أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - محمد سيد رصاص - رأي آخر حيال موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري















المزيد.....



رأي آخر حيال موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري


محمد سيد رصاص

الحوار المتمدن-العدد: 716 - 2004 / 1 / 17 - 05:24
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


القسم الفكريكيف يمكن للحزب أن يكون شيوعياً بعد سقوط السوفيت ؟أتت الشيوعية الحديثة و نبعت من كتاب " البيان الشيوعي " الذي خطه كارل ماركس ، بمعاونة ملاحظات قدمها فريدريك إنجلز ، فيما لم يسمي الحزب البلشفي نفسه بالشيوعي إلا في عام 1917 ، بعد اختلاف لينين مع أغلبية أحزاب ( الأممية الثانية ) ذات الطابع و الاتجاه الاشتراكي الديموقراطي.لم يضع " البيان الشيوعي " تصميماً انتقالياً نحو الاشتراكية إلا على ضوء شروط اكتمال المرحلة الرأسمالية في البلدان الصناعية المتقدمة ، فيما قال نص " البيان " ، تجاه ألمانيا المتخلفة ، بضرورة التحالف مع البرجوازية ، ضد الملكية المطلقة و الملاكين الإقطاعيين ، من أجل إنجاز مهام المرحلة الديمقراطية ، بشقيها السياسي و الاقتصادي ، محدداً هذه المهام في إطار " ثورة برجوازية " .كانت ثورة 1917 البلشفية في طريق ثانٍ غير طريق " البيان الشيوعي "  : فعلى الضد من فصل ماركس بين إنجاز مهام المرحلتين الرأسمالية و الاشتراكية اختط لينين طريق ثورة تتداخل فيها المرحلتين ، بحكم وعيه لتخلف روسيا و عدم إنجازها لمهام المرحلة الرأسمالية ، و الحقيقة أنه لولا ظل الظرف الطارئ الذي ولّدته الحرب العالمية و مطلب ( السلم )، واستغلال البلاشفة لموضوع ( الأرض ) عند الفلاحين ، لما كان بالإمكان قيام ثورة أكتوبر التي استندت أساساً على هذين المطلبين ، أكثر من كونها " ثورة عمالية " في بلد لم يكتمل التصنيع فيه ، ولا يشكل فيه العمال سوى أقلية في النسيج الاجتماعي .كان الطريق البلشفي ملغوماً بهذه المفارقات القائمة في البنية الاجتماعية الروسية ، و التي كانت ، بالوقت نفسه ، سدوداً أمام تحقيق " برنامجهم الاشتراكي " : أتت الدكتاتورية نوعاً من الحل الفوقي لضعف قاعدتهم الاجتماعية ، ثم جاء التجميع الزراعي العنيف و القسري كنوع من الضرورة ( من أجل تحقيق مهام " التراكم الرأسمالي البدائي " ، على حد تعبير ماركس ، في إشارته إلى نهب المستعمرات و استغلال العبيد في العالم الجديد و استغلال صغار المنتجين بشكل كثيف كطريق للتراكم الرأسمالي الغربي ) لتحقيق ما قام به الغرب قبل قرون كمنطلق نحو التصنيع و التحديث ، و قد كان الاقتصادي الأبرز عند البلاشفة : ( بريو براجنسكي ) ، واعياً بضرورة أن يكون ذلك على حساب الفلاحين .لم يكن ذلك طريقاً اشتراكياً بل طريقاً لـ ( رأسمالية الدولة ) ، استطاع من خلاله الحزب الشيوعي السوفيتي قيادة البلاد في طريق الرسملة و التصنيع و التحديث ، و الفرق بين ما حدث في الغرب و ما تم في الاتحاد السوفيتي أن الأول أنجز مهام المرحلة الرأسمالية بشكل أكثر تقدماً بحكم ظروف عديدة و من دون تدخلية عنيفة من جهاز الدولة تجاه المجتمع ، فيما حصل ذلك عند السوقيات عبر سلطة أصبحت شمولية ، بحكم تلك التدخلية وبحكم ظروف الأوضاع الدولية تجاه النازية ثم المجابهة مع ( المعسكر الغربي ) بعد عام 1945 .كان انهيار السوقيات ناتجاً عن التناقض بين البنيتين : الدولتية ( الحزب الواحد + السلطة الشمولية ) ، و البنية المجتمعية ( الفئات و جنين الطبقات الجديدة ) التي تولدت عن عملية التحديث و التصنيع و الرسملة التي قادتها البنية الأولى مما جعلها تخلق بنية جديدة مالت عبر عقود ، وهو ما يفسر توترات ما بعد ستالين ، إلى تجاوز صانعيها ، حتى تحقق ذلك عبر ظرف دولي مختل لغير صالح المعسكر الشرقي ، من خلال انفجار ذلك التناقض وحله عام 1991 ، مما أدى إلى قيام بنية جديدة في الاقتصاد و السياسة ، تمثلت في ( اقتصاد السوق ) و ( الديموقراطية السياسية ) ، وهما ما كانا المنتهى الذي شهدته معظم البلدان التي مرت في مرحلة ( رأسمالية الدولة ) ، أو ما توحي المؤشرات بأن من بقي منها ، مع دولة شمولية ، هو سائر نحو ذلك المنتهى ( الصين + العالم العربي ) .إن انهيار موسكو هو انهيار للطريق اللينيني ، و ليس للذي وضعه ماركس في " البيان الشيوعي " أما الحديث عن ربطٍ للماركسية باللينينية فيمكن إيجاد حبله الواهي من خلال حقيقة كون البلشفية أقلية في صفوف الحركة الماركسية العالمية حتى عام 1917 ( وبعكس المناشفة ) ، وفي تعارض فكري - سياسي يمكن إيجاد أبعاده من خلال المقارنة بين أفكار الماركسيين الألمان ( كاوتسكي  - بيبل  - روزا لوكسمبورغ ) و أفكار لينين و خاصة في موضوع نظرية التنظيم اللينينية المقدمة في كتاب " ما العمل ؟ " و التي اعتبروها غريبة عن الماركسية و أنها أقرب إلى أفكار الثوري القديم ( أوغست بلانكي ) الذي نادى بالتغيير عبر انقلاب تقوم به زمرة منظمة قليلة حسنة التنظيم ، فيما لم يسيطر لينين على الحركة الماركسية العالمية إلا عبر استلامه للسلطة في دولة كبرى ، رغم أن " وصفته الروسية " ظلت على تعارض و في حالة غربة مع ماركسيي بلدان الغرب الأوربي المتقدم ، و خاصة مع لوكاتش و غرامشي ، إلى أن ظهرت أبعاد ذلك في السبعينيات مع ظهور ( الشيوعية الأوربية ).هناك تعارض بين ماركس و لينين يمكن اكتشافه بسهولة من خلال مؤلفاتهما ، ولكن من دون أن يؤدي ذلك إلى عدم اعتبار الأخير ماركسياً ، وإنما يراد تبيان مدى كون هذه الماركسية ، كمنهج استخدم في مكان و زمان محددين ، قد أدت للوصول إلى نتائج و اجتهادات و أفكار جديدة كانت على تعارض و تخالف مع صاحب المنهج ، ومع أغلب ماركسيي ما قبل عام 1917 ، وإن كان هذا يعطي تجربة لينين فرادة خاصة  ، إلا أنها لا تلزم أي ماركسي ، ماضياً و حاضراً ، بما توصلت إليه ، ولا باعتبارها صنواً لأفكار ماركس كما يراد الإيحاء به عبر مصطلح ( الماركسية اللينينية ) الذي فرضه ستالين على شيوعيي عصره ، مستغلاً تحول موسكو ، بعد عام 1917 ، إلى مركز للحركة الماركسية العالمية التي أعيدت صياغتها على قياس الدولة السوفيتية في العام 1919 مع تأسيس الكومنترن .هذا الالتباس الذي استغرق معظم القرن العشرين أصبح ممكناً إزالته في فترة ما بعد انهيار الدولة السوفيتية ومعسكرها ، ليس بناءاً على التلفيق الذي يمكن أن يمارسه أتباع أيديولوجية مأزومة للخروج من مأزق ما ، وإنما بناءاً على المعرفة العلمية ، وإن كان سلوك و أفكار معظم الماركسيين و الشيوعيين ، في الفترة التي أعقبت ذلك الانهيار ، لا تساعد كثيراً على ذلك بحكم تطبع غالبيتهم بالفكرة التي أصبحت توحد بين الماركسية و اللينينية ، و تجعل الشيوعية الماركسية في إطار ماهية واحدة مع التجربة السوفيتية ، وبحيث كان تصرفهم في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي قريباً من تصرف رعية فقدت راعيها .إلى أين يراد الوصول من كل ما سبق ؟……يريد هذا النص القول بأن هناك ( منهج معرفي فلسفي تحليلي ) ، اسمه الماركسية ، ومذهب حزبي سياسي ، اسمه الشيوعية ( يعبر عبر هذا الاسم عن هويته ) تَوَلّدَ  -  أي هذا المذهب  - عن استعمال هذا المنهج في مكان و زمان محددين لاستنباط برنامج سياسي ، عبر فكر يرى السياسة كمكثف للبنية الاقتصادية و الاجتماعية  - مازالا صالحين للاستخدام ويملكان مشروعية البقاء ، وأنهما لم يغرقا مع سقوط المركب السوفيتي ، بحكم أن ما جرى في تلك التجربة ، عبر لينين و خلفائه ، لا يمثل أكثر من تطبيق فرعي لذلك المنهج في المكان الروسي ، وأن سقوط السوقيات لا يعني سقوط ذلك المنهج و لا ذلك المذهب السياسي .لا تُستنفذ العقائد الكبرى من خلال تجربة معينة ، مثل تجربة الإسلام مع الدولة الإسلامية أو الأرثوذكسية مع الدولة البيزنطية ، وإنما من خلال عدم قدرتها على البقاء كمصدر للمعارف و التجارب الفردية و الجماعية في السياسة : في هذا الإطار ، تبقى الماركسية ، إلى الآن مصدراً لا يضاهى إذا قارناها بالمناهج الأخرى ، من أجل تقديم رؤية أخصب و أكثر إنتاجية ، لعلاقة السياسة مع البنية الاقتصادية  -  الاجتماعية ، و مع الأفكار و الثقافة ، ومن حيث علاقتها بالمكان الجغرافي ، ومن حيث جدل ( الداخلي  -  الإقليمي  -  الدولي )  . هذا يعطيها مجالاً أرحب لتوليد رؤى في السياسة ، ولاستنباط برامج سياسية ، ولتقديم أطر نظرية لعملية الممارسة السياسية عند كتل اجتماعية واسعة .في هذه الأطر ، التي تحدد مجالات السياسة و الساسة في مجتمع محدد ، لا يوجد منافس قوي للماركسية على صعيد الإنتاجية المعرفية ، ولا على صعيد قدرة هذا المصدر المعرفي على أن يجلب لصالحه ما تقدمه المناهج و المعارف الأخرى من دون أن يتجاوز ذاته عبر هذا الإغناء ، ويمكن لتجربة ماركس مع نظرية داروين و إنجلز مع الأنثروبولوجي مورغان في " أصل العائلة " و المفكر الماركسي الفرنسي ألتوسير مع البنيوية أن تعطي صورة عن أفق الماركسية و قدرتها على تمثل و هضم ما تعطيه المناهج و المعارف و المذاهب الأخرى لصالحها ، ولكن من دون أن يؤدي ذلك بها ، وهذا مثيل لما هو وضع المناهج و المذاهب السياسية الأخرى ، إلى أن تعيش مع مصدر معرفي آخر في أثناء عملية توليد الرؤية و البرنامج و الممارسة السياسية عند أصحاب الاتجاه الماركسي .هذا على صعيد النظرية و توليداتها المعرفية في السياسة ، أما على صعيد آخر ، يعطي الماركسية الشيوعية مشروعية البقاء ، فإننا نجد أن ارتباطها مع الطبقة العاملة و فئات الكادحين في المجتمع الرأسمالي المتقدم من أجل إدخال ذلك المجتمع في أفق اشتراكي ، و مع الطبقات و الفئات و الشرائح التي تسعى إلى تحقيق الثورة الديمقراطية ، و التي هي ذات طابع برجوازي ليبرالي من حيث المهام في الاقتصاد و السياسة و الحقوق الدستورية ، في المجتمعات المتخلفة و الاستبدادية ، يعطيانها مشروعية التمثيل الاجتماعي لطبقات أو فئات أساسية في المجتمعات المعنية ، وهذا ما يعطيها الحق و المشروعية في البقاء و الاستمرار ، إلا إذا اختارت تلك الطبقات و الفئات و الأفراد البحث عن اتجاهات جديدة ، وهو شيء لم يحصل تجاه الماركسية حتى الآن ، وإن كان هناك قتالاً فكرياً  -  سياسياً حول مضمونها بين الماركسيين ، وحقداً ذاخراً عند الكثير من الاتجاهات الأخرى ، يصل إلى حدود غير موضوعية ، تجاه الماركسية و الشيوعيين .ماذا يعني ذلك على الصعيد النظري ؟يعني ذلك أولاً ، أن السياسة لا يمكن فصلها عن الأيديولوجية ، و أننا لسنا في عصر نهاية الأخيرة ، كما روج الكثير من أنصار الليبرالية الجديدة الذين أثبتوا عبر رؤاهم و ممارساتهم أنهم إيديولوجيون بامتياز ، و إن كان الفارق بين أيديولوجية و أخرى يتحدد بمدى مطابقة كل منها للوقائع أو مدى انغلاقها العقيدي عنها ، و في إطار نسبية مستخدمها المعرفي و السياسي تجاه المكان و الزمان و بالقياس إلى مصالحه و انحيازاته و أهوائه و ميوله ، هذه الأشياء الأخيرة التي لا يمكن تجاوزها عند الكائن الاجتماعي ، ممارسة و نظراً ، ولكن يمكن السعي إلى الموضوعية و النسبية أكثر و أكثر في العمليتين المعرفية و السياسية .هذا أولاً ، أما ثانياً ، وفيما يتعلق بالماركسيين ، فإن هنالك ماركسية و ماركسيون ، وكذلك فإن تجارب الأخيرين لم تَستَنفِذ الماركسية بعد ، بما فيها تجربة و أفكار لينين ، و التي لا يمكن أن ترتقي إلى مستوى أن تكون مكافئاً ممارسياً أو نظرياً للماركسية ، ولا أن تستنفذ الأخيرة عبر مسارها ، أو عبر محتواها النظري ، كما يحاول أن يوحي مصطلح ( الماركسية اللينينية ) ، هذا يعني أن أفكار لينين النظرية الجديدة ، يجب فحص علاقتها بكارل ماركس ، مثل نظرية التنظيم المقدمة في كتاب " ما العمل ؟ " و إضافته النظرية الأخرى في كتاب " الإمبريالية " ، وكذلك نظريته عن الدولة في " الدولة و الثورة " ، وصولاً إلى تعارضه النظري الكامل مع " البيان الشيوعي " المقدم في كتابه " موضوعات نيسان " الذي بيّن فيه ، قبل ستة أشهر من ثورة أكتوبر ، إمكانية بناء الاشتراكية في بلد واحد و متخلف .ثالثاً و أخيراً ، وهذا الأساس في العملية ، فإن القضية السابقة ، لا تعني البحث عن تأسيس أصولية ماركسية ، تُثَبِّت الأصل و تطرح الباقي ، و إنما تنطلق من أن هناك ( منهج معرفي فلسفي تحليلي ) تُثبِتُ الوقائع بأنه مازال صالحاً ، وأن هناك ضرورة للتفريق بين هذا المنهج و استخداماته ، ليس فقط استخدامات الماركسيين التطبيقية له ، و إنما أيضاً ، حتى استخدامات كارل ماركس لهذا المنهج في ميادين الاقتصاد و الاجتماع و السياسة و الثقافة ، لمقارنة و دراسة هذه الاستخدامات من أجل تبيان مدى صلاحيتها للبقاء أمام تطورات عصر ( ما بعد الصناعة )و( الأتمتة ) ، و الاتجاه المتزايد إلى تحول ( فضل القيمة ) من العمل اليدوي إلى العمل الذهني ، للوصول إلى تحديد ماذا بقي من ماركسيات الماركسيين السابقين صالحاً للنظر و الاستخدام بعد قرن و نصف من دخول الماركسية ميدان النظر و الممارسة .
***   ***   ***
 
