أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جواد البشيتي - ظاهرها -كتابة- وباطنها -إملاء-!














المزيد.....

ظاهرها -كتابة- وباطنها -إملاء-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2308 - 2008 / 6 / 10 - 11:09
المحور: الصحافة والاعلام
    


في تجربة "الكتابة"، أو "التأليف"، نقِف على كثيرٍ من معنى "السهل الممتنِع"، فالكاتِب هو في الصورة، والشكل، اجتماع اليد والقلم والورقة، فليس من كاتِب لا يُمْسِك بقلم، ليسيل منه الحبر كلمات على ورقة؛ ولكن، ليس كل من امسكَ بقلم، وسَيَّل حبره كلمات على ورقة أصبح كاتباً.

وهذا الذي قُلْت لم أقله استعلاءً، وإنَّما إنصاف للحقيقة في عالم الكتابة، فالكتابة هي أوَّلاً بنت العلم والفن، وهي، ولو كانت "مَلَكَة" في معنى ما، إنَّما تنمو وتتطوَّر في التجربة، فالكاتِب لا يُوْلَد كاتِباً، بل يصبح كاتباً. وأنتَ يكفي أن تخوض تجربة الكتابة زمناً طويلاً حتى تتوصَّل إلى استنتاج مؤدَّاه أنَّ الكتابة هي "التفكير في درجته العليا"، أو هي "التفكير في حُلَّته الرسمية".

قد تُعبِّر عن فكرة ما في رأسكَ باللسان؛ ولكن يكفي أن تحاول التعبير عنها كتابةً حتى تشعر أنَّكَ في حاجة إلى أن تَزِن كل كلمة تريد كتابتها بموازين عدة، منها "ميزان اللغة"، و"ميزان الفكر والمنطق"، و"ميزان الأسلوب"، و"ميزان الحلال والحرام"، الذي قليله ديني، وكثيره سياسي؛ وهذا الشعور يشعر به عادةً رجال الدولة وهم يُدْلون بتصريحات "رسمية"، بألسنة من الدبلوماسية الخالصة تقريباً، فـ "الكلمة"، وفي عالم السياسة والدبلوماسية على وجه الخصوص، إنَّما تستمد جزءاً كبيراً من أهميتها ووقعها من وزن قائلها.

والكاتِب هو الأكثر قدرة على اختبار وإدراك المنسوب الحقيقي لحرية التعبير في مجتمعه؛ فهذه الحرية إنَّما هي تجربته الدائمة، واليومية عند كثير من الكتَّاب؛ وهو، بالتالي، الذي يحقُّ له أكثر من غيره أن يتحدَّث عمَّا يتمتَّع به مجتمعه، بأفراده وجماعاته، من حرِّيات فكرية وسياسية وصحافية.

وأذْكُر أنَّ كاتباً قضى عمره في الكتابة في أمور وقضايا جُلها من "المحرَّمات الفكرية والسياسية" قد قال وكأنَّه يستخلص أهم الدروس والعِبَر من تجربته الطويلة في الكتابة وحرِّية التعبير: "إنَّ كل حرية التعبير في عالمنا العربي لا تكفي كاتباً واحداً أراد أن يُعبِّر في حرية تامة عن كل ما في رأسه من أفكار، وعن كل ما في قلبه من مشاعر"!

حتى "الحل الوسط (أو التسوية)" Compromise الذي اقترحه فولتير، إذ قال "قد يرغمني الأقوياء على أن أمنع نفسي من قول كل ما أن مؤمِن به؛ ولكن ما مِنْ قوَّة في مقدورها أن ترغمني على قول ما أنا لست بمؤمِن به"، يشقُّ على الكاتب عندنا أن يأخذ به ويمارسه، فالأقوياء (في عالم السلطة والمال) عندنا قد يرغمون الكاتِب على أن يكون القلم الذي من خلاله تنتقل أفكارهم هُم إلى رؤوس وعيون وآذان الناس من القرَّاء والمشاهدين والمستمعين.

وطالما رأيْنا كاتباً يَزِن كل كلمة يريد كتابتها بميزان ما يرضي أو يُغْضِب هذا القوي أو ذاك من الأقوياء في عالم السلطة والمال في مجتمعه، وكأنَّه "آلة"، أي لا لحم له، ولا دم، لا مشاعر ولا عقل.

ودرءاً لمخاطر معيَّنة، بعضها واقعي، وبعضها وهمي، يكتب كثيرٌ من الكتَّاب بما يجعل الكتابة على هيئة شجرة خريفية، أو على هيئة عِظام لم تُكْسَ بعد لحماً، فـ "التعيين"، أو "التحديد"، في ما يكتبون وينشرون، هو قطرة في بحر "التجريد"، وكأنَّهم من مدرسة "كليلة ودمنة". إنَّهم لا يتحدَّثون عن زيد، أو عمرو، وإنَّما عن "الرجل العام"، الذي لا وجود له في العالم الواقعي. حتى الفاسدين المفسدين من "المواطنين غير العاديين"، ومن الشركات والمؤسَّسات.. والمطاعم، لا يجرؤون على ذِكْر أسمائهم، فالقضاء عندنا يجعل المُتَّهَم مُتَّهِماً، والمُتَّهِم مُتَّهَماً.

