|
هل يمكن أن تتحاور الثقافات المتباينة؟
أحمد سوكارنو عبد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 2317 - 2008 / 6 / 19 - 02:23
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
لا شك أن صمويل هنتجتون هو أول من تنبأ بأن العصر الحالى لن يشهد صراعا اقتصاديا أو ايدولوجيا بل سيشهد صراعا ثقافيا وحضاريا. ولا سبيل لتفادى ويلات هذا الصراع إلا من خلال الحوار بين الثقافات. لقد نظمت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومركز الدراسات الأوربية بجامعة القاهرة يوم الخميس 30 إبريل المنصرم ندوة حول الحوار من أجل التعايش والذى يتضمن ورشة عمل حول "الحوار بين الثقافات... إلى أين". من الواضح أن المحور الرئيسى والمحاور الثانوية لهذه الندوة تنطلق من فرضية معينة هى إمكانية إجراء حوار بين الثقافات. وفى رأى فإن الحوار المثمر والبناء يكون دائما بين طرفين يتفقان فى أمور كثيرة ولديهما رؤى وقيم مشتركة. أما إذا كان لدى الطرفين منطلقات مختلفة وفلسفات متباينة فحينئذ لا يكون الحوار مجديا إذ سيتغلب طرف على الآخر بحجه علو كعبه الأخلاقى والقيمى. ورغم أن الإجابة بالنفى تنتظر التساؤلات المطروحة فى ثنايا هذا المقال فإننا فى حاجة إلى إعادة ترتيب أوراقنا إذا كنا جادين فى إجراء حوار فعال مع الثقافات الأخرى. هل يمكن أن تتحاور ثقافة تعيش على التناقضات وعلى عدم احترام الآخر مع الثقافات الأخرى؟ يعيش الكثيرون فى بلادنا حياة تتناقض فيها القيم والمثل. أحد معارفى يرفض فوائد البنوك ويصر على استخراج دفاتر توفير لا تمنح أية فوائد للمودعين وفى نفس الوقت يطلب من زملائه فى العمل التوقيع بدلا منه فى دفاتر الحضور والانصراف. كيف لثقافة لا يحترم فيها المواطن أخيه المواطن أن تتحاور مع ثقافة يحترم فيها المواطنون بعضهم البعض؟ لقد وقفت فى طوابير طويلة فى أمريكا وانجلترا لشراء تذاكر المترو أو لدفع قيمة المشتريات فى السوبر ماركت أو لشراء طعام فى كافيتريا الجامعة ولم يحدث أن تعرضت للدفع بالأيدى والأرجل أو تلقيت لكمات فى الوجه كما يحدث فى بلادنا. أذكر أننى كنت واقفا فى الصف لشراء طعام الغداء فى مطعم جامعة بفلو (نيويورك) وحدث أن نظرت خلفى لأجد إحدى أساتذتى تقف خلفى فعرضت عليها أن تقف أمامى فسألتنى لماذا؟ فأردفت قائلا: لأنك استاذتى ولكنها ردت قائلة هذا صحيح ولكنك حضرت قبلى فأسقط فى يدى ولم انطق ببنت شفة وذات مرة كنت أقف فى طابور داخل أحد البنوك فإذا برجل شرطة ذى قامة طويلة وعريض المنكبين يدلف إلى داخل البنك واعتقدت للوهلة الأولى أن الضابط سوف يتجه مباشرة إلى مكتب المدير الذى سيهب واقفا لتلبية كافة طلباته. وما يثير الدهشة هو أن الضابط لم يذهب هنا أو هناك بل وقف فى الطابور شأنه شأن بقية العملاء. كيف ستتحاور ثقافة لا تحترم قيمة الوقت مع ثقافة تقدس الوقت وتحترمه؟ لقد التقيت مواطنين من دول مختلفة منها انجلترا ونيوزيلندا وألمانيا ولم يحدث أن تخلف أحدهم عن الموعد المتفق عليه وفى المقابل فإن الكثيرين من مواطنينا لا يعيرون اهتماما بالمواعيد. أذكر أن أحد الزملاء اتفق معى على لقاء ولكنه تخلف عن الحضور ولم يقدم اعتذارا حتى يومنا هذا.