 
 
 
 
القسم الدولي
 
 
 
 
 
 
 
من تعدد الأقطاب إلى القطب الواحد
لم تشهد العلاقات الدولية استقرار النصاب لدولة واحدة ، تتحكم بمسار الوضع الدولي ، إلا في عام 1989 مع واشنطن بعد انتصارها على المعسكر السوفيتي ، مكررة سابقة روما الوحيدة عشية بدء الألفية الأولى .في العصور الحديثة استطاعت إنكلترا ، بعد هزيمتها للأسبان في معركة الأرمادا ( 1588 ) إثر منافسة استغرقت نصف قرن للسيطرة على العالم الجديد ، أن تكون القوة الأعظم حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، إلا أنها لم تستطع أن تكون وحيدة و بدون منافس على قمة العلاقات الدولية : نافستها فرنسا عبر حروب لويس الرابع عشر معها ( 1643 - 1715 ) ، و في حرب السنوات السبع ( 1756  -  1763 ) ، و عبر نابليون ( 1799  -  1815 ) . وهي و رغم بحثها عن إدامة الاستقرار الأوروبي بعد هزيمة نابليون ، لم تستطع أن تمنع ظهور المنافس الألماني ، مما جرّ العالم إلى الحربين العالميتين ، ولا بزوغ القوة اليابانية بعد هزيمتها لروسيا في عام 1904 ، ولا نمو روسيا السوفيتية و تحولها إلى قوة عالمية بعد الانتصار على الألمان في عام 1945 .على ضفة الأطلسي الأخرى ، كان هناك قوة تنمو بهدوء بعيداً عن عواصف العالم القديم ، متمتعة بعزلة ( مبدأ مونرو : 1823 ) الذي وضع خطوطاً حمراً أمام تدخلية القوى الأوربية في شؤون الأمريكيتين ، ونائياً بالعالم الجديد عن التدخل في شؤون ذلك القديم : لم تتدخل الولايات المتحدة في الشؤون الدولية إلا في عام 1898 عبر حربها مع إسبانيا ، مما أجبر الأخيرة على التنازل لواشنطن عن الفليبين ، فيما أدى دخولها في الحرب العالمية الأولى عام 1917 ، و بعد إنهاك الطرفين ، إلى وضع مبدأ مونرو جانباً ، و إلى تحولها إلى قوة دولية كبرى فعّالة و إن كان وزنها السياسي لم يرتقي إلى مستوى عملقتها الاقتصادية إلا بعد تفردها مع موسكو في الزعامة العالمية ، إثر نهاية الحرب العالمية الثانية ، ودخول العالم في أتون الحرب الباردة ( 1947  -  1989 ) ، فيما تحولت لندن و باريس إلى قوى سياسية من الدرجة الثانية ، وخاصة بعد فقدانهما لمستعمراتهما بين عامي ( 1946  -  1962 ) ، بينما كانتا على الصعيد الاقتصادي وراء اليابان و ألمانيا الغربية المجردتين ، بحكم آثار الحرب ، من أي دور سياسي دولي مستقل .أتى الانتصار الأمريكي في ( الحرب الباردة ) عبر وسائل غير عسكرية : لم تكن روسيا القيصرية أكثر تطوراً من إسبانيا 1917 ، ولم تكن تعادل صناعتها أكثر من ( 12.5 % ) من حجم الصناعة الأمريكية في ذلك العام .صحيح أن حجم الصناعة السوفيتية من تلك الأمريكية قد أصبح يعادل ( 75 % ) في العام 1970 إلا أن من الضروري إدراك أن الطابع المافوق قومي للشركات الأمريكية كان يعطي الولايات المتحدة وزناً اقتصادياً لا يمكن قياسه عبر المعايير الاقتصادية التقليدية ، فقد زادت الاستثمارات الأمريكية المباشرة في الخارج ، بين عامي 1946  -  1966 ، من ( 7.2 مليار دولار ) إلى ( 54.6 مليار دولار ) ، و كان حجم السوق الأجنبي للشركات الأمريكية عام 1965 يعادل تقريباً ( 40 % ) من الناتج المحلي للشركات و المصانع و المناجم الأمريكية ، وإذا أردنا حساب ذلك ، عبر اللغة الاقتصادية ، فقد كانت الشركات الأمريكية في الخارج ثالث أكبر وحدة اقتصادية في العالم بعد الاقتصادين المحليين الأمريكي و السوفيتي في أواسط الستينيات ، فيما ازداد ترابط اقتصاديات ( المعسكر الغربي ) أي الولايات المتحدة و بلدان السوق الأوربية المشتركة  ( يشمل ذلك بريطانيا التي لم تدخل السوق إلا في عام 1972 ) حيث ازداد نصيب مبادلاتها البينية من نسبة ( 46 % ) من حجم التجارة العالمية في 1928 إلى ( 62 % ) في عام 1965 ، فيما زاد حجم التوظيفات الأمريكية في أوربا الغربية من ( 17.5 مليار دولار ) في عام 1966 إلى ( 500 مليار ) في عام 1991 ، مما زاد من حجم التداخلات العضوية بين الاقتصاديات الرأسمالية ، وهو شيء لم تنجح به منظمة ( الكوميكون ) ، الخاصة ببلدان ( الكتلة الشرقية ) و التي تأسست في عام 1949 ، لتصبح بلدانها في النهاية عبئاً على الاقتصاد السوفيتي .كانت الولايات المتحدة تعادل باقتصادها ما يقارب ( 25 % ) من الناتج الاقتصادي العالمي في النصف الاول من عقد الثمانينيات ، فيما كان الاقتصاد السوفيتي يدخل في مرحلة التراجع بعد عام 1970 ، رغم أن دخول موسكو إلى سوق تصدير النفط ، قد أخرّ من انفجار الأزمة إلا أن مفاعيل ذلك قد بدأت بالظهور عندما سبقت اليابان الاتحاد السوفيتي في الترتيب الاقتصادي العالمي منذ عام 1983 محتلة المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة ، وإن كان تفوق الأخيرة الاقتصادي قد تعزز بالثمانينيات مع رفع ريغان لمعدلات الفائدة بالبنوك الأمريكية ، مما أدى إلى هجرة ( 600 مليار دولار ) من الرساميل العالمية إلى السوق الأمريكية بين عامي ( 1981  -  1986 ) ، مترافقاً مع هجرة كثيفة للأدمغة العالمية إليها ، مما جعلها تحوي أواسط الثمانينيات 70 % من الطاقة العلمية العالمية .إذا كانت السياسة هي تعبير مكثف للإقتصاد ، وفق تعبير كارل ماركس ، فإن التوازن العالمي بين المعسكرين ، وهو ما يشمل التسلح و القوة الاقتصادية و الوضع الجغرا-سياسي ، قد تم كسره ، وهو القائم على توازن الرعب النووي مرفوقاً بتفوق السوفيت في الأسلحة التقليدية و في السلاح الكيماوي ، من خلال القوة الاقتصادية للولايات المتحدة ، وبالذات بعد أن وقف السوفييت عاجزين ، لأسباب اقتصادية ،  عن متابعة سباق التسلح بعد طرح ريغان لمشروع ( حرب النجوم ) في آذار 1983 مما أوحى لأول مرة منذ امتلاك السوفييت للقنبلة الذرية 1949 ، بأن هناك إمكانية علمية تقنية لكسر التعادل النووي بين العملاقين ليؤشر ذلك على بداية انهيار التوازن الذي كرّسته ( اتفاقية يالطا ) بين موسكو وواشنطن في عام 1945 ، ثم لتأتي ( البيريسترويكا ) كنوع من التكيف السياسي مع الواقع الاستراتيجي الجديد ، وإن كانت سيرورتها ، بما أدت إليه من تفجير قوى اجتماعية كامنة في المجتمع السوفيتي أرادت تجاوز الواقع الاقتصادي  -  السياسي القائم ، قد جعلت القيادة السوفيتية غير قادرة على التحكم بالآليات الداخلية المنطلقة من عقالها و بالذات أثناء دفعها لفاتورة الاختلال بالتوازن الدولي و مفاعيله ،مما جعلها عاجزة ليس فقط على الحفاظ على ( الكتلة السوفيتية ) ، وإنما على الاتحاد السوفيتي نفسه .يمكن إدراك حجم هذه المفارقة ، من خلال مقارنة حجم الخسائر الأمريكية التي حصلت في الفترة الممتدة بين عامي 1975  -  1979 : ( فيتنام  -  كمبوديا  -  لاوس  -  أفغانستان  -  أنغولا  -  أثيوبيا  -  إيران  -  نيكاراغوا ) ، رغم التراجعات و الهزائم عند السوفييت و حلفائهم و التي تبقى أقل من حجم الهزائم الأمريكية : ( حرب حزيران  -  تشيلي  -  هزيمة الشيوعيين في برتغال 1975 ) ، ومع ذلك فإن موسكو لم تستطع توظيف تلك التراجعات الأمريكية الكبيرة ، و التي ترافقت مع تفارق فرنسي و ألماني غربي عن واشنطن تجاه التعامل مع السوفييت  ، بخلاف ما حصل لما كان التوازن الاقتصادي  -  التقني في وضعية أفضل بالنسبة لموسكو مما جعلها قادرة على استثمار ضربات وجهت للمعسكر الغربي ( هزيمة الفرنسيين في الهند الصينية عام 1954  -  حرب السويس  -  ظاهرة دول عدم الانحياز  -  الجزائر ) و توظيفها بشكل أفضل بالقياس إلى فترة النصف الثاني من عقد السبعينيات .كان انهيار نظام ( يالطا ) في عام 1989 مدخلاً إلى حقبة جديدة في العلاقات الدولية ، مما جعل انهيار السوقيات ، بعد عامين ، يطبع العصر بنتائجه ، مثلما حددت ثورة أكتوبر ملامح مرحلة جديدة في الوضع الدولي استمرت زهاء ثلاثة أرباع القرن العشرين .ظهر مقدار التفرد الأمريكي على حساب القوى الأخرى ( أوروبا  -  روسيا  -  الصين ) ، التي لم تستطع امتلاك قوة التأثير و التقرير ، في الأزمات الثلاث الكبرى لعقد التسعينيات الماضي : أزمة و حرب الخليج ( 1990  -  1991 ) ، حرب البوسنة ( 1992  -  1995 ) ، أزمة و حرب كوسوفو ( 1999 ) ، فيما قادت الولايات المتحدة ، منفردة ، مسار  " تسوية " الصراع العربي  -  الإسرائيلي منذ مؤتمر مدريد ( ت 1 1991 ) حتى مؤتمر كامب ديفيد ( تموز 2000 ) ، إلى أن أتت الأزمة العراقية و ما تبعها من حرب واشنطن على العراق ، في عام 2003 ، لتبيِّن مدى اختلال التوازن الدولي لصالح ( القطب الواحد ) ، على حساب أوروبا التي بان مدى قدرة الولايات المتحدة على إحداث الانقسام فيها ضد قوى حاولت الممانعة مع واشنطن في الأزمة العراقية ( فرنسا  -  ألمانيا ) ، و على حساب روسيا التي حاولت التحالف مع باريس و برلين ، إلا أنها سرعان ما عادت إلى " الانضباط " وفقاً لما حددته مستشارة الرئيس الأمريكي تجاه سلوك الدول الثلاث في الأزمة و الحرب : " فرنسا = العقاب ، ألمانيا = النسيان ، روسيا = الغفران " فيما كان عدم إشارتها إلى الصين مؤشراً إلى حجم دور الأخيرة في الأزمة العراقية التي قال عنها ( طوني بلير ) أنها " ستحدد شكل العلاقات الدولية لأكثر من جيل " .هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فقد استطاعت واشنطن تحديد الكثير في عملية إدارة الصراعات و المشكلات الإقليمية ، وتعيين آفاقها : نحو تغيير الخرائط من عدمه ( أوروبا الشرقية و الوسطى بعكس الشرق الأوسط و شبه القارة الهندية و سيريلانكا ، من خلال مشكلتي كشمير و التاميل ) ، إلى ضبط حدود التعامل مع " الدول المارقة " ( " الاحتواء المزدوج " تجاه العراق و إيران منذ 1993 ، ثم " الاحتواء المنفرد " تجاه العراق منذ 1999 ، وصولاً إلى الاتجاه لضربه و غزوه بعد 11 أيلول ) ، ثم استخدام العوامل المحلية لإحداث تغييرات ضد قوى دولية أخرى ( استخدام أقلية التوتسي في رواندا و بوروندي ضد الأكثرية ممثلة في قبيلة الهوتو الموالية تقليدياً لفرنسا ) ، إلى تحديد أدوار الدول الإقليمية باتجاه التحجيم ( إيران  -  باكستان ) أو باتجاه إطلاق اليد أو تعيين المسار ( تركيا في آسيا الوسطى السوفيتية و القفقاس ) أو باتجاه منعها من التدخل في أزمات إقليمية أو مجاورة ( مصر تجاه الأزمة السودانية ، أو حيال حل أزمة لوكربي مع ليبيا عام 1999 ، أو إيران حيال العراق المحتل من قبل واشنطن و قبله تجاه آسيا الوسطى السوفيتية ) .أدى هذا و ذاك إلى ترسيخ قوة ( القطب الواحد ) في العقد ونصف الذي يفصلنا عن نهاية ( الحرب الباردة ) ، وإلى نظم العلاقات الدولية على أساس ذلك ، و هو ما نجحت فيه الولايات المتحدة إلى حد كبير وكان المثال العراقي الأخير مؤشراً قوياً على ذلك ، إن تجاه أوروبا ، أو روسيا ، أو الصين ، أو الجوار الإقليمي للعراق ، أو تجاه الجسم العربي ، أم على صعيد الأمم المتحدة .