ميسون ملحم
الحوار المتمدن-العدد: 2314 - 2008 / 6 / 16 - 10:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منفعة إيران و سوريا
يوشكا فيشر
بثقة جديدة سيكون للحكومة الجديدة في الولايات المتحدة شأن في طهران و دمشق, و بأخطار عالية.
إن الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة ستتابع باهتمام خاص في الشرق الأدنى و الأوسط, فالقوة المسيطرة الإقليمية في هذه المنطقة من العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية. و في المستقبل ستؤثر قرارات واشنطن بشكل واضح على مصير هذه المنطقة معطية نتائجاً قد تعبر حدودها.
من الناحية الجيوبوليتيكية يعتبر الشرق الأدنى جسراً إقليمياً بين شرق و جنوب آسيا من ناحية, و بين إفريقية و أوروبا من ناحية أخرى. إضافة إلى ذلك تتوضع حول الخليج الفارسي أكبر مخزونات النفط و الغاز و أهم احتياطيات الاقتصاد العالمي. إن ذلك لسبب كافٍ لقوة عالمية لكي تكرس كل ثقلها و مكانتها الدولية لتوفير أمن هذه المنطقة. و لكن إضافةً إلى ذلك تتواجد في هذه المنطقة الممتدة ما بين البحر المتوسط و وادي نهر الهند مجموعة من التنازعات و المشاكل شديدة الخطورة: تنازعات إقليمية, إسلام متطرف, إرهاب, أسلحة نووية, مواجهات بين السنة و الشيعة إضافة إلى منافساتٍ إقليمية (الهند-باكستان, إيران- السعودية).
لقد علقت الولايات المتحدة بالرمال المتحركة لبلاد الرافدين تحت إدارة بوش. و بفضل سياسة خائبة لواشنطن تمت تقوية قوى المنطقة المتطرفة -والموجهة من سوريا و إيران- بشكل واضح.
فما الذي يمكن التكهن به للشرق الأدنى و الأوسط من خلال تغير الحكومة في واشنطن؟
من منظور إيران و سوريا يبدو أن مركزهما قد قوي و لم يضعف. صحيح أن كلا البلدين أحس بالحصارلا بل بالخطر بعد الحادي عشر من أيلول 2001 من خلال حروب الولايات المتحدة في أفغانستان و العراق و التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة بأكملها و الكشف عن البرامج النووي الإيراني, إلا أن ذلك قد تغير إلى حد ما.
حالياً تشكل إيران القوة الأكثر تأثيراً في العراق, و بفضل الأغلبية الشيعية هناك ستحقق سيطرة سياسية طويلة الأمد على البلد. و يمكن التنبؤ بالشيء نفسه بالنسبة للوجود الإيراني في الخليج الفارسي.
إن ذاك الذي سيسقط العراق و الخليج الفارسي تحت سيطرته, ستصبح هيمنته على المنطقة بأسرها أمراً لا مناص منه, خاصة إذا بُرر حق القيادة بأسلحة نووية.
هذه هو لب النزاع الحالي و الكبير في المنطقة بين القوة العالمية -الولايات المتحدة الأمريكية- و القوة المحلية الصاعدة –إيران, التي ينبغي عدم الاستهانة بخطورتها.
إما أن يتوصل الطرفان إلى حل اقتسام مصالح و إلا فإن خطر نزاع مسلح سوف يتصاعد من جديد.
من الحق القول أن عقوبات الأمم المتحدة على إيران قد أشتدت كما أنها تسبب مشاكلاً جدية للبلد. على النحو الإقليمي تعاني إيران من العزلة و تبقى سوريا التابع الوحيد لها, ومن خلال لغة النظام المعادية للسامية اشتدت هذه العزلة الدولية, و بتوجيه من الولايات المتحدة تشكل في المنطقة إئتلاف معادٍ لإيران.
و لكن من خلال نفوذها المتضخم في العراق و الخليج و أفغانستان و لبنان (حزب الله) و من خلال النزاع في الشرق الأدنى (حماس و حركة الجهاد الإسلامي) و الصعوبات العسكرية المتزايدة للولايات المتحدة في العراق و أفغانستان تمكنت طهران من تحقيق مجال حركة لها في المنطقة.
لقد استأنفت إيران برنامجها النووي على الرغم من المعارضة الكبيرة لمجلس الأمن, و نشرُ آخر تقارير الـ NIE للحكومة الأمريكية يبرهن على ذلك.
إضافة إلى ذلك فمن المتوقع أن تبذل إيران كل مساعيها في الأشهر القادمة من أجل تسوية كل الأسئلة -التي لا تزال مفتوحة- المتعلقة ببرنامجها النووي من خلال حوار مع إدارة الطاقة النووية في فيينا(IAEA ), و بالتالي قد تصبح طهران في موقع يؤهلها بأن تتابع برنامجها النووي مع كامل مراعاة قوانين عقد حظر الأسلحة النويية. و بذلك فلن تتغير خطورة البرنامج النووي الإيراني قيد أنملة,الخطورة التي تكمن في إمكانية تطوير كل مكونات هذا البرنامج لمصالح عسكرية, و بذلك لا يبقى إلا القرار السياسي حائلاُ دون استخدام الأسلحة النوويية.
من ناحية سوريا فإن السنوات الماضية لم تكن سيئة.
في الوقت الحالي تحتل دمشق موقعا ًمركزياً في نزاع الشرق الأدنى, و بين لبنان و العراق و إيران. تعد هذه البلد من أكبر خسارات الحرب الباردة, علاوة على ذلك فإن أساسيات النظام السوري و الاقتصاد السوري لا يبدوان في حالة استقرار. من المحتمل أن يتقوى النظام في طهران من خلال نزاع مسلح مع الولايات المتحدة, أما بالنسبة لسوريا فإن العكس قد يكون صحيحاً. و لكن من منظور دمشق فقد تمكنت سوريا من مقاومة الضغط الدولي و الحفاظ على أهمية موقعها بل و تحسينه.
إن انسحاب الجيوش السورية من لبنان, الذي تم في ربيع 2005 تحت ضغط من الولايات المتحدة و مجلس الأمن, ينظر له في سوريا إلى حد ما على أنه خطأ, لذلك تبذل دمشق كل جهدها لتصحيح هذا الخطأ خطوة خطوة, فمن الواضح أن السيادة على لبنان أهم بالنسبة لسوريا من استعادة أراضيها المحتلة في الجولان من قبل اسرائيل. الحزب الشيعي (حزب الله) يثبت على أنه أداة مهمة في يد سوريا للاحتفاظ بسيطرتها على البلد المجاور. بعكس سوريا فإن الانتخابات الرئاسية في بيروت تبدو مستحيلة بالرغم من ضغط الولايات المتحدة و فرنسا و حكومات غربية أخرى. إضافة إلى ذلك فإن حزب الله يشكل أداة قوية في يد السياسة السورية ضد إسرائيل, تماماً مثل حماس الفلسطينية. مع انبثاقها في غزة, أكدت حماس على أنها أصبحت أقوى و ليست أضعف تحت ظروف العزلة. إن ذلك لمنفعة لكل من دمشق و طهران اللتين تدعمان حماس كما حزب الله بشكل كبير.
لقد استعرض كل من سوريا و إيران مؤخراً نفوذه الواسع في العراق. فبناءً على مجرد تعزيز القوات الأمريكية في العراق مع إغفال تأثير كل من طهران و دمشق يصعب استيعاب تراجع العنف الملاحظ منذ عدة شهور في العراق.
بإلقاء النظر على تطور الوضع في الشرق الأدنى و الأوسط من منظور سوريا و إيران, نرى أنهما في الكفة الراجحة, الأمر الذي قد يعد مشكلة كبيرة في المستقبل.
فبناءً على المعنى الجيوبوليتيكي للمنطقة, و على مصالح الولايات المتحدة و بريستيجها كقوة عالمية- و ذلك يعد مهماً في اللعبة- سيتعذر على أي رئيس أمريكي سحب القوات. إن انسحاباً دون حل سياسي قد يكون كارثة لا مثيل لها بالنسبة للمصالح الأمريكية و مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى.
إن الحكومة الأمريكية القادمة, سواء ديمقراطية أو جمهورية, ستتبع- خدمة لمصلحتها- سياسة استيعاب و تفاوض مباشر مع إيران و سوريا من أجل التوصل على وفاق إقليمي جديد يساعدها في تخفيف أعمالها (ارتباطها) العسكرية في العراق أو حتى إنهائها. بعد بوش ستعيد الولايات المتحدة تشكيل نفسها سياساً و عسكرياً في الشرق الأدنى و الأوسط و لكن ليس من خلال الانسحاب و الاستسلام.
إن ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة لن يتغير بتغير الإدارة الأمريكية. إن تسوية مصالح جديدة قد تكون ممكنة مع الحكومة القادمة, و لكن إضعاف أو إنهاء الدور الأمريكي في المنطقة و انتقال النفوذ إلى إيران سيبقى مستحيلاً.
مع الأسف فأن آمالاً كهذه في إيران و سوريا قد تزيد و لن تنقص من خطر مواجهة ساخنة تحت إدارة رئيس أمريكي جديد.
عن: عمود الاثنين – جريدة دي تسايت الألمانية
بتاريخ: 18- 2- 2008
#ميسون_ملحم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