|
فراغ في الخارطة.. فراغ على الخارطة
خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال
(Khaled Juma)
الحوار المتمدن-العدد: 2312 - 2008 / 6 / 14 - 08:09
المحور:
الادب والفن
الخيارُ في الشارعِ مُهْلِكٌ* الفتى لم يعد يسوعاً* على درّاجةِ المشهد ينتقل في الشرود الأخير* يسمعُ غير ما اعتاد أن ينصت إليه جوار الحياة يوماً بيوم* النايُ مزعجٌ يجرحُ خوف المشهد من الناظرين* وربما لم يعد لعشر رصاصاتٍ زائدةٍ أي معنىً* أيها الجيشُ لماذا أنت جادٌّ فيما نمزحُ فيه* ضحكَ الجنديُّ: خطابُك لأيَّ لونٍ غير البياضِ* يا بُنيَّ: عليكَ أن تحدّدَ لونَ الجيشِ كي تخاطبَ نَفَقاً لا يؤدي إلى المعنى* المعنى أخيراً تجرّدَ من قُدرَتِهِ* صاحبُ المقالةِ لا يهتمُّ إلا بحجم الخطِّ في الجريدة* والجيشُ يهتم بأشياءَ أكبر من حجم الخط ومن طريقة سقوط المتظاهرين* المشهدُ يتحوّلُ سريعاً من أبٍ يبحث عن ابنته التي شذّت واخْتَلَطَتْ بالشبَّان الشبقين رغم أنهم يقاتلون إلى ابنةٍ تبحث عن أبٍ سقطت ملامحه على الإسفلتِ دون داعٍ* تعلنُ الفضائيةُ عن مكيِّف الهواءِ الجديد* يتركُ الفتى موقعه ليشتريه* كان شعورُ أمِّه بالحرارة يُقْلِقُهُ* لكنه سقط في الطريق إلى المكيّفِ* ولحسنِ الحظِّ لم يَمُتْ تماماً* الهمُّ لم يكن همّاً متأقلماً مع الفتى القادر على اللعب مع الروح التي تنفصل عنه وتعود إليه كقطةٍ صغيرة* لم يدخل فلسفةً عاليةً ليعرّف حالته كما تقتضيها الإذاعةُ* قام المذيع بالإجابةِ* قد قدّم الفتى ما عليه وكذلك المذيعُ* ينسى الفتى حديقتَهُ عند أوّل إغفاءةٍ دَوْزَنها المرورُ المستمرُّ للسائل الطبيِّ في أوردةٍ لم تُخلق لذلك* الممرضاتُ يحرسن نومه لكثرة المارين على ذاكرتهن* لم يعبر من له هذا الجمالُ عند النومِ* يغنين وينصرفن عند انتهاء الورديّةِ* ولا يتذكرنه إلا عند الوردية التالية* في نومه صحراءٌ ضيقةٌ وطويلة* وطائرا لَقْلَقٍ لا يعرفُ من حشرهما في المنام المشغول بدقةٍ عالية* تتحوّل الصحراءُ إلى خارطة* المدرّسُ يشير إلى اللون الوحيد ويهزّ شاربيه وعصاه* هناك فراغٌ بين صحراءٍ وأخرى* يغزلُ المدرّس جملته من لغةٍ قديمة* هذا هو النيلُ الذي يخجلُ كلما مرّ على جنازةٍ* والنيل كما تعرفون أطولُ الأنهار* إذا استثنينا أنهارَ الجنّةِ في مرورها الطويل تحت يد الله العبقرية* إنما الصحراءُ تشخرُ في نومها* ونومها النهرُ إذا لم تعرفوا* الفتى في ورقةٍ على سطرٍ يدورُ* ثمة فراغٌ في الخارطة* ثمة عيدٌ على الفراغ يسقطُ دائماً والشجرةُ لا تعي ما تحتها* القطبُ في نهاية الخارطة غابةٌ بيضاء* لو أن القطب يضاجع الصحراء!!* مرورٌ عارضٌ لغيمةٍ على خيمةٍ استبدلت جداراً* والفتى نسخةٌ غير مطابقةٍ للباقين في خيامٍ قديمة* الحوارُ طويلٌ ولا طائل من ورائه* علّمتْهُ التجربةُ أن التجربةَ لا تعلّم إلا نفسها* يغربلُ أصحابه ليسقطوا جميعاً من أكبر الفتحات* يغيّر غرباله كل سنةٍ وما زالوا يسقطون* يتكلمُ الملل من أحشائه ولا يملك استطاعةً واحدةً ليغير وضع جسمه فوق هذا البياض المناسبِ للّغة* اللغةُ تراوغُ* يسبُّها عائداً إلى حنينه المرتب* البلادُ بلادي حين أقولُ الشعَر أو أحلمه* ضحك من الفكرةِ فابتسمت ممرضةٌ لا تحسُّ مثلما اللواتي انتهت ورديتهن* ثلاث بائعات وردٍ يجلسن على فكرته التي تتنفس من وريده* الروح مثل قطةٍ صغيرةٍ مازالتْ* أطباءٌ يمرّون* ممرضون* زائرون* مرضى* عاملو نظافة* ممثلو أحزاب* ورود* طالباتُ مدارس* مطربون* صحفيون* متبرعون بالدم* عسكريون* قادة* ومهنٌ كثيرةٌ تَعضُّه من سريره وتجثو لحظةً أمامه