"الكاتِب الحر" إنَّما هو الكاتب الذي يكتب بقطرات دمه، ويتَّخِذ من الحرف سِكِّناً، ويعيش من أجل أن يكتب، ولا يكتب من أجل أن يعيش؛ وهو الذي مهما أحبَّ أفلاطون يظل حبه للحقيقة أكبر وأعظم، فلو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في يساره لا ينطق إلاَّ بما يراه حقَّاً وحقيقةً.

هذا الكاتِب نادر الوجود في مجتمعنا، فهو لا يظهر، ولا يَكْثُر، إلاَّ في مجتمعٍ حر.. مجتمع يخشى حجب الحقيقة، ولا يخشى إظهارها؛ ظاهره باطنه، وباطنه ظاهره، فلا باطنية، ولا سرِّية، في الفكر والتفكير.

أمَّا الكتبة من الذين لا يميِّزون "البقالة" من "الكتابة"، فهم كُثْرٌ متكاثرون، يَزِنون "الفكر"، في حبرهم وورقهم، بميزان كذاك الذي نراه على بعض الأرصفة، لا يُظْهِر وزنكَ إلاَّ إذا أطعمته "قرشاً".

هؤلاء مع "فكرهم" يحظون بالرعاية والعناية، يُجْزِلون لهم العطاء، يُلمِّعونهم، ويُزَرْكشونهم، و"يُنَجِّمونهم"، ويُمَلِّكونهم حتى يظلوا ممتلكين لهم، ويحقنونهم بمصول "القوَّة" مع أنَّ التجربة تنتهي دائماً إلى تأكيد أنَّ البغل مهما قوي، أو قوُّوه، لن يصبح حصاناً.

تراهم دائماً في "الصورة"، تارةً يبرقون، وطوراً يرعدون؛ أمَّا "الحقيقة" التي ينطقون بها، إذا ما حسبنا النهيق نُطْقاً، فهي ما يُفكِّر فيه الآن أولياء أمورهم، الذين لا يملكون من المصالح والأهداف إلاَّ ما يَحْملهم على استنفاد جهدهم ووقتهم في محاولة إثبات أنَّ اللبن اسود، وأنَّ المرأة نصف الحامل حقيقة واقعة!

إنَّهم، في مبدأ وسبب وجودهم، كالنقد المزوَّر، فهل من حاجة إلى "النقد المزوَّر" حيث لا وجود لـ "النقد الحقيقي"؟!

هؤلاء استوى عندهم الفكر والحذاء.. البقالة والكتابة، فأصبح للقارئ الواحد عندنا عشرة كُتَّاب؛ أمَّا في المجتمعات الحرَّة، التي تعشق "الكتابة"، وتكره "الإملاء"، وتميِّز "الكتابة" من "الإملاء"، فنرى للكاتِب الواحد مئات، وآلاف، القرَّاء، فبئس "كتابة" جعلت القرَّاء قطرة في بحر "الكُتَّاب"!

إنَّ الكتابة هي "السهل الممتنِع".. "الممتنِع" ليس على المبتدئين في محاولتها فحسب، وإنَّما على "كُتَّابٍ"، نجحوا في كتابة أسمائهم، أو ما يشبهها، فتوهَّموا أنَّهم "الكُتَّاب". إنَّها ممتنعِة عليهم هم على وجه الخصوص، ولو كانت أقلامهم أعلى من قاماتهم!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أما حان للولايات المتحدة أن تستقل عن العراق؟!
- عسكر تركيا يلبسون -حجاب العلمانية-!
- عَصْرٌ من الجوع.. و-الطاقة الذُّرَوية-!
- هذا هو كل متاعهم الفكري!
- -حزيران-.. -سلام الهزيمة- و-هزيمة السلام-!
- -أزمة اولمرت- هي خير عُذْر!
- اولمرت.. كم أنتَ مسكين!
- خطاب نصر الله في ميزان الخطأ والصواب!
- الأُميَّة الديمقراطية!
- مفاوضات للسلام أم لاجتناب مخاطر حرب؟!
- -الأمن الغذائي- أوَّلاً!
- القوميون العرب الجُدُد!
- عندما -يُعرِّف- الرئيس بوش الدول!
- سنة فلسطينية حاسمة!
- إنَّما -التعريب- كلمة يراد بها -التدويل-!
- ذاك انقلاب.. أمَّا هذا فلا!
- -قصة التيه- في نسختها اللبنانية!
- ليس صراعاً بين عليٍّ وعُمَر!
- كيف تُشْعَل الحروب.. لبنان مثالاً!
- لو كان اقتصادنا الحُرُّ.. حُرَّاً!


المزيد.....




- العثور على جثث 4 أطفال في الجزائر عليها آثار حروق
- -إعصار القنبلة- يعصف بالساحل الشرقي لأمريكا مع فيضانات ورياح ...
- في خطوة رائدة.. المغرب ينتج أول اختبار لفيروس جدري القردة في ...
- أذربيجان تتهم الخارجية الأمريكية بالتدخل في شؤونها
- ماكرون يسابق الزمن لتعيين رئيس للوزراء
- نائب روسي ينتقد رفض زيلينسكي وقف إطلاق النار خلال أعياد المي ...
- ماكرون يزور بولندا لبحث الأزمة الأوكرانية مع توسك
- الحكومة الانتقالية في سوريا تعلن استئناف عمل المدارس والجامع ...
- رئيس القيادة المركزية الأمريكية يزور لبنان للتفاوض على تنفيذ ...
- جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جواد البشيتي - ظاهرها -كتابة- وباطنها -إملاء-!