في هذا الإطار ،أدت الإمتدادات الأمريكية ، في حرب الخليج و العراق بين عامي 1991  -  2003 ، و في القفقاس بعام 2001 مع الأزمة و الحرب التي أعقبت ( 11 أيلول ) في أفغانستان إلى سيطرة واشنطن على منابع و احتياطات النفط الأساسية في العالم ، وإلى تحكمها بحنفيتها تجاه أوروبا و اليابان و الصين ، و هو ما يشكل مكسباً استراتيجياً ( يمكن أن يكون هو الهدف الرئيسي من تركيز " القطب الواحد " على ذلك القوس الممتد بين الخليج و قزوين بعد انهيار " الكتلة الشرقية " بدلاً من مناطق أخرى من العالم ) من المحتمل أن يؤدي إلى تحديد شكل التوازنات بين الولايات المتحدة وهذه القوى الثلاث التي تشكل تهديداً مستقبلياً لمكانة " القطب الواحد " على مدار القرن الجديد ، وخاصة الصين التي يتوقع ، إذا استمر معدل نموها السنوي الحالي ( 7.18 % ) ، أن يفوق اقتصادها فرنسا في عام 2005 ، و أن تتخطى ألمانيا في العام 2020 كثالث قوة اقتصادية في العالم ، و أن تضع اليابان وراءها في العام 2050 كثاني قوة اقتصادية عالمية ، مما سيجعل منطقة شرق آسيا ، التي تقدم الآن 35 % من الناتج الاقتصادي العالمي ، تشكل التهديد المستقبلي الأكبر للقطب الواحد ، وخاصة إذا أفرز الاقتصاد مستتبعاته السياسية و الأمنية .لذلك كان " النفط " و السيطرة عليه ، مشكِّلاً لضربة وقائية استباقية ( تماماً مثل العقيدة الاستباقية الوقائية التي أعلنها الرئيس الأمريكي في عام 2002 ، كاستراتيجية عسكرية أمريكية جديدة ) تأتي لتعزيز التفوق العلمي  -  التقني الذي مال كثيراً لصالح الولايات المتحدة في العقدين الأخيرين تجاه أوروبا و اليابان ، و هو ما ينعكس أساساً على الصعيد العسكري ، بعد أن أصبحت الحرب لعبة تكنولوجية أساساً ، مما جعل هناك اختلالاً عسكرياً بين الولايات المتحدة و الآخرين الذين وراءها ، أصبح يشكل ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ العسكري ، الشيء الذي يُكوِّن الأرضية ( مما برزت المؤشرات عليه في الحرب العراقي الأخيرة ) لنشوء اتجاه أمريكي جديد يتجه نحو تهميش حلف الأطلسي عبر الطروحات الجديدة عن ( تحالف الراغبين ) و هو ما كانت الحرب الأمريكية الأخيرة على العراق تطبيقاً عملياً له ، تماماً كما اتجهت الولايات المتحدة ، عبر اعتمادها على استراليا كلاعب رئيسي في جنوب شرق آسيا عبر أزمة تيمور الشرقية عام 1999 ، إلى تهميش رابطة دول جنوب شرق آسيا ( آسيان ) التي شكلتّها في الستينات كدرع إقليمي في ظرف الحرب الفيتنامية .تشكل الحرب في هذا الإطار ( وشكلت ) وسيلة لخلق حقائق سياسية و اقتصادية جديدة ، و هو ما اتبعته الولايات المتحدة بقوة و فاعلية في فترة ما بعد ( الحرب الباردة ) ، و هذا ينطلق أساساً من إدراك صانعي القرار في واشنطن بأن التفوق العلمي  -  التقني ، و العسكري ، إذا لم يرادفهما حقائق مكافئة في الاقتصاد ، و على الصعيد الجغرا  -  سياسي ، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تقويض بناء الأحادية القطبية ، و خاصة مع وجود مؤشرات على بزوغ قوى اقتصادية كبرى تتجه نحو العملقة ، بالترافق مع اعتلالات بدأت تظهر على الاقتصاد الأمريكي ، مما يفسر اتجاه بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي نحو " دولار ضعيف " تجاه اليورو و الين الياباني منذ عام 2001 ، لتشجيع الصادرات الأمريكية و جعل البضائع اليابانية و الأوروبية أقل تنافسية تجاه البضائع الأمريكية في السوق الداخلية و الخارجية .تأتي النـزعة الحربية الراهنة عند الأمريكان من ذلك ، و هو ما ظهر بقوة في كابول 2001 و في بغداد 2003 ، بخلاف النـزعة الإنكفائية التي ظهرت عقب الحرب الفيتنامية ، فيما يلفت النظر حقيقة أن المقاومات الدولية ، أو بالأصح الممانعات ، لا ترتفع إلى مستوى قامة الغايات الأمريكية من الحرب ، وهو شيء ظهر بوضوح في الحرب العراقية الأخيرة ، رغم أن بعض القوى الدولية قد قدمت فيها درجة من الممانعات كانت أكبر من كل ما ظهر في محطات الحروب الأمريكية السابقة ( حرب 1991 ، حرب كوسوفو 1999 ) ، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لمنع البلدوزر الأمريكي من متابعة طريقه ، أو حتى عرقلته عن ذلك .في هذا الإطار ، يلاحظ بحث القوى الكبرى عن تفاهمات مع واشنطن ، أو عن صفقات معها ، خلال كل أزمة دولية ، بدلاً من البحث عن طريق مقاوم : غورباتشوف في حرب 1991 و كذلك الصين ؛ الأوروبيون في كوسوفو 1999 مع سكوت روسي ؛ موسكو في حرب 2001 رغم امتداد واشنطن إلى " الحديقة الخلفية " للروس في آسيا الوسطى و القفقاس ؛ الصين في حرب 2003 العراقية مع تركها لحليفتها الكورية الشمالية في أثناء أزمتها مع الأمريكان ثم انضمام الفرنسيين و الروس إلى بكين بعد فشل ممانعاتهم في الأزمة العراقية و العودة إلى التوافق مع واشنطن كما ظهر من خلال قرار مجلس الأمن الأخير المشرِّع للاحتلال الأمريكي للعراق .هذا الاتجاه يمتد إلى قوى إقليمية كبرى في مناطق عديدة من العالم : إيران في حرب 1991 و كذلك في حرب 2001 الأفغانية و كذلك حرب 2003 العراقية و لو أن ذلك كان أقرب عند طهران إلى مهادنة أو إلى الحفاظ على الرأس سالماً مع محاولة السعي إلى بيع هذه المواقف لواشنطن مقابل مكاسب هنا و هناك من دون أن تلقى تجاوباً أمريكياً ؛ الهند في كابول 2001 من دون أن تكون دوافع ذلك محصورة في اتجاه نيودلهي لتحجيم باكستان و إنما يمتد إلى محاولة الهند لكي تكون جزءاً من الاستراتيجية الأمريكية في وسط آسيا و كذلك في جهود واشنطن لتحجيم الصين عبر الحاجز الغربي الهندي .يطرح هذا و ذاك مسألة المقاومة الدولية للقطب الواحد : هل حدودها هي مقاومة سياسيين مثل ( صدام حسين ) و ( ميلوسيفيتش ) و ( كيم جونغ إيل ) و ( أسامة بن لادن ) ؟ …… أم : أن ( سياتل ) هي تلك المقاومة ؟ … ثم : أين تلك الكتلة العالمية التي كانت تشكلها الحركة الشيوعية العالمية ، بما كانت تمثله من وزن سياسي في مجتمعاتها ، أم أنها لم تعد ذات وزن بعد سقوط موسكو ؟ …… وصولاً إلى طرح سؤال : هل هناك اتجاه إلى تشكيل مقاومات تبنى على قضايا محددة ، مثل تضررات المزارعين الأوروبين من الإجراءات الحمائية الأمريكية أو من الأغذية المعدلة وراثياً ، أو مقاومات البيئويين للموقف الأمريكي تجاه معاهدة ( كيوتو ) ، أو تضررات الفقراء و الفئات الوسطى في الأرجنتين من توصيات صندوق النقد الدولي ؟ ……هل يشكل ذلك مقاومة عالمية للقطب الواحد ، يمكن إعطائها قواماً محدداً تصل إلى شكل حركة واحدة ، أو طابع قوى متحالفة ، كما كان الوضع في فترة ( الحرب الباردة ) ، بين " الكتلة الاشتراكية " و " الحركة العمالية " في بلدان المتروبول ، و " حركة التحرر الوطني " ؟ …  أم أنها لا يمكن ، حتى الآن ،اعتبارها "مقاومة " أو " مقاومات " للقطب الواحد : هل هي جنين باتجاه التكون نحو ذلك ، أم أنها لا تحوي إمكانية لذلك ؟ …… ثم : هل باستطاعتها ، إذا كانت باتجاه التحول إلى مقاومة عالمية ، أن تشكل قطباً مؤثراً غير حكومياً ضد ( القطب الواحد ) ، أم أنها لا يمكن أن تكتسب التأثير بدون إمكانية نشوء قطب آخر منافس للقطب الواحد ، مع أن الأمد المنظور ، و كذلك المتوسط ، لا يوحي بإمكانية ذلك ؟ ……تقود هذه القضايا إلى طرح أمور جديدة ، لم تكن مطروحة في الفترة السابقة على نشوء عصر ( القطب الواحد ) : كيف يمكن لشعوب محتلة من القطب الواحد ( العراق ) ، أو من حلفائه ( فلسطين ) ، أو خاضعة لهيمنة ذلك القطب الواحد ( العرب ) ، أن تحقق أهدافها في التحرر الوطني ، في ظل ظرف دولي كهذا :هل تختار طريق ( صدام حسين ) و ( ابن لادن ) و ( ميلوسيفيتش ) و ( الرنتيسي ) ، أم طريق رئيس الوزراء الهندي ( فاجبايي ) و الرئيس الروسي ( بوتين ) و الصيني ( جيانغ زي مين ) و ( أبو مازن ) ؟ …… أم أن هناك طريقاً ثالثاً ؟ ……أخيراً إذا أردنا تطوير القضايا التي يطرحها هذا القسم على خلفية سقوط السوفييت ، و نشوء مشهد جديد ، هو غير مسبوق منذ قرون طويلة في العلاقات الدولية ، فمن الممكن طرح قضايا عديدة ، يمكن أن تشكل محوراً للتفكير و النقاش :1. كان الاقتصاد عاملاً حاسماً في تشكيل ( القطب الواحد ) و كسر ثنائية القطبين كما كان عاملاً مقرراً في تزعم الولايات المتحدة للمعسكر الغربي بعد الحرب العالمية الثانية : هل يكون كذلك في كسر حالة ( القطب الواحد ) ؟ ……2. يمكن عبر ( تومي فرانكس ) استعادة و تذكر دور ( كتشنر ) و ( أللنبي ) ، و كذلك عبر ( بول بريمر ) استعادة ( كرومر ) : لم تغير الرأسمالية الكثير من نزعتها الإمبريالية نحو الهيمنة و السيطرة على الشعوب الأخرى ، و يمكن عبر التجربة العراقية أن يحصل لقارئ التاريخ الكثير من الاستعادة التذكرية للسيناريو الذي حصل في مصر 1882 و في سورية 1920 .3. ألا تستحق الدراسة مسألة ترافق هذه النـزعة الأمريكية للسيطرة و الهيمنة على العالم ( و محاولة المنع الطويل الأمد لنشوء قطب منافس ) مع بروز غير مسبوق بهذا الحجم لنفوذ جماعات المصالح النفطية و المالية و الصناعية و شركات الإنشاء الكبرى ( بكتيل + شركة هاليبورتن لمقاولات و إنشاءات النفط … الخ ) في داخل إدارة بوش الابن ، عبر ممثلين خرجوا مباشرة منها ( تشيني " هاليبورتن " + رايس " شركة شيفرون للنفط " … الخ ) ، أو عبر تداخلات غير مباشرة ، مع العلم بأن ارهاصات ذلك قد ظهرت مع إدارة ريغان ، عندما خرج وزير الدفاع ( كاسبر واينبرغر ) ووزير الخارجية ( جورج شولتز ) من شركة ( بكتيل ) إلى مكاتبهما في الإدارة الأمريكية ؟ ……4. في الوضع الدولي الجديد ، أصبحت قدرة " الدولي " على تشكيل " الاقليمي " و أحياناً المشهد " الداخلي " كما جرى في أفغانستان و العراق مثلاً ، في حالة غير مسبوقة بهذا الشكل : كيف يمكن تشكيل الممانعات و المناعات المقاومة لذلك ؟ … هل تشكل الديموقراطية ضمانة وحيدة للداخل من أجل ذلك ؟ … و خاصة بعد أن قادت الديكتاتوريات العربية إلى وضع سهّل و أتاح عودة الاحتلال ؟ …… أم أن الأمر أبعد من ذلك ؟ ..5. تطرح القضية الأخيرة مسألة جديدة : في ظل ( قطب واحد ) للعالم ، و عدم قدرة القوى الكبرى على التأثير و الفعل و استدارتها أكثر نحو تأمين مصالحها و مطالبها مع القطب الواحد ، و في ظل محيط إقليمي " متعاون " معه أو عاجز أمامه ، كيف يمكن لشعب أو دولة القيام بتحصيل تحررها أو حقوقها في قضية " ما " ، مع العلم بأن أسطع التجارب النضالية في القرن العشرين ، لم يكن ممكناً لها النجاح لولا وجود ظرف دولي و إقليمي مناسب : فيتنام ( الاتحاد السوفييتي + الصين ) ، الجزائر ( عبد الناصر + بورقيبة + محمد الخامس + اللامبالاة الأمريكية تجاه الفرنسيين هناك ) ؟ ……6. أشاعت الثورة الفرنسية في عام 1789 ، متأثرة بأفكار ( عصر الأنوار ) ، مبادئ جديدة اكتسبت القوة بالتدريج ، في العلاقات الدولية ، مثل ( حقوق الانسان ) ، ( حق الشعوب في تقرير مصيرها ) . هذا من جهة ، و من جهة أخرى ، فقد أتاحت " تفاؤلية " القرن التاسع عشر ، و النصف الأول من القرن العشرين ، المجال لنشوء أجواء فكرية تتجه نحو تجاوز ( العامل الديني ) في السياسة ، و باتجاه ( الأممية ) بعيداً عن تصارع القوميات الذي ولّد ، من خلال البلقان ، نشوب الحرب العالمية الأولى : ألا تشكل الأجواء الدولية الجديدة في بداية الألفية الثالثة و ما جرى في العقد الأخير من القرن العشرين ، فشلاً و نكوصاً عن كل ذلك ؟ .
 
