عبد العالي الحراك
الحوار المتمدن-العدد: 2316 - 2008 / 6 / 18 - 11:28
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
لا ادري كيف يفقد الانسان ذاكرته , اذا لم يصب بمرض ما يؤثر عليها مباشرة كمركز في الدماغ , او بصورة غير مباشرة . والذاكرة السياسية اكثر انواع الذاكرة رسوخا وثباتا , خاصة بالنسبة ليساريي العراق , الذين اتسمت حياتهم بالنضال العنيد, وتحملوا انواع التعذيب والعذاب والسجون والنفي والغربة. فذاكرتهم ذاكرة غنية ومفيدة وهي تراث بحد ذاته. العجيب في الامرأن يتنازل البعض عن هذه الذاكرة , لا اقصد ان يبقى يعيش احزانها وهمومها التي تركت , ولا ان تترك وتهمل ويبدأ صاحبها حياة جديدة بدون ذاكرة , حياة سطحية تبحث عن الراحة بأي ثمن , والتكيف مع أي وضع , دون مبدأ ودون عقيدة ودون ايمان . يتعامل بالسياسة المصلحية مع جميع المباديء والأيديولوجيات , ويتحول في ليلة وضحاها الى انتهازي , يتاجر بالكلام ويستخف بتجربته و ماضيه دون ان يأخذ منه العبرة , ودون ان يتجدد ,وانما يتنازل ويتشدق بتبريرات ومواقف تلبي المصالح الشخصية . فاستخدم نظريته التي كان يؤمن بها باتجاه خدمة الحاكم الفلاني او السلطة الفلانية. فقد تشدق يوما بالقومية , عندما كانت تحكم , والان يتشدق بالدين ويتقرب من سلطتها رغم انها تظهر انيابها الطائفية طمعا في منصب او وظيفة ناسيا ذاكرته السياسية وماضيه. اخذ يعادي بل يحارب المفاهيم والمباديء الجميلة التي بها كان يؤمن . فهو لا يطيق كلمة ثورة مثلا او طبقة عاملة او معارضة او استقلال ومقاومة اما دكتاتورية البروليتاريا فتجعله يحمر وتثير فية الحساسية الشديدة. وبذلك فهذه المفاهيم اصبحت في عرفه من المحرمات , بحجة ان الزمن تغير واحوال الناس تغيرت . يدعو الى الاستسلام وينمق الوجه القبيح لامريكا وينظر الى ما فعله الاخرون ويدعو الى تقليدهم دون معرفة الظروف والامكانيات. فقدان الذاكرة السياسية هذه تؤدي بصاحبها الى العودة الى ماضيه السحيق , والتلون بالوان الحاضر دون ان يذهب الى العمق. فتلاحظ عودة الناس عموما الى الدين والتقاليد والعادات الاجتماعية والعزلة . لان فقدان ذاكرة اليساري المبنية على الماركسية والتحضر والتمدن جعل البشر كل يعود الى اصله مرتدا الى التدين والخرافة والمفاهيم الاجتماعية القديمة. فقبل الفكر الماركسي كان الفكر البرجوازي والاقطاعي المرتبطان بالديني هما المتحكمان بسلوك وحياة البشروالآن فتح الباب على مصراعيه لهذه المفاهيم القديمة لتعود مرة اخرى. فظهر عندنا الدين الاسلامي بأبشع صوره من الهلوسة والتطرف والارهاب . وفي اوروبا وامريكا عادت المسيحية والكنيسة متعاونة مع اليمين والبرجوازية ولم يستعمل معظم اليساريين هنا افكارهم الانسانية السابقة , منذ سقوط الاتحاد السوفييتي واصبحوا وطنيين ورجعيين كما هم اليمينيين في احاديثهم واطروحاتهم ونظرتهم عن الانسان من غير جلدتهم الوطنية او الاثنية ولا فارق في اطروحات الطرفين . وكذلك الحالة بالنسبة لنا فليست هناك حدود فكرية في الطرح والتحليل فتجد الاسلامي والقومي وبعض اليساريين يتداولون نفس العبارات ويتخذون نفس المواقف تجاه ما يحصل في العراق مثلا . فالحديث عن الوطنية اختلط بين من هو وطني يساري واسلامي سياسي متدين والخاسر هو اليساري الذي فقد ذاكرته السياسية وفكره الفلسفي. ليس عيبا في الفكر والنظرية او الفلسفة وانما ضعف في الانسان الذي لا يتطورمع الحياة اي ان يكون صعب المراس لا يستكين بسهولة وييأس عندما تصعب الحياة بمعنى مقاومة صعوبتها والتغلب عليها بالوعي والتجديد لا سهلا يلتوى معها وليس بالاستسلام والعودة الى الماضي والانحسار فيه. .
