك السنديانات الخرافية التي تذكر في الأساطير.. وأما الآخرون – وكثير ما هم – فلا تسل كيف وصلوا ولا كيف تعملقوا لأنه هذا من المسكوت عنه والسؤال عنه بدعة! ولكن.. ولكن لهم نفس التعملق ونفس الأحجام والقامات والصولة والهيبة فكيف أفرق بين السنديانة الحقيقية والسنديانة الزائفة؟!! باستطاعة كل لبيب أريب فطن حاذق أن يفرق بينهما، كما يصنع الجوهري الحاذق حين يفرق بين التبر والتراب! فأما إن خفي أمر هذا المزيف على الجميع لبيبهم وفدمهم وحاذقهم وغشيمهم فهناك الحكم الفصل الذي لا يهرب أحد من سلطانه ،إنه التاريخ؛ فالتاريخ لا يرحم أحدا يا صديقي!! وأعظم ميزة يعرف بها هذا السنديان الذي يشبه الحقيقي وليس به هو الأفول السريع والانطفاء العاجل بمجرد ما يسقط ( يموت )، فكل ما كان يتوسل به من وسائل التعملق إبان الحياة يسقط بمجرد الموت عندما ينقشع الغبار وتستبين شمس الحقيقة ويواجه التاريخ عاريا إلا من أعماله وصنع يديه.. عندها فقط يعرف السنديان الزائف من السنديان الحقيقي!! وداء المتسلقين العياء – معظمهم على الأقل- هذا إذا افترضنا عدم الزيف والتطفل على المهنة وعلى أصاحبها الحقيقيين من الموهوبين والمبدعين الذين تؤهلهم ميولهم وقدراتهم وأقدارهم ، أقول داء هؤلاء المتسلقين هو عدم الصبر، واستعجال قطف الثمرة قبل الأوان، والتزبب وهم حصرم (من يتعاطى الرتبة قبل أن يصل إليها ) ، والتعويل على هذه العاجلة كأنها كل شيء متناسين الخلود، وهو حقيقة واقعة نشهدها في عظماء التاريخ من الكتاب والشعراء والفلاسفة والموسيقيين.. على أن هذه قضية شائكة تدخل فيها عوامل معقدة جد التعقيد؛ فالإنسان عموما والكاتب والفنان على وجه الخصوص أحرص الناس على الثناء والتقدير، لأن ذلك بمثابة الوقود النفسي والروحي الذي يدفعه إلى المزيد فالمزيد من العطاء والإنتاج، وهذا الثناء والتقدير من الآخرين هو الصدى الذي يثبت الصوت الحقيقي ويؤكده ولا ينفيه؛ فلذلك يحرص الجميع عليه حتى الحيوانات، ومن هنا نرى سر تعلق الناس بأسباب الشهرة والأضواء، إنها ترضي غرور الإنسان حين يرى إلى نفسه وكأنه القطب الذي يدور من حوله الجميع، وكأن الدنيا ما وجدت إلا له وبه!! على أن الكثير من الشهرة يضر، وقلتها أو عدمها ربما أضرت كذلك؛ فكم من فنان أو كاتب راح ضحية شهرته، حين انغمس في مهادها الوثير فنسي فنه أو باعه ضريبة لهؤلاء الذين أغرقوه فيها حتى يصبح ولا هم له إلا أن يلبي طلبات الجمهور!! وكم من فنان أو كاتب راح ضحية عدم الشهرة أو قلتها؛ وذلك حين علق كل آماله عليها، وراهن بكل فنه وإبداعه بل وحياته فيها، فحين حرم منها انقلب خاسئا خاسرا مكسور الجناح.. ولكن الفنان الحقيقي والكاتب الحقيقي هو الذي يعمل ويظل يعمل بغض النظر عن المحفزات والمثبطات؛ لأنه لا يستطيع إلا أن يعمل، كما أن النحلة لا تملك إلا أن تنتج عسلا، والوردة لا تملك إلا أن تنفث عطرا.. ولكن أين هو هذا الفنان؟!! ألا إن الزمان لضنين بمثل هؤلاء الفئة الممتازة من البشر، الذي يحاكون أمهم الطبيعة حين تعمل في صمت، بعيدا عن الضوضاء والشهرة وصخب الكائنات! فمثل هذه الفئة من البشر لهم سمات نفسية، وخصائص روحانية يندر أن توجد في بشر؛ فعندهم من الغنى النفسي الداخلي الذي لا يحوجهم إلى ما عند الآخرين، فغناهم في أنفسهم، رصيد