صلاح عودة الله
الحوار المتمدن-العدد: 2320 - 2008 / 6 / 22 - 08:28
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
أبدأ مقالي هذا بمقطع من قصيدة مظفر النواب"في الحانة القديمة":
"عفواً يا مولاي فما أخرج من حانتك الكبرى إلا منطفأً سكران..أصغر شيء يسكرني في الخلق فكيف الإنسان؟ سبحانك كل الأشياء رضيت سوى الذل,وأن يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان..وقنعت يكون نصيبي في الدنيا.. كنصيب الطير, ولكن سبحانك حتى الطير لها أوطان.. وتعود إليها..وأنا ما زلت أطير.. فهذا الوطن الممتد من البحر الى البحر..سجون متلاصقة..سجان يمسك سجان"...!
كلما وقعت كارثة طبيعية أو انفجرت حرب في أي مكان في العالم, تنقل وسائل الاعلام العالمية مآسي نزوح مئات الآلاف من اللاجئين من منطقة الخطر. وبعد هدوء العاصفة وانشغال وسائل الاعلام بحدث جديد في بقعة ثانية على الكرة الأرضية, تبتعد عدسات الكاميرات والتقارير الصحافية عن المشردين, وتتركهم يلملمون اجزاء ما تبقى من حياتهم المحطمة. وتختلف تفاصيل قصة كل مهجر عن الآخر, لكن المأساة تبقى نفسها: انعدام الأمان اليوم والخوف من المستقبل المجهول. ومنذ عام 2000, أقر مجلس الأمن في الأمم المتحدة بأن يكون 20 حزيران (يونيو) يوماً للتذكير بشؤون اللاجئين والاحتفال بصمودهم وانجازاتهم.
اللاجئون، تعريفاً، هم الأشخاص الذين يخرجون إلى قارعة الطريق رغما عن إرادتهم، وتؤدي الصراعات وممارسات الاضطهاد إلى تشريدهم من قراهم ومدنهم وتشتيت شمل أسرهم. في يومهم العالمي، زادت أعدادهم بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بنسبة 14 في المئة إلى نحو 10 ملايين. وتعود الزيادة أساساً إلى الوضع في العراق، فيما لا تشمل الأرقام نحو 5 ملايين فلسطيني في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة.
ما أهمية الاحتفال باليوم العالمي للاجئين؟
- رفع الوعي بمعاناة اللاجئين والنازحين والمشردين من ديارهم .
- إلقاء الضوء على أحوال اللاجئين "المنسيين" وأوضاع اللجوء التي توارت عن الأنظار.
- تعزيز التزام الدول بحماية اللاجئين والنازحين داخل أوطانهم.
شكلت أهوال الحرب العالمية الثانية قوة دافعة في إطار الجهود المبذولة على الصعيد العالمي سعياً لتحقيق السلام العالمي والعدالة والكرامة الإنسانية ، حيث كانت الأمم المتحدة في مقدمة من بذل هذه الجهود. ومن المحزن حقاً انه بينما نحتفي بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان فان الفلسطينيين يقومون بإحياء ذكرى مرور ستة عقود على ما أصبح معروفاً لديهم بالنكبة ، في وقت ما يزال فيه الكثيرون منهم يعيشون عذابات المنفى والإقصاء والعزلة.
المنفى: على مدى ستين عاماً ما زال الفلسطينيون يعيشون في المنفى بعيداً عن أرض أجدادهم. وربما يتبدى ذلك في أوضح صوره في الضفة الغربية أكثر من أي مكان آخر حيث تزيد الحواجز غير القانونية والمئات من نقاط التفتيش والعراقيل اليومية حدة الإحساس بالمنفى هناك. أما في غزة فسياسات الإغلاق والعقاب العشوائي تدمر نواحي الحياة ، مما يسبب اليأس الجماعي و يهدد بالقضاء على أية آمال للسلام.
الإقصاء: يواجه الفلسطينيون أيضاً إقصاءهم من العدالة التي يضمنها القانون الدولي الذي يهدف إلى توفير الحماية والأمن والكرامة كمسلمات مفروغ منها في عالم أصبح فيه احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون مبادئ رئيسة تسترشد بها الحوكمة العالمية. وينص جوهر القانون الدولي صراحة على منع الاعتداء المنهجي على السكان المدنيين وحرمانهم المتعمد من الغذاء و استهداف تدمير البنية التحتية المدنية ونقل سكان قوة الاحتلال إلى الأراضي التي تحتلها تلك القوة. إن انتهاك هذه النصوص وغيرها يسهم في تعزيز مشاعر الفلسطينيين بإقصائهم من النظام الدولي للحماية.
العزلة: يواجه الفلسطينيون العزلة عن المساعي التي يبذلها المجتمع الدولي للسلام في الشرق الأوسط ، وهو سلام لا يمكن أن يكتسب صفة الثبات والديمومة إلا إذا كان سلاما عادلاً وشاملاً للجميع. وينبغي الإقرار بان اللاجئين الفلسطينيين هم طرف مهم معني بنتائج التسوية المتفاوضة عليها. إذ أن مشاركتهم من شأنها تعزيز شرعية تلك النتائج وضمان قبولها.