***   ***   ***
القسم العربي
 
 
 
 
 
 
 
 
من الدولة القومية إلى الاحتلال ( 1952  -  2003 )صعد الاتجاه القومي إلى السلطة ( مصر ، العراق ، سوريا ) على أساس برنامج مؤلف أساساً من ثلاثة بنود :1 - فلسطين ، 2 - الوحدة العربية ، 3 - التنمية و التحديث .على الصعيد الأخير ، حصل هناك إصلاح زراعي و تمدين للريف و تضييق للفوارق بينه و بين المدينة ، و زيادة فرص التعليم و لو تمّ ذلك لصالح الكم على حساب الكيف و النوع ، إلا أن ذلك قد حوى كل عيوب المفارقة التي حصلت في هذه البلدان عندما قاد الريف و البلدات الصغيرة عملية التحديث ، بعكس ما حصل في البلدان الأوربية عندما قادت العاصمة هذه العملية ( لندن 1688 ، باريس 1789 ، بتروغراد 1917 ) وجعلها ، في الوجه الآخر للعملة ، نوعاً من الترييف للبلد و تصديراً للعلاقات الريفية إلى المدينة ولو امتزج ذلك مع طلاء رقيق من أشكال و مظاهر التحديث .أتى ذلك على خلفية عدم قدرة الفئات التي تولت الحكم ، في الفترة السابقة لذلك ، على حل المسألة الزراعية ، مضافاً إليها مضاعفات هزيمة 1948 ، مما أنشأ كتلة اجتماعية واسعة ضمت الفلاحين بشرائحهم المختلفة ، و الفئات الوسطى المدينية ، رأت مصلحتها في قلب الوضع القائم ، مستخدمة المؤسسة العسكرية كَمَطِية لذلك .نزل العراق ، عبر حربين و حصار استمر عقداً من الزمن ، من بلد كان يعد من أغنى دول الشرق الأوسط ، بثروته النفطية و المائية و الزراعية و رأسماله البشري ، إلى عصر ما قبل الصناعة ، فيما لم تستطع مصر حل مشكلتها الغذائية الناتجة عن المشكلة السكانية و ضيق المساحة الزراعية ، مما جعلها رهينة لمعونات القمح الأمريكية ، و لا تضييق مشكلة التفاوت في الدخول بين الأغنياء و الفقراء ، ولا مشكلة التفاوت بين الريف و المدن ، مما ولّد هجرة ، تعد قياسية على الصعيد العالمي ، أدت إلى جعل القاهرة حاوية لخمس السكان عبر ضواحي و أحزمة ضمت الوافدين الجدد تفتقر إلى المعايير الدنيا للحياة الحديثة ، بينما نزلت سوريا من مستوى يقارب مستوى ماليزيا في عام 1975 ، من حيث الدخل الفردي ( 676 / 716 دولاراً ) ، لتصبح بعد ربع قرن من ذلك ، وفقاً لتقرير التنمية البشرية الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 2002 ، في المرتبة ( 108 ) من أصل 173 دولة ، بينما ماليزيا في المرتبة ( 59 ) ، فيما تفوقت المغرب في الدخل الفردي عام 2001 ، على سورية ( 950 دولار ) بدخل بلغ ( 1180 دولاراً ) ، هي و تونس ( 2100 دولار ) ، والأردن ( 1720 دولار ) ، بعد أن كانت على التوالي : ( 440 دولار : 1975 ) ، و ( 756 دولار : 1977 ) ، و ( 552 دولار : 1975 ) .على صعيد الوحدة العربية ، لم تنجح ، في القرن العشرين ، سوى وحدة الجزيرة عبر ابن سعود ، و الإمارات العربية ، و الوحدة اليمنية ، فيما فشلت وحدة 1958 ، و لم تنجح محادثات الوحدة الثلاثية في 1963 ، ولا اتحاد الجمهوريات العربية في عام 1971 ، إلى أن وصلت الأمور إلى مستوى من التردي لم يُستطع فيه الحفاظ على ملامح التضامن العربي ، الذي ظهرت بوادر قصيرة الأمد له في عامي 1973  -  1974 ، بعد أن تحطم على مذبح الخلافات المصرية  -  السورية ( 1975  -  1977 ) ، ثم ليتناثر بعد دخول الخلافات العراقية  -  السورية في توترات غير مسبوقة ( 1979  -  1980 ) ، حتى وصلت الأوضاع إلى مستوى لم يُستطع فيه القول بأن الانتماء الوطني المحلي ( وليس القومي ) مُتَغلّب على الانتماءات الدينية ، أو الطائفية ، في البلدان التي رفع حاكموها الراية القومية في النصف الثاني من القرن العشرين .في الموضوع الفلسطيني ، قاد الصراع البعثي  -  الناصري ، بين عامي 1963  -  1967 ، إلى توريط العرب و عبد الناصر في حرب حزيران ، و إلى إحداث هزيمة بالعرب مازالوا يدفعون فاتورتها بعد ثلث قرن من حصولها ، فيما لم تؤدِ حرب 1973 إلى أكثر من تحريك ( التسوية ) ، و إلى انقسام مصر و سوريا عبر مساراتها وصولاً إلى زيارة السادات للقدس و معاهدة ( كامب ديفيد ) ، بينما فشلت محاولة التعويض عن غياب مصر ، عبر التقارب السوري  -  العراقي في عامي 1978  -  1979 ، لتؤدي عبر مرارة فشله و الإحباطات و العداوات ، التي تولدت عن ذلك بين البلدين ، إلى شعور العراق بأن ظهره إلى الحائط أمام الرياح القادمة من طهران الخميني ، والتي حاولت اللعب على مكوناته الداخلية ، مما دفع حاكم بغداد إلى شن الحرب على إيران في خريف 1980 .كانت العلاقة بين ثالوث ( القاهرة ، دمشق ، بغداد ) محوراً للسياسة العربية الحديثة و محدِّدةً لمساراتها ، مثلما كانت كذلك عبرالتاريخ العربي القديم ، و كذلك في تاريخ ما قبل الإسلام عندما كانت أقاليم الرافدين و الشام و النيل تتناوب زعامة المنطقة ، أو تؤدي ، عبر انفراط عقدها و تناقضها مع بعض ، إلى فقدان المنطقة لمناعتها أمام الخارج ، كما جرى ، عبر صراع السلوقيين و البطالمة ، لما سقطت سوريا و مصر بأيدي الرومان ، ومعها المنطقة ، بين عامي ( 64  -  31 ق.م ) : كان خلل هذه المعادلة الثلاثية هو السبب في عدم تشكيل مجابهة حقيقية لإسرائيل ، و عندما جرى شيء من الاقتراب من هذه المعادلة ، كما حصل في حرب 1973 ، كان الأداء العربي أفضل من سابقه أو لاحقه .بعد ثورة 14 تموز 1958 في بغداد ، حصلت فرصة حقيقية لاجتماع هذا الثالوث العربي ، إلا أن استعجال عبد الناصر على الوحدة هو و القوميين في بغداد ، من دون مراعاة للخصوصيات العراقية ، إضافة إلى خوف الشيوعيين العراقيين على نفوذهم المتنامي هناك و بتشجيع من موسكو ، قد أديا إلى نشوب انشقاق خطير ذرّ بقرنيه بين طرفي التيار اليساري ، أي القوميين و الشيوعيين ، قاد إلى انفراط أمل تحقيق تلك الوحدة الثلاثية التي كان من الممكن أن تكون رافعة للنهوض العربي و لتحجيم إسرائيل إن لم يكن إلى هزيمتها ، وإلى دخول هذين الطرفين في صراع ضار حدد مسارات سلبية و صراعية على مستوى العراق و سوريا ، و أدى إلى انفراط وحدة 1958 التي ما كان ، لولا انفصالها ، أن تحدث 5 حزيران 1967 ، هذا الانفصال الذي ما كان ممكناً حدوثه لو انضمت بغداد إلى الوحدة السورية  -  المصرية .كان انحلال أطراف هذا الثالوث العربي ، في صيف 1979 ، هو المدخل و الإطار العربي الذي سمح و ساعد على نشوب الحرب العراقية  -  الإيرانية ، كما أن عزلة مصر و انكفائها بعد كامب دايفيد ، و انشغال بغداد في حدودها الشرقية ، قد سمح لإسرائيل باجتياح لبنان من أجل محاولة إنهاء المقاومة الفلسطينية ، ومن أجل محاولة استخدام لبنان كمنصة للتحكم بآسيا العربية ، ومحاولة تقسيمها إلى دول إثنية و طائفية و دينية .كما أن استمرار انحلال أطراف هذا الثالوث ، و خاصة بين دمشق و بغداد اللتين دخلتا في صراع ضار بالساحة اللبنانية في ربيع 1989 ، قد جعل العراق ، الخارج منهكاً اقتصادياً من حربه مع إيران و قوياً بجيشه ، يقع في " الحفرة الكويتية " بعد شهرين من مؤتمر القمة العربية المنعقد في بغداد أواخر شهر أيار 1990 و الذي غابت عنه سوريا ، من دون أن يجد حضناً عربياً في ذلك المؤتمر ، مما كان يمكن أن يقيه من تلك " الحفرة " ، و التي وقع فيها و أوقع العرب معه ، و ما جرَّ ذلك من هيمنة أمريكية مباشرة على المنطقة العربية ، كانت تحقيقاً لمشروع أيزنهاور ، الذي طرح في الشهر الأول من عام 1957، من أجل ملء " الفراغ " الذي أعقب هزيمة البريطانيين و الفرنسيين في حرب 1956 .أتت تسوية ( مؤتمر مدريد ) الأمريكية على خلفية هزيمة العراق ، و العرب معه بما فيهم " الذين دخلوا في التحالف مع واشنطن ضد العراق " ، على حد تعبير الوزير الأمريكي جيمس بيكر لأحد المسؤولين العرب ، و كانت هذه التسوية محاولة لإنشاء إطار سياسي ملائم في المنطقة ينظم عملية السيطرة الأمريكية ، التي يبدو ، وحسب الأجندة الأمريكية ، أنها تريد الإمتداد إلى وضع منظومة أمنية إقليمية تابعة لواشنطن ، و إلى الهيمنة الاقتصادية ، و ربما إلى إنشاء إطار ثقافي يستتبع ذلك .لذلك فإن تسوية التسعينيات ، كانت تختلف عن تسوية ( فك الاشتباك ) ، في عامي 1974 و 1975 بالجبهتين المصرية و السورية ، عندما أريد استخدامها كأداة لنـزع النفوذ السوفيتي من مصر و إضعافه في سوريا و لإثبات الأرجحية الأمريكية بالمنطقة ، وكذلك عن تسوية 1978 عندما أرادت إسرائيل و الولايات المتحدة ترك العرب بدون " الرأس " المصري الذي تزعمهم منذ عام 1956 .من هنا كانت عملية التسوية مترافقة مع ظهور بوادر غير مسبوقة للتفكك العربي ، ظهرت من خلال عدم فاعلية النظام العربي الرسمي و تذرره إلى مسارات متناقضة و متنافرة مع بعضها البعض ، مما أدى إلى عدم فعالية الجامعة العربية ، و تحول القمم العربية إلى مؤسسة غير فاعلة و بدون وزن ، و قد ظهر انعدام وزن النظام العربي الرسمي ، بشكل فاقع ، في الانتفاضة الفلسطينية الثانية و في الأزمة العراقية و الحرب التي أعقبتها ( أيلول 2002  - نيسان 2003 ) .هذا طبيعي ، لأن التسوية هي تعبير عن مفاعلات هيمنة طرف خارجي على العرب ، أكثر من كونها بين طرفين إقليميين ، لذلك فإن ( التسوية ) لا يمكن معالجتها عبر الموقف من النصوص التي ترافقها ، أو مضامين المعاهدات و الاتفاقيات التي تستتبعها فقط ، و إنما أساساً عبر كونها نتيجة و آلية للسيطرة الأمريكية على المنطقة في النواحي المختلفة ، السياسية  -  الأمنية  -  الاقتصادية  -  الثقافية .من هنا ، كان فشل ( التسوية ) ، عبر مؤتمر كامب دايفيد في صيف عام 2000 ، مؤدياً إلى توترات بين طرفي الصراع ، سمحت واشنطن من خلالها لإسرائيل بأن تخلق " حقائق " أمنية جديدة مع الطرف الفلسطيني ، تريد أن تُجرِّعه إيّاها ، بعد أن أجبرته على تغيرات معينة في القيادة الفلسطينية ، عبر الجولة الجديدة من عملية التسوية التي أطلقتها واشنطن ، من خلال ( خارطة الطريق ) ، بعد ثلاثة أسابيع من احتلال بغداد في يوم ( 9 نيسان 2003 ).كان هذا الاحتلال حصيلة للوضع الأمريكي في المنطقة الذي حصل منذ حرب 1991 : ما يلفت النظر ، في هذا الحدث الضخم و في الأزمة السابقة له ، ضعف مناعة الجسم العراقي أمامه ، و ميل قسم من مكوناته إلى القبول به ، إضافة إلى فعاليات عراقية سياسية و ثقافية شجّعت أو رحبت بالغزو من أجل " إزاحة " الديكتاتور و نظامه ، و هو شيء قد ظهرت بوادر مشابهة له عند مثقفين عرب بارزين و عند أفراد عديدين في مجتمعات عربية معينة ، وصلت إلى حالة من " العجز " و " الشلل " أو " الصمت " أمام الديكتاتوريات في بلدانها .هل يكفي لتبرير هذه الظاهرة ، القيام بعزو نشوئها إلى ما فعله الديكتاتور بالعراق فقط ؟ ……… أم : أن الأمر يعود ، أيضاً ، إلى فشل هذه الأنظمة في إنشاء مجتمع ، و مواطن ، لا يشعران بالغربة في الوطن ، بعد أن أصبحت الأرض و الثروة و المصير و التقرير ، و كل شيء ، ملك للحاكم و بطانته من النهّابين و السرّاقين ؟ ……… أو : أن المسألة ، هذه ، تعود إلى عدم وجود وحدة وطنية قوية في العراق ، بين الشيعة ، الذين هُمشوا و استبعدوا من الحكم في العراق و خاصة بعد عام 1968 ، و بين السنة من جهة ، و من جهة أخرى بين العرب و الأكراد ؟ ……… ثم : ألا يؤدي ذلك إلى استقالة هذا المجتمع ، أو مكوناته التي أرادت الاستعانة بالخارج من أجل " التغيير الداخلي " ، من الفعل السياسي ، بعد أن أوكل أمره ، أو أمرها إلى الخارج ، و خاصة بعد أن حضر هذا الوكيل إلى الداخل ، و أصبح يريد أن يقرر و يحكم الأصيل ؟ … أخيراً : هل تؤدي المقاومة العراقية ، التي مازالت على ما يبدو محصورة ضمن أحد المكونات العراقية ، إلى تجاوز ذلك القطوع في التاريخ العراقي ، إذا تحولت إلى ظاهرة شاملة وطنياً ، أو شبه شاملة ؟ ………
***   ***   ***
 
