في كتابه "امم متخيله" (1983), يذكر بينديكط اندرسون ان الادب يكون بصورة كبيرة الشعور بالانتماء, المصير المشترك, والهوية المشتركه المطلوبة من اجل بناء القومية. الادب العبري يوفر مثالا مثيرا للاهتمام للعلاقات بين الادب والقومية. بياليك يرى ان الادب والقومية هما ظاهرتين لا يمكن التفريق بينهما. احدى الجوانب المهمة في الادب العبري ما قبل قيام الدولة, كان تمثيل العربي وتصويره كاخر مطلق (بمصطلحات ادوارد سعيد), ما يمكن السيطرة عليه, ويعطي لهذه السيطرة شرعية وبعدا اخلاقيا.
في هذا المقال ساناقش هذا الموضوع من خلال القصة العبرية "الشيخ عبد القادر" للكاتب موشيه سميلانسكي, واشير الى مجموعة القيم المعروضه فيها والتي تظهر طبيعية وموضوعية للقارئ البسيط, وابراز المبنى السياسي الذي ينتجها ومصالحه من وراء ذلك, كما ساشير الى الطريقة التي فيها تقوم القصة عمليا بدعم التحكم بالعربي.
اختيار وجهة النظر في القصة والهدف السياسي من وراء ذلك:
القصة مروية من وجهة نظر الجانب الاخر, من وجهة نظر البدو سكان المكان منذ اجيال. الباحثة الاسرائيلية نوريت جوفرين ترى انه يجب رؤية هذه القصة كاحدى المحاولات القليلة والمميزة لتصميم جذور ما يسمى بالصراع اليهودي عربي بحيث ان الذنب ليس ملقيا فقط على اليهود , المستوطنون الجدد, بل ايضا واساسا على البدو انفسهم. برايي فان وجهة النظر هذه سطحية, تظهر جوفرينا كقارئة بسيطة على الرغم من كونها باحثة ومحاضرة اكاديمية, حتى وان اخذنا بعين الاعتبار حقيقة كونها صهيونية من حيث العقيدة, وان تحليلها هذا نابع من ارادتها لتكريس نوايا سميلانسكي المجندة للحركة الصهيونية.
عن طريق وجهة نظر البدوي نعلم –نحن القراء- ما يحصل من المراحل الاولى للصراع, قبل الهجرة اليهودية الى البلاد, وحتى مرحلة اقامة المستوطنة والاعتراف بان اليهود يستحقون هذا. في المراحل التي يمر بها البدوي, من وجهة نظر الشيخ, تمرر معلومات عما يحصل. هذه المعلومات تساعد على تعريف اليهودي كمن يختلف عن البدو. ادوارد سعيد تكلم عن هذه التخنيكا بقوله ان الشرق ساعد على تعريف اوروبا (او الغرب) كنقيضه في التصور, الفكرة, الشخصية والتجربة. باحثة اسرائيلية اخرى باسم يافا برلوفيتش رات ان هذه المعلومات هدفها ايقاظ مقارنة بين العربي واليهودي, حيث الهدف هو اثبات, بصورة مباشرة او ملتوية, افضلية اليهودي في "ارض اسرائيل", على ضوء التخلف الثقافي والاخلاقي للعرب الموصوفين في القصة.
نقطة اخرى تتعلق باختيار وجهة النظر العربية لرواية القصة هي اعطاء شرعية للاستيطان, عن طريق ذلك بانه حتى العرب يعترفون بافضلية اليهود في البلاد. يبرز هذا حين يقول الشيخ عبد القدير "ان الله في داخلهم " (داخل اليهود). بالاضافة الى ذلك, صحيح ان الشيخ اعترف بكراهيته لليهود لكنه ايضا اعترف بانه "ابتدا يحترمهم". وبهذا يفهم المهاجرون المغزى المزدوج الذي اراد سميلانسكي تمريره لهم: العرب سيواصلون كراهيتنا, لكن هذه الكراهية نابعة من غيرتهم من انجازاتنا. هذا العرض للعرب ككارهون لليهود وصف على يد نوريت جوفرين بانه "رؤية واقعية" التي حسب ادعائها "ترى بالعرب اعداء, منافسون, الذين يحاولون ابعاد اليهود العائدين الى ارضهم".
سميلانسكي يجتهد في القصة لاظهار الاختلاف بين العربي واليهودي (الانا والاخر) كاساس لتكوين هوية جماعية يهودية. توجد محاولة لابراز اليهودي كايجابي, ليبرالي, متحضر وانساني وعلى عكسه العربي كدوني, بدائي, همجي وضعيف. وهذا يتم بعدة اساليب:
1. ابراز مسالة النزاعات الداخلية في داخل القبيلة والتي ادت الى تفككه. هذا التفكك يوازي الوحدة بين ابناء المستوطنه اليهودية. سميلانسكي يبرز هذه الوحدة في وقت المعركة بين البدو واليهود. البدو متفرقون في حين "من كل حدب وصوب يسرع العبريون". انتصار اليهود هو في وحدتهم, في حين ان هزيمة البدو هو بتفككهم.
2. بيع الاراضي طمعا بالمال, كحال ابناء رمله الذين "خانونا ... والذين في جامعهم صلينا معهم حوالي خمسون عاما, وهم ذهبوا وباعوا اراضيهم لليهود- هم باعوها بالمال".
3. البدو يتهمون احدهم الاخر. مثلا, اتهام حمدان لابو دعي بقوله "خائن انت".
4. كسلهم, كما قيل للشيخ عبد القدير: "كسالى نحن, اذ طوال ايام سكننا على الارض لم نغرس فيها شجرة ولم نحفر بئرا كاليهود".