اليسار العامل واليسار العاطل
كم يسرني ان اقرأ ليساريين عراقيين ما يفيد , وهو موجود على صفحات الانترنيت , لكن بين الحين والاخر تظهر كتابات مرتبكة , لكتاب مرتبكين , لا لكونهم مبتدئين ,
بل كونهم تابعين , لا يملكون زمام امورهم بأيديهم , يعترفون بضعف الفكرة لديهم وصعوبة صناعتها , يورطون انفسهم , فيكتبون ما ليس مفيد وليس فيه طعم . الذين تصفهم ايها الأخ (بالعاطلين عن العمل) هم اشخاص يساريون عاملون وليسوا عاطلين كما تقول.. اعرف احدهم .. كان شابا , يافعا , وطالبا في مرحلة الدراسة المتوسطة بدأ يعمل منذ ان كان عمره اثني عشر عاما , وحوض تصليح السفن(الدوك) في المسفن البحري في الجبيلة-البصرة يشهد على ذلك في منتصف الستينات , وسايلو البصرة وزمهريرالشمس الحارقة يشهدان ايضا.. انهى الدراسة الثانوية عاملا في اسواق وافران الجمال في كرادة مريم-بغداد , ثم في معمل للحلويات في الكاظمية- محلة النواب , وكان يتابع دراسته المسائية في الاعدادية الجعفرية في ساحة الوثبة , وكان الناجح الوحيد في تلك المدرسة اواخر الستينات . ثم ذهب الى خارج العراق ليدرس الطب لصعوبة التوفيق بين الدراسة والعمل في العراق ,وكان معه فقط اجور السفر بالقطار وبالدرجة الثالثة (اتعرف ماذا يعني السفر بقطار الدرجة الثالثة لثمانية ايام بلياليها). درس الطب هناك وكان يعمل عملا يدويا ليل نهار , يوفر في صيفه بعض المال من عرق الجبين واي عرق ليقتات عليه في شتاء اوروبا البارد , كي يعيش ويدرس , ولا احد يساعده بسبب وفاة والده .تخرج هذا الشاب في ستة سنوات دون تأخر وصار طبيبا وعاد لوطنه ليخدمه.. والقصة تطول.. والان يعمل طبيب 12 ساعة يوميا ويعيل عائلة كبيرة , ويكتب عن هموم الوطن كلما اتيحت له الفرصة , بل ينتزعها انتزاعا من وقت راحته .. فكيف تصفه واخوته الاخرين بالعاطلين عن العمل؟ هو لا يعرف غير العمل , وهو يساري منذ تلك اللحظات , لفقرة ولشدة عزيمته .. فكيف بك تطلق العبارات الفارغة دون ان تحدد .. فتصف من يختلفون معك (بالعاطلين عن العمل) ؟ هم يساريون مثابرون وهم كثيرون , نقدهم للخطأ عمل , ومسعاهم للتقويم والتصحيح عمل , ومتابعة احداث وطنهم عمل , وسهولة صناعة الفكرة في ادمغتهم ونشرها للناس الذين يفهمون عمل . وبؤسا لمن لا يعمل في سبيل وطنه. لم تظف شيئا ايها الاخ الجديد وليس جديد , لان فكرك قديم وفكرتك مكررة ومعادة من قبل اخرين , يتلعثمون باللف والدوران , ويسحلون خطى اليسار بأتجاه الليبرالية والاعتدال , يفتقدون الى النفس العلمية في الحوار والنقاش وعدم القدرة على تحريك الواقع المؤلم الذي تعيشه كوادر احد احزاب اليسار الذي تدافع عنه عندما برد , بسبب كثرة الانشقاقات التي حصلت , خاصة بعد احتلال العراق ومشاركته بالعملية السياسية دون قناعتها. كان الاولى بمن يتصدى من كوادر الحزب ووكلائه للنقاش والحوار, ان يناقش ويحلل اسباب تلك الانشقاقات وسبل معالجتها , ان لم نقل تفاديها قبل وقوعها وقبل تكرارها , وليس الاستغناء عنها والاكتفاء بما تؤمنه العملية السياسية من مكاسب وهمية ان لم تكن تلك المالية . ان الامتعاض من أي