|
نقد فكر ومنهج الإسناد والترجيع!
سنان أحمد حقّي
الحوار المتمدن-العدد: 2309 - 2008 / 6 / 11 - 08:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نقد فكر ومنهج الإسناد والترجيع! السند المتّصل والسندالمنفصل هو من آليات علم الحديث ! إذ يتطلّب الأمر دقّة التوثّق من أن الحديث المنقول صحيحا وليس مسندا أو منسوبا للنبيّ (ص) ولا يجوز أبدا أن يُنتهج هذا المنهج في الفكر ولا اعتماده آليّةً من آليات التفكير السليم لا في الفكر الديني ولا الفكرالعلمي أو العلماني ولا في أي فكر مهما كان نوعه إذ لو صحّ هذا المنهج لتحوّل العقل إلى أداة لا نفع لها ولما اكتسب العقل كلّ هذه الأهميّة ولتحوّل الناس إلى آلاتٍ وإمّعاتٍ ينقلون الأفكار ممن سبقهم إلى من سيخلفهم ليس إلاّ وهذا خلاف كل ما دعى له عموم المفكرين بل حتّى الأنبياء والمرسلين أنفسهم. إن المفكرين والعلماء والفلاسفة وسواهم معنيون بالإجتهاد قدر ما استطاعوا ، لا أن يتحوّلوا إلى أدوات تسجيل إن الإسناد والترجيع هو من آليات علم الحديث فقط ولا يصحّ اقتباسه وتطبيقه على عموم الفكر لا الديني منه ولا سواه من العلوم . نعم هناك أهميّة لمراجعة تاريخ كل ظاهرة ومتابعة مسارها ولكن ما قيمة كل ذلك إن لم يكن لنا موقفا ورأيا في كلّ ذلك؟ يحقّ للعالم والمفكر أن يزوّد المتلقّي برأيه وخلاصة ما توصّل له وأن يتحمّل مسؤوليّة ذلك وهو غير مُطالب أبدا بإسناد رأيه أو ترجيعه إلاّ إن كان للمبحث مسارا تراكميّا كالرياضيات مثلا، وكلّ ما يمكن أن يُطالب به المفكّر هو الحقائق والمسلمات التي لا يجب أن يتقاطع معها. نعم ليس من قبيل الصواب أن يمارس الرأي أو الإجتهاد كل من هبّ ودبّ ويجب أن يتحصّل على بعض المعارف الأساسيّة ولكنّ الإجتهاد والرأي هو أمرٌ مطلوب جدا من كل مفكّر مهما كان مشربه ،وخلافه فما نفع انخراطه في هذا الميدان ؟ ولا يعنينا أن يكون العالم قد أخذ عن سند متّصل أو منفصل لاننا لسنا معنيون بصحّة النقل كما هو الأمر في علم الحديث . بل إن التجرّد من المنقول من الآراء أمرٌ في غاية الأهميّة في بعض المراحل لئلاّ نتحوّل إلى مجرّد أدوات تسجيل . إن المنهج السلفي منهج يصحّ في علم الحديث وحده لإثبات صحّة ما منقول من الأحاديث عن رسول الله (ص) فقط ولا يجوز اعتماد هذا المنهج في كل مساحة الفكر لا الديني وحده بل كلّ أشكال التفكير لأن في ذلك جمود عقائدي وإهمال لنعمة العقل التي يتمتع بها الدارسون. وتجدر الإشارة إلى أنّ ترك منهج الترجيع والإسناد سيحرّر المفكرين والفلاسفة والباحثين (باعتبارهم مهندسي العقائد ومصممي الأفكار)من قيود المنهج السلفي الذي يتحكّم في الفكرالمحلّي المعاصر عموما ويجدر أن يُدرك المفكرون كذلك أن اعتماد العلوم العقليّة وحدها لا يمكن أن يكون الرد على المغالاة في علوم الترجيع (لأن علوم العقل تقوم على مناهج منطقيّة ولعلّ القاريء اللبيب على اطلاع تام بعدد وأنواع علوم المنطق هذه الأيام فمنها الصوري أو الشكلي ومنها الجدلي ومنها الرياضي والحيوي وبالتالي سنجد أن لكل مجموعة من الظواهر الفكريّة منطق يمثّل أداة خاصّة بكل فكر لتقويم ذلك الفكر ويصحّ القول أن لكلّ فكر أو فلسفة منطقٌ خاص يشكّل علمها الأساسي الذي تقوم عليه ، لذلك لا يجوز أن نحتكم إلى منطق محدد في كلّ شيء وهذا الأمر أسقط له ظلالا حتّى على العلوم الطبيعيّة، والنسبيّة توفر أساسا مناسبا للإنطلاق فيه.) ويمكنني أن أضرب مثلا لجانب من هذا الذي أقول ،فمثلا لو أخذنا خليطا من الحبوب فيه الحنطة والشعير والذرة والرز والعدس وكثير من ذلك فإن تصرّف الخليط في التعامل