|
الإصلاح السياسي والثقافي الاجتماعي أولاً...!
سليمان السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 2313 - 2008 / 6 / 15 - 10:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في وسائل الإعلام التي تمتلكها - بصورة من الصور - الأسرة الحاكمة نشهد دعاية إعلامية واسعة عن التطورات الاقتصادية التي تمر بها المملكة... فيذاع هذه الأيام في الآفاق الإعلامية خبر وضع حجر الأساس من قبل الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمشاريع جديدة في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية بقيمة 130 مليار ريال سعودي، فتكاد نشهد هذا الخبر (الجبار) في كل منبر إعلامي مكتوب أو مرئي أو مسموع الأمر الذي يدل على أنه هناك تنظيم إعلامي لهذه الحملة الدعائية...!
فمنذ تصاعد أسعار البترول حتى وصل سعر البرميل إلى سعر قياسي غير مسبوق (140 دولاراً للبرميل الواحد) ، بل إنه مرشح إلى زيادة أكبر على المدى القريب، ونحن نسمع باستمرار عن خطط لبناء مشاريع جبارة، ويكفي أن نضرب مثالاً على ذلك: وهو مشروع المركز المالي الذي تبلغ تكلفته - كما أعلن - 29 مليار ريال سعودي، لندرك حجم الاستثمار الموعود في المملكة...!
فالمملكة من دون شك تخطو بخطى سريعة (على الأقل نظرياً إلى الآن) لدخول عصر اقتصادي جديد، بعد أن مرّت بكساد اقتصادي أثقل كاهلها وخلف لديها ديون ضخمة لأول مرة في تاريخها الحديث، من جراء ما صرفته على حرب الخليج الثانية، وغيرها من الحروب التي ساهمت في تمويلها لأسباب سياسية محضة مثل تمويلها الحرب على المعسكر الشيوعي في أفغانستان من خلال دعم المجاهدين الأفغاني مالياً وبشرياً، فيذكر صموئيل هُنتنكتون بأن "تمويل الحرب [= أي الأفغانية السوفيتية] جاء معظمة من السعودية، فبين عامي 1984 و 1986 أعطت السعودية 525 مليون دولار إلى المجاهدين الافغان"... (1)، وهو مبلغ ضخم إذا قيس بالقيمة النقدية آنذاك...
ومنذ اكتشاف البترول في الأربعينيات بدأ ميلاد جديد للاقتصاد السعودي يبشر بخير، فكان لديه كل إمكانيات النجاح والتقدم – مجتمع وليد ومتنوع موّحد تحت ظل دولة واحدة يمتلك بوفرة أهم مورد اقتصادي استراتيجي، إلا أن هذا النجاح لم يتمثل إلا في شكل طفرة اقتصادية هبتْ كالعاصفة الهوجاء في منتصف الثمانينات على المجتمع السعودي، بعد أن نضجت عملية الإنتاج والتصدير الصناعي النفطي على أيادي الشركات الأمريكية، فخلفتْ هذه العاصفة ضرراً بالغاً في المنظومة الاجتماعية في المجتمع السعودي، فقد خلق هذا ترفاً من جراء تدفق الأموال الهائلة من دون تدبير أو تخطيط، وفاضّ التقدم المادي على التقدم الثقافي الأمر الذي خلق "هوة ثقافية" Cultural Lag كما طرحها لأول مرة عالم الاجتماع الأمريكي "وليم اوجبُرن" William Ogburn في كتابه "التغير الاجتماعي"...
ورغم أن الخطة الخمسية الثالثة للمملكة أدركت خطورة هذا الوضع "الشاذّ" إلا أن الأمر استمر على ما هو عليه، فلم تحقق الخطط الخمسية أهدافها في خلق توازن بين التقدم المادي والمعنوي، بل ظل المجتمع السعودي يسبح في بئر من نفط (مع الملاحظة بأن جزءاً منه – من الخاصة - غرق فيه حتى الموت)، وتخبط في إدارة الثروة تحت ظل ثقافة اجتماعية، لم تتزحزح بالقدر الكافي، ولو استثنينا تأسيس الهجر التي ساهمت في استقرار البدو الرحل في عهد الملك عبدالعزيز، فإننا حقيقة لم نشهد تحركاً اجتماعياً يذكر في داخل الثقافة الاجتماعية... !
يصف لنا د. عبدالله الغذامي فشل تطوير المشروع الحداثي في جانبه الفكري والثقافي ، فيقول بعد أن تطرق إلى بعض الخطوات الأولى في البناء الاقتصادي والاجتماعي لمشروع التحديث في السعودية: "ولكن هذا المشروع التحديثي لن يؤثر على أنظمة التفكير، وأنساقها إلا إذا تضافر معه نظام ثقافي في الرؤية والتعبير يقوم على نقد الأنساق التقليدية من جهة وعلى تأسيس لفكر جديد وحيوي عصري... أي أن التحول يجب أن يتكامل سياسياً وثقافياً لكي يحدث التحول الاجتماعي المأمول غير أن قراءتنا للحال الثقافية في المملكة منذ فترة التأسيس وإلى الأربعين سنة التالية تكشف عن أن الواقعة الثقافية لم تكن من القوة إلى حد إحداث التغيير"... (2).
وقد أحسن د. الغذامي عندما أطلق على ظاهرة الطفرة "الحداثة المشوّهة"، وأَرّج لها من خلال تجربته الشخصية في الكتاب ذاته. (2)... ودكتورنا الفاضل يذكر صراحة في هذا المقطع من كتابه بأن هناك خللاً في التقدم السياسي والثقافي، لم يتساوق مع بدأ مشروع الحداثة في المملكة...