نقد يوجه لقيادة الحزب , دليل ضعف لا قوة .. اواعتباره محاولة لزيادة الانشقاقات والانقسامات . فمن يدعو الى وحدة اليسار,لا يحب الانقسامات , وانما قد يدعو الى الوعي والانتباه من حالة الميوعة والبرود المسيطرة على الحزب , وهي تشكل خطورة اشد من الانقسام نفسه. ليس مهما ان تكون منتميا ام لا.. فأنت وكيل تدافع , ومن حقك الدفاع , ولكن يتطلب الامرألماما بالامور وسعة في الأطلاع , وان يكون دفاعك مقرونا بالدلائل المنطقية والعلمية و بالحقائق الواقعة على الارض , ودور الحزب فيها ايجابا ام سلبا . وليس تكرار لكلام قاله وكلاء غيرك. تعترف بانك رجل بسيط وغير قادرعلى صياغة الفكرة , بسبب انشغالك بالعمل وامور العائلة , فلا داعي ان تورط نفسك في امور قد تجلب لك الصداع . وصعوبة صياغة الفكرة هي صفة عامة لدي الوكلاء الذين سبقوك في التعليق والتعقيب , وسببها الاعتماد على الحزب وهو في حالة سبات وجمود , تفاقمت وتتفاقم منذ الاشتراك في العملية السياسية ولحد الآن , والذي لم يبادرأي منكم لتبريرها وتعليلها . ثم ان الكتابة تحتاج الى رغبة وقابلية شخصية , ودافع ذاتي طوعي , بالاضافة الى الاطلاع والمتابعة المستمرة , وليس اقحام الذات ضد قابلياتها ورغباتها. اعتقد بان الحزب لا يحتاج الى دفاع . فالقيادة مقتنعة ومكتفية بما هي عليه , ولو كان الدفاع مفيدا لدافع عن نفسه ولما دافع عنه المؤيدون , الذين لا يعرفون كثير من واقع حال الحزب , التي ادت الى الانشقاقات المتتالية.. فقد تأخرت ايها الاخ في دفاعك. نعم كل مخلص يريد الاصلاح , ومن خلال النقد والنقد الذاتي , للخروج من المأزق الذي نحن فيه جميعا .. مأزق الاحتلال , ومأزق الطائفية , ومأزق الأنضواء والاكتفاء بزاوية ضيقة في العملية السياسية والمنطقة الخضراء , التي لم ينتج فيها الحزب ما يناسب سمعته ودوره , الا تكرارالتأييد للحكومة في ما تقوم به من اجراءات محدودة ومؤقتة , اوالتعليق الخجول عن الاخطاء الكبيرة التي تقوم بها . ان المخلصين يدعون الى وحدة اليسار وسيستمرون , لانه الباب الذي سيطل منه العراق على الامل والخير . والعمل السياسي في العراق افضل من خارجه , وهم موجودون ويعملون بالصعوبة التي يعرفها الجميع واحد اسبابها التشتت. اذا كنت عاجز عن التأمل والتفكير فغيرك ليس عاجز, والافكار كثيرة وسرعة الاجابة متوفرة والقابليات حسب العافية و(العافية درجات ..) وكما قال الشاعرعلى قدراهل العزم تأتي العزائم....( اعتذر لدى استاذي عدنان الظاهر لاني لا احفظ الشعر جيدا). اما العملية السياسية او حمل السلاح .. لا ليس هكذا .. فالمسافة بعيدة جدا بين الأمرين وتحتاج الى انسجام و برنامج الحد الادنى للعمل المشترك الذي يملؤها . اما هذا السلاح الذي يملأ الشوارع والساحات كما تقول ,فهو ليس سلاح المقاومة الحقيقية , وانما سلاح العنف والارهاب والاحتلال , الذي لم يتحد اليسار للوقوف بوجهه وتعرية القائمين عليه , وكشفهم اما الناس من قبل اليسار العامل وليس اليسار العاطل. . عبد العالي الحراك 17-6-2008
#عبد_العالي_الحراك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