 
 
 
 
 
 
 
تموجات التيارات السياسية العربيةسادت أربعة تيارات فكرية  -  سياسية الحياة العربية في القرن العشرين : الإسلامي ، القومي ، الليبرالي ، و الماركسي .لم يصل الماركسيون و الإسلاميون إلى الحكم إلا في بلد واحد لكل منهما : الماركسيون ( اليمن الجنوبي بين عامي 1969  -  1990 ، فيما مارسوا نفوذاً ملحوظاً في فترة حكم عبد الكريم قاسم ، و خاصة بين صيفي عامي 1958  -  1959 ؛ الإسلاميون ( السودان : 1989  -  1999 ) .فيما وصل الليبراليون إلى السلطة في مصر من خلال حزبي ( الوفد ) و ( الأحرار الدستوريون ) و سادوا لفترة الثلاثة عقود الفاصلة عن شهر تموز 1952 ، و في سوريا من خلال ( الكتلة الوطنية ) و ( الحزب الوطني ) و ( حزب الشعب )  ، بينما سادوا الحياة السياسية السودانية لثلاثة فترات ( 1956  -  1958 ، 1964  -  1969 ، 1985  -  1989 ) من خلال حزبي ( الأمة ) و ( الوطني الاتحادي ) { تحول اسم الأخير ، في عام 1967 ، إلى ( الاتحادي الديمقراطي ) } . ثم وصل القوميون إلى السلطة في مصر ( 1952 ) و العراق ( 1963 و 1968 ) و سوريا ( 1963 ) .لم يكن نفوذ القوميين الفكري و الثقافي موازياً لنفوذهم السياسي و التنظيمي و استلامهم السلطة في بلدان عربية رئيسية ، فيما توازنت الناحيتين عند الليبراليين و الإسلاميين ، و تفوق النفوذ الفكري و الثقافي عند الماركسيين على وزنهم السياسي  - التنظيمي .كان استلام القوميين للسلطة تعبيراً عن فشل الليبراليين في حرب 1948 و في حل المسألة الزراعية ، و في إنجاز مهام التحديث ، و عن انزياح الحكم من طبقات قديمة لصالح فئات جديدة ، فيما أتى صعود التيار الإسلامي بعد حرب حزيران ، و بالذات منذ السبعينيات ، على خلفية فشل التيار القومي في موضوع فلسطين ، و على خلفية تضرر الفئات المدينية الوسطى ( سوريا ) من التمفصلات الاقتصادية  -  السياسية الجديدة ، و تضرر الفئات الوسطى المدينية ، و تلك النازحة من الريف إلى أطراف المدن ( مصر ، الجزائر ، تونس ) ، من الوضع القائم و بحثها عن وضع جديد ، و لو أنها لم تستطع ترجمة مجابهاتها مع الأنظمة القائمة في البلدان المذكورة إلى حقائق جديدة على صعيد السلطة السياسية .كان ذلك ، أيضاً ، تعبيراً عن فشل التحديث الذي قادته أنظمة الخمسينيات و الستينيات ، مادام أنه أدى إلى مجابهة الفئات الحاكمة لفئات اجتماعية تمثل شرائح واسعة من المجتمع ، و هي الأكثر تعليماً ، و الأكثر احتكاكاً بالعلم و التقنية ، و الأكثر ديناميكية في العملية الاقتصادية ، بعد أن رأت هذه الفئات بأن ما يجري في أعلى السلطة السياسية لا يعبر عن القوة الاقتصادية في المجتمع ، إضافة إلى إحساسها بأن من هو في السلطة يريد تجيير الأخيرة لإنشاء خريطة اقتصادية  -  طبقية جديدة تعبر عن مصالح من هو قابض على السلطة السياسية و الفئات الاجتماعية التي هي وراءه .دخل التيار الإسلامي ، في مصر و تونس و الجزائر ، في مجابهات مع الأنظمة الموالية للغرب بعد انفكاك تحالفه مع الولايات المتحدة عقب سقوط السوفييت ، ثم أُدخل ، عبر ( 11 أيلول ) و ابن لادن ، في مجابهة مباشرة ، بهذا الشكل أو ذاك ، مع واشنطن : يلاحظ ، عبر هذين المستويين للمجابهة ، أن الإسلاميون قد فقدوا ديناميكيتهم الهجومية التي كانت في فترة صعودهم بالسبعينيات و الثمانينيات ، و أن خصومهم قد وضعوهم في موقع دفاعي ، فكرياً و سياسياً ، فيما لم يستطيع الإسلاميون أن يحولوا قوتهم التنظيمية و السياسية بالمجتمع إلى وقائع جديدة على صعيد السلطة السياسية ( الجزائر مثلاً ) .دخل الإسلاميون ، بالنصف الثاني من العقد الأخير من القرن العشرين ، في حالة تراجع على الصعيدين التنظيمي و السياسي ، و لو أنهم مازالوا محتفظين بالتفوق على صعيد النفوذ ضمن الساحة الثقافية بالمجتمع ، و قد انضافوا بذلك إلى التيارين القومي ، الذي لم يستطع أن يعوض فشله السياسي عبر الثقافة أو أن يقدم مراجعه توازي مسؤولياته عن ما جرى في البلدان العربية التي حكمها و على صعيد ما سببه للعرب من هزائم و تراجعات و اخفاقات ، و الماركسي ، الذي لم يستطع أن يقف على رجليه بعد سقوط موسكو و لو أنه يحاول الدخول في مراجعات لم تأخذ حتى الآن منحى الجدية و الإنتاجية الفكرية ، فيما يبقى التيار الليبرالي هو الوحيد الذي يشهد الآن صعوداً ، منذ عام 1989 ، بعد أن رفده الكثير من ماركسيي موسكو السابقين ، و بعض القوميين ، إضافة إلى ما يجده من قاعدة اجتماعية بين الفئات الصناعية ، و التجارية ، و رجال الأعمال ، ومن هو على احتكاك إنتاجي بالتقنية و الأتمتة ، و لو أن ذلك لم يتبلور بعد في تيار واضح المعالم فكرياً و سياسياً .لم يؤد ذلك ، بعد ، إلى تمفصلات واضحة على صعيد اليمين و اليسار : فعلى صعيد الموقف من الولايات المتحدة و هيمنتها و صولاً إلى احتلالها للعراق ، و كذلك على صعيد فلسطين و التسوية ، نجد الإسلاميين و القوميين و المحتفظين بماركسيتهم على يسار الليبراليين و الماركسيين المتلبريلين الذين يميلون إلى موقف " معتدل " و غير صدامي مع الولايات المتحدة مع ميل إلى قبول " التسوية " الشيء الذي ينطبق على موضوع الموقف من الأنظمة الموالية لواشنطن ، بينما نجد الإسلاميين في افتراق معها ( الجزائر ، مصر ، تونس ) و صدام و مجابهة ، فيما يُغَلِّب الليبراليون مسألة الموقف من " الظلاميين " و يُسَبِّقوها على ذلك ( تشكل سوريا ، بسبب اللوحة السياسية التي كانت قائمة في عام 1980 و مستتبعاتها ، حالة مختلفة عن تلك البلدان ) ، ويشاركهم في ذلك قسم واسع من اليسار القومي و الماركسي ( مصر ، الجزائر ، تونس ) .فيما نجد على صعيد مواضيع اجتماعية و حداثية و تشريعية ( المرأة ، الرقابة ، الفن ، قانون الأحوال الشخصية ) أن الجميع على يسار الإسلاميين ، بينما علىصعيد الاقتصاد يبقى الليبراليون و الإسلاميون في جبهة واحدة تجاه ( اقتصاد السوق ) ، مع بعض الماركسيين المتابعين لتقاليد كارل ماركس تجاه المرحلة الرأسمالية و استكمال مستتبعاتها ، فيما يقف في الجهة الأخرى كثير من  الماركسيين و بقايا الاتجاه القومي ، وصولاً إلى موضوع ( الديمقراطية ) عندما يقف الإسلاميون في الجزائر و مصر و تونس ( بخلاف سوريا ) و حيدين في موضوع جعلها مفتوحة للجميع ، بينما يقف الآخرون في موقع اسئصالي أو في موقع من يريد ديمقراطية محدودة من دون " الظلاميين " .كانت مواضيع ( السلطات القائمة ) و ( القطب الواحد ) محددات رئيسية لاصطفافات التيارات السياسية العربية بعد عام 1989 ، فيما كان موضوعا ( الوحدة العربية ) و ( فلسطين ) أساسيان في الفترة السابقة في عملية تشكيل الاصطفافات ، و قد اتخذ الموضوع الأول أشكالاً مباشرة ، مثل انقسام العلمانيين و الإسلاميين تجاه الموقف من انقلاب عسكر الجزائر في عام 1992 ، و أشكالاً غير مباشرة مثل الموقف من ( الأصوليين ) أو " الظلاميين " ، مما أخفى أو قاد إلى اصطفاف للمعادين للإسلاميين مع السلطات القائمة  ، فيما أخذ الموضوع الثاني أشكالاً غير مباشرة ، مثل إنشاء ثنائية ( الاستبداد  -  الاستعمار ) و تفضيل الثاني على الأول ، أو شكل " تشريع " الاستعانة بالخارج من أجل التغيير الداخلي تحت " ذريعة " أن " الديكتاتور قد قضى " على العوامل الداخلية للتغيير ، ومن المحتمل أن تكون اصطفافات الموضوع الثاني مؤشراً إلى اصطفافات موضوع ( التسوية ) القادم .لم تتجاوز السياسة العربية ، حتى الآن ، منطق الخنادق ، أو الأبيض و الأسود ، في اصطفافاتها ، و لم تصل بعد إلى اللون البني ( و هو ما يميز السياسة الحديثة ) ، إضافة إلى أن منطق الشعارات غالب على خطابها السياسي ، و كذلك الألوان ، و التقسيمات الثنائية المتضادة ( رجعي  -  تقدمي ، العولمة  -  الاستقلال ، تقليدي  -  حديث ، ظلامي  -  تنويري ، استبداد  -  استعمار ) ، فيما لم تصل السياسة العربية ، بعد ، إلى الحكم على السياسي و برنامجه من خلال الممارسة و النتائج المتولدة عنها ، و إلى أيضاً الحكم على هذا البرنامج من خلال حامليه الاجتماعيين و مدى تقاطعات المصالح ، أو اختلافها ، في لحظة سياسية محددة ، أو مرحلة بكاملها ، مع هذا البرنامج و حامليه ، مما يجعل ( المصلحة ) ، ومن خلال علاقتها بالمبادئ و الاتجاهات و الميول الأيديولوجية ، عنصراً أساسياً في العمل السياسي .***   ***   ***
قضايا و اشكالات عربيةأظهرت بداية الألفية الثالثة ، مع عودة الاستعمار عبر ( بغداد ) ، أن العرب لم يتجاوزوا مرحلة " التحرر الوطني " إلى مرحلة " التحرر الاجتماعي " ، بالترافق مع عدم إنجازهم ، أو بالأحرى فشلهم ، في إنجاز مهام " التنمية و التحديث " و " الاستقلال الاقتصادي " للدخول في نادي الأمم المتقدمة .كان ذلك ناتجاً عن فشل الليبراليين في إنجاز مهمات المرحلة البرجوازية ( حل المسألة الزراعية - تضييق الفوارق بين الريف و المدينة و نشر الرسملة و العلاقات البرجوازية بهما - التصنيع ) ، و كذلك عن فشل القوميين في إنجاز مهام المرحلة الليبرالية من دون ليبرالية و ليبراليين ، بالتوازي و الترافق ( مع فشلهما في ذلك ) في تحقيق المهام المطروحة عربياً على صعيد الاستقلال عن الهيمنة الغربية و في إنجاز المهام المطلوبة ، وطنياً و قومياً ، عبر الصراع العربي - الإسرائيلي .الآن مازالت مهام المرحلة البرجوازية ، بمعناها الليبرالي ، مطروحة بقوة على جدول أعمال العرب ، لأن الليبراليين لم يستطيعوا إنجازها عبر برنامجهم الليبرالي ، و كذلك القوميين من خلال برنامجهم المطلي بشعارات اشتراكية ، حيث وصل العرب من خلال الأخيرين إلى شكل مشوه من العلاقات البرجوازية ، الممزوجة بكثير من العلاقات البطريركية القديمة و المفاهيم الريفية ، من دون أن يصلوا إلى الحداثة و التقدم العصري ، لا بمعنى الجانب القانوني - الحقوقي - الدستوري و لا بمعنى استيعاب التقنية و انتاجها و لا على صعيد الصناعة و لا على صعيد تجاوز العلاقات الماقبل رأسمالية في المجتمع ( عشائر - طوائف ) و لا بمعنى علاقات المرأة و الرجل و لا على صعيد بناء مواطنة تتحدد ، كمفهوم ، من خلال الوطن و ليس من خلال شيء آخر ( طائفة - دين - عشيرة - منطقة ) .يكتسب البرنامج الديموقراطي ، الذي طفى إلى سطح الحياة السياسية العربية في العقدين الاخيرين من القرن العشرين و لكن من دون أن ينجح في تحقيق مكاسب مؤثرة تجاه السلطات القائمة و لا أن ينجح في استغلال الموجة الديمقراطية العالمية ، قوته من فشل القوميين ، و قبلهم الليبراليين ، في تحقيق مهام المرحلة البرجوازية ، و هو برنامج ( سواءً وعى القائمون بالديمقراطية أم لا ) ليبرالي في الاقتصاد ( و لو مع إمكانية تحديد ، عبر استفتاء وطني ، حدود قطاع الدولة في الاقتصاد ) ، و برجوازي من حيث الحقوق الدستورية و السياسية ( الحقوق الفردية في الملكية ، و في حرية توليد و نشر و تلقي الأفكار ، إضافة إلى حرية الزي و السلوك ، و في إيجاد شكل عصري لقانون الأحوال الشخصية ، فيما يقوم ذلك ، على صعيد الحقوق السياسية ، على مبدأي فصل السلطات ، و الحريات العامة في التحزب و التجمع و حرية الصحافة ووسائل الإعلام و حق الإضراب ) .