كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 2311 - 2008 / 6 / 13 - 11:29
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الحلقة الأولى
تعم الشارع العراقي في هذه الأيام إشاعات كثيرة حول بنود وشروط اتفاقية طويلة الأمد يراد لها أن تعقد بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية والتي يفترض أن تشتمل , كما ورد في إعلان المبادئ بين المالكي وبوش , على الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية التي تهم البلدين إضافة إلى الجانب الثقافي بشكل غير مباشر. وتصب جميع تلك الإشاعات باتجاه سلبي يؤكد مسألة واحدة هي : أن شروط الاتفاقية المطروحة للتفاوض ليست في صالح العراق , وأنها , إن وقعت , ستلحق أفدح الأضرار بالاستقلال والسيادة الوطنية , كما ستكون سبباً لتفاقم المشكلات بين الشعبين ومع شعوب وحكومات الدول المجاورة. وزاد في تعقيد هذه اللوحة تلك الشروط التي تسربت بتعمد أو بغير تعمد على شكل إشاعات نشرتها بعض الأوساط السياسية , إضافة إلى ما يمارسه الإعلام الإيراني وولي الفقيه علي خامنئي في التصدي لأي اتفاقية يمكن أن تعقد بين العراق وإيران , على اعتبار أنها ستكون في كل الأحوال موجهة ضد إيران بسبب الموقف الضعيف للحكومة العراقية أمام الإدارة الأمريكية , وبسبب كون العراق دولة محتلة لا يمكن لحكامها رفض ما تريده الإدارة الأمريكية وبسبب اعتبار إيران دولة مارقة من جانب الإدارة الأمريكية. كما تشن القو القومية الشوفينية , التي وقفت إلى جانب النظام الصدامي ودافعت عن وجوده وعن حروبه وجرائمه , حملة تهويشية مماثلة هدفها تعطيل حركة الدولة العراقية وإبقاء العراق تحت الفصل السابع الذي يقيد إمكانيات العراق وانطلاقه في علاقاته مع العالم.
وانقسم الشارع العراقي إزاء الموقف من الاتفاقية المقترحة إلى ثلاث جبهات:
- الأولى تدعو إلى التريث بأمل الاطلاع على بنود الاتفاقية أو المقترحات الأمريكية من جهة , والمقترحات العراقية من جهة أخرى , قبل الحكم على الاتفاقية أو اتخاذ موقف بشأنها , إضافة إلى أن عقد اتفاقية مع الولايات المتحدة لا يشكل ضرراً بحد ذاته , بل يفترض معرفة بنودها.
- والثانية تدعو إلى رفض عقد أي اتفاقية مع الولايات المتحدة , لأنها ستشكل قيداً ثقيلاً على العراق وتسمم العلاقات مع الجيران وتطعن الاستقلال والسيادة العراقية بالصميم.
- والثالثة تدعو إلى عقد اتفاقية طويلة الأمد لحماية العراق من الأرهاب الدموي الذي تعرض له الشعب العراقي طوال السنوات الخمس المنصرمة وما يزال حتى الآن يعاني منه , ولأنها السبيل الوحيد لإنقاذ العراق من التدخل الفظ للدول المجاورة بشئونه الداخلية والتي تريد بكل ثمن الهيمنة التامة على مقدرات العراق ونشر الظلامية فيه. ولا ترى في بعض الشروط التي تدعو لها الإدارة الأمريكية ضيراً أو تلحق ضرراً بالعراق في عالم معولم ومفتوح.
ولا شك في أن هذه التوجهات وجدت مرجعيتها في مواقف الأحزاب والقوى والتحالفات السياسية العراقية القائمة , إذ احتدم النقاش بينها على صفحات الصحف وفي القنوات التلفزيونية والتصريحات المتبادلة , وكذلك في ردود فعل الحكومة العراقية. كما أدخل الملكي المرجعية الدينية الشيعية في هذا المعمعان وتجلى في ما صرح به عبد العزيز الحكيم نقلاً عن السيد علي السيستاني. وإزاء هذا الاختلاف الطبيعي في الموقف من قضية كبيرة مثل عقد اتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأمريكية , يراد لها إخراج العراق من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ووإقامة علاقات سياسية استراتيجية مع الولايات المتحدة تمتد لعشر أو عشرين سنةً قادمةً , لا بد من بلورة موقف عراقي مشترك أو موحد إزاء بنود هذه الاتفاقية والأسس التي يفترض أن تستند إليها. ومثل هذا الموقف يتطلب منّا دراسة ما يمكن أن تتضمنه الاتفاقية باتجاهات ثلاثة , وهي :
أولاً : الناحية السياسية والأمنية والعسكرية.
ثانياً : الناحية الاقتصادية – الاجتماعية.
ثالثاً : ناحية العلاقة بدول الجوار بشكل خاص ومع بقية دول العالم.
حين نستمع إلى الرأي العام العراقي بشكل عام ونمعن التفكير بموقفه , سنجد أن غالبيته تقف إلى جانب الا لتزام بالمبادئ التالية التي تنظم هذه الاتفاقية , وهي:
1. أن يسترد العراق استقلاله وسيادته الوطنية وأن لا يثُلمان ثانية.
2. أن تصان المصالح الوطنية السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية العراقية.
3. أن تسود الشفافية في طرح مشاريع الاتفاقية أو النقاش حولها وتأمين استشارة قانونية دولية بشأنها.
4. أن يتم التصويت عليها في مجلس النواب , إضافة إلى استفتاء الشعب عليها باعتبارها مسألة استراتيجية ذات أمد بعيد وتمس مصالح الشعب العراقي والولايات المتحدة في آن واحد.
5. أن لا تسمح بالتدخل أو التعرض أو إلحاق الضرر بأي دولة مجاورة للعراق.
6. وأن تكرس العلاقات السياسية الإيجابية والمصالح المتبادلة مع الولايات المتحدة الأمريكية وأن تستند إلى مبادئ الأمم المتحدة في العلاقات الدولية وأن تساعد العراق على النهوض من كبونه الشديدة وواقعه المأساوي الراهن والوصول إلى مستويات أفضل , وأن تُخرج العراق من الفصل السابع.
إن إعلان المبادئ السابق بين الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية من جهة , وما تسرب من شروط , يشاع أن الطرف الأمريكي قد طرحها على الطرف العراقي المفاوض , من جهة أخرى , لا تستند إلى تلك الأسس التي يفترض أن تلتقي عندها الاتفاقية , بل فيها مس مباشر بالاستقلال والسيادة العراقية. وأتمنى أن لا تكون صحيحة لأنها ليست قاسية فحسب , بل وسيئة أيضاً , مثل الأشراف على وزارتي الدفاع والداخلية لعشر سنوات من جانب الولايات المتحدة قابلة للتمديد , وحق القوات الأمريكية باعتقال أي شخص عراقي دون العودة إلى الحكومة أو القضاء العراقي , وخضوع القوات الأمريكية لدستور وقوانين الولايات المتحدة وليس القضاء العراقي , وطلب 15 مليار دولارا أمريكيا سنوياً من الحكومة العراقية باعتبارها نفقات سنوية تصرف على القوات الأمريكية التي يراد لها أن تحمي العراق , وإقامة 14 قاعدة عسكرية في العراق , إضافة إلي عدد كبير من المعسكرات للقوات الأمريكية في العراق , ثم الأشراف على المجال الجوى للعراق ...الخ. وقد صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية السيد الدكتور علي الدباغ بأن العراق يرفض أي بند يمس الاستقلال والسيادة الوطنية أو يسمح بالتدخل بالشئون الداخلية للدول المجاورة. كما صرح بذلك رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية. وهو أمر إيجابي دون أدنى شك. ولكن هل يمكن الركون إلى ذلك , أم يفترض دراسة الموقف من مختلف جوانبه والخروج باستنتاجات تساعد الطرف العراقي في تحقيق اتفاقية منصفة وتساعد العراق على التقدم واستقلال قراراته؟ تقول الحكمة الدولية : الثقة جيدة ولكن الرقابة أجود , وخاصة الرقابة الشعبية والدستورية.
كلنا يعرف بعض الحقائق المهمة القائمة على الأرض العراقية التي تؤثر بدورها على الموقفين العراقي والأمريكي في آن , وهي أوراق يمكن اللعب بها من الطرفين. فعلى الطرف العراقي تسجل الملاحظات التالية :
• ضعف الدولة العراقية ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية.
• ضعف الحكومة العراقية وغياب وحدة الموقف واستمرار الصراعات التي تدور في ما بين قواها واستمرار انعدام الثقة بين أطرافها , رغم ما يشاع من تحسن في علاقاتها.
• وجود القوات الأمريكية باعتبارها قوات محتلة على الأرض العراقية وتحكمها حتى الآن بالكثير من الأمور ودورها في مكافحة الإرهاب وحاجة الحكومة العراقية إلى تلك القوات , وخاصة الأمريكية منها.
• وجود قوى الإرهاب والمليشيات الطائفية المسلحة وقدرتها على استعادة نشاطها بفعل التخلخل الداخلي والمشكلات التي يعاني منها المجتمع , إضافة إلى الصراع الطائفي والمشكلات المعلقة بين الدولة الاتحادية والإقليم بشأن العديد من القضايا والتي يمكن أن تكون ورقة مهمة بأيدي القوات الأمريكية , ومنها قضية كركوك أو عقود النفط.
• ضعف الثقة المتبادلة في ما بين الأحزاب والقوى والتحالفات السياسية العراقية , أو في ما بين الشعب من جهة , والحكومة والقوى السياسية العراقية من جهة أخرى.
• العلاقات المتوترة مع الدول المجاورة والتدخل الفظ من جانبها في الشئون العراقية , وخاصة من جانب إيران وسوريا والسعودية ومن قوى قومية وإسلامية متطرفة ومتحالفة في ما بينها.
• ضعف الطرف العراقي المفاوض أو ميل العديد منهم للتساهل مع الشروط الأمريكية وتباين وجهات نظره ومواقفه وتصادم رغباته زاء الاتفاقية ومضامينها. وعلينا أن ندرك بأن خبرة الطرف الأمريكي في التفاوض كبيرة وله تجارب كثيرة في هذا الصدد ويتحرك من مواقع القوة في التفاوض مع العراق المبتلى ببعض الجيران الذي لا يريد الخير له.
• غياب الشفافية من جانب الطرفين وعدم اطلاع الشعب العراقي على ما يدور خلف الكواليس مما يزيد من ضعف الموقف الحكومي إزاء موقف الطرف الأمريكي.
وفي الجانب الأمريكي يمكن تسجسل الملاحظات التالية:
• الرغبة الجامحة لدى الإدارة الأمريكية في التوقيع على اتفاقية مع العراق خلال الفترة الراهنة وقبل بدء الانتخابات الأمريكية وأحراز مكاسب مهمة لصالح الولايات المتحدة في العراق ولصالح الحزب الجمهوري في صراعه مع الحزب الديمقراطي.
• المصاعب التي واجهتها ولا تزال تواجهها القوات الأمريكية في العراق وتجليات ذلك في ضعف الموقف الدولي للولايات المتحدة في إيران ولبنان وسوريا وعموم الشرق الأوسط.
• الضغوط الداخلية المتعاظمة على الإدارة الأمريكية , وخاصة جورج بوش , من جانب الشعب الأمريكي أو من قبل مجلسي النواب والشيوخ , أو من الحزب الديمقراطي , وخاصة في فترة التحضير لانتخابات الرئاسة القادمة , ومن قبل أجهزة الإعلام.
• عجز الولايات المتحدة الأمريكية عن إيجاد حلول عادلة للمشكلة الفلسطينية وما يتسبب به الموقف المؤيد كلية لإسرائيل من تداعيات لدى الرأي العام العراقي والعربي والإقليمي وتفاقم الكراهية للولايات المتحدة.
• الوضع الدولي غير المناسب للولايات المتحدة , سواء أكان ذلك على صعيد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أم على صعيد الرأي العام الإقليمي والدولي.
• رفض المجتمع الدولي لوجود القوات الأمريكية في العراق والمطالبة بانسحابها وعدم عقد اتفاقية مخلة بالاستقلال والسيادة العراقية. وهو يستند إلى موقفه الأول الذي رفض الحرب ضد النظام العراقي في ربيع العام 2003.
• وعلينا أن نشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد من هذه الاتفاقية أن تزيل مخاوفها من احتمال ولوج روسيا والصين واليابان وكذلك الاتحاد الأوروبي أكثر فأكثر في المنطقة وفي العراق ودول الخليج , وبالتالي تعتبر مثل هذه الاتفاقية ضمانة وحماية لمصالحها من المنافسة الدولية في العراق ومنطقة الشرق الأوسط.
• ويبقى الهاجس الكبير للولايات المتحدة يتمثل في السياسة الإيرانية , إذ أن القيادة الإيرانية تسعى بشكل محموم إلى امتلاك السلاح النووي وتهديدها المباشر للدول العربية وإسرائيل في آن واحد , وخاصة دول الخليج , ورغبتها في الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط. وهي مسألة تتعارض مع دور الولايات المتحدة في المنطقة والتزامها المطلق بحماية إسرائيل ومصالحهما المشتركة , كما أنها تتعارض مع مصالح الدول العربية.
• ويشكل هاجس النفط الخام العراقي والنفط في منطقة الخليج وعموم الشرق الأوسط دوراً كبيراً في ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية من عقد اتفاقية طويلة مع العراق التي تساهم , كما ترى , في إبعاد المنافسة لها في نفط الشرق الأوسط.
إن هذا الواقع بالنسبة للطرفين يشتمل , كما يلاحظ المتتبع , على جوانب إيجابية وأخرى سلبية بالنسبة لكل طرف مفاوض , وبالتالي يمكن أن تخضع الاتفاقية المطلوبة لمساومة كبيرة تعتمد على فترة عقدها وعلى مدى تلاحم الموقف العراقي ومدى قدرته على فهم اللعبة الدولية ومدى تمتعه بالمرونة والحركية المطلوبة وعلى التغيرات النسبية في التكتيكات السياسية للإدارة الأمريكية الجديدة التي تعقب الانتخابات القادمة.
ليس ضيراً أن يعقد العراق اتفاقية متوسطة المدى أو حتى طويلة الأمد مع الولايات المتحدة أو مع غيرها من الدول الكبرى , بل يمكن أن نشير إلى ضرورة عقدها وأهميتها للعراق في المرحلة الراهنة وفي المستقبل , ولكن المسألة لا تكمن هنا , رغم وجود من يرفضها أصلاً , بل تكمن أساساً في مضامين هذه الاتفاقية وهو ما سنعالجه في الحلقة الثانية من هذا المقال.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