|
صراع أبدي
عاصم بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2308 - 2008 / 6 / 10 - 11:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يستطيع البعض الإستخفاف والتهاون مع الأحداث الأمنية الأخيرة بإعتبارها أعمالاً فردية ومن الذيول الباقية عن أحداث أيار التي سبقت سفر القادة اللبنانيين إلى الدوحة، وإبرامهم الهدنة السياسية فيها. وإذ نوافق على إعتبارها ذيولاً لما سبقها من أحداث "غير عادية"، نرفض توصيفها بالفردية. فكما أشرنا سابقاً ومراراً: لا معنى للفرد المجرد في المجتمعات الطائفية والقبلية والعائلية، حيث يطغى كل ما هو عام وجماعي، فتنتفي قيمة الفرد وإرادته الخاصة وتحل محلها الإرادة الجماعية وحالاتها ومواقفها وأراءها. ومن هذا المنطلق نقدر على صياغة تبرير لهذه الأحداث، ليس من باب التخفيف من وطأتها وخطورتها لكن من أجل توضيح سبب إستمرارها وتعاقبها، فهي من تبعات الإجتياح الذي قام به حزب الله على بيروت، والتي إتخذت سمة مذهبية صرفة. حتى لو شددت قيادة حزب الله على لا مذهبيتها.
فما يجهله جهابذة حزب الله ومنظروه، أن الحروب لا تطوع ولا تحرك ولا تصبغ حسب ميول ورغبات المتحاربين. بمعنى أخر: الحرب هي التي تحدد صفتها ونوعها ونمطها ومدتها ومداها، وليس من بدأها أو شارك فيها. هذه هي الحرب، تأخذ المشاركين فيها، حيث تشتهي هي وحدها ولا تأبه لرغباتنا. لذا لا يمكننا أن نصف هذا الإحتراب الأهلي الأخير، إلا على أنه حرب مذهبية. وهذا الكلام ليس من باب إستنفار الطوائف، ولا التعبئة أو التحريض، إنما هو مجرد رغبة في كشف الحقيقة الغير الكاملة، لما جرى في بيروت مؤخراً. وهذه التعرية ما هي إلا الخطوة الأولى نحو تخطي الطامة هذه، وهذا ما ينقص التأريخ اللبناني.
إذاً، الصراع يأخذ الطابع المذهبي، والإشكالات المنعوتة، خطأً، بالفردية ما هي إلا إستمرار لهذا الصراع التاريخي الجماعي. صحيح أن موازين القوى قد تغيرت، والمظلومية قد إنتقلت من الشيعة إلى السنة، مع ذلك يحافظ هذا الصراع على طابعه التدميري المطلق. فهذا النوع من الصراع لا ينتهي إلا بالموت. فالموت حسب "هوبس" هو الأفق الذي ينزع السلاح من المتقاتلين ويحملهم على التخلي عن القوة للدولة. أو، حسب "هيغل"، فهو نفسه (أي الموت) يحول أحد المتقاتلين إلى سيد وهو القادر على تحمل الموت والقبول به، وتحويل الآخر الأقل قدرة على تحمله إلى عبد. وفي الحالين والنظريتين هناك إستحالة، فلا الشيعة اليوم على حافة الموت ولا السنة، والإثنين معاً، قادرين على تحمل الموت والقبول به، لأنه في نظرهما هو، أي الموت، بعث جديد.
يخطأ حزب الله، حين يوصف المعركة على أنها مجرد "عملية موضعية" وإنتهت عند إتفاق اللبنانيين في الدوحة. فهذه المعركة، لم تنتهِ وما ستجره خلفها، ليس بقايا عديمة الأهمية والشأن، إنما كوارث أشد من الحرب نفسها. هذه العملية التأديبية، على حد تعبير وئام وهاب، غذت وأشعلت صراعاً تاريخياً لم تندمل جراحه بعد. كما أنبتت تطرفاً مستعراً متعصباً، لا يعرف للسلام معنى. وهذا ما يفسر بروز شخصيات سنية متطرفة بعيد الأحداث، نادت وطالبت بإنشاء مقاومة سنية للرد على النفوذ الإيراني المتنامي في لبنان، في إشارة ضمنية وواضحة للشيعة فيه. فالتطرف الشيعي (المتمثل بحزب الله) لا يولد سوى التطرف في الجهة المواجه أي السنة، وهو تطرف موجود أصلاً في بعض أجنحة تيار المستقبل. وكلا الطرفين المتطرفين لا يولدان ولا يخلفان سوى الويلات والكوارث.
