|
أثر الطائفية في المجتمع اللبناني بين الداء والدواء
فدى المصري
الحوار المتمدن-العدد: 2309 - 2008 / 6 / 11 - 08:47
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
إن التركيبة السوسيولوجية الاجتماعية للمجتمع اللبناني تمتاز بالتوزيع الطائفي ألمناطقي والتعدد المذهبي الاجتماعي بين السكان ضمن هذا المجتمع الصغير بمساحته وجغرافيته ، حيث يتكون المجتمع اللبناني من طائفتان كبيرتان الإسلام والمسيحية ، موزعين على 18 ملّة من المذاهب عبر هاتين الطائفتان الأساسيتان ضمن البلد الواحد . غير أن الانتشار ألمناطقي لهذه الطوائف وفق مكان تواجدها قد أضفى ميزة للمجتمع اللبناني ، حيث تُعرف كل منطقة بإسم الطائفة التي تقطنها ، وشكلت بيئتها الاجتماعية الخاصة وفق العادات والتقاليد والطقوس الدينية التي تمارسها بنية كل طائفة السكانية . وهذا ما أضفى ميزة للمجتمع اللبناني ، كون لبنان هو البلد الوحيد الذي أستطاع أن بتكوين نظام سياسي توافقي ، أستطاع مواطنوه أن يؤسسوه وفقا ً لصياغة العيش المشترك والاعتراف بالآخر وفق الاحترام لخصوصية كل طائفة ومبادئها الدينية والاجتماعية . وقد تكرس هذا الاتفاق عبر المواثيق الدستورية وصياغة التوافق القائم على مبدأ العيش المشترك والاعتراف بالآخر وفق النصوص الدستورية والقانونية ، وفق خصوصية كل طائفة ، وقد تكرس ذلك مؤخرا من خلال ميثاق الطائف الذي كرس مبدأ التوافق الطائفي السياسي في النظام المحلي للمجتمع . ولكن كيف نجد الاختلافات الطائفية والمذهبية داخل المجتمع اللبناني وتأثيرها على البنية الاجتماعية والسياسية للبلد؟ وكيف نستطيع أن نخلق من هذه الفروقات الجوهرية عامل انصهار وتماسك عوضا ً عن عامل تشرذم واختلاف في البناء الاجتماعي اللبناني ، كسبيل في تحقيق التماسك والوحدة بين صفوف المواطنين .
إلا أن التركيبة الطائفية في ظل المجتمع اللبناني ليس وليدة التركيبة المعاصرة لهذا المجتمع ، إنما تعود جذورها قديما إلى العهد المتصرفية في ظل نظام الملل العثماني الذي تم عبر تقسيم لبنان إلى قائمقاميتين منحت عبرها للطوائف في لبنان ، حقوقا ً إدارية وتمثيلية في مجلس إدارة جبل لبنان . وهذا ما سمح للعوامل الخارجية في استغلال هذا التقسيم الطائفي وإثارة النعرات الطائفية وإحداث الخلاف الطائفي بين أبناء البلد الواحد، عبر تأجيج النفوس بين الطوائف ، وضد بعضها البعض.
ولا سيما عبر مرحلة الاستعمار الفرنسي والذي شكل إعلان دولة لبنان الكبير وإعلان مضمون دستوره ، نجد استمرار للتمثيل الطائفي في النظام السياسي اللبناني ، الذي كرس تمثيل الطوائف باعتبارها جماعات سياسية واجتماعية، وخاصة عبر منح كل طائفة حقها بالتمثيل السياسي والإداري، إلى جعل كل طائفة وحدة قائمة بذاتها اجتماعيا ً وتربويا ً وصحيا ً واقتصاديا ً. وهذا ما رسخ عبر الزمن التضامن ضمن الطائفة الواحدة عبر تضامن أتباعها وشد أواصر اللحمة بين أتباع الطائفة الواحدة ل، وهذا ما تم عبر تولي هذه الطائفة تأمين مستلزمات عناصرها المعيشية والحياتية واليومي، وخاصة ً خلال الفترة التي أنهار بها الكيان اللبناني ومؤسساته الرسمية عبر الحرب الأهلية التي دامت أكثر من 15 سنة ، تعزز لدى المواطن انتماءه الأولي لطائفته على حساب انتمائه العضوي والمدني لدولته ولكيانها . وهذا ما لكيان الطائفي مشروعية اجتماعية وسياسية داخل المجتمع ، عبر تمثيل كل طائفة بممثليها الروحيون والزمنيون ،وذلك مع تأثيرها بالتنظيم الذاتي المستقل التي تتمتع به كل طائفة وفقا ً للعصبية العشائرية الكنسية والزمني . وتعميق هذه العصبية مع التنظيمات الحزبية التي أضفت مزيدا من التقوقع الطائفي والالتزام العقائدي تجاه الطائفية والتي مارست دورها السياسي عبر ممثيلها الداعمين لها سياسيا ً وإداريا ً.
