|
نحو ابتكار المثقف الحلقة الثانية
باسم الخندقجي
الحوار المتمدن-العدد: 2315 - 2008 / 6 / 17 - 10:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خطاب الثقافة وثقافة الموقف يحدد أدورة سعيد في كتابه تحليلات المثقف ( المثقف والسلطة ص 59 ) خطاب المثقف و موقفه أيضا ، وذالك من خلال تعريفه ومفهومه الشامل لمصطلح المثقف الذي هو : في جوهره ، ليس داعية مسالمة ، ولا داعية أتفاق في الآراء ، لكنه شخص يخاطر بكيانه كله باتخاذ موقفه الحساس ، وهو موقف الإصرار على رفض (الصيغ السهلة ) و الأقوال الجاهزة المبتذلة ، أو التأكيدات المهذبة القائمة على المصالحات اللبقة و الاتفاق مع كل يقوله وما يفعله أصحاب السلطة و ذوو الأفكار التقليدية . ولا يقتصر رفض المثقف أو المفكر على الرفض السلبي ، بل يتضمن الاستعداد للإعلان عن رفضه على الملأ ) وموقف المثقف ، يعتمد بالدرجة الأساسية على خطابه ، فالخطاب هو الشكل النظري المفهوم والمبسط للثقافة _ المرجعية الفكرية _ ، وتتم عملية صياغته عبر محددين هامين هما : 1- ثقافة المثقف : فقد يكون المثقف طبيبا أو أستاذا أو طالبا أو عاملا أو فلاحا ، ولكنه حتما بالمفهوم الإنساني التقدمي سلطويا عنفيا ، فخطاب المثقف حر مبني على لا إرتباطية ثقافية مع أي شكل من الأشكال والأنماط الجاهزة التي تحتوي أجندات وبرامج ثابتة تتمثل في السيطرة و السطوة ومن خلال هذه الثقافة اللا إرتباطية ، تتم صياغة الخطاب الثقافي الذي يتضمن الرؤية القومية والتقدمية الساعية نحو التغير الدائم ، ومن هنا فإن خطاب المثقف يصاغ عبر علاقة راسخة ومتينة مع الجوهر الثقافي المستقل والمتجدد . 2- الثقافة والمحيط الجماهيري : يعتمد المثقف على ثقافة فوقية تجاوزيه ، يتحقق نجاحها عبر خطاب جماهيري وعملي للغاية ،إذ أنه لا يوجد حاجة لطرح الأفكار المعقدة والصيغ الصعبة و ألشعارات العلمية على الجماهير ، فالمثقف الحق هو الذي يخاطب الجماهير بلغتها هي ، و بأحلامها وتطلعاتها هي ، إن خطابه المتجدد ، يعتمد بالأساس على ثقافته التي يجب أن تتفاعل مع تطلعات الجماهير ، بحيث يتجلى الدور الطليعي للمثقف وقدرة خطابه على التأثير ، من خلال تحويل وعكس أراء وأفكار الجماهير المشوشة و اللا منظمة إلى ثقافة منظمة منبعها الشعب ذاته ، وهذا ما أحدثه بالفعل ( ماو تسي تونغ ) في ثورته الثقافية داخل المجتمع الصيني . وفي مواجهته ورفضه للأنماط والصيغ الجاهزة ، يسعى المثقف إلى تجديد خطابه التنويري الموجه بالدرجة ألأولى إلى الجمهور الذي هو المتأثر الوحيد سلبيا من سطوة النمط السلطوي الذي يأتي نقده والاحتجاج عليه بالدرجة الثانية . و الخطاب المستقل أيضا مرن ومتغير باستمرار ، وبهدف التفاهم مع الظروف المحيطة بالمثقف ، وهذا لا يعني على الإطلاق انتهازية براغماتيه تعيش داخل الجوهر الأساس لنظرية المثقف وخطابه ، فالمقصود هنا هو مباركة المثقف لكل ما هو تقدمي وإنساني والدفع باتجاهه ، وسعيه الدؤوب لإيقاظ الوعي النقدي البناء داخل الجماهير ، والرفض الإيجابي في نفس الوقت لكل ما هو رجعي وتماثلي . إن إنجاز مهمة المثقف ، يعتمد على نوعية الخطاب الثقافي ، بحيث يكون خطابا مرنا ومتجددا وحصراً على إيصال صاحبه إلى تحقيق أهدافه ، فالنجاح يتجلى عبر تفاعل تطلعات الجماهير مع أهداف الثقافة الذي يعكس بدوره خطابا تقدميا . وإذا كان الخطاب