ومن هنا فاننا ندعو بأن تقوم السلطة الفلسطينية بدراسة فكرة إصدار قانون العودة الذي يتيح للفلسطينيين حق العودة إلى الوطن وفق قرارات الشرعية الدولية، وفي هذا السياق ندعو إلى دراسة وتقييم نتائج منح الجنسية للاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية وآثارها الضارة على الهوية الوطنية من جهة، ومفهوم حق العودة من جهة ثانية. وبهذا اليوم نرى بضرورة التأكيد على المبادئ التالية:
- تبني الاقتراح القاضي بضرورة العمل على تطوير التفويض الممنوح من الجمعية العامة للأمم المتحدة لوكالة الغوث لكي يتضمن آلية دولية لحماية اللاجئين الفلسطينيين وتفعيل حقهم في العودة إلى وطنهم المعترف به دوليا كما ورد في الفقرة (11) من القرار 194.
- ضرورة العمل على إحالة موضوع اللاجئين الفلسطينيين إلى المفوضية العليا للاجئين باعتبارها هيئة دولية معنية حسب نظامها الداخلي الذي ينص على "حق العودة السياسية للاجئين إلى أوطانهم حتى ولو بالقوة" وذلك لا يعني مطلقا إلغاء الدور الخدماتي والإنساني للوكالة وإفشال كل المحاولات الدولية الجارية لتحويلها إلى وكالة إقليمية تمولها الدول العربية كمدخل لنزع البعد الدولي من قضية اللاجئين وتحويلها إلى قضية عربية إقليمية.
- لا يكفي بعد مرور ستون عاما على نكبة فلسطين واغتصاب الوطن وفقدان السيادة، المشاركة في المهرجانات الشكلية، بل انه لا بد من الإحساس العالي بالمسؤولية الوطنية وما تحتاجه من صحوة فعالة للعقل الوطني العربي والفلسطيني من اجل توفير المقومات المادية للمؤسسات التي تنبري للدفاع عن حقوق اللاجئين والشعب الفلسطيني استنادا إلى الحق التاريخي والسيادة القانونية من جهة والحقوق المشروعة التي نصت عليها مقررات الأمم المتحدة من جهة أخرى، تمهيدا للتوصل إلى حلول عملية تعزز هذه القواعد والأسس بالرغم من كل عوامل التراجع الدولي في هذه المرحلة.
- ضرورة التأكيد على أن حق العودة حق طبيعي وشرعي لا تجوز فيه الإنابة أو التفويض أو إخضاعه للاستفتاء أو استطلاعات الرأي. وكذلك التأكيد على أن" إسرائيل" هي التي تتحمل كامل المسؤولية عن مأساة الشعب جراء نكبة وحرب عام 1948م بالإضافة إلى اعتبار حق العودة والتعويض حقان متلازمان للاجئين الفلسطينيين لا يمكن تجزئتهما.
- ضرورة التأكيد على إن الطريق إلى السلام لا يمكن أن يتحقق إلا بالتزام الأطراف المعنية بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تقضي بإزالة الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي العربية، و إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وإزالة المستوطنات و إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين بعودتهم إلى ديارهم.
مكان يدعي "الوطن":
شعار المفوضية السامية للاجئين هذا العام يبين حاجة اللاجئ الى مأوى ومكان ينتمي اليه, ان لم يكن لبلد اجداده, فلبلد جديد يؤمن له ما كان على بلده الاصلي تأمينه. وقال المفوض السامي للاجئين في هذه المناسبة: "كلنا في حاجة الى مكان نسميه الوطن... ولكن لملايين اللاجئين والنازحين حول العالم اليوم, الوطن حلم بعيد". وليصبح هذا الحلم حقيقة, يدعو المفوض الحكومات والشعوب الى الاهتمام باللاجئين من دول أخرى, فمن الممكن ان يتعرض أي شخص لتشريد أو تهجير لسبب مفاجئ. ومن كان يتوقع, ان ألمانيا التي غادرها مئات الآلاف منذ اكثر من ستين سنة في ظل نظام أدولف هتلر, ان تصبح من أكثر الدول استقبالاً للاجئين اليوم؟
"بيرتراند روسل"، في كلمته الأخيرة قبل أن يموت، تكلّم عن هذه الحقوق في رسالته للمؤتمر الدولي الى أعضاء مجلس النواب في فبراير/شباط 1970: "مأساة شعب فلسطين أنّ بلدهم أعطى بقوة أجنبية إلى شعب آخر لخلق دولة جديدة. النتيجة كانت مئات الآلاف من الأبرياء جعلوا مشرّدين بشكل دائم. مع كلّ نزاع جديد أعدادهم تزاداد. الى متى يحتمل العالم هذا المنظر شديد القسوة؟ من الواضح جدا أن اللاجئون يمتلكون كلّ الحق في الوطن الذي منه طردوا، ونكران هذا الحق هو جوهر النزاع المستمر."
وأنهي مقالي هذا بما قاله شاعرنا الفلسطيني الكبير محمود درويش: "عن إنسان..وضعوا على فمه السلاسل..ربطوا يديه بصخرة الموتى، وقالوا: أنت قاتل..أخذوا طعامه، والملابس، والبيارق..ورموه في زنزانة الموتى، وقالوا : أنت سارق..طردوه من كل المرافئ..أخذوا حبيبته الصغيرة،ثم قالوا: أنت لاجئ..يا دامي العينين، والكفين إن الليل زائل..لا غرفة التوقيف باقيةٌ ولا زرد السلاسل..! نيرون مات، ولم تمت روما بعينيها تقاتل..وحبوب سنبلةٍ تموت..ستملأ الوادي سنابل..!
**تم الرجوع لبعض المصادر.
#صلاح_عودة_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