هذا التطرف والتطرف المقابل، لا يظهر في الخطاب السياسي العلني غالباً، رغم أنه ظهر في العديد من المناسبات والتي أشرنا إلى إحداها سالفاً. لا يظهر في الخطاب السياسي اليومي، لأن السياسة هي التضمين و"التقية" والبراغماتية نفسها. فيستطيع سعد الحريري ووليد جنبلاط وأمين الجميل وسمير جعجع تقبيل ومعانقة نبيه بري ومحمد رعد. لكن "عمر" لن يستطيع نسيان ما شاهده من "حسين" من فظائع ومآثر مؤخراً والعكس تماماً. فالذاكرة الشعبية لا تنسى ولا تتناسى لأنها غير مشغولة ببراغماتية السلطة والسياسة. ولأنها تعبر عن المنحى الصحيح الذي تتخذه الطائفة (المذهب) إزاء الطوائف والمذاهب الأخرى.
وهنا هي المشكلة، التي لن تفلح الحملات الدعائية التي تعرضها قناة المنار التابعة لحزب الله في حلها، فهي تسعى لإبراز اللحمة السنية-الشيعية المستمرة حتى عقب ما حصل، مقرة ضمنياً دون أن تصرح، بفداحة وخطورة ما جرى وتأثيراته. ولن تنجح جلسات الوفاق السياسي في دملها وطمرها. ولن يقدر جسد هيفاء وهبي الفارغ، المتراقص في وسط المدينة، على إخفائها. وهذا هو خوفنا. فهذه الملل المتحاربة المتناطحة، لم تبقِ للسلام والسلم مطرحاً.
خائفون، من الأقصى والأخطر. فالحرب لم تنتهِ بعد. هذه حقيقة لا يمكن نفيها وإضمارها. الحرب لم تنتهِ، تالياً الموت لن ينتفي. ستبقى الجثث وبقايا الجثث تفوح علينا صوراً وروائح كريهة، لا تمت للمدنية بصلة. ولا ريب أن ذاك العجوز، لم يخطأ حين قال وإدعى متحسراً أن ما جرى في المدينة سيبقي المأزق: "لـ ولد الولد سنياً-شيعياً" حتى لو إختلف معي في تحديد السبب وهوية المسبب!
#عاصم_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنتفاخ الطائفي
-
متى الحرية؟ متى السيادة؟
-
في ذكرى سمير قصير: أسئلة دائمة
-
الدولة المعلقة والحرب والمعلقة
-
هل العلمانية حل لمشكلة الأقليات اللبنانية؟
-
لا نساء في الكويت
-
ماذا بقي من الديمقراطية؟
-
أخطئ سعد الحريري
-
وأيضاً سمير قصير؟
-
لا تنسى
-
نماذج علمانية تخريبية
-
سقطوا
-
فضائل النقد والمجتمعات الغيبية المقدسة
-
كابوس
-
الكذبة الحقيقية
-
في شؤون -المحادل- والديمقراطية
-
ساقطة.. ساقطة.. ساقطة
-
شهداء مجانين
-
بل بحبل مشنقة
-
-الحسبة- والمواطن السعودي
المزيد.....
-
مصر تحظر الهواتف غير المطابقة للمواصفات.. ومسؤول: -مُقلدة وت
...
-
غارات أمريكية في الصومال.. ترامب يعلن استهداف أحد كبار تنظيم
...
-
كيف تجيب عن أسئلة طفلك -المحرجة- عن الجنس؟
-
الشرع: الرياض ستدعم سوريا لبناء مستقبلها
-
الاتحاد الأوروبي والرد على واشنطن
-
واشنطن تجمد ملياري دولار من أموال روسيا المخصصة لمحطة -أكويو
...
-
- الجدعان الرجالة-.. مشهد بطولي لشباب ينقذون أطفالا بشجاعة م
...
-
مفاجأة غير سارة تنتظر أوكرانيا من أحد حلفائها
-
زيلينسكي لا يعرف أين ذهبت الـ200 مليار دولار التي خصصتها أمر
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في ثماني مقاطعات أوكرانية
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|