سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2317 - 2008 / 6 / 19 - 02:19
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
علما أن كل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية, تجيز للشعوب المحتلة مقاومة جلادها,وعلما بان المنطقية تكون عرجاء وظالمة عندما نساوي بين الضحية والجلاد, ونلجم المقاومة من اجل وقف العدوان الذي لن يتوقف, وان تَوَقَفْ في مكان لن يَتَوَقَفْ في آخر, وان تَوَقَفْ كتكتيك لن يتوقف كإستراتيجية متجذرة في الايدولوجيا الصهيونية, ولو كان وقف المقاومة يتوقف عند وقف العدوان, فماذا نقول للشهداء وللأسرى, أنقول لهم أننا تعبنا واعتنقنا البرجماتية لموازين القوى, إنها معادلة مجحفة ونتائجها وخيمة إذا ما توقفت المقاومة بالمطلق دون حراك سياسي, فلو أخذنا نقيم الأمور للتحرير على اساس هذه المعادلة, فيعني أن فلسطين ستبقى محتلة ,وان استثمار زمان التهدئة تلك لتثبيت صغائر الأمور لدينا, فإنها ستثبت عظائم الأمور لدى عدونا, لان وقف المقاومة دون برنامج سياسي يحدد سقف زيادة أو خفض وتيرتها, مقابل وقف العدوان يعني بقاء الوضع كما هو عليه, في حين إن سنامة العدوان هو الاحتلال.
ولست هنا ضد التوجه صوب التهدئة, بقدر ما وددت لو أن تلك التهدئة جاءت وفق مخطط وطني شامل, ووفق نظرية وثابت طالما ناديت به حتى عندما طالب الأخ الرئيس/ أبو مازن بالتهدئة لإتاحة المجال لخط العمل السياسي, ذلك الثابت هو ضرورة التوافق وتوزيع الأدوار بين خط المقاومة وخط السياسة, كي لا يتفرد الصهاينة بكل منهما نتاج تداعيات الانقسام البغيض, فان كانت التهدئة ضرورة ملحة يجب أن يكون لها سقف وأهداف لاتخالف ولا تتنافر مع مشوار التحرير, فبالأمس كانت التهدئة عبثا ومطلب وقف المقاومة لسحب الذرائع بالتهرب من الاستحقاقات السياسية جرما, واليوم وبعد الحصار الظالم والجائر مع صمت عربي وإسلامي على المذبحة الشاملة تصبح التهدئة مصلحة عليا وضرورة وطنية, ونحن مع الإجماع الوطني للتوجه صوب التهدئة من عدمها, ولكن علينا كذلك الحذر من دخول نفق التهدئة, وعدم الإيمان المطلق, والثقة العمياء, بصدق نوايا الصهاينة, خاصة في ظل نموذج المرحلية وما تعنيه هذه"السياسة المرحلية" من خديعة قديمة حديثة, يتحقق مع بداياتها الأهداف الصهيونية عاجلا, ويتم تعطيل الأهداف الفلسطينية آجلا.
وحيث أن التهدئة التي نهرول صوبها, تنقسم إلى ثلاثة مراحل كما أرادها الصهاينة, فبين سطور تلك المرحلية يسكن الشيطان:
• المرحلة الأولى : وقف كل أشكال المقاومة من قطاع غزة, وبالمقابل وقف جزء من أشكال العدوان, ألا وهو العدوان العسكري, مع فتح محدد للمعابر ,باستثناء معبر رفح!! للمستلزمات الإنسانية.
• المرحلة الثانية: وهي بيت القصيد والأخطر على الإطلاق, إطلاق سراح الأسير الصهيوني"جلعاد شاليط" ومن اجل هذه المرحلة سيتنكر الصهاينة في جميع أثواب الوداعة الإنسانية, والوعود البراقة بالمرحلة الثالثة المزدهرة, والتي يعتقد البعض أنها ستبقي موازين القوى كما هي عليه, لذلك سوف نشهد لينا في التعاطي مع شروط إطلاق سراح الأسير"جلعاد شاليط" لا اعتقد انه سيتم التمسك بنفس السقف الأول المطلوب عند اعتقاله, وذلك بحجة تخفيف المعاناة عن أهلنا, ولا ضير في ذلك, لكن ما احذر منه وكم حذر هذا القلم القارئ بين السطور من مخاطر, وضربت رؤيته في عرض الحائط ووقعت الكوارث كما خطها القلم المتجرد والرؤيا الثاقبة, واعتقد بل ربما اجزم انه لن يكون هناك مرحلة ثالثة, ويكون الأسير شاليط علامة انجاز سياسي, يتلوها ضربات عسكرية قاسمة, تلك الضربات ستجد لها مايبررها, وان لم توجد المبررات نتيجة الخلافات الفصائلية والتي ربما ترفض وقف المقاومة بالمطلق, فان العدو خبير في افتعال وخلق تلك الذرائع!!!