إلا أن التوافق الذي ساد في السعودية عام 1980 وتم عبره إنجاز اتفاقية الطائف عبر وثيقة الوفاق الوطني على أعقاب الأحداث الأليمة التي عصفت بالكيان اللبناني وشكلت محطة هامة لإحداث السلّم الأهلي وما كرسته هذه الوثيقة من تعديل دستوري هام ،إذ تم توزيع الرئاسات الثلاث الأولى مذهبيا ً، كما أرست هذه الوثيقة سلسلة من التوصيات وأهمها إنشاء مجلس اقتصادي اجتماعي وإنشاء هيئة رسمية لإلغاء الطائفية السياسية ، عدا عن مشاريع صاغت ضمن الإنماء والتنمية المناطقية الشاملة والمتوازنة .
ولكن ، من الملاحظ أن بنود هذه الاتفاقية لم تترجم إلى واقع فعلي عبر المرحلة التي تلت هذه المرحلة ، فمن الملاحظ أن هذه الفترة التي تلت اتفاقية الطائف لم تزد في النظام اللبناني إلا مزيدا من التشرذم الطائفي واستغلال الطائفية خارجيا ً وداخليا ً من قبل السياسيين المحليين ، عبر تمسكهم بالمكتسبات السياسية الموروثة وبالحصص السياسية التي منحت لكل طائفة وفق حقها وما شرعتها اتفاقية الطائف في التمثيل البرلماني والوزاري والإداري في الدوائر الرسمية والعسكرية . في ضوء ما تقدم ، نلخص أزمة لبنان كما تبدو في سياقها السياسي الراهن ، قبل أن تستخلص الدواء المناسب لكل من جوانبها على صعيد السلطات والمؤسسات الدستورية والسياسية ، وهذه الأزمة التي يعاني منها لبنان مزمنة ومستحكمة في بنائه الداخلي عبر الحقبات التاريخية التي مر ّ بها الكيان اللبناني ، في الوقت الذي نجد إخفاق للمواطنين اللبنانيين في إحداث دولة ديمقراطية قادرة وفاعلة وقائمة على الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية أمام القوانين والمواطنية الحقة ، بفعل التدخلات الخارجية ولأسباب الطائفية والداخلية والولاء الطائفي الذي يعلو على أي ولاء وطني الجامع للكيان والنظام اللبناني ، ولعل الأحداث الأخيرة التي مرّ بها لبنان وما تجسدت عبر الممارسات السياسية من قبل الأفراقاء وما أفرزته من قوى متضادة بين طرفين الأول يمثل الأكثرية بالموالاة والثاني يتمثل بالمعارضة ، والأداء المستخدم من قبل كل الطرفان وما تم من تفجير للأوضاع الأخيرة ، قد تم إيقاظ الطائفية من ثباتها في نفوس المواطنين وحقنها بأشد الجروح العميقة التي تم لملمتها عبر الاتفاق في الدوحة وما عزز من خلاله عودة كرسي الرئاسة الجمهورية إلى عملها كالمعتاد ، هذا من ناحية ،وإحياء المؤسسات الرسمية من ناحية أخرى .
والجدير بالذكر هنا أن اتفاق الطائف الذي كرس إلغاء الطائفية السياسية لم يتم له إنجاز هذا البند طيلة فترة السلم الذي تلا هذا الاتفاق ، فلم نلحظ سوى تعزيز للعصبية الطائفية وتكريس هذا الأمر عبر مراحل الانتخابات البرلمانية والوزارية ، التي تعاقبت بالتوالي طيلة هذه الفترات التي كرست للطوائف التمسك بالحقوق المكتسبة وفق حق كل طائفة في التمثيل النيابي وعدد المقاعد التي تحظى بها وفق حجم وجودها على الأرض الواقع ، وما أعطاه النظام الدستوري لكل طائفة من الحقب الوزارية ومن الوظائف الرسمية لأتباعها ، ومن مكتسبات كرستها لها عبر التاريخ من ممارسات مختلفة ، وقد أبدت عدم التنازل عن هذه المكتسبات ، التي اعتبرتها حق من حقوقها يجب المحافظة عليه ، لأتباعها ولدورها السياسي .