كيف تتحاور ثقافة ترتفع فيها قامة القانون فوق كل القامات مع ثقافة يتبارى أبناؤها على انتهاك القوانين؟ كيف تتحاور ثقافة لا تتردد فى إجراء تحقيق مع رئيس وزراء فى السلطة حول قضايا مختلفة أو التحقيق مع أحد أفراد أسرته حول أمور بسيطة مع ثقافة لا يتردد فيها المسئولون فى غلق الشوارع ومنع السير حتى تمر مواكب الوزراء؟ من المعروف أن المرء سوف يجد صعوبة بالغة فى العثور على رئيس وزراء عربى تعرض للتحقيق الجنائى أو حتى الإدارى وهو مازال محتميا بسلطات وظيفته ولم نسمع قط عن أحد أفراد أسرة رئيس وزراء أو حتى وزير فى عالمنا قد مر بتجربة التحقيقات النيابية لأننا نؤمن بالمثل القائل "المياه لا تصعد إلى الأدوار العليا". أما فى الدول الديمقراطية فلا يوجد بها أحد فوق القانون إذ يمكن التحقيق مع أى مواطن مهما علا شأنه أو ارتفعت قامته. وإليكم هذه الواقعة التى حدثت فى المملكة المتحدة فى يوم السبت 9 سبتمبر 2006م حيث كانت شيرى زوجة تونى بلير رئيس الوزراء حينذاك تشهد حدثا رياضيا لأطفال المدارس فى سكوتلندا عندما طلب فتى صغير يدعى مايلز جاندولفى والبالغ من العمر 17عاما أن يلتقط صورة معها فوافقت على الفور غير أن الفتى أتى بإشارة تشبه إذني الأرنب أثناء التقاط الصورة. وعندما لاحظت شيرى ذلك رفعت يدها نحو وجهه إلا أنها لم تصفعه بل داعبته وأخذته بين ذراعيها. ولسوء حظ شيرى فقد كان مسئولو حماية الطفل قد شاهدوا الواقعة وقاموا باستدعاء البوليس. لقد حضر 6 محققين للتحقيق فى الواقعة واستمعوا لأقوال الشهود حيث تبين أن زوجة رئيس الوزراء كانت تداعب الفتى ولم تسع لإيذائه بدنيا. وحتى الديمقراطيات الوليدة كإسرائيل لا تتردد فى التحقيق مع مسئوليها وهم فى السلطة. لقد ذكرت صحيفة جورسليم بوست الصادرة فى الأول من مايو 2008م أن النائب العام مناحيم موزوز سبق أن وافق فى إبريل عام 2007م على فتح باب التحقيق مع إيهود اولمرت، رئيس الوزراء، حول حصوله على شروط ميسرة حين اشترى منزلا فى القدس وفى أكتوبر من نفس العام فتح موزوز تحقيقا آخر حول تعيين أولمرت لأصدقائه المقربين عندما كان مسئولا عن مركز الاستثمار التابع لوزارة العمل والتجارة والصناعة. وهناك تحقيق آخر تناول شهادة ضمان وصلاحية استصدرها اولمرت من مركز الاستثمار لمصلحة شركة سيليكات للصناعات وهى ذات الشركة التى يمثلها صديق اولمرت وشريكه السابق يورى ميسر وهى الشهادة التى بموجبها وفرت الشركة 11 مليون دولار وحصلت على مزايا حكومية عديدة. وفى هذه الأيام يواجه اولمرت اتهامات خطيرة من شأنها أن تضع نهاية لمستقبله السياسى. لقد تعرض اولمرت للتحقيق يوم الجمعة 2مايو لمدة ساعة ونصف الساعة حول اتهامات جديدة تتعلق بتبرعات قدمها له مواطن أمريكى بين عامى 1999 و2002 وهى الفترة التى سعى فيها اولمرت لانتخابه عمدة لمدينة القدس. ولم يعلم اولمرت بشأن بدء التحقيق معه إلا قبل أربع وعشرين ساعة فقط. ومن الملاحظ أن جل الاتهامات التى يواجهها اولمرت تتعلق بوقائع جرت أحداثها قبل توليه رئاسة الوزراء فى عام 2006م.
الصراع القائم بين الثقافات فى هذا العصر هو فى الواقع صراع قيم ورؤى تتنافر وتتباعد. والسؤال: هل نكتفى بالندوات والمؤتمرات التى تنادى بحوار الثقافات أم أن الأمر يتطلب المزيد من البحث والتنقيب عن الجوانب والرؤى والقيم المشتركة وتحديدها بكل دقة قبل الخوض فى حوار مثمر وبناء مع ثقافات العالم؟
#أحمد_سوكارنو_عبد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المحمول وسنينه
-
هل سيرقص المسلمون إذا فاز حسين فى انتخابات الرئاسة الأمريكية
...
-
ماذا نعرف عن التعليم فى إسرائيل؟
-
حماس وحزب الله والأيادى الغريبة خلفهما
-
قراءة فى قانون المرور الجديد: الايجابيات والسلبيات
-
النفاق فى الدين بين العالم الإسلامى والغرب
-
رفقا بهذا البلد
-
قراءة فى الرسوم والأمور المسيئة للنبى
-
أضواء على الانتخابات الأمريكية
-
ظاهرة الطوابير فى كل مكان
-
كرة القدم والاستقرار السياسى والاجتماعى
-
باراك أوباما والانتخابات الأمريكية
-
لماذا لا يتملك أهالى النوبة منازلهم؟
-
المعلم فى مراحل التعليم المختلفة بين الأمس واليوم
-
عشوائية القرارات فى التعليم الجامعى
-
السلطة والقانون فى العالم المتحضر والعالم الثالث
-
إلى متى الخلط بين الرشوة والهدية ؟
-
تجربة انتخابات الحزب الوطنى فى مصر
-
مسلسل -يتربى فى عزو-: الدروس المستفادة
-
تجارب الطفولة وتأثيرها على شخصية الإنسان
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|