وتمرُّ* الصحراء تبدو مجسّمةً على الخارطة* في الخارطة فراغٌ* على الخارطة فراغٌ والنيل ليس هنا أيها المدرّسُ* إعطني أوراقي كي أريها لوالديْ* أنتَ طالبٌ كثيرٌ على مدرِّسٍ حزين* لم أقصد الإهانةَ لكني خربشتُ على الخارطة لذلك اختفى النيلُ* المدرّسُ يستقيل ويطلّقُ غايته وينتحر* النور يأتي من سرابٍ في آخر الممر* نورٌ لا يضيء* الفتى يلمسُ الناي في حجرةٍ كلها من الخشب* النباتُ في الحجرةِ يفتحُ النافذةَ ببصيرةٍ متّقدة* يثمرُ قلباً ويكسرُ الرمز الذي في القلب* السريرُ يفتحُ عينهُ وينزُّ مفصلاً مفصلاً* الفتى يُعَنْوِنُ الرسائل الأخيرة ويرتب فراشه ويلقي التحية على السرير* يغطّيها مثل نائمٍ ويخرج متكئاً على أسنانه وحافياً والممرُّ باردٌ وطويل* طائرتان تغازلان القمر المقضوم على البحر* البحر يلعنُ والقمر سعيدٌ بالمغازلة* يسقطُ ولدٌ من الطائرةِ له جديلتان وفي يده خارطة معمارّيةٌ تنطبق على أكثر من روحٍ وأقلّ من مدينة* يرمي سِنّهُ في البحر ويحاولُ الإيقاع بالفتى بحيلةٍ مكشوفة* المساءُ والقمر يخرجان من الخارطة* دفاترُ كثيرةٌ على الشاطئ ووجهٌ مطبوعٌ على سيلوفانٍ يطلُّ من تحت إبط الجسر الوحيد في المدينة* للمدينةٍ علاقةٌ بنفسها تحفرُ كتاباً لم يضجر من الكتابة إلى الآن* الموجةُ تمضغ رملاً شهياً* عكّازٌ يمرُّ على الموجِ وحيداً* السماء تصبح أرقاماً كثيرة تسقط في اللُّجِّ* ينسحبُ الفتى وينسحبُ الموجُ في جولةِ سلامٍ قصيرةٍ* المدرسةُ لم تزل مكانها* لماذا المدرسةُ في الليلِ لا تُضجِرُ؟ الخيلُ تمرُّ متعبةً أمام الكمائن النائمة* انفجارٌ هائلٌ مثل يوم قيامةٍ في جسدٍ طائرٍ* يفلتُ الكلام من فم الراوي وتحتجُّ الخارطة* فراغٌ في الخارطة* فراغٌ على الخارطة* خارطةٌ على الفراغ* خارطةٌ في الفراغ* النسوةُ يمشين جوار المأتم الصخري* لا يفهمن الخارطة* يُعَزّلُ مجموعةٌ من الجنود أغراضهم من عين المغيب* والفتى يلعب بروحه التي تشبهُ قطّةً صغيرة* تغادره* تعودُ إليه* تغادره* تعودُ إليه* تغادره* تعودُ إليه* تنفتحُ العتمةُ عن نجمٍ شيطانيٍّ يمشطُ شعاعه في مرآةٍ وهميةٍ* كل مرآةٍ وهمٌ في الليلِ* الليلُ ورديّةٌ والنهارُ كذلك* تلعبُ القطّةُ على الحظِّ* والناي في حجرةٍ من خشب ينمو ليصبح شجرةَ موسيقى* مظاهرةٌ في الشارع لا تناغم بينها* بلادٌ حزينةٌ تطلُّ من وراء الرايات الملونة وتختفي في مُنْتَجٍ لم تدوَّن عليه الصلاحية أو الدولةُ المنتجة* يبطئُ الجمهور مشيته* ينحدر في مَيْلٍ ممتدٍ في الشارعِ* الصخب عالٍ* وبعد ثوانٍ صوتٌ فقط* ولا أحد في المشهد* ولا مشهد لأحَدْ* الشجرُ يلفتُ نظر القذائف الآتية من خطط كثيرة* يتظاهرُ النائمون بالموت من أجل سطرٍ في جريدة* وتأتي الأموالُ على غفلةٍ لتدخلَ المعدَّلَ المعدَّلَ وتصبحَ شكلاً في برنامج الإحصاءْ* تنقسم المدينةُ في ذروة المساء إلى بحرٍ وإطلاق عنانٍ للرصاص* الحدودُ تتشكّلُ مثل ماءٍ منسابٍ على صوّان* الفتى لم يعد جزءاً من المشهد* المذيعُ يلتقي بنفسه* الممرضاتُ يرصدن آخر الوردّية* لم يمرّْ بعدُ فتىً له ذلك الجمالُ عند النوم* ومازال منامه متروكاً على الوسادة مثلما تركنه* ومازال فراغٌ في الخارطة* ومازال فراغٌ على الخارطة*
#خالد_جمعة (هاشتاغ)
Khaled_Juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدول والشعوب والطوائف والديانات والمذاهب في التاريخ الفلسطي
...
-
الدول والشعوب والمذاهب والديانات والطوائف في التاريخ الفلسطي
...
-
يؤلِّفُ أُفُقاً ويُضِيْؤُهُ
-
كأي شاهد قبر
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|