|
الإعلان العربي للمواطنة
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2314 - 2008 / 6 / 16 - 10:51
المحور:
الصحافة والاعلام
كان منتدى الفكر العربي قد طرح خلال السنوات القليلة الماضية عدداً من القضايا التأصيلية في الفكر العربي القائمة على الاعتدال والوسطية ونبذ التطرف والعنف والتشجيع على ثقافة السلام والتسامح، فإنه في اجتماعه السنوي الأخير في الرباط 21 ـ 23 (نيسان/ ابريل) 2008، طرح موضوع المواطنة باعتباره يشكل جوهره وصميم العلاقة بين الفرد والدولة، فالمواطنة تحيل الفرد إلى شخصية قانونية اعتبارية مقابل الدولة، التي لا يمكنها ولا يجوز لها أن تتدخل في شؤونه بدون قوانين وأنظمة وضوابط متفق عليها كجزء من العقد الاجتماعي ـ السياسي بين الحاكم والمحكوم، ولا يجوز بأي حال من الأحوال الغاء مواطنته أو جنسيته أو انتزاع هويته. لم تترسخ في الدولة العربية الحديثة بعد، فكرة المواطنة على الصعيدين النظري والعلمي، فهي تحتاج إلى جهد كبير على صعيد الدولة والحكم (السلطة والمعارضة) اضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني على السواء، نظراً لغياب ثقافة المواطنة وضعف الهياكل والتراكيب والمؤسسات الناظمة للاجتماع السياسي الحكومي وغير الحكومي، بما فيه فكرة الدولة المدنية وسياقاتها! اعتمدت فكرة المواطنة في القرن الثامن عشر بالدرجة الأساس على بناء الدولة، لا سيما بأفقها الليبرالي الذي بشر بإعلاء قيمة الفرد والحرية والسوق في اطار سيادة القانون، وشهد القرن التاسع عشر تطوراً في فكرة المواطنة بتعزيز الحقوق السياسية بعد إقرار الحد الأدنى من الحقوق المدنية، وبشكل خاص عند تطور مفهوم الديموقراطية الناشئ وقبول مبدأ الاقتراع العام. أما في القرن العشرين فقد توسعت فكرة المواطنة لتشمل مبادئ حقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بعد التطور الذي حصل بإقرار الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948، خصوصاً بتطور الحقوق المدنية والسياسية ولهذا حظيت فكرة المواطنة باهتمام أكبر لا سيما بانتقالها من فكرة تأسيس دولة الحماية إلى تعزيز دولة الرعاية. تطورت فكرة المواطنة مثل الكثير من القضايا لا سيما في اطار تطور فكرة الدولة العصرية والمبادئ الدستورية وحقوق الانسان، ولعل قاعدة الحرية تعتبر ركيزة اساسية من ركائز فكرة المواطنة، تلك التي اغتنت في اطار الجيل الأول لحقوق الانسان الذي استند اليها مثلما استند الى فكرة المساواة في الكرامة والحقوق وبخاصة الحق في الحياة وعدم التعرض للتعذيب وحق اللجوء وحق التمتع بجنسية ما وعدم نزعها تعسفاً، وحق الملكية اضافة الى الحقوق والحريات الاساسية. وارتبط الجيل الثاني لحقوق الانسان بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا سيما المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص عام 1966 التي شملت حقوق العمل والضمان الاجتماعي والتعليم وحقوق المرأة والطفل والمشاركة في الحياة الثقافية والاستفادة من منجزاتها وغيرها. اما الجيل الثالث لحقوق الانسان فهو يستند الى الحق في التنمية والحق في السلام والحق في بيئة نظيفة والحق في الاستفادة من الثورة العلمية ـ التقنية. ويمكن اعتبار الجيل الرابع ممثلاً بالحق في الديموقراطية والحق في التعددية والحق في التداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات حرة، لا سيما بعد انتهاء الحرب الباردة، وتحول الصراع الإيديولوجي من شكل إلى شكل آخر بانهيار الكتلة الاشتراكية وتفكيك دولها وبخاصة الاتحاد السوفيتي. وكان مؤتمر باريس المنعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1990، قد وضع أساساً جديداً لشكل العلاقات الدولية ورسخ هذا الاتجاه مؤتمر برلين (حزيران ـ يونيو) 1991 بعد حرب الخليج الثانية، بتأكيد: التعددية والتداولية وتشكيل مركز دائم لمراقبة الانتخابات وحرية السوق، رغم أن القوى المتنفذة حاولت توظيف هذا التوجه العالمي الايجابي لمصالحها الأنانية الضيقة. ولعل انكساررياح التغيير التي هبّت على أوروبا في أواخر الثمانينات عند شواطئ البحر المتوسط، كان بسبب سعي القوى الدولية المتسيّدة في توجيه الأحداث طبقاً لمآربها السياسية ومصالحها الاقتصادية دون مراعاة لحقوق شعوب ودول المنطقة، الأمر الذي عطّل