وقبل الوصول إلى المرحلة الثالثة , ربما تشهد الساحة الوطنية نشاطا غير مسبوق في محاولة لإنهاء حالة الانقسام الوطني, فالتهدئة مع العدو ليست بأهم من التهدئة وإنتاج الوفاق بين الفرقاء, فلاشيء سيبقى على حاله بعد انتهاء المرحلة الثانية حسب تصوري, ولن تفتح المعابر بالكامل كما وعد الصهاينة, بل سيبقى الحصار ليحقق أهدافه والتي جاءت من اجل أهداف سياسية قبل أن تكون من اجل وقف مقاومة, وذلك بدفع حركة حماس للانخراط في عملية التسوية السياسية, والتي يتوهم البعض أن نهايتها هي نهاية فترة"بوش اولمرت" بل ستستمر بموازاة محاولات التسوية على المسارين اللبناني والسوري, ولكن أن يعتقد البعض في حال عدم انخراط حماس في مسار التسوية أو حتى الابتعاد عن اللعبة السياسية بمفاجأة قد تلوح في الأفق, فان ذلك لن يغير من الأمر شيء على المسارين "اللبناني والفلسطيني" بخصوص المقاومة ومحاولة تسييسها, وجعل أسلحتها ملك السلطات السياسية, سواء كما سيتم في لبنان وربما أكون بفضل الله أول من قرأ المخطط الغربي في مقالتي إبان اتفاق الدوحة, فقد قلت في مقالتي" أننا ربما نشهد أسرع طرح للتسوية على المسار اللبناني, وطرح الانسحاب من شبعا وكفر شوبا وتسليمها للقوات الدولية, كمرحلة أولى لحين ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان وتثبيت السيادة اللبنانية على تلك المزارع" وهذا ماطرحته معظم الدول الغربية اليوم, وكان آخرها الطرح الفرنسي والطرح الأمريكي, والهدف النهائي, هو سحب أسباب تواجد أسلحة المقاومة في يد"حزب الله" وتسليمها للدولة مع انتهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي اللبنانية, وفي الحالة الفلسطينية إن لم تنخرط حركة حماس خاصة في مسار التسوية السياسية, فان التهدئة تكون خدعة صهيونية, لأنهم لن يقبلوا إعطاء مزيد من الوقت لفصائل المقاومة كي تزيد تسليحها, وتطور أسلحتها حتى تصل إلى أعماق عقر مغتصباتهم"تل أبيب", فإنني أتوقع بعد المرحلة الثانية مباشرة وتحرير "جلعاد شاليط" سوف نشهد إجراما صهيونيا منقطع النظير, خاصة وان التهدئة شفهية يديرها عمليا فصيل مقاومة واحد يستطيع أن يفرض رؤيته على باقي الفصائل محدودة الإمكانيات ومحدودة الحرية, وسيكون اتفاق التهدئة المهتريء كريشة في مهب الريح, لاضمان له بعد المرحلة الثانية, وربما لن توضع الوساطة المصرية موضع الحرج, في حال عدوان بري وجوي واسع على قطاع غزة, لتدمير البنية التحتية لفصائل المقاومة الفلسطينية, بل وربما احتلال أجزاء واسعة تصل إلى العمق السكاني الكثيف كمحميات وادرع بشرية للقوات الصهيونية الغازية, وفي أصعب الأحوال المستبعدة إذا ماقضت الحاجة سيتم احتلال قطاع غزة من جديد, رغم أن هذا الاحتمال ضعيف بحسابات الربح والخسارة, لان خسارة العدو ستكون فادحة.
وربما هنا لست فقط متشكك أو اشكك بنوايا قيادة الكيان الإسرائيلي المتربصة بالمقاومة وإمكانياتها المؤثرة, لكنني أكاد اجزم بان المرحلة الثالثة والمتمثلة في رفع كل العوائق, وفتح المعابر جميعها بما فيها معبر رفح البري, وتسهيل دخول وخروج حركة المسافرين والبضائع الفلسطينية, هي حسابات خاطئة قبل التعامل مع الإمكانات العسكرية للمقاومة, والتدمير المطلق للأنفاق القائمة على الحدود المصرية مع قطاع غزة, وتبقى الفرصة أثناء ذلك التربص الصهيوني المرحلي الخبيث, مواتية لبدء الحوار الفلسطيني الفلسطيني, والوصول إلى توافق ومصالحة وطنية شاملة , تنهي حالة الانقسام على غير رغبة الصهاينة, مما يجعل مخططات قيادة الكيان السياسية والعسكرية في حالة من الإرباك.
لكني بالمحصلة وكما بدأت انهي, اعتقد أن شيطان المرحلية يكمن في التفاصيل ويتخذ له مكانا قصيا بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية, لنجده في حالة حضور كامل بعد اقتراب نهاية المرحلة الثانية, تلك المرحلية التي هي لعبة صهيونية صرفة, ومن لم يتعلم من أخطاء غيره ويستخف بلعبة المرحلية فعليه أن يكون جاهزا لدفع فاتورة الحساب الباهظة, وهنا لا يسعني وبكل تجرد وروح وطنية, إلا أن ادعوا حركة حماس قبل أن تدخل نفق المرحلية والتهدئة, أن تباشر عملية الحوار ويقترب قادتها بوثبات حسن نوايا صوب يد الأخ الرئيس/ محمود عباس الممدودة لهم كي تنتهي مأساة الانقسام الوطني التدميري, ومشاركته رؤية التهدئة وإمكانيات إقدام قادة الكيان الإسرائيلي للنكوص بتعهداتهم بعد المرحلة الثانية, فالرؤية الجماعية, والرأي الجماعي تفوت على الصهاينة فرصة التفرد بفئة دون غيرها, وفي المحصلة فإنهم يدمرون المسار السياسي كما يدمرون مسار المقاومة, وما دون ذلك هو خلق حالة من اللحمة السياسية وتخفيف وتيرة المقاومة إلى أدنى درجاتها من اجل تهدئة يكون لها مردوداتها الشاملة على المصلحة الوطنية العليا في حال انسجام خطي المقاومة والسياسة وقيادة تلك المسارات, وانصهارها في بوتقة العمل المشترك, ومادون ذلك ولا يتمناه حر شريف هو تدمير وعدوان لا أخاله بعيدا عن حيثيات المرحلة الثانية للتهدئة قبل الوصول للمرحلة الثالثة.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