عبد الجبار منديل
الحوار المتمدن-العدد: 2308 - 2008 / 6 / 10 - 11:08
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يقف المتهم راسخ القدم حاضر الذهن واثقا من نفسه، يفند الحيثيات ويناقش القرائن الواحدة بعد الأخرى وهو يتكلم بهدوء وتؤدة .
وفي المقابل يجلس القاضي مشتت الذهن غير واثق من شيئ مرتبكاً يتلفت ذات اليمين وذات الشمال ليسأل ويستفسر ثم ليؤكد للمتهم انه على حق ... اليست تلك مفارقة ؟ ولكنه العراق الجديد .
المتهم ليس متهما عاديا ، انه( مشهور ) بتهمته عالمياً من سنين طويلة ، وهنالك آلاف الوثائق والسجلات والصور التي تؤكد كل تهمة من التهم . ورفاقه هم الأخرون اشهر من نار على علم ، وواحدهم كما يقول الشاعر القديم ( كأنه علم في رأسه نار ) كل واحد منهم له سجل حافل ومشهود ، من علي كيمياوي الى عبد حمود الى سبعاوي الى وطبان ... سلسلة من الأسماء( الامعة ) وجميعهم مارسوا الذبح والبطش والتنكيل على رؤوس الأشهاد . كانوا يتلذذون بتعذيب ضحاياهم بل ووصلت بهم الروح السادية الى ان يصدروا انماط التعذيب ويوزعونها على الشعب العراقي عبر اقراص بالصوت والصورة ايغالا منهم بالتحدي والإستهتار بارواح الناس ومشاعرهم وزيادة في ترويعهم فقد ورثوا القتل ( كابراً ) عن ( كابر ) وانعم بها من سلالة .
لسنا ندعو بالطبع الى اهانة المتهم . فالمتهم برئ حتى تثبت ادانته كائناً من يكون ، والمتهم له حقوق ينبغي احترامها ولكن ان تعمل مجريات المحاكمة على تلميع صورة المتهم فذلك ما نرفضه وكذلك فإن زيادة مناقشة الأمور الإجرائية على حساب القضايا الجنائية يساعد على انحراف اتجاه المحاكمة .
نعترف ان مهمة القاضي في هذه الحالة هي مهمة شاقة فهو يجب ان يطبق القانون دون تفسير مبتسر من ناحية وبغير تأويل متعسف من ناحية ثانية لذلك فإن السيطرة على هذه المعادلة الصعبة هي قضية ليست بالهينة ، ولكن للقانون هيبته التي يجب ان يشعر بها ليس فقط المتهم وانما حتى المشاهد وعكس ذلك قد يؤدي الى اهتزاز اليقين بالقوانين العراقية لذلك فإن قلة خبرة القاضي او حداثة سنه لا تشكل عيبا بحد ذاتها ولكن ان يكون غير متمكن من القضية ودارسا لما ظهر وما بطن من دقائقها فذلك هو العيب الكبير وان يكون مشتت الذهن وغير واثق من شيئ فذلك هو العيب الأكبر .
ان المحاكمات التي تجري للسياسيين العراقيين السابقين ممن انتهكوا حقوق الإنسان العراقي وداسوا كرامته بأحذيتهم هي درس بليغ لكل الطغاة في التاريخ السابقين منهم واللاحقين وهي تذكير لمن تسول له نفسه في ان يكرر المأساة ، وتأكيد بأن الإستهتار بحقوق الناس وحياتهم وكرامتهم له عواقب وخيمة ولن يمر دون عقاب وانه سوف يدفع الثمن غاليا طال الزمن ام قصر . لذلك فإن هذه المحكمات يجب ان تكون ملتزمة بكل معايير العدل والإنصاف ليس فقط للمتهمين وانما للضحايا ايضاً .
#عبد_الجبار_منديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