هو الشكل النظري للثقافة ، فإن الموقف الذي حدده ادوارد سعيد للمثقف هو أشكل العملي _ الجماهيري _ للتحقيق محتوى الخطاب الثقافي على أرض الواقع . إذ يبدأ الموقف العلمي للمثقف على الأقل من خلال (إعلان رفضه على الملأ ) وعدائه مع (الصيغ السهلة ) ولكن للموقف أيضا ثقافته الخاصة به ، والتي تتمثل في القوة والجزم والصراحة والثبات ، وهذه المعايير لا تتجدد بتجدد الخطاب ، ولا تتغير بتغيره ، بل تبقى كما هي لكي تحمي المثقف وخطابه من التذبذب والتراجع والتماثل والأنماط الثابتة . . وثقافة الموقف مهمة جدا لتحركات المثقف النظرية والعلمية أيضا ، فهي تسعى إلى تشكيل إطار عملي قوي يغطي احتياجات المثقف ويحميه من التخاذل ويردعه عن التراجع ، فالموقف يصبح لجد ذاته قائما بجانب المثقف كمساند عملي له لا ينتمي إطلاقا للمد والجزر . ويعد موقف المثقف العملي معيارا يحكم من خلاله على خطابه إما النجاح أو الفشل ، في نفس الوقت لا يتناقص الموقف الصارم الصريح مع مخاطبة الجماهير بلغتها هي (فالضحية ليست بريئة من دمها ) والجماهير متواطئة بشكل أو بأخر مع تعزيز أنماط وأشكال التسلط والسطوة عليها ، ومن هنا فإن أي موقف لقيادة الخطاب يجب أن يكون إيقاظا حازما . أن المثقف بمفهومه التقدمي الإنساني ، يسعى باستمرار نحو إعداد البرامج التي تنشأ من صلته المباشرة بضرورة التغير ، وهذا ما يضع المثقف في مكانة صريحة وبعيدة كل البعد عن المنافع والمصالح الفئوية الضيقة ، مكانة يعززها هو من خلال الإعداد الجيد لخطابه ، وترسيخ وتكريس المعايير والمثل الأخلاقية داخل بنيته الثقافية . والواقع في هذا الزمن المختل أصبح يتطلب أكثر من أي وقت مضى ، أناس يأخذون على عاتقهم مسؤولية التغير نحو حياة إنسانية تكفل تنوير الإنسان وتقدمه .
الأسير باسم الخندقجي عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني سجن جلبوع
#باسم_الخندقجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو ابتكار المثقف العلاقة ما بين الثقافة والمثقف الحلقة ا
...
-
أوراق يسارية ... وعي بلا جسد
-
ايدلوجية المأساة
-
استحداث شيء مبتكر للقضية
-
ثمة إنسانية … .؟.
-
من الأسرى إلى الأسرى
-
من داخل قضبان سجن الظلم جلبوع
-
مجلس حكم انتقالي ذات دولة محدودة القدرات
-
بحاجةٍ لمحطةٍ وجودية
-
الى رفاق حزب الشعب الفلسطيني ... بمناسبة المؤتمر الرابع
-
كلمات من وطن
-
حين فقد قمري الذاكرة
-
فقدان مُعَلْوَم للذاكرة
-
من أحلامه ...
-
إلى سادة الضياع - جرح الوطن -
-
لا صيف و لا شتاء
-
حشرات متآمرة
-
هكذا تحضر الإنسانية أسير قديم
-
السيفان وملح الارض
-
في قلبي شهيد
المزيد.....
-
السعودية.. إحباط محاولة تهريب أكثر من 1.2 مليون حبة كبتاغون
...
-
القبض على وشق بري يتجول بحرية في ضواحي شيكاغو
-
إصابة جنديين إسرائيليين في إطلاق نار قرب البحر الميت .. ماذا
...
-
شتاينماير يمنح بايدن أعلى وسام في البلاد خلال زيارته لبرلين
...
-
كومباني: بايرن يسير في الطريق الصحيح رغم سلسلة نتائج سلبية
-
سرت تستضيف اجتماعا أمنيا
-
انطلاق الاجتماع السنوي لمجلس أعمال بريكس
-
ميزة جديدة تظهر في -واتس آب-
-
يبدو أنهم غير مستعجلين.. وزير الدفاع البولندي ينتظر -أغرار-
...
-
قوات اليونيفيل: تم استهدافنا 5 مرات عمدا
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|