مع الحرارة أو الرطوبة أو الإمتصاص أو التوصيل الكهربائي سيكون متباينا من نوع من الحبوب إلى آخر ولكنّه رغم احتفاظ كل نوع بخصائصه فإن الخليط سيكون له منهج جديد بصورة عامّة لا ينتمي لأيٍّ من مكوناته ، ولكنّ كل نوع سيظلّ ينتهج ويتعامل مع المتغيرات المختلفة وفق منطق ومسار خاصّ به. لهذا أنصح كل من يتعامل مع الظواهر الفكريّة والدينيّة أن يكون منهجه بعيدا عن الترجيع والإسناد إلاّ ما تعلّقَ بعلم الحديث وأي علم يكون هدفه النقل الصحيح وليس فيه مكان للرأي والإجتهاد. لقد أدركنا تماما ما وصلنا إليه عند ترسيخ الترجيع والإسناد من جمود وشكليّة وكيف شاخت الأفكار الدينيّة وتراجع العقل واضمحلّت الحيويّة والقدرة على البقاء عندماترسّخت أفكار الترجيع والإسناد كثيرا شاخ الفكر وارتمى في مستنقع (ما بعد الحداثة )ولم يعد امامه سوى الهدم والنكوص والتنظير في الكوارث وإنكار البناء والرجوع إلى فكر الجدب، إلى فقر الأفكار والفلسفات وارتداء الدشاديش والإعتداد بإطالة اللحى وترك الثلج وكثير من هذا. ولو كان كل هذا من نتاج الزهد والتعفف لكان الأمر مفهوما ولكنه تمّ على أساس الكراهية والقبح وحبّ القتل ونقض المعروف وإنكار الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة وسوى ذلك. وخلاصة القول أدعو العلماء وخصوصا من هم بمصاف العلماء المجتهدين أن يدفعوا بآرائهم التي يعتقدون أنها صحيحة دون ترجيع أو إسناد بل كما يرون هم الآن ولكن دون أن يُلزموا أحدا بما يعتقدون من آراء فمن اتبعهم حرٌّ فيما يتّبع وكذلك من ترك. إن الأئمة الكبار كانوا قد اختلفوا فيما اجتهدوا فيه وليس هناك من يظنّ أن أحدا منهم سيدخل النار ،وإن هناك حديث للرسول (ص)يقول فيه :أصحابي قاتلهم وقتيلهم في الجنّة . فإن كانوا قد تقاتلوا فيما بينهم على أمرٍ ما فلابدّ أن يكون أحدهم على حقّ والآخر على باطل ! لكن النبيّ (ص) يعدهم جميعا بالجنّة وهذا هو سرّ ما نقول بالضبط فالإجتهاد عن إيمان وعميق بحث ليس له جزاء إلاّ الجنّة وقد ورد كذلك في الحديث :للمؤمن حسنتان حسنة الإجتهاد وحسنة الإصابة فإن لم يُصب فله حسنة الإجتهاد.(صدق رسول الله) لذلك أوجّه ندائي إلى كلّ العلماء من علماء دين إلى علماء طبيعة إلى علماء مجتمع وإنسانيات أن يعتمدوا الرأي الحرّ النابع عن العقيدة الراسخة والإيمان الصادق وأن ينبذوا منهج الترجيع والإسناد إلاّ في علم الحديث والتاريخ وتوثيق المعارف ؛فإن في هذا فتحٌ جديدٌ وحَثـْوٌ للتراب عن القبور الذي تراكم على أممنا منذ أن غابت حريّة الفكر. ففي الإجتهاد نخدم الفكر والوجود ونجدد الحياة والتراث نفسه وبالترجيع والإسناد نقبع في دهاليز ما مضى ونراوح فيها ، فأيُّ مسار نفضّل؟
#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الحداثة وما بعد الحداثة!
-
متى ؟ ..متى؟
-
نوري السعيد..أيضا!
-
مغالطات وأكاذيب!
-
خليف الأعمى وسرُّهُ الصغير!
-
خليف الأعمى وسرُّه الصغير!
-
قولٌ على قول..!( في الماديّة الدايلكتيكيّة)
-
حكاية المعمّر الحاج علي أبو سريح!
-
توسيع دراسة الظواهر الدينيّة بين الماركسيّة والعلمانيّة ورجا
...
-
ألتاريخ لا يُخطيء!
-
بكم نبتدي وإليكم نعودُ ومن فيضِ أفضالكم نستزيدُ
-
زكيّة الدكّاكة!
-
إلى أنظار دولتي رئيسي مجلسي الوزراء ومجلس النواب الموقرين
-
بأي حقّ..؟!
-
ستراتيجية العصر..في كل (جوكه)لنا خيّال!!!
-
إحنا سباع..! وشكّينا الكاع.
-
قل أريب ولا تقل مثقف..!
-
أمّتان!
-
أخطاءٌ منهجيّة!
-
قضايا المرأة والمزايدات السياسيّة!
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|