|
المجتمع المدني بين النظرية والتطبيق
مصطفى حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2314 - 2008 / 6 / 16 - 10:50
المحور:
المجتمع المدني
شهد القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية تطورات جذرية في بينة التكوينات الاجتماعية ، تترافق هذه التحولات مع ثورة التكنولوجية والمعلوماتية ، التي تعد من الثورات العظمى التي شهدتها المجتمعات البشرية عبر التاريخ . التكنولوجية وثمار التقدم العلمي التي كانت حكراً على الطبقات والنخبة الحاكمة في جميع اشكال الدولة والانظمة الحاكمة . كانت النتيجة هي ازدياد حجم سيادة الدولة على مقدرات المجتمع وخيراته ، من ثم تعيش المجتمعات النامية على الاخص كابوس لا يطاق تحت نير هذه الدول. مع تطور العلم و تطور التكنولوجية والتقنية في اواخر القرن العشرين ، ظهرت تغييرات في مستوى الوعي الاجتماعي والفكري رسخته اكثر الثورة المعلوماتية وفي مقدمتها شبكة الانترنت للاتصالات والمعلومات الدولية التي احدثت انقلاباً ذهنياً حطم احتكار الدولة وسيادتها على العلم والتقدم الفكري ، لتتحرر المقدرة الفكرية للفرد والمجتمع وتؤدي الى نتائج مذهلة جعلتها من اكير الثورات التي عرفها الانسان على مر العصور. ونظرية المجتمع المدني كانت احدى النتائج التي خلقتها ثورة التكنولوجية والتقدم العلمي في المجتمعات الانسانية ، لكن الوعي الاجتماعي ازداد اضطراديا مع تسارع هذه التحولات في المجتمع وظهور نقاشات وطروحات نظرية وفكرية حول كيفية تقليص حجم الدولة ًودمقرطة المجتمع لتظهر ارادة المجتمع المدني الى الساحة. يمكن القول ان هذه النظرية تطورت خلال العقدين الاخيرين من القرن العشرين. حيث ارتفع عدد المنظمات المدنية من 6000 منظمة عام 1990 الى حوالي 26000 منظمة مدنية في عام 1999 على شكل منظمات مساعدات وتبرعات خيرية ، منظمات حماية البيئة، مكافحةالالغام والامراض الوبائية المستعصية و مرض الايدز، ومكافحة المخدرات والخ من المنظمات المدنية ، وقد اوردت منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي ان المساعدات الدولية ، التي تم تقديمها عبر منظمات المجتمع المدني قد بلغت حدود 12 بليون دولار في عام 2006. مع ازدياد تطورالوعي الثقافي والعلمي والاجتماعي . ازداد تاثير نطاق المجتمع والمنظمات المدنية في مواجهة الاثار السلبية والضرر التي يحدثه نظام الدولة الضخمة على المجتمع والانسان ، التي خلقت بدورها قضايا ومشاكل يتم طرحها ومناقشتها على المستوى العالمي من قبيل قضايا التلوث البيئي و التحرحر العالمي (ارتفاع درجات الحرارة)، التصحر . بالاضافة الى الفقر الذي ظهر بشكل متزايد في البلدان الفقيرة والنامية ووصوله الى ابعاد خطيرة والذي ان دل على شيء ، انما يدل على انعدام التوازن بين البلدان الغنية المتطورة والبلدان الفقيرة النامية . كل هذا يؤول دور منظمات المجتمع المدني المتزايد بشكل كبير والمؤثر على الصعيد الدولي . فما كان اتساع نطاق هذا التأثير حتى ليمتد الى النقاشات التي جرت مناقشتها في قمة الدول الثمانية المتقدمة التي تم عقدها في غلين إيلز باسكتلندا في تموز من عام 2005 . تعد منطقة ا لشرق الاوسط من المناطق الساخنة التي مازالت تعاني من ويلات الحروب الدينية – الطائفية والدينية ، وما خلقته من انقسامات في بنية المجتمعات الشرقية ، لذلك كانت سدا وعقبة تعرقل دخول التطورات والتغييرات التي تطرأ على العالم من الدخول الى هذه الساحة . حيث مازالت الدولة ذات القومية والحزب الواحد سائدة و مسيطرة على المجتمع الشرق الاوسطي . اذاُ كيف لنا ان نتحدث عن تطور تجربة المجتمع المدني في هذه المجتمعات ؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد من اجراء دراسات وابحاث استراتيجية علمية على اسس عصرية ، لتحليل العوامل التي تعرقل تطور هذه المجتمعات ومواكبتها للعصر ايضاً . لكن قبل الاجابة على هذا السؤال لا بد من طرح السؤال التالي : ما هوتعريف المجتمع والمنظمات المدنية بالنسبة لهذه المنطقة ؟ ان كان التعريف يتمحور حول تعريف كل المؤسسات والمنظمات الغير حكومية والتي تمثل ارادة المجتمع امام نظام الدولة ، عندها هل يمكن التحدث عن مؤسسات ومنظمات حقيقة في منطقة الشرق الاوسط ؟ بلا شك ان هذه الاسئلة الصعبة تتطلب اجراء دراسات علمية عصرية و محايدة الى ابعد الحدود للانظمة والمجتمعات الموجودة . بعد انهيار النظام الاستعماري التقليدي المباشر ليخلف خلفه بنية متخلفة لانظمة لم تتجاوزبعد الشكل المتخلف للاقتصاد الزراعي – التجاري الذي تكون تنيجة العلاقات التي لم تتجاوزاثار البنى الاقطاعية – العشائرية الرجعية بعد . بالطبع ان تاثير تطور حركات التحررالوطنية في العالم اثر تاثيراً كبيراً على تطور الحركات القومية العربية التي وجهت ضربة الى الاستعمار العسكري ، وتحرير هذه البلدان كونها كانت مستعمرات تابعة لها . حتى الانظمة القومية التي تشكلت استفادت من التناقضات الموجودة بين القطبين الرئيسيين الرأسمالي – الاشتراكي في العالم ، لهذا لم تتطور كثورات اجتماعية تحدث تحولات جذرية تتجاوز بناها الاجتماعية المتخلفة ومن جميع النواحي ، بل على العكس اخذت ترسخ تدريجياً سيادة وحاكمية الدولة على المجتمع بشكل مستبد تحت ايديولوجية الدولة القومية البعيدة عن روح التعددية الديمقراطية و المعايير الدولية لحقوق الانسان و سيادة القانون . من الصائب اعتبار هذه الدول و الانظمة بانها انظمة ديكتاتورية تنتهج التعصب الديني- القومي كنهج ايديولوجي للمحافظة على ديمومتها ، دون التردد عن التقنع باقنعة الديمقراطية وحقوق الانسان لكي تتلافى الضغط والانتقادات من قبل منظمات حقوق الانسان والديمقراطية العالمية والمجتمع الدولي هذا على الصعيد الخارجي ، اما على الصعيد الداخلي فأنها تعمد كانظمة عسكرتارية الى قمع كل الاراء و التنظيمات التي تتبنى اراء مخالفة و معارضة لنظامها القائم واصفة اياها اما بالارهاب او الخطر على امن الدولة . فهل يمكن هنا التحدث عن منظمات ومجتمع مدني تحت هذه الظروف وهذا النمط من الانظمة ؟ ليس من الصعب من تحديد العراقيل التي تحول دون تجسيد نظرية المجتمع المدني عمليا ان تعرفنا على هذه الحقائق بإدراك سليم و محايد . لقد كان للتعصب الديني والقومي الذي وصل الى حدود التناحر و الصراعات الدامية التي لا طائل لها ، الدور الكبير في عرقلة نموالوعي الاجتماعي في المنطقة ، هذا ما يحول دون تكون الظروف الممهدة للتطبيق العملي للطروحات العلمية حول كيفية الوصول الى بناء مجتمع مدني يقلص من سيطرة الدولة وضخامة حجم سيادتها على المجتمع . اذ لا يمكن التحدث عن دور فعال للاطباء والفنانين بشكل خارج عن نطاق تأثير الدولة اوالنظام السائد ، فما بالنا المعارضة لهذا النظام او توجيه اي نوع من الانتقادات له . هناك دورمحدود وضئيل يتم تخصيصه وفق الدساتير والقوانين التي تسنّها الانظمة الشرق- اوسطية للمنظات المدنية . عدد غير قليل من المنظمات لايمكنه من تلبية ضرورات بناء المجتمع المدني . انها ام تكون شكلية اومحدودة التأثير لعدم تجاوب الجماهير وشرائح المجتمع معها وذلك لعدم ادراكها لدور هذه المنظمات بالتأثير على مجرى حياتها اليومية وبشكل متواصل. لقد بدت محاولات عديدة من المثقفين ومنظمات مدنية عربية