هائل من الثقة والعظمة والقناعة والرضا، ونظرة بعيدة مستشفة متأملة ترمي إلى البعيد قبل القريب والآجل قبل العاجل، والخواتيم قبل البدايات، وتقدير للجانب الروحي المثالي على حساب الواقعي الحسي، والعمل من أجل العمل فقط والإبداع من أجل الإبداع فقط، لا أن يربط ذلك بالتعويض المادي الفوري العيني!! فيا ترى أما زال في العالم حالمون إلى اليوم، يعلمون الناس من غير أجرة كما كان يفعل سقراط وأفلاطون؟!! أم أن الجميع سوفسطائيون، على قدر المال يكون العلم والأدب أيضا! العالم يتسفسط يا صديقي!! كيف ابتعدنا عن لبلابنا البشري؟ في هذه الغابة المتشابكة من النخيل والنجيل، أطل النجيل برأسه يتلمس الخروج، وأخذ يتشمم حواليه عله يعثر على نسمة شاردة، ويتلصص بعينيه عله يبصر بقعة ضوء يستحم فيها.. ولكن هيهات كل الهواء والماء والضياء محجوز ولا بد من الانتظار!! عقدا أو عقدين جيلا أو جيلين قرنا أو قرنين، علم ذلك في اللوح المحفوظ! ما العمل؟؟ تساءل النجيل فيما بينه! ثم وثبت نجيلة طموحة خبيثة متسرعة قائلة لبقية أخواتها: أترين إلى تلك النخلة أو السنديانة القائمة هناك؟ - ما بها؟! - إنها قبل كذا وكذا من الليالي والأيام كانت مثلنا، لا تكاد ترفع هامتها عن الأرض، ولا تكاد تجد ما يقيم أودها، انظرن إليها الآن إنها تتنعم في الأعلى بكل ما يتنعم به السنديان!! - هل أنت جادة فيما تقولين؟! - وهل اجتمعنا هنا لنسخر؟! - ماذا فعلت؟! إنها لا شك ساحرة أو عفريت من الجن!! - لا شيء مما ذكرتن، كل ما في الأمر إنها استخدمت حيلتها ومهارتها فقلدت هذه اللبلابة التي أمامنا!! - هذه اللبلابة؟! - نعم، هذه اللبلابة!! - وما الذي تعرفه هذه اللبلابة الحقيرة مما لا نعرفه نحن؟! - لا إنها تعرف كل شيء؛ إنها تعرف من أين تؤكل الكتف!! - الكتف! عن أية كتف تتحدثين؟! - إنها تعرف كيف تمشي رأسيا بعد أن كانت تزحف أفقيا!! - أهذا معقول؟! - أما ترين إليها؛ منذ أشهر فقط كانت معنا تزحمنا في عيشتنا البغيضة هذه، تضايقنا في مائنا وغذائنا وهؤائنا وتربتنا والآن انظرن إليها أين نحن وأين هي؟! - أنت محقة؛ كيف غاب عنا هذا؟! - غاب عنكن لأنكن لا تكدن ترفعن رؤوسكن الغبية!! - صدقت يا لها من شيطانة لئيمة وداهية رجيمة!! انظرن كيف التفت حول جذع هذه السنديانة، إنها تضمها حتى لتكاد تهصرها! إنها تتشبث بها كما لو كانت أمها! - إذن مفتاح السر هو: التسلق والالتفاف، الالتفاف على الزمن، بل قلن حرق الزمن، ألم تسمعن بحرق المراحل؟!! - وما حرق المراحل؟! - أن تحصلن على مبتغاكن في أقصر زمن وأقل مجهود وبلا خسائر تقريبا!! وما يصنعه الناس في عقود وأجيال بإمكانكن صنعه في سنوات إن لم يكن في أشهر!! - ولكن أليس هذا من التهور الذي قد يجر من المتاعب ما نحن في غنى عنه، أليس فيه مخاطرة؟! - مخاطرة ومتاعب!! أية مخاطرة وأية متاعب؟!! وبما خاطرت تلك النجيلة، آسفة السنديانة التي كانت يوما نجيلة، إنها على أبدع ما يكون؟!! - ولكن.. أليس من الوارد أن ينكشف أمرنا ويفتضح سرنا ونعود كما كنا أو أسوأ؟! - وما هو أسوأ مما نحن فيه، ألديكن شيئا تخسرنه؟؟ اسمعن ما دامت هذه النجيلة باعتبار ما كان، وسنديانة باعتبار ما هو كائن واقفة تتنسم الهواء وتتنعم بالضياء فالوضع مطمئن جدا!! - لكن ما الذي اعتراها فانقلب شكلها وقالبها بين عشية وضحاها؟! - إنها في الظاهر تشبه السنديان في كل شيء، ولكن لو دققتن النظر جيدا فسيظهر لكن الفرق بكل سهولة ويسر؛ ولكن من يهتم ومن ينظر؟!! - إذن لا مفر من التسلق والالتفاف!! - عليكن نور!! ولكن الحذر كل الحذر، أوصيكن بالكتمان؛ فهذه الكائنات الزاحفة حولنا لو علمت بأمرنا لفسد تدبيرنا وضاعت الفرصة علينا، ولزاحمتنا في لقمة عيشنا!! ولكن يظهر أن هذا الحلف غير المقدس شاع وانتشر، ويبدو أن هذا الأمر الذي بيت بليل ذاع وتبحر بفعل العادة المستقرة، والتقليد الأعمى، والحب المجنون للكسب السريع والشهرة الجوفاء، فالكل متسلق والكل متسلق عليه.. ويبدو أن لعنة ( اللبلاب ) حلت على كل من سرق خطته، وسار على نهجه، ويبدو أن هذا النبات الشديد السمية- إن كنت تذكر عزيزي القارئ- قد أصاب الجميع بسمه، ليس فقط طلاب المرحلة الابتدائية وإنما ما قبل الابتدائية والروضة والحضانة، ويبدو أن آثار هذا النبات الخطير تعدت النواحي الفسيولوجية والعضوية إلى النواحي النفسية والخلقية والروحية؛ إذ لم تقتصر الآثار على الدوار والصداع والقيء والإسهال والحمى، بل تعداها إلى الكذب والتزوير والغش، والهزال الفكري والأمراض المعنوية والنفسية التي هي أشد وطأة وأنكى ألما وأوخم عاقبة!! وإذا كان اللبلاب يصل طوله إلى ثلاثة أمتار وحتى سبعة أمتار فبعض هؤلاء المتسلقين وصل طوله إلى أضعاف أضعاف ذلك، وذلك بفعل المطبلين والمزمرين والرداحين والملمعين، وهي ميزة يفتقدها اللبلاب المسكين!! فأصبحنا نعيش في عالم من الزيف، أو نحن ضيوف على هذا الزيف؛ فهو رب الدار ونحن الغرباء!! وإذا كان رجالات الحديث في تراثنا العربي قد اخترعوا علما لم يسبقوا إليه هو : علم الجرح والتعديل؛ ينزلون به الرجال منازلهم من الصدق والكذب والتدليس والنسيان والوهم والوضع والتقول، فواجب علينا أن نبعث هذا الفن أو العلم فنعدل به من كتابنا وفنانينا من نعدل ونجرح من نجرح، فنحن أحوج ما نكون إلى هذا الآن!! وأقرب من هذا وأيسر هو أ ن يتنور الناس ويعوا لكي يستعملوا هذا الجهاز الذي في رؤوسهم، هذا الذي به افترقوا به عن الكائنات، وبفضله سموا عليها، بل وطغوا وتجبروا، فبهذا العقل وحده يستبين الزائف من الحقيقي، والحق من الباطل والشر من الخير، وبه وحده يحصنون أنفسهم ضد كل مزيف طالت قامته أم قصرت!! ( وإلى لقاء )
#عبدو_أبو_يامن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دليل الرجل الذكي إلى الشهرة والأضواء.. ( حين يتسلق اللبلاب )
...
-
دليل الرجل الذكي إلى الشهرة والأضواء.. ( التابوهات الثلاثة )
...
-
هذا ما علمتنيه الحياة – 3 -
-
دليل الرجل الذكي إلى الشهرة والأضواء.. ( التابوهات الثلاثة )
-
هذا ما علمتنيه الحياة -2-
-
هذا ما علمتنيه الحياة
-
كلنا يهرب
-
إلى من سيضرم النار سريعا في هشيم العالم!!
-
كليلة ودمنة في أراب ستان -7-
-
ديكتاتور.. وغباء .. وقمر
-
الظاهرة المحفوظية
-
ومن العشق ما قتل!!
-
ليس بالجبن وحده يحيا الإنسان
-
متعلمون ولكن!!
-
دلالة المقاطعة والبحث عن معنى
-
فلسفة السؤال، والثقافة المفقودة
-
فرنسا شيراك، والبحث عن دور
-
متى أكتب؟!
-
كليلة ودمنة في أراب ستان -6-
-
كليلة ودمنة في أراب ستان -5-
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|