عملية التغيير، تلك التي جرت محاولات لفرضها من الخارج، ولكن على نحو مشوّه، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الارهابية ونجم عنها احتلال افغانستان والعراق والحرب على لبنان بحجة مكافحة الارهاب الدولي. مثل هذا الأمر يطرح فكرة العلاقة الجدلية بين المواطنة وحقوق الانسان، وبقدر تحقيق هذه المقاربة، تكون فكرة المواطنة ببعدها الكوني وأساسها الحقوقي الانساني قد اقتربت من المشترك الانساني، مع مراعاة الخصوصيات الدينية والأثنية واللغوية، أي بتفاعل وتداخل الحضارات والثقافات، لاسيما باحتفاظها بكينونتها الخاصة في إطار علاقتها العضوية بالأبعاد الكونية الانسانية . المواطنة تقوم وتستند الى قاعدة المواطن – الفرد ذو الشخصية الاعتبارية مقابل الدولة، التي لا يحق لها التجاوز على حقوقه أو الانتقاص من مواطنته وهويته أو انتزاع جنسيته تعسفاً، وهذا ينبغي مراعاته من خلال فردانيته من جهة، ومن جهة أخرى حريته الأساس في مساواته مع الآخر تساوقاً في البحث عن العدالة، وتتعزز مبادئ المساواة والحرية في إطار المنتظم الاجتماعي الوطني والائتلاف والانسجام من جهة، وتغتنيان بالتنوع والتعددية من جهة أخرى، وذلك من خلال الوحدة والاشتراك الانساني والحقوق والواجبات وليس الانقسام أو التشظي أو التمييز. واذا كانت فكرة المواطنة تتعزز من خلال الدولة، فإنها تغتني وتتعمق بوجود مجتمع مدني حيوي وناشط، بحيث يكون قوة رصد من جهة للانتهاكات المتعلقة بالحرية والمساواة والحقوق، ومن جهة أخرى قوة اقتراح وليس احتجاجا حسب، بحيث يصبح شريكاً فعالاً للدولة في توسيع وتعزيز دائرة المواطنة العضوية وتأمين شروط استمرارها، لا سيما اذا تحولت الدولة من حامية الى راعية، مرتقية لعزيز السلم المجتمعي والأمن الانساني، لا سيما بوجود مؤسسات ترعى المواطنة كإطار والمواطن كانسان في ظل الحق والعدل. هذه الأفكار كانت محط جدل فكري في اطار الندوة التي دعا اليها منتدى الفكر العربي الذي اطلق مبادرة اعلان عربي للمواطنة لا سيما وأن هناك محاولات لمشروع ميثاق اجتماعي لمواطني دول منطقة غرب آسيا وشمال افريقيا (وانا) يمكن أن يتم التوقيع عليه في العام 2010 وجسد الاعلان العربي القيم الانسانية العليا المتمثلة في الحرية والمساواة والعدل التي تشكل جوهر المواطنة كما جاء في ديباجته. وأكد على التراث الأصيل للحضارة العربية ـ الاسلامية وانفتاحاً على التجارب الانسانية المعاصرة ومبادئ الدولة العصرية واتساقاً مع المرجعية الدولية لحقوق الانسان، ان المواطنة الفاعلة هي السبيل الامثل لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية لتأكيد الهوية والحضارة الانسانية من خلال الايمان بالحق بعدم التمييز على اساس الجنسية أو الدين أو الطائفة أوالعرق أو المذهب أو اللون. ولعل هذا الهاجس كان تعبيراً عن القلق إزاء ما يجري من انتهاكات لهذه الحقوق بما يمس كرامة الانسان ويؤدي الى تفجير صراعات متنوعة باتت تهدد استقرار المنطقة ووحدة وتماسك الأوطان والمجتمعات وتلحق أفدح الأضرار بأمنها وأمن المواطنين. ولعل مبادرة بهذا القدر من الأهمية تحتاج الى جهد اعلامي كبير وإلى عمل مؤسسي تشاركي متواصل بحيث تكون مشروعاً لمنظمات المجتمع المدني وسلاحاً بيدها لكي تقدمه الى البرلمان والحكومات والجهات الرسمية!! (*) كاتب وحقوقي عربي
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصمت الآثم: «المبشرون» وغسل الأدمغة!
-
حقوق الإنسان: الهاتف الغيبي!!
-
الجولان والوساطة التركية
-
حقوق الإنسان: اعتذار أم حالة إنكار؟
-
الأمم المتحدة والضحايا الصامتون!
-
احتلال العراق وقصة الانتحال والمخابرات “العظيمة”
-
معاهدة عراقية - أمريكية سيعلن عنها في يوليو
-
المحاكمة: المنظور والمحظور!
-
الاستثناء العربي والمرجعية الدولية للديمقراطية
-
المعاهدة الأميركية - العراقية: ابتزاز أم أمر واقع؟!
-
جدلية الإصلاح العربي: الساكن والمتحرك!
-
ثقافة الخوف والإرهاب!
-
في أزمة الشرعية
-
المواطنة والفقر
-
التشكيك بحقوق الإنسان!
-
جدل المواطنة والهوية!
-
مسيحيو العراق... قرابين على مذابح عيد الفصح!
-
دمشق عاصمة الثقافة: شجون فلسطين والفكر العربي
-
جدل قانوني أميركي!
-
رحمة بالأبرياء العراقيين!
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|