|
اليسار العراقي والعاطلون عن العمل
جليل بشير
الحوار المتمدن-العدد: 2315 - 2008 / 6 / 17 - 10:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لم اكن يوما قد انتميت الى حزب واي حزب ، انا رجل بسيط جدا في حياتي ، احب وطني العراق واحب اهلي في العراق . اجد صعوبة جمة في صناعة الفكرة ، اي اني استهلك من الوقت ما يكفي لكي اتمكن من ان انتج فكرة نافعة ، وصناعة الفكرة عندي لا تشبه ابدا صناعة الطرشي ، انها عملية شاقة وتحتاج الى المزيد من التركيز والخبرة واستقراء مفردات الواقع الذي من اجله ومنه اريد ان اصيغ فكرة ما ، اضافة الى ذلك ، ليس لدي الوقت الكثير الذي يجعلني ان ادون افكاري ، فان ظروف الحياة تلزمني ان اعمل لكي اعيش واستمر كما اني لست عاطلا عن العمل ، وظروف العائلة تلزمني ببعض المسؤوليات ايضا وهذا جزء من واجبي الوطني والاخلاقي ، فلست عازبا ولم يهجرني اهلي ، وما ارمي اليه من خلال كلامي اعلاه والذي لا استطيع اخفائه ، هو دهشتي الكبيرة من قدرة البعض ويوميا على تحرير ثلاثة صفحات او اكثر من الافكار ، التي يعتقدون انهم وحدهم توصلوا اليها قبل غيرهم . لكن في الحقيقة ماهي الا ثرثرة فارغة وتكرار ممل وتعبر في غالب الاحيان عن خيبة تنبعث منها رائحة الغرور وحب الذات والتعالي ، ولا تعبرعن مشاعر وطنية وانسانية ابدا ، وللاسف الشديد ان هذه القضية تبرز في الوقت الحالي ، خاصة عند الذين يدّعون بأنهم يساريين ويريدون اصلاح البين ، اولئك ينطبق عليهم القول ، بأنهم يذهبون الى النوم لينتقموا بأحلامهم من الشيوعيين اشد انتقاما ، فالذي يكتبونه ينتشر فوقه الطفح ولا يورث للقارئ سوى الدوار ، وحسنا فعل الشيوعيون بعدم الرد عليهم ، بل ان احسن الطرق للرد عليهم تكمن في نسيانهم تماما . بودي هنا ان اسألكم ، متى تفكرون وماهو الوقت الذي تمضونه في تأمل افكاركم ، ومتى تكتبون ومتى تنشرون ، ومتى تعملون وهل تأكلون وكم من الساعات تنامون ، وماهو الوقت الذي تنفقونه مع اولادكم واصدقائكم وعلاقاتكم !؟؟ ، واذا كان كل ذلك لا قيمة له امام التضحية من اجل الوطن فلماذا لا تذهبون الى وطنكم وتناضلون مع شعبكم كما فعل الشيوعيون العراقيون !؟. رغم اني لم اكن شيوعيا ، لكن حبي للعراق وشعب العراق يجعلني ان انحني لهذا الحزب العظيم لما قدمه من تضحيات جسيمة ومازال يقدمها من اجل قضية نبيلة ومن اجل حلم جميل تمناه لشعب العراق . ( عمي على كيفكم اشبيكم مثل العجايز اتندبون حظكم !) . اذهبوا للعراق ، اتصلوا بالناس وقودوهم في تظاهرات او اضرابات واعتصامات ربما تستطيعون القيام بثورة عارمة ، حاولوا ، جربوا ، قد تجدون هناك سوقا لبضاعتكم ، وربما ستصطف الناس خلفكم ، عند ذاك من حقكم ان تقولوا للقاصي والداني ، ها نحن وها هي جماهير شعبنا ، طبقوا مقولة لينين الشهيرة (افعل حيث توجد الجماهير) ، اليس ذلك اشرف من اللطم وصفع الخدود وعض الاصابع على الحوار المتمدن ، فالذي تكتبونه يبعث على الغثيان خاصة اذا كان المستهدف هو الحزب الشيوعي العراقي ، لقد جرب غيركم الكثير وكان مصيرهم الفشل والخزي والعار، بل المصير الذي تعرفونه جيدا وارجو ان تكملوا الجملة ........!. لا تجعلوا من خلافاتكم مع غيركم كأنها ثنائية فلسفية (الشئ ونقيضه) ، لان بصراحة كل خلافاتكم شخصية ، بل كلها جاءت نتيجة لطموحكم غير المشروع في الحصول على مراكز قيادية بالحزب وربما استثني من هذا واحد او اثنين انهم مجرد (على حس الطبل خفن يرجلية ) . انكم تفترضون الفكرة في الظروف الاكثر احراجا وتشابكا ، ثم تصدقونها ، باعتبارها الحقيقة الوحيدة المتبقية ، ليس على اساس انها عملية استقرائية متراكمة ومتواصلة ، انما على اساس المنطق الاستنباطي المجرد ، وهذا ما يجعلني ان اقول عنكم انكم تدسون رؤوسكم في تراب السماء . بمعنى اخر انتم فاشلون سياسيا ومستهلكين لا نفع منكم ، انكم من المستحيل ان تجتمعوا ومن المستحيل ان تؤسسوا حزبا او تجمعا ، انكم غير قادرين على ذلك مختلفين فيما بينكم لا تستطيعون العمل بين الناس وكل هذا الكلام مجرد هرجة سوق ، اي انكم قادرين فقط على الثرثرة التي تجد لها طريقا سهلا الى النشر على الانترنيت ، وهذه المهمة لا تشبه حمل السلاح ومقاومة الاحتلال التي تطالبون الحزب بها . اذهبوا بأنفسكم الى هناك ، فالسلاح ينتشر في الشوارع ومن السهل الحصول عليه ، وهو متنوع وفتاك ، فهناك البنادق بأنواعها والاحزمة الانتحارية والعبوات الناسفة والمدافع بكل عياراتها ، اذهبوا وجربوا ان تزرعوا عبوة ناسفة على رصيف شارع الرشيد لتنفجر بحافلة نقل للركاب وقولوا فيما بعد ، انها كانت تستهدف الامريكيين لكن الضحايا للاسف كلهم من الاطفال والنساء . اذهبوا فليس هناك ما يعيقكم عن ذلك ، فقط ان تملكوا ارادتكم ، وانصحكم ان اردتم العودة الى الوطن ان تحرروا هذه الارادة من الافكار البالية والهتافات والتصفيق ، فإن لم تفعلوا ستعودون بخفي حنين ، وعندها تتحول تلك الاحلام الى اوهام . نحن مثلكم نحلم وكل العراقيين يحلمون ، ومن حق كل انسان ان يحلم ، بل بالضرورة هو يحلم ، وكلنا يحلم بتغيير صورة الوطن ، في ان نجعل تلك الصورة تشبه قصيدة جميلة ، ونرفض بشدة كل من يريد مصادرة احلامنا ومشاعرنا وعواطفنا ، ليجعل منا اجسادا بلا ارواح . لكن حلما بهذا الحجم وبهذا القدر من اللمعان والنقاوة ويراد لنا ان ننسج ونصيغ منه وطنا جميلا ، لن يتحقق بالشعارات والافكار العاجية الثورية البسيطة التي كنا في ايام شبابنا مسحورين ببريقها ، ولا من خلال الجلوس في الابراج العالية ، ولا في تأسيس دكاكين على صفحات الانترنيت ، كُتبت واجهاتها بالجمل والعناوين الرنانة ، دكاكين ان لم تكن خالية من اية بضاعة تنفع المواطن ، فإنها لا تحتوي إلا على ما فسد منها . ان ذلك الحلم سوف يتحقق بالفهم والاستيعاب الدقيق لكل مفردات وتفاصيل الواقع المعقد المطلوب منا تغييره وتجديده بأساليب واضحة ومعقولة ومقبولة لدى عامة الناس ، وليس نزولا عند رغبات وامزجة بعضنا . ان الحلم يتحقق بالسعي الحثيث والعمل الجاد والحقيقي في بناء قاعدة مادية يمكننا من خلالها ان نضع اولى الخطوات على الطريق الصحيح ، الطريق الذي يؤدي بنا الى التخلص من الاحتلال وكوارثه ومن سياسة المحاصصة والتمزق العرقي والطائفي السائدين ، لا من خلال الدعوة الى الانفصال والتكتل والانشقاق ، التي ستبقى وصمة عار في جبين كل من يهدف ويدعو اليها كما كانت وصمة عار في جبين من سبقكم . لا تأخذوا تنفيذ مهمة البعثيين والاسلاميين المتشددين والقوميين الشوفينيين وحتى المحتلين في معاداة الشيوعيين على عاتقكم ، ان ذلك مجرد فخ لان المهمة مستحيلة ، ليس انا الذي اقول وانما التاريخ والتجربة هي التي تقول ذلك . واخيرا اقول لكم وللحفاظ على ماء الوجه ان تعودوا في ما تبقى من سنوات العمر الى بيوتكم وممارسة حياتكم الشخصية فهي جديرة بأهتمامكم اكثر من اي شئ اخر.
#جليل_بشير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|