تأتي إشكالية الحركة الديموقراطية العربية من عدم وعيها الكافي للترابط بين الجانبين السياسي و الاقتصادي في البرنامج الديموقراطي ، وذلك نابع بالأساس عن ميل الكثيرين منها إلى ربط هذا البرنامج بمكافحة الاستبداد السياسي فقط ، و ربما كان ذلك ناتجاً عن إتيانهم و مجيئهم إلى ( الديموقراطية ) على هذا الأساس قادمين من أيديولوجيات شمولية ، سواء كانت ذات طابع قومي عربي أو سوفيتي ستاليني ، مع احتفاظهم بالكثير من مفاهيمهم السابقة حول ( القطاع العام ) و ( التطور اللارأسمالي ) مع حذف " الدولة الشمولية " .هذا أولاً ، من حيث كونها رد فعل على الاستبداد و الدولة الشمولية ، فيما تأتي إشكاليتها الثانية من حيث عدم تحديدها لطابع المرحلة الديموقراطية ، هل هي ( برجوازية - رأسمالية ) حقوقياً و سياسياً و اقتصادياً ، أم أنها ستختلط مع المرحلة الاشتراكية ، أم هي ذات ملامح اشتراكية ، أو ستكون خليط من المرحلتين الرأسمالية و الاشتراكية ؟ … بينما تأتي إشكاليتها الثالثة من اقتصارها على الشعارات السياسية - الحقوقية الخاصة بالبرنامج الديمقراطي ، و تعاملها مع ( الديمقراطية ) بنفس الطريقة " السحرية " و " المطلقية " التي كان يتم التعامل فيها مع ( الوحدة العربية ) و ( الاشتراكية ) ، و " ربما عبر نفس الأشخاص " ، و عدم بحثها عن الفئات و الطبقات و الشرائح الاجتماعية التي يمكن أن تشكل حوامل اجتماعية للبرنامج الديموقراطي ، و ليس اقتصارها على المتضررين من الاستبداد السياسي ، أو من الأوضاع القائمة ، مما جعلها ، وفقاً للحالتين الأخيرتين ، حركة سلبية احتجاجية معارضة ، و ليس حركة سياسية ذات برنامج بديل ، سياسياً و اقتصادياً و حقوقياً و كشكل للدولة جديد و لعلاقة الثالوث ( فرد - مجتمع - دولة ) و لعلاقة ( السلطة - الدولة ) .أضافت المرحلة الراهنة من عودة الاستعمار للمنطقة العربية ، عبر العراق ، إشكالية جديدة انضافت إلى إشكاليات الحركة الديموقراطية : أدى وجود ديكتاتور ، و نظامه في العراق ، هو في حالة مواجهة و مجابهة مع ( القطب الواحد ) المتدرع بالديمقراطية ، إلى إنشاء تناقض حصل بين ( الديموقراطية ) و ( الوطنية ) أثناء الأزمة العراقية و الحرب التي أعقبتها ، ولم يكن ذلك على الصعيد النظري فقط ، و إنما من خلال الاصطفافات العملية و الممارساتية للقوى السياسية العراقية ، و الشخصيات و الفعاليات الثقافية المعارضة لديكتاتور بغداد ، و كذلك من خلال مواقف الكثير من المثقفين العرب الديمقراطيين الذين غلّبوا رحيل الديكتاتور على ما عداه ، ومن خلال الكثير من " الواقفين مع العراق " الذين لم يتكلموا كلمة واحدة عن الديكتاتور و ممارساته مغلّبين " الوطنية " و " القومية " على الديمقراطية ، و ما يمكن أن يكون ذلك قد ولّد من رد فعل ضد ( العروبة ) عند قسم من العراقيين ، فيما لم يستطيع من أراد اتخاذ موقف وطني ديمقراطي أن يجمع الحدّين في الأزمة و الحرب العراقيتين أو أن يثبت نفسه كطرف ثالث .لا يطرح ( القطب الواحد ) ، عبر مجيئه للهيمنة على المنطقة العربية ، موضوع ( الديموقراطية ) فقط ، وإنما أيضاً ( اقتصاد السوق ) و ( التحديث ) في التعليم و القضاء و المؤسسات : من المحتمل أن يؤدي هذا أيضاً ، كما حصل في موضوع ( الديمقراطية ) و ( الوطنية ) ، إلى اصطفافات ضدّية ، أو إلى عدم قدرة الحداثيين العرب ، و كذلك الليبراليين ، على الجمع الناجح بين ( الحداثة ) و ( الليبرالية ) و ( الديموقراطية ) و بين مكافحة هيمنة ( القطب الواحد ) و سياساته ، و إلى أن يصبحوا في وضعية ( أحمد الجلبي ) و ( سعد الدين إبراهيم ) ، فيما من الممكن كذلك ، في الجانب الآخر ، أن يؤدي ذلك بكل من هو ضد ( القطب الواحد ) ، من قوميين و إسلاميين و ماركسيين ، و بعض الليبراليين ، إلى الإنجرار إلى وضعية يصبح فيها ( التحديث ) و ( اقتصاد السوق ) عند الطرف المضاد ، أو إلى أن يربطوا القضيتين الأخيرتين بالتبعية للقطب الواحد ، و أن لا يفصلوهما عنه .كل هذه القضايا السابقة تقود إلى طرح إشكالية واحدة : هل تكون المقاومة للقطب الواحد على أساس برنامج وطني محض ، أو قومي محض ، أم أنه يجب أن تحتوي على قضايا ديموقراطية ، و اقتصادية ، و دستورية ، و تحديثية ، لتجاوز ما كان عليه الوضع عند ( إبراهيم هنانو ) و ( عمر المختار ) و ( جبهة التحرير الوطني الجزائرية ) ؟ …… أو إذا أردنا طرحها بطريقة أخرى : هل ستؤدي اصطفافات التيارات السياسية العربية ، و تموجاتها ، إلى هذا الجمع بين ( الوطني ) و ( الديمقراطي ) و ( التحديثي ) ، أم أنها ستؤدي إلى الفصل بينهما ، على ضوء الموقف من ( القطب الواحد ) ؟ ……إذا تركنا القضية السابقة و التي هي محصلة تراكمية للقضايا السابقة لها في هذا الفصل ، فإن فشل تحقيق ( الوحدة العربية ) بعد قرن كامل من بداية طرحها مع ( الشريف حسين ) في عام 1916 ، يثير قضايا عديدة ، لا يمكن حسمها إلا بعد نقاش واسع في الساحة العربية : هل فشل ( الوحدة العربية ) ناتج فقط عن القوى الدولية التي كانت ضد تحقيقها ( فرنسا - الاتحاد السوفيتي - الولايات المتحدة - بريطانيا ، ولو أن الأخيرة شجعت قيام الجامعـة العربيـة ثم حبذت مشروع الهلال الخصيب ) ؟ …أم : أن الخلل كامن في العوامل المحلية ، أيضاً و أساساً ، مثل التناقض في المصالح ، بين الدول الغنية البترولية و القليلة السكان و بين الدول ذات الكثافة السكانية و الفقيرة اقتصادياً إلا أنها أرقى تعليمياً و تحديثياً ( الشام و مصر تجاه دول الخليج ) ، أو لوجود حواجز جغرافية  -  ديمغرافية غريبة و معادية ، كما حصل بعد قيام إسرائيل بين الشام و مصر ؟ … ثمّ : هل طرح الوحدة العربية ، بمعنى الكيان السياسي الواحد الممتد من الخليج إلى المحيط و بغض النظر عن كون هذه الرقعة الجغرافية ذات وحدة ثقافية - شعورية قائمة على الهوية الإسلامية مع لسان عربي ، هو قائم على حقيقة تاريخية متسقة و منسجمة مع مجرى التاريخ ، أم أن وحدة الأقاليم ( الهلال الخصيب - الجزيرة العربية - وادي النيل - المغرب العربي ) هي الواقعية أكثر ، و ربما تشكل وحدتها مدخلاً إلى الوحدة العربية الشاملة ، أو إيجاد صيغة أخرى عنها مثل ( الجماعة الأوربية ) مع أن الأخيرة لا تحوي المشترك الذي هو موجود بين العرب ، إذا تركنا الاقتصاد ؟ … مما يقود إلى قضية أخرى : ما هي  ( العروبة ) ، بمعنى هل هي ( الوحدة العربية ) ، أم أنها أبعد من الأخيرة كشكل سياسي - كياني ، لتصل إلى كونها رابطاً ثقافياً - شعورياً - لغوياً مع هوية حضارية واحدة ؟ ……  لنصل إلى قضية ثانية : ما هي علاقة ( العروبة ) و ( الإسلام ) ، وهل الأولى وعاء مادي أعطاه الثاني الهوية الثقافية الحضارية ، بعد أن جمع العرب في كيان سياسي واحد عبر دين جديد ؟…   وهنا : ألم يكن أحد إشكاليات الحركة القومية العربية ، و خاصة من خلال ظروف نشوئها ضد " مركز الخلافة الإسلامية " ، و عبر بعض حامليها ، نشوء تناقض داخلها بين ( العروبة ) و ( الإسلام ) ، وعدم استطاعتها حل هذا التناقض على الصعيد النظري ، و خاصة بعد أن أخذ شكلاً سياسياً بعد اصطدام الإسلاميين و عبد الناصر في عام 1954 و ما انعكس من ذلك على الصعيد العربي ؟ … ثم : لماذا لم تستطع الحركة القومية العربية ، إذا تركنا فشلها في مواضيع ( الوحدة العربية ) و ( الغرب ) و ( إسرائيل ) ، إنشاء كيانات وطنية يتم فيها تغليب قيم ( الوطن ) و ( الأمة ) على ( الطائفة ) و ( الدين ) و ( العشيرة ) ؟ … لنصل أخيراً إلى موضوع الأقليات القومية في الوطن العربي : هل الحل في إعطائها ( حق تقرير المصير ) في الانفصال أو الفيدرالية أو الإندماج ، كما يلوح في جنوب السودان و العراق ؟ … أم : أنه يجب إيجاد أشكال غير الانفصال ، و فرض ذلك بأشكال قسرية ، رغم فشل الأخيرة كما جرى في تجربتي العراق و السودان ؟ … ثم : هل إعطاء حقوق ثقافية ، كما جرى و يجري في الجزائر مع البربر أو في حال يمكن أن يحصل في بلدان عربية أخرى مع الأكراد ( سوريا ، مثلاً ) ، يمكن أن يكون ذلك بدون مطالب موازية من الأكثرية العربية تطلب عدم اعتبار ذلك سلم تدريجي نحو مطالب أعلى ، أو تطلب ترافق ذلك مع اعتراف الأقلية القومية المعنية بعروبة الأرض الساكنة عليها و حق كل السكان بالتوطن و العيش فيها ، و اعترافها بأن البلد المعني هو وطن الأقلية القومية المعنية النهائي ؟ …يطرح الفشل العربي في موضوع ( فلسطين - إسرائيل ) قضايا مماثلة لموضوع ( الوحدة العربية ) : هل الطريق الذي اختطّ ، عربياً في المواجهة مع إسرائيل ، هو الصائب سياسياً و تاريخياً ، بخلاف طريق ( بورقيبه ) و ( السادات ) ؟.. ثم : هل يمكن للعرب أن يستمروا في المواجهة ، بظل الظروف الدولية الجديدة التي تريد ( التسوية ) ، من دون أن يدفعوا ثمناً باهظاً ؟.. أي : ألا يعني الأمر الأخير إضافة إلى حاجة ( القطب الواحد ) و أوروبا المجاورة إلى " تسوية " مرضية للعرب من أجل استقرار المنطقة لهم ، أن الأمر هو أفضل للعرب ، بدلاً من مجابهة مختلة التوازن مع إسرائيل عسكرياً ، و ما يمكن أن تؤدي إليه الحالة الأخيرة من سماح القوى الدولية بإطلاق يد إسرائيل لفرض حقائق ديموغرافية و جغرافية جديدة كما جرى في عام 1948 ؟… هنا : هل تعني ( التسوية ) نهاية الصراع ، أم أنها مدخل إلى شكل جديد له ؟… وصولاً إلى قضية : ألا تعني " تسوية " الصراع أوضاعاً أفضل على صعيد الحياة السياسية العربية على حساب الأنظمة التي تذرعت بفلسطين من أجل غاياتها الشتّة، أم أن " التسوية " ستؤدي إلى جعل مصير التسوية الموقَّعة مرتبطاً بمصائر الأنظمة الموقِّعة لها عند الولايات المتحدة و إسرائيل ؟..حتى الآن ، و بعد قرن من بدء مشروع ( الوحدة العربية ) و ما رافقه من فشل ، و بعد نصف قرن من الفشل الكبير في موضوع ( فلسطين - إسرائيل ) ، لم يضع المفكرون و الساسة العرب أنفسهم وجهاً لوجه أمام الأسئلة التي ولّدها هذان الموضوعان ، إضافة إلى القضايا التي يولدها موضوع ( الديموقراطية ) و إشكالياته ، مرفوقاً بفشل ( التحديث ) و ( التنمية ) ، مع القضايا اتي ولّدتها عودة الاستعمار إلى ديار العرب و ما أعادتهم معها إلى المربع الأول مع عدم إنجاز مهام ( التحرر الوطني ) : إن الإجابة على هذه الأسئلة ، و الطريقة التي يمكن من خلالها إدارة نقاش عربي حول هذه المواضيع ، من الممكن أن يحدّدا ملامح الفكر و السياسة العربيين في المرحلة القادمة .
***   ***   ***
 