5. العرب متخلفون وبدائيون. في احد المقاطع يصفهم سميلانسكي بينما "يلتقطون فتات الخبز الابيض, بقايا الفواكه وقشورها, عظام اسماك ولحوم ويتقاتلون على ما يجدونه... فقط عبد القدير يتصرف ككبير". القتال على ما يجدونه يوازي الصراعات الداخلية لدى العرب. اضافة الى ذلك, وصف عبد القدير كصاحب عقل وحكمة جاء ليعزز من قيمة اعترافه في نهاية القصة حول احترامه لليهود, وبهذا, ليظهر سميلانسكي للمهاجرون ان كل العرب يعترفون بافضليتهم وبحقهم بهذه الارض.
العربي كشخصية معادية:
سميلانسكي لجا ايضا الى وصف العربي كشخصية معادية يجب التعامل معها بصورة ملائمة. فالعربي ليس بدائيا ومتخلفا مسالما بالامكان التعايش معه, بل ايضا قاس لدرجة يجب معها طرده. هذا يتم بعدة اساليب:
1. العرب يظهرون في قصة سميلانسكي ككارهون لليهود, استغلاليون واشرار. هذا يبرز في قول ابو دعي "استغل نقودهم... كل النقود التي يخرجونها تجئ لايدينا, وتكون كل قوتهم بايدينا...". عن طريق قول كهذا يتوجه سميلانسكي الى اليهود الذين يشغلون عربا: احذروا, العرب يريدون ابادتنا. الهدف الخفي لديه: ايقاف تشغيل العرب لدى اليهود من اجل ان يكون العمل "عملا يهوديا". قول الشيخ عبد القدير "نحن نكرههم... ولكني ابتدات احترمهم" يحمل معنيين لا تناقض بينهما. الاول: العرب يكرهوننا من منطلق الغيرة والحسد. المعنى الاخر هو اظهار اليهودي كبطل عن طريق اظهار مشرق للعالم الجديد الذي بناه. العربي حبيس غيرته وكراهيته لليهودي يبقى سجينا في عالمه المتخلف: "من المستوطنة ابتدات تلمع اضواء عديدة... هنا مجموعة من البدو مجتمعة لدى الشيخ وضيفه ويتهامسون. النساء تهدهد اطفالها باغاني حزن... وهناك من المستوطنة تسمع اصوات يانعة في غناء مرح...".
2. العرب يتحدون فقط على كراهية اليهود. هذا يبرز عند احتضار ابو دعي. هو ينصح الشيخ عبد القدير بمضاعفة القوة من اجل محاربة اليهود. حينها يشعر عبد القدير حبا عميقا تجاهه لانه "اظهر له طريقا في الحياة" على الرغم من انه كرهه قبل ذلك.
3. عربي مع قوة هو انسان قاس. هكذا وصف سميلانسكي الشيخ عبد القدير: "ويكبر يوما بعد يوم, وقلبه يصير قاسيا. نسي كل رحمة ولم يستمع لاي توسل. كل هدفه كان المال". على عكس العربي, يصف سميلانسكي اليهودي بانه "لا يستغلهم او يعذبهم (اي العرب) كمالك متسلط" وهذا يرفعه الى درجة "انساني ليبرالي ومحب للانسان". هذا الاختلاف هو الذي يقود اليهودي للبقاء- حسب سميلانسكي. التبرير لهذا يعطيه الشيخ عبد القدير: "من لا يوجد اله في داخله لا نحترمه... هل رايت يهودي يبيع ارضه لغير اليهودي؟ هل رايته ياخذ رشوة من رؤساء المستوطنات من اجل اتهام وتذنيب ابناء طائفته؟ كلا".
كل ما ذكر حتى الان يبرر –من ناحية سميلانسكي وانصاره- دونية العربي والحاجة لبناء "جدار فاصل" بينهم –اليهود- وبينه, العربي. يستشف من القصة انه ممنوع التعامل مع العرب لانهم اصحاب هدف واحد: امتلاك القوة والتحكم "بنا"- اليهود. سميلانسكي يبرر عدم نجاح العرب في هذا الهدف لانه لا يوجد اله او اخلاق في داخلهم. هو يحذر ايضا من تحقق هذا الاحتمال –امتلاك العرب للحكم- اذ حينها سينتج وضع تكون فيه الثقافة الحاكمة ليست "ثقافتنا", اي الثقافة الانسانية والاخلاقية, بل "ثقافتهم", اي التخلف الاخلاقي والبدائية.
نوريت جوفرين تدعي ان احد نجاحات سميلانسكي تكمن بامتناعه, من جهة اولى, عن توجيه اتهام مباشر لاحد الاطراف المشاركة في الاحداث, ومن جانب اخر, اظهاره لاقتناع البدوي بان الله بداخلهم, وانه لا يوجد احتمال لطردهم عن ارضهم. بالاضافة الى ذلك ترى جوفرين ان وصف الحرب بين اليهود والبدو هو "وصف لمعركة بين متساوون". لاول وهلة, ادعائها يبدو صحيحا, لكن في الحقيقة فان المضمون المعادي للعرب الذي شحن به سميلانسكي القصة يلغي ادعائها ويدحضه.
كل ما قيل حتى الان يثبت امرا واحدا, ان القصة هي نص سياسي يخدم قيما ومفاهيم صهيونية مثل انقاذ الارض واحتلال العمل. النتيجة هي اقصاء العربي عن ارضه وتحكم –استطيع القول- امبريالي في مصادر معيشته. ادوارد سعيد يرى ان هذه الخطوات جاءت من اجل "ضمان ان اي شرقي (عربي) لا يسمح له ابدا ان يكون ذاته وان يتحكم بذاته".