من خلال هذا الداء أي الطائفية ، كيف نجد الدواء لمعالجة هذه الأزمة المستفحلة في الكيان اللبناني كعنصر إيجابي فاعل في تماسك هذا الكيان ، وأن نجعل من الطائفية أداة إيجابي للنظام اللبناني عوضا ً عن أداة سلبي ضمن الكيان الواحد ، والهوية الثقافية الواحدة ، والتي أثبتت الأحداث الأخيرة أن لبنان لا يستطيع أن يحقق مبدأ إلغاء الطائفية السياسية ، المنصوص عليها دستوريا ًعبر وثيقة الطائف . من هنا نجد ، أننا ملزمين بإيجاد آلية وصياغة ما تمكننا عبر الاستفادة من الطائفية وجعلها كعامل قوة واندماج عوضا ً عن عامل ضعف وتقهقر للبنية اللبنانية .يتحقق عبرها الحفاظ على السلم الأهلي وتحقيق العيش المشترك والحفاظ على الأمن وتطبيق القوانين تطال كافة الأفرقاء مما يحقق ضبط الأمن الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي للمواطنين ،وتحفيذ المواطنة الحقة لهم .
وهذه الآلية لا يمكن لها أن تصاغ خارج التوافق الطائفي بين الملل والمذاهب التي تشكل البيئة السوسيولوجي للمجتمع اللبناني ، ويتم تعزيز هذا عبر الخطوات التالية : -التوافق على تحديد هوية العربية للكيان اللبناني . -التوافق السياسي في توزيع المناصب الرسمية السياسية والإدارية عبر الدستور اللبناني وفق القوانين التي ترعى حجم تمثيل كل طائفة . -التوافق على إلغاء الطائفية في توزيع الوظائف الرسمية والحكومية بين المواطنين ضمن المؤسسات الحكومية ، تمهيدا ً لخلق فرصة أمام مجتمع الجدارة ووصول الإنسان المناسب للمكان المناسب . -تعزيز الحرية والمشاركة الشعبية والالتزام بالمواد القانونية العالمية وخاصة تلك المتصلة بحقوق الإنسان والذي كرسه الدستور اللبناني عبر مواده .وخاصة تلك المتصلة بحق إبداء الرأي والوعي الفكري والذهني للمواطن . -حفظ الأمن وتعزيز القوى الأمنية من حيث عددها وقدراتها ، لمراقبة المكثفة للمناطق اللبنانية ، عبر إرساء سيادة الدولة العسكرية ، لمنع التفجيرات الإرهابية المتكررة ، وفرض الغطاء القانوني على الجميع داخل المجتمع . -إحياء الأحزاب ذات الطابع الوطني ، انطلاقا ً من مبادئ تكرس الولاء للوطن وحفظ أمنه وحمايته من أي اعتداء خارجي يهدد كيانه ووجوده . -تكريس الأهداف الوطنية عبر النظام التربوي الذي يعكس الأهداف العامة للهوية اللبنانية ،وما تحققه من تعزيز المواطنة لدى الأفراد عبر إحداث وعي لديهم فكريا ً وسلوكيا ً. -تولي الدولة مهام حماية مواطنيها من أي عمل إرهابي أو أحداث أمنية ، عدا عن توفير مجالات الرعاية المختلفة لهم ، من خلال إرساء مفهم دولة العناية والسياسات الخدماتية والإنسانية المرفقة بها . -تعزيز لدى المواطن انتماءه الوطني وولائه لدولته عبر تعزيز في نفسه ووجدانه مبادئ المقاومة وحفظ سلامة أراضيه من أي اعتداء خارجي ، وهذا يتطلب تعزيزه لدى نفوس الموطنين بمختلف انتماءاتهم المذهبية وليس حكرا ً على طائفة دون أخرى ، ولعل التدريب العسكري للشباب من الأمور التي تحقق هذه المبادئ. -جعل الجيش القوة الشرعية الحامية للبلاد كعنصر معزز السلاح والتدريب والتجهيز الذي يسمح له بفرض سيطرته على الحدود اللبنانية وكافة المناطق تحت إشرافه ومراقبته ، والعمل على حفاظ أراضيه من خلال تنمية قدراته بأحدث الوسائل القتالية والدفاعية لحفظ سلامة الوطن والمواطن في آن ٍ معا ً.
ولعل الداء لا يستأصل إلا من خلال الدواء الذي يجب أن ينطلق من خلال البنية الذاتية للمجتمع ، وإحداث الوعي الفردي تجاه تعزيز مبادئ التي تصون البلاد من أي تشرذم داخلي أو السماح لأي تدخل خارجي يساهم في تعزيز الخلاف الذي لا ينتهي إلا بالخراب والدمار عبر الحروب والاقتتال.
#فدى_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السجن هو إصلاح أم تأديب
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|