 
 
القسم السوري
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
المسار المعقد للحياة السياسية السورية
تحددت الحياة السياسية في سوريا ، بين عامي 1946 - 1963 ، بعوامل رئيسية ثلاث :1. عدم حل المسألة الزراعية ، ووجود هوة بين الريف و المدينة ، و بين المدن الكبرى و الصغرى و البلدات .2. مشكلة فلسطين .3. العلاقة مع المحيط العربي و ما ولّد من تداخلات إقليمية و ( دولية ) في شؤون الداخل السوري .أتت الانقلابات العسكرية ( أربعة انقلابات بين آذار 49 - ت2 51 ) على خلفية حرب 1948 ، و من خلال طموح الأسرة الهاشمية في بغداد ، متشجعة بضوء أخضر بريطاني ، لتحقيق مشروع الهلال الخصيب ( انقلاب سامي الحناوي ، 14 آب 49 ) ، و ما ولّد من ردود داخلية سورية ، مدنية و عسكرية مدعومة من القاهرة و الرياض ، شجعت العقيد أديب الشيشكلي على تنفيذ انقلابه الأول ( 19 ك1 49 ) .كان الصراع بين الثالوث الإقليمي ( بغداد - القاهرة - الرياض ) ، قبل انتقال الأخيرة إلى العداء للقاهرة بعد عام 1957 ، محدِّداً كبيراً للتطورات السورية الداخلية ، و لاصطفافات الحياة السياسية ، و خاصة مع عكسه للصراعات الدولية ، بين الفرنسيين و البريطانيين ( حتى عام 1954 ) ، ثم من خلال سعي المعسكر الغربي إلى إلحاق سوريا بحلف بغداد ( شباط 55 ) الذي كان مصمماً من أجل إنشاء سد إقليمي بوجه السوفييت : كانت وحدة 1958 انتصاراً للقاهرة على بغداد عبر الداخل السوري ، و لاصطفافاتها السورية المحلية على الاصطفافات الموازية ( حزب الشعب - القوميين السوريين …… الخ ) .لم يكن النـزوع العربي في سوريا محدَّداً بذلك فقط ، بل امتزج أيضاً بوجود إحساس ، امتلك السوريين منذ الجلاء ، بالكيانية الناقصة لما استقل عن الفرنسيين في عام 1946 ، و هو الأمر الذي جعل ( العروبة ) في سوريا تختلف من حيث أسسها عن البلدان العربية الأخرى ( العراق ، اليمن …الخ ) ، و أدى بها إلى أن تكون أكثر قوة .كان الحامل الاجتماعي للاتجاه القومي العروبي مختلفاً عن تركيب الحزبين الكبيرين ( الحزب الوطني + حزب الشعب ) ، المستندين إلى البرجوازية في المدينتين الكبيرتين ، من حيث كون هذا الاتجاه ( البعث + الناصريين بعد 1958 ) كان يستند إلى الفئات الوسطى في المدن ( الناصريين ) و إلى الريف و البلدات الصغرى مثلما كان حزب البعث ( ريف الساحل + الغاب + ريف إدلب + حوران + جبل العرب + ريف حلب ) ، مما جعل استلام عبد الناصر يترافق مع أفول رموز و أحزاب ، احتلت منصة المسرح السياسي السوري منذ فترة الانتداب و ما أعقبه لصالح قوى جديدة كان استنادها الطبقي مختلفاً ، و كذلك المناطقي ، فيما أدى الإصلاح الزراعي ( أيلول 58 ) و تأميمات المصارف و المصانع ( تموز 1961 ) إلى انقلاب اقتصادي - اجتماعي بالقياس إلى ما سبق .لم يكن الانفصال أكثر من حشرجة القوة الأخيرة لتلك الفئات القديمة ، مستفيدة من أخطاء حكم الوحدة و من الدعم الإقليمي الكثيف ( عبد الكريم قاسم - الملك سعود - الملك حسين ) المغطى بدعم لندن و باريس ، مع تحبيذ سوفيتي ، و تردد أمريكي ، ليأتي انقلاب ( 8 آذار 1963 ) على خلفية دعم الفئات الوسطى المدينية ( التي أرادت عودة الوحدة مع عبد الناصر ) و مساندة الريف الذي أراد تعميق الإصلاح الزراعي ( كما حصل في عامي 1963 و  1966 ) ، إلى أن أتت تطورات عزل الناصريين ( 18 تموز 1963 ) لتعطي البعثيين الانفراد في السلطة ، مما جعل هناك أرضية اجتماعية جديدة للممسكين بالسلطة تتميز بالأصول الفلاحية ، أو من بلدات صغيرة ( السلمية + السويداء + بلدات حوران دون درعا التي تميزت بناصريتها خلافاً لريفها + بلدات إدلب ) ، الشيء الذي أعطى أرضية اجتماعية جديدة للحاكمين ، مع انزياحات مناطقية بعيداً عن المدن الكبرى ، بالترافق مع انتماءات فئوية اختلطت مع العاملين الاجتماعي - المناطقي .كان الانقلاب العسكري وسيلة لتحقيق ذلك ، إلا أن الدبابة لا يمكن أن تحجب حجم الانقلاب الاجتماعي - الاقتصادي الذي تولّد عن الامساك بالسلطة من قبل المنفردين بها بعد صيف 1963 : كان تعميق و تجذير الاصلاح الزراعي ، مع تأميمات 1965 ، مدخلاً إلى تأسيس قاعدة اقتصادية - اجتماعية للحكم الجديد ، بالترافق مع تحول السلطة الجديدة إلى رب العمل الأساسي في المجتمع السوري ، عبر تحكمها المباشر و الكثيف بالعملية الاقتصادية ، و خاصة مع سيطرتها على التجارتين الداخلية و الخارجية و من خلال استنادها إلى النفط المكتشف حديثاً و عائدات أنابيب البترول الآتية من العراق و السعودية ، مما جعل هناك إمكانية للإستقلالية الاقتصادية الكبرى للدولة عن المجتمع و لتحكمها بالأخير عبر ذلك من دون أن تتأثر بتوازنات اقتصادية تكون خارجها ، أو غير مسيطر عليها ، في المجتمع المحكوم من قبلها ، مما جعل ديكتاتورية ما بعد 1963 تختلف عن ديكتاتورية الشيشكلي مثلاً التي اقتصرت على السيطرة ضمن مجالي السياسة و الأمن ، من دون الاقتصاد ، مما جعلها غير قادرة ، مثلما حصل بعد عام 1963 ، على أن تتحول إلى ديكتاتورية شمولية أبعد من حيزي الأمن و السياسة لتمتد إلى مفاصل المجتمع ، و إلى الثقافة ، وصولاً إلى التحكم و الضبط لحياة الأفراد و تحديد نشاطاتهم و تخومها و حدودها ، هذا إذا لم يمتد ذلك إلى دفعهم إلى مسارات و أنشطة محددة ( الطلائع + شبيبة الثورة + التدريب الجامعي + اتحاد الطلبة + الاتحاد النسائي ) من أجل سجنهم في أطرها ، ليس فقط وقاية من تحولهم إلى نشاطات مستقلة عنها أو مضادة ، و إنما أيضاً من أجل منعهم من السياسة و النشاط المستقل .لم يكتمل و يتبلور هذا التحول إلا بعد انقلاب خريف 1970 ، حيث لم تتح صراعات البعث الداخلية ، و هزيمة حزيران ، الفرصة للنظامين السابقين لبلورة ذلك ، وإن كانا قد وضعا اللبنات الأولى و الأساسية لهذا التحول ، فيما أدى انفراد الفريق حافظ الاسد بالحكم ، مع إنشائه مشروعية داخلية عبر انفتاحه على فئات اجتماعية كانت متذمرة من الأوضاع السابقة ، و مشروعية عربية عبر المصالحة مع القاهرة و الرياض وصولاً إلىحرب 1973 ، و مشروعية دولية تجاه موسكو وواشنطن عبر قبوله بالقرار ( 242 ) - إلى نشوء إمكانية لذلك ، و خاصة على خلفية ازدياد استقلالية السلطة الاقتصادية من خلال المساعدات العربية ، و استفادة أفرادها ، ومن استظل بفيئها من فئات في العملية الاقتصادية بما فيهم بقايا البرجوازية القديمة ، من الانتعاش الاقتصادي الذي أعقب الفورة النفطية في عام 1974 ، من أجل تشكيل ( برجوازية جديدة ) كان تراكمها الرأسمالي و نموها الاقتصادي ، مرتبطين بوجودها في قمة السلطة السياسية و مستنداً إلى الأخيرة و تحكمها بموارد و مخارج العملية الاقتصادية في المجتمع ، مما دشن مساراً أدى إلى تبلور بطيء للوحة طبقية جديدة في سوريا بدأت ملامحها بالظهور و التنضد في ثمانينيات و تسعينيات القرن العشرين .من هنا ، لم تكن أحداث 1979 - 1982 مستندة إلى أزمة اقتصادية في تحركها ، بل كانت نوعاً من احتجاج سياسي معارض استند إلى الفئات الوسطى في المدن ( مع بلدات إدلب ) التي أقصيت عن المشاركة السياسية ، وتمَّ تهميشها اقتصادياً ،  فيما أصبحت تشعر بأن الممسكين بزمام السلطة السياسية يستغلون الأخيرة كمنصة من أجل تشكيل لوحة اقتصادية جديدة للمجتمع ستكون على حسابها ، مع استبعاد فئوي لها من الوظائف و المناصب و التعيينات و البعثات : هذا من جهة ، فيما نجد من جهة أخرى أن الفلاحون ، بشرائحهم المختلفة ، كانوا مع بقاء الوضع القائم ، وكذلك عمال المصانع ، فيما كانت برجوازية دمشق تميل إلى وضع بيضها في سلة السلطة ، كما ظهر من خلال شهر آذار عام 1980 ، و كذلك تجار حلب و صناعييها و لو بعد تردد .