ونحن اليوم نشهد طفرة أخرى، ولكن قُرر لها أن تكون اقتصاديةً محضةً، فها نحن نعيد الغلطة ذاتها تارة أخرى...!
فطوال هذه السنين لم نشهد إصلاحاً يذكر على الصعيد السياسي، بخلاف تأسيس "هيئة البيعة" لكي تبت في أي خلاف في البيعة قد ينجم بين الأسرة الحاكمة، تمهيداً لبروز الجيل الثاني من الأسرة في القيادة السياسية، وبخلاف إنشاء مجلس الشورى، بكل عجزه وافتقاره للصلاحيات والسلطات، لم نشهد أي تحسن في هذا الجانب، وقد يقضي هذا على كل هذه الطموحات في الإصلاح الاقتصادي، الأمر الذي من شأنه أن يعرض السعودية في ظل النظام الاقتصادي الجديد الذي اختارت السعودية أن تخوضه إلى خطر محدق...
فلا توجد قوى موازية يمكن أن تضمن رقابة على الشأن العام، ولا توجد أي جهة تشريعية عصرية مستقلة يمكن أن تضمن دولة القانون، وهي أمر ضروري لإنجاح أي إصلاح اقتصادي يُنظر له على المدى البعيد...! فدولة الرفاهية لا يمكن أن تنفك عن دولة القانون.
فضلاً على أننا لم نشهد أي تغيير يُذكر على الصعيد الثقافة الاجتماعي، فلا تزال البُنى الاجتماعي هي بُنى قبلية ذكورية تتماهى بصورة عجيبة مع الخطاب الديني التقليدي (أو العكس هو الصحيح)، الأمر الذي لا يفسح المجال لإحراز أي تقدم في الحراك الاجتماعي الحداثي...!
بل على العكس من ذلك، بدأنا نشهد مظاهر نكوص تمثلتْ في بعض الممارسات الاجتماعية مثل مزاين الإبل والانغماس في ثقافة الشعر القبلي والتشبث في أحكام كفاءة النسب العنصرية... هي مظاهر تدل على استمرار تلك الهوة الثقافية التي تأخذ في الاتساع أكثر مع تباعد الجانب المادي عن الجانب المعنوي...!
إذن لابد أن يسبق هذه الإصلاحات الاقتصادية المرجوة - إن أريد لها فعلاً النجاح - تغيّراً في الأنساق السياسة والثقافية الاجتماعية...
فلا يزال النظام الحاكم ينظر إلى المشكلة نظرة جزئية وقاصرة، ويحصرها في مهادنة الفكر الديني المتطرف تحت ظل الضغوط السياسية العالمية التي تشكلت بعد أحداث الحادي عشر من أيلول أو في الترويج الدعائي لشرعيته، من دون أخذ بالاعتبار حقيقة التغيير المطلوب...! فلم يعي النظام الحكم بعد بأن اللعبة الآن لم تعد سياسية سياسية بين قوى مستنفذة بالمجتمع، ولكن أضحت فعلاً جاداً يرتبط بالمجال الاقتصادي الاجتماعي الثقافي...!
لذا لا تزال الدولة تضرب بيد من حديد على كل الدعوات الإصلاحية التي تنادي بإيجاد مؤسسات مدنية مستقلة ذات صلاحيات، وصياغة دستور واضح المعالم يقرر حق الحاكم وحق الشعب على السواء على أساس التعاقد الاجتماعي...
كما أنها لا تزال تماري في ترضية القوى الدينية في عدم السماح لبعض الحريات الاجتماعية، وفي منع دفع التعليم في اتجاه التعليم المدني الذي من شأنه أن يلبي مطالب الاقتصاد والمشاريع الحداثية، بل لا تزال تحافظ مصالح الطبقة الدينية التي لا تزال تصرّ على حشو التعليم بالأساليب التلقينية اللاهوتية، وحجم التغير الاجتماعي التقدمي...!
في ظل هذا التعامي عن حقيقة المشكلة، لا تبشر تلك الإصلاحات الاقتصادية بخير، بل قد تجلب مشاكل أكبر على المملكة حيث أن من شأنها أن تخلق مجتمعاً أعور وأعرج، لا يحسن النظر، ولا المشي على طريق التقدم بتوازن يتساوق مع التغير في النظام العالمي المحيط بنا من كل صوب وفي كل حين...!
(1) The Clash of Civilizations and The Remaking of World Order – P. 247
(2) حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية ص 64 (3) أنظر إلى الفصل العاشر الطفرة/ الكائن المجازي أو الحداثة المشوهة من ص 149- 173 من كتاب "حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية" (4) انظر منتدى محاور http://www.mohawer.net/forum/index.php
#سليمان_السلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل
...
-
وفاة زعيم تنظيم الإخوان الدولي يوسف ندا
-
بالصور.. الزاوية الرفاعية في المسجد الأقصى
-
جماعة -الإخوان المسلمون- تنعى الداعية يوسف ندا
-
قائد الثورة الاسلامية: اثارة الشبهات من نشاطات الاعداء الاسا
...
-
قائد الثورة الاسلامية يلتقي منشدي المنبر الحسيني وشعراء اهل
...
-
هجوم ماغدبورغ: دوافع غامضة بين معاداة الإسلام والاستياء من س
...
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|