لكي تطرح اهم العراقيل التي تعرقل عمل وتطور هذه المنظمات المدنية في المجتمعات العربية على وجه الخصوص . على سبيل المثال يمكن ذكر رؤية من الداخل لإصلاح الانظمة والمجتمعات العربية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وذلك من خلال "مؤتمر قضايا الإصلاح العربي" الذي أقيم بمكتبة الإسكندرية في مصر، من 12-14 أذار الماضي: تبلورت الرؤية في "وثيقة الإسكندرية" التي حددت القضايا الأساسية ، وصاغت من خلال لجان، ضمت شرائح متنوعة من المثقفين العرب، الحلول والآليات المطروحة لتنفيذ الإصلاح برؤية من الداخل. وجاءت "وثيقة الإسكندرية" كمحاولة لترسيخ التجربة العربية امام العديد من المبادرات الدولية والإقليمية المطروحة لتحديث منطقة الشرق الأوسط، وما أثارته تلك المبادرات من ردود فعل متباينة في العالم العربي، اتفقت في حدها الأدنى على رفض أفكار التغيير من الخارج . لكن تم الاشارة على الاصلاح السياسي في الوثيقة و ضرورة ان تتجاوز الانظمة العربية التخلف الاجتماعي الموجود واحداث التغيير في دساتيرها يما يتوافق مع معايير الديمقراطية والحقوق الدولية المتعارف عليها ليمكنها بذلك من افساح المجال امام حرية الرأي والتعبير ، وبناء المنظمات المدنية التي تقلص من حجم سيطرة الدولة . اما على الصعيد الاقتصادي تم الاشارة الى ضرورة احداث اصلاحات في شكل وهيكلية الاقتصاد في هذه البلدان من خلال تحسين الاقتصاد و تطوير رؤؤس الاموال والاستثمارات المصرفية و تجاوز البطالة المتزايدة بشكل كبير في هذه البلدان بالاضافة الى التنمية الثقافية والاجتماعية . لكن كل هذا بقي نظريا لم يرى بشكل مجدي حيز التنفيذ والتطبيق لعدة اسباب وعوامل لا يمكن التغافل عنها الا وهي ؛ لا بد من تطوير الوعي الاجتماعي والثقافي والاستفادة من الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الحديثة من ناحية ، اما من ناحية اخرى يجب ان يتم تجاوز التعصب الديني والطائفي والقومي وتأثيرها الايديولوجي وذلك بتطوير النهج الكونفدرالي للمجتمع المدني الذي سيكون النهج الناجع والحل للتخلص من مرض التعصب بكافة اشكاله وترسيخ الديمقراطية و مبادئ حقوق الانسان ، التي ستكون المؤسسات الفوقية للمجتمع المدني ومنظماته المتعددة المهام وفي جميع المجالات لا الحصر. من المؤكد ان التحليل العلمي العصري لمجتمعات الشرق الاوسط ستؤدي بنا الى معرفة العوامل التي تجعل المجتمع المدني طرحا نظريا بعيداً عن التطبيق العملي ، وسيسهل بدوره درب بناء و تأسيس منظمات مدنية حقيقية وعصرية تتجاوز السلبيات والتخريبات ، التي سببها نظام الدولة على المجتمع واجراء التحولات في بنية الدولة بهدف تقليص مهام الدولة الى حدود تسيير عملية الرفاه الاجتماعي في المجتمع التي تعتبر من احدى المهام الاساسية للدولة تجاه العلاقة الاساسية الا وهي الفرد – المجتمع بدلا من ان تكون جهاز قمعي وسلطوي على المجتمع ومقدراته الحياتية .
#مصطفى_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظام السوري بين الترميم و مخاض التغيير
-
النظام السوري ملكي ام جمهوري ؟
المزيد.....
-
الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة
...
-
الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد
...
-
الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي
...
-
الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
-
صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي
...
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
-
-الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|