كانت المعارضة الإسلامية تستند إلى تلك الأرضية الاجتماعية ، فيما كانت المعارضة الديموقراطية من أرضية مشابهة في المدن الثلاث الكبرى ، و لو مع امتدادات لها إلى ريف الساحل أو إلى القاطنين حديثاً في مدنه ( أو في حمص ) ، مع تميز في تحصيلهم العلمي ، أو في أصولهم الاجتماعية التي كانت من أسر وجيهة في الريف ( مشايخ ، أو ملاكين أغنياء ، أو متوسطين ، و كان القليل منهم مستفيداً من الإصلاح الزراعي ) .لذلك كانت المفارقة ، أن هزيمة المعارضة السورية في الأحداث ( الشيء الذي لم يكن فقط ناتجاً عن العنف الأمني للسلطة و إنما عن التوازن الاقتصادي - الاجتماعي الذي كان لصالح السلطة مع غطاء إقليمي - دولي كبير لها ) قد كان يفصلها أربع سنوات عن بدء الأزمة الاقتصادية في سوريا ، عام 1986 ، عندما انهار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار (في سوق بيروت ) من ( 18 ليرة : ك 1 85 ) إلى ( 48 - 50 ل.س : ك 2 88 ) ، و كان تغير أسعار الاستهلاك ( 36 % : 1986 ، و 60 % 1987 ) ، بينما وصل معدل التضخم إلى ( 100 % ) بالعامين المذكورين على التوالي ، فيما أصبحت القدرة الشرائية لأجور القطاع العام ، في عام 1987 ، أدنى مما كانت عليه في عام 1970 ، بينما كان النمو السنوي في الناتج المحلي الاجمالي ( وسطياً ) بعقد الثمانينيات لا يتجاوز 2.6 % و هو أدنى من معدل النمو السكاني  { بخلاف نمو عقد السبعينيات السنوي = 9.9 % } ، و هو ما أدى إلى تراجع الدخل الفردي في عام 1990 بنسبة الخمس عما كان عليه عام 1980 .كانت المساعدات المالية الخليجية التي تدفقت عقب وقوف النظام السوري مع ( التحالف ) في حرب 1991 ، مع استثمارات المرسوم ( 10 )  التي بلغت ( 93.4 مليار ليرة ) حتى نهاية 1992 ، إضافة إلى عائدات النفط التي بلغت في عام 1992 مبلغ ( 2 مليار دولار )  ، عاملاً رئيسياً في انتعاش اقتصادي نسبي بالقياس إلى النصف الثاني من عقد الثمانينيات ، إلا أن ذلك لم يؤدي إلى أكثر من تعويم للإقتصاد السوري ، قبل أن يدخل ثانية في الركود و الأزمة منذ عام 1996 ، ولو أن ذلك قد حصل من دون ظواهر تضخمية أو تغيرات دراماتيكية في الأسعار ( كما حصل في عامي 1986 - 1987 ) ، أو مع تغيرات في سعر صرف الليرة أمام الدولار ، حيث اتبعت الدولة سياسة انكماشية لا تميل إلى الاستثمار الحكومي ، مع زيادة في الضرائب و التحصيلات المالية ، مع فائدة مرتفعة في المصارف تفوق نسبة التضخم و معدل الربح الاقتصادي ، مما ولّد نزعة ادخارية أدت إلى صب المواطنين لأموالهم كودائع في المصارف ، منذ عام 1995 ، لتبلغ الودائع المصرفية ، في عام 2000 ، مبلغ ( 356 مليار ليرة ) ، و هو ما يعادل ( 40 % ) من الكتلة النقدية ، مما جعل ظواهر عديدة تترافق مع بعضها ، مثل الركود الاقتصادي ، و انعدام الاستثمار ( الحكومي ، وبعده الخاص ، و أيضاً الأجنبي ) ، مع ثبات سعر الليرة ، بطالة عالية ( 9.5 % : عام 2000 ، أرقام رسمية ، أو 20 % وفق تقديرات أخرى قدمها الدكتور عارف دليلة في جريدة " الحياة " ، 18 / 6 / 2001 ) ، بالترافق مع ثبات الأجور و تآكلها التدريجي في ظل وضع ( حسب دراسة الدكتور دليلة المذكورة ) أصبحت فيه كلفة الحد الأدنى للإنفاق ، لأسرة مؤلفة من ستة أشخاص ، تصل إلى ( 9000 ليرة ) للطعام و الحاجات الضرورية الأخرى في ظل حد أدنى للأجور هو عند عتبة ( 3000 ليرة ) ، فيما موظفي و مستخدمي الحد الأدنى للأجور ( 3000 - 5000 ) و الحد المتوسط ( 5000 - 8000 ) يشكلون 80 % من المأجورين في القطاعين العام و الخاص .كانت الأزمة الاقتصادية في ( 1986 - 1991 ) ، وفي فترة ( ما بعد 1996 ) ، وبالاً على الفئات الوسطى المدينيية ( بخلاف الريفية منها ) و كذلك على عمال و مستخدمي القطاع العام من أصحاب الرواتب و الأجور ، فيما كانت تلك الأزمتين طريقين للبرجوازية الجديدة ، التي تربت في حضن السلطة سواء كانت منها أو من حواشيها أو من الملتحقين بها من البرجوازية القديمة أو من المنتفعين منها ، من أجل ترسيخ قوتها الاقتصادية في المجتمع السوري ، لتصبح بعد أن كانت تملك 28 % من الدخل الوطني في عام 1986 ، مالكة لـ ( 52 % ) منه في عام 2000 ، و هي التي لا تتجاوز ( 5 % ) من السكان .كانت الفئات الوسطى ( 31.7 % من التركيب المجتمعي السوري في عام 1991 مع حساب الريفية منها أي الفلاحون المتوسطون )  من أكثر المتضررين من الأزمتين الاقتصاديتين في عقدي الثمانينيات و التسعينيات ، لينضاف ذلك إلى الهزيمة التي ألحقها النظام بالمعارضة السورية ، التي كانت الفئات الوسطى المدينيية هي عماد معارضتها في عقد السبعينيات ، و قد كان هذا الاختلال الاقتصادي - السياسي هو السبب البنيوي الاقتصادي - الاجتماعي لعدم قدرة المجتمع السوري ، بعد ، على استعادة المبادرة السياسية من السلطة التي احتكرت السياسة و منعت كل الفئات و الشرائح و الطبقات الاجتماعية منها ، سواء كانت راضية أو ناقمة أو معارضة ، و خاصة بعد إحساس السلطة ( القديمة و الجديدة منها ) بأن فعل المعارضة السياسية ، في حال انطلاقه إلى أبعد من حدوده الضيقة الحالية ذات الطابع النخبوي ، يمكن أن يكتسب أبعاداً أوسع من قاعدته الاجتماعية التي كانت في أواخر السبعينيات ، بفعل اللوحة الاقتصادية - الاجتماعية الجديدة ، الشيء الذي يجعلها تتردد كثيراً في إطلاق و تحرير منافذ العمل السياسي أمام المجتمع ، و خاصة مع احتمال ( بفعل عوامل عديدة منها الضغط الدولي ) ميل قسم كبير من شرائح البرجوازية الجديدة إلى حل ليبرالي اقتصادي - سياسي " ما " بعد رفع السلطة قبضتها عن العمل السياسي ، مما يمكن أن يؤدي إلى تفتيت و انقسام القاعدة الطبقية للسلطة القائمة ، و هو ما كان يشكل السيناريو الكلاسيكي للتحول نحو الديموقراطية في بلدان ديكتاتورية ( فيلبين 1986 - كوريا الجنوبية 1987 - تشيلي 1990 ) على قاعدة اجتماعية ضمت الفئات الوسطى المدينية ، و المستخدمين و المأجورين المتحالفين مع فئات رجال الأعمال و التجار ( و الكنيسة في الفيليبين و تشيلي ) .هل تستطيع المعارضة السورية ، بشقيها الديموقراطي و الإسلامي و خاصة بعد تبني الإسلاميين الصريح للبرنامج الديموقراطي منذ عام 2001 ، أن تنقل العمل السياسي الديموقراطي من رد فعل سياسي معارض لاستبداد السلطة الشمولية ، إلى مستوى فعل ديموقراطي يلاقي مصالح الطبقات و الفئات و الشرائح الاجتماعية التي لها مصلحة في التحول الديموقراطي ، من خلال برنامج ديموقراطي لا يقتصر على مطالب سياسية محددة ، و إنما يمتد إلى تقديم رؤية اقتصادية ، و دستورية ، للمرحلة الديموقراطية القادمة ؟ ……
 
***   ***   ***
 
 
 
 
 
 
 
 
 
المرحلة السورية الجديدة(2000   -    2003 )ترك الرئيس السابق ، عند وفاته في يوم 10 حزيران 2000 ، سوريا مثقلة بالأزمات, بالترافق مع فقدان سوريا التدريجي لوزنها الإقليمي الذي اكتسبته ، برضا دولي و إقليمي ، منذ عام 1976 مع تدخلها في لبنان ، و هو ما ظهر من خلال فقدانها التأثير في مجريات القضية الفلسطينية بعد عام 1993 ، ثم لتأتي أزمة خريف 1998 مع تركيا مبيِّنةً فقدانها للورقة التي أملت من خلالها أن تلعب مع تركيا الدور الذي كانه شاه إيران مع صدام حسين في عام 1975 لما تمت مقايضة الموضوع الكردي العراقي بمياه شط العرب ، وصولاً إلى اهتزاز الورقة اللبنانية بين يديها نتيجة تنامي قوى المجتمع اللبناني الرافضة للوجود و التحكم السوريين بلبنان ، مما أنذر ببداية تقلص الدور الإقليمي لسوريا و هو أمر بدأت تظهر معالمه و مساراته في مرحلة ما بعد سقوط بغداد ، و لو في الخطوط الأولى و الجنينية ، عند الإدارة الأمريكية التي أعطت الضوء الأخضر لانطلاق و تنامي هذا الدور منذ صيف عام 1976 .أتت عملية الخلافة في ظل رضا دولي ، أمريكي - أوروبي ، فيما قرَّرتها ، على المستوى السوري ، قوى السلطة عبر توازناتها التي أعدّ بنائها الرئيس الراحل طوال عقد كامل ، و هو أمر جعل العلاقة بين القديم و الجديد يختلف عن ما جرى في مصر السادات بعد أيار 1971 تجاه نظام عبد الناصر أو عن جزائر الشاذلي بن جