مجلة الحرية
الحوار المتمدن-العدد: 2309 - 2008 / 6 / 11 - 10:40
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في البدء نحن نتحدث من وجهة نظر سياسية تؤمن بالتغير السلمي لمجريات الصراع السياسي الدائر على الساحة العراقية ضمن كل تعقيداته , بمعنى إن الحديث هذا لا يشمل من يرفض العمل السياسي السلمي جملة وتفصيلا ومهما كانت وسائله وأساليبه وليس من حقنا إن نصادر خياراته على شرط عدم اعتماده مبدأ الغاية تبرر الوسيلة .
لأننا نؤمن تماما إن الأساليب العنيفة والمسلحة ذات مردود سلبي وعكسي ضدا لهدف المطلوب إلا وهو التخلص من الاحتلال والاستغلال وبناء المجتمع الاشتراكي والوطن الحر المستقل . وان واقع الإحداث الظاهر منها والمستتر أكد وبشكل لا يقبل الشك تخادم قوى العنف والإرهاب مع قوى الاحتلال والاستغلال وخطف خيار المقاومة الوطنية الحقيقية من أصحابها وحملة لوائها الحقيقيين ألا وهم كل أحرار العراق وفي طليعتهم القوى اليسارية العراقية بمختلف عناوينها وتوجهاتها . إن مرور أكثر من خمسة سنوات منذ اختفاء الديكتاتورية الممركزة برمزها ألصدامي إلى دكتاتوريات لا حصر لها كأقزام تحاكي الديكتاتورية المختفية من حيث السلوك والثقافة ومصادرة حرية وخيار الأخر وان بعضا منها تفوق على الدكتاتور الفرد فأوغل في القتل والإجرام والسلب والتخريب تحت غطاء المقاومة وهنا لا نريد إن نسهب ما قد فصلنا مظهره ووسيلته وأقنعته المزيفة في دراسات ومقالات سابقة . فقد أمسى الجميع يقرون بنقص ما يسمى بالممارسة الديمقراطية والانتخابية في أول مرة..، فلا يمكن إن ينتج السلوك والتصرف السليم غير الجسم السليم وصدق من قال ( العقل السليم في الجسم السليم ) , في واقع جسد المجتمع العراقي المنهك والممزق والمحروم من لقمة العيش وحرية التفكير والتعبير لعشرات السنين رسخ قيم الهيمنة والقردنة والثعلبة ونفي الأخر تحت فعل لا وعي غريزي مضمر في دهاليز العقل الباطن لمجاميع غير هينة من الشعب العراقي ،وهنا يجب عدم إغفال دور قوى الاحتلال في تأبيد قيم التخلف وواقع الجهل وإدامة واقع الأزمات وتجديدها المستمر بما يخدم مصالحه ويأبد وجوده مستفيدا وموظفا وجود أرضية معدة لغرس التفرقة الطائفية والعرقية والسعي الأناني لنيل المراتب والمكاسب.
ونتيجة لذلك يجب اخذ هذا الواقع بنظر الاعتبار عند العمل بمبدأ هام في الممارسة الديمقراطية إلا وهو مبدأ الانتخاب , فمن غير الممكن وضع مقاليد أمور العائلة بيد ((طفل)) لا زال دون مستوى السير والنطق السليم بل يجب رعايته لحين بلوغه سن الرشد وتسليحه بمختلف المعارف والوسائل الكفيلة بإنضاج تفكيره وقراراته وعدم استغلال فقدانه للوعي لأخذ بصمته كصك ولاء للجهة الفلانية اوالعلانية وهذا ماحصل في عملية لانتخابات السابقة في مجلس النواب ومجالس المحافظات، فمن يهد بناءا سابقا يجب عليه عند إعادة البناء إن يعيد تأهيل ٌلبنات بناءه الجديد ، يقوّم ماأعوج ويرمم مانكسر حتى وان كانت هذه اللبنات من الذهب الخالص يجب تنقيتها مما علق بها من الشوائب ومما أضفته عليها النوائب من الأوساخ والنفايات, كذلك لايمكن ائتمان السارق المحتل على ثروات المسروق والأخذ بمشورته في كيفية استرجاع المسروقات لأصحاب الدار .
من كل ما تقدم كان يجب إن يتم اختيار نخبة من القادة العراقيين المشهود لهم بالوطنية الصادقة والكفاءة العلمية والعملية في ادراة شؤون البلاد السياسية والاقتصادية والثقافية تعد للتحضير إلى بنية تحتية وفوقية تمكن عموم الجماهير من اتخاذ القرارات الموزونة والصائبة البعيدة من عقدة القهر والنقص والانتقام من المخالف والمختلف , عندها من الممكن إن تركن إلى آليات وممارسات الحقوق الديمقراطية , وقد نوهنا قبل أجراء الانتخابات النيابية في مقال بعنوان ( الانتخابات العراقية طريق المتاهة ) .
على كل حال فان ما أفرزته مجريات العملية السياسية و((الديمقراطية)) أصبح واقعا لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه, ولكن لم يزل هناك متسع من الوقت لإصلاح ما يمكن إصلاحه وجعله أكثر واقعية وملائمة لتطلعات الشعب العراقي في الحرية والرفاهة والاستقلال. ومن أولى هذه الأمور يقف الدستور العراقي الدائم الذي لم يزل تحت التغيير والتبديل وإعادة الصياغة. مما يتوجب على قوى اليسار والديمقراطية في العراق بذل جهود جبارة وتوحد مكين فاعل يوفر لها وسيلة ضغط مؤثر من اجل صياغة دستور ديمقراطي علماني متحضر ليكون هذا الدستور ومضامين فقراته ومواده السند القوي لدعم كافة مطالب الجماهير الشعبية الطامحة بالحرية والرفاه . حيث إن العراق الدستوري ألتعددي لا يمكن أن تقدم فيه إيه سلطة مهما كانت على اتخاذ أية قرار أو عقد أية معاهدة أو إصدار أي قانون دون الرجوع إلى سند دستوري واضح . وهذا مما يكون الحجة القوية والغطاء الشرعي القوي الذي تتحرك في ظله وتحت حمايته قوى اليسار والديمقراطية بوجه المخططات والإطماع الامبريالية وكل قوى الرأسمال والاحتكار والعسكرة لإقرار قانون النفط والغاز المثير للجدل وإقرار المعاهدة طويلة ((الوتد)) في ظل وضع غير متكافئ بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية وإعادة صياغة قانون الأحوال الشخصية الانتخابات للأقاليم وقانون خدمة العلم وغيرها من القوا نيين المهمة والهامة المتعلقة بحياة ومستقبل الوطن والمواطن العراقي. إن التجارب الانتخابية السابقة أثبتت بما لا يثير الشك فشل صياغة التحالفات وطبيعة القوائم الانتخابية وفشل ذريع في ادراة الحملات الانتخابية وعدم فهم نبض الشارع العراقي وتطلعاته مما وجه الناخب العراقي وجهة طائفية عرقية غير سليمة تحت ضغط التوتر الطائفي والعرقي وطبيعة القوائم الانتخابية وخصوصا بالنسبة للفرد العراقي ذو التوجه اليساري والديمقراطي والعلماني صاحب الثقافة الاشتراكية والأممية مما جعله يسلك سلوكا لا مباليا وغير مهتم بالمجريات الانتخابية لأنه لا يجد من يمثله بين قوائمها ورموزها المختلفة . أو ما دفع بالبعض المنقوص الوعي والمهتز الخيار إلى اختيار الطائفية والقومية التي ينتمي إليها نكاية وتخوفا من الطائفة والقومية المغايرة. إن عناوين قوى اليسار رغم فرقتها وتشتتها يمكن أن تحصل على الأصوات الكافية التي تؤهلها للحصول على عدد من المقاعد في مجالس المحافظات ومن بعد ذلك في قبة البرلمان بحيث تكون ذات تأثير حقيقي فاعل في مجريات الحراك السياسي المحتدم على الساحة العراقية والذي تبذل فيه ومن خلاله القوى الأخرى المال الوفير والجهد الكبير وكلاهما ملك يمينها بما لا يقاس ولا يمكن مقارنته مع قدرات وإمكانيات القوى اليسارية منفردة أو مجتمعة . وهنا لا يشفع لها غير رأسمالها الايجابي الكبير الذي تختزنه الذاكرة الشعبية في وعيها ولا وعيها لرموز اليسار العراقي كمثال للتضحية والإقدام وان يكن قد أصابه التصدع بسبب الخطل السياسي والفكري لبعض القوى اليسارية المشتركة في العملية السياسية خلال الفترة السابقة .
ما تقدم عرضه يستوجب امرأ لا يقبل التأجيل ولا التأويل إلا وهو الاستجابة التي لا تشترط سوى الالتزام ببرنامج حد أدنى تقره كافة العناوين حركات وأحزاب وتجمعات يسارية وأفراد ليكونوا جبهة أو تحالف يساري واحد يحمل برنامج واضح وعملي يجسد بديلا ممكنا ومطلوبا من اغلب جماهير الشعب العراقي وهذا ما تؤكد عليه بعض هذه الحركات اليسارية وتنادي به دون أن يترجم إلى واقع عملي فاعل على الساحة السياسية، ساهمنا وساهم غيرنا بعدة دراسات نرى أنها يمكن إن تكون أساسا وركيزة لعمل يساري متماسك .. وكذا هو حال الدعوة تحت عنوان ( من اجل عمل مشترك لقوى اليسار العراقي ) التي أطلقت من خلال الحوار المتمدن والتي أصابها الكثير من البرود واللامبالاة دون أي تقدم محسوس في طريق التنسيق أو التحالف بين طرفين أو أكثر من العناوين العاملة على الساحة العراقية . فلا زال كل عنوان ممسك بثوابته ومقدم شروطه الغير واقعية كشرط للتنسيق والتحالف. إننا في واقع الأمر نحمل القوى اليسارية ذات الوزن والحجم والتاريخ النضالي الطويل المسؤولية الأولى في مثل هذا التشرذم والتجزئة التي تعيشها قوى اليسار ولا زالت . مثل هذا الواقع يجعل المراقب يتوصل إلى إن قوى اليسار والديمقراطية سوف لن تحرز المكانة المطلوبة والمأمولة في مجالس المحافظات أو الانتخابات البرلمانية القادمة وذلك سيطيل من حالة الفوضى السياسية والاجتماعية ويبعد اليوم الذي يحقق فيه العراق شعبا ووطنا حلم الحرية الكاملة والرخاء المطلوب .
ببالغ السرور تلقينا ما أقدمت عليه سبعة أحزاب سياسية في محافظة البصرة بما يسمى بقوى اللقاء الديمقراطي هناك ولكنها للأسف الشديد تفتقد العديد من عناوين اليسار العراقي ما عدى الحزب الشيوعي العراقي - أبو داود- وهذا حق لكل قوة سياسية في اختيار حلفاءها ولكننا نطمح إلى ما هو أوسع من ذلك وعدم ضياع أصوات ليست قليلة من مؤيدي الأحزاب والحركات والإفراد اليساريين والشيوعيين بمختلف عناوينهم ومشاريعهم وتوجهاتهم , فخطورة المرحلة وكبر المهام المراد انجازها تتطلب أعلى درجات التنسيق والتضامن بين قوى اليسار العراقي أولا ومن ثم بين هذه القوى وكافة القوى الوطنية والديمقراطية حول برنامج انتخابي يحمل الحد الأدنى من طموحات الشعب ويضمن سيادة وحرية ورفاه الوطن والمواطن . إن على القوى الشيوعية واليسارية أن تعيد النظر في هندسة عملها السياسي والفكري والتنظيمي من جديد لتستعيد جماهيرها وقواعدها التي فقدتها بسبب الملاحقة والاضطهاد الديكتاتوري وكذلك بسبب ذيليه وضبابية أو تبعية الموقف والفعل. مما يجب عليه أن يتقن هندسة ورسم خططه التعبوية والإعلامية لخوض معركته الانتخابية على أن تمثل نبض وطموحات المواطن العراقي وتطلعاته المشروعة في وطن حر وعيش كريم والاستفادة من تجاربه السابقة منذ دخوله العملية السياسية لحد الآن وعدم الانجرار وراء الشعارات الزائفة اوألدعوات المهادنة الزاحفة التي لا يهمها سوى الحصول على مكاسب نفعية مؤقتة.
ربما يقول احدهم إن نداءاتكم ودعواتكم هذه إنما تنبع من ضعف.وهذا أمر وادعاء واستنتاج صحيح تماما وهو يشمل كل القوى الشيوعية واليسارية العاملة على الساحة العراقية وبمختلف العناوين دون استثناء وان على درجات ولكن مجمله يدل على الوهن والضعف ، وفي مثل هذا الاعتراف والإقرار الصريح بالضعف تأتي قوة وواقعية اليسار العراقي بعيدا عن الادعاءات الفارغة والشعارات الرنانة ، إن قوة اليسار العراقي تأتي من تآلفه في برامج موحدة ومن قوة وواقعية فكره وتفانيه وتضحياته وجرأته وابتعاده عن المنزلقات الطائفية والعرقية وتبنيه لطموحات ومطالب الأغلبية من أبناء الشعب العراقي ،فبالتكاتف القوة وفي الفرقة والتشرذم الضعف وهذا مانعيشه على ارض الواقع.
بقلم حميد لفته
#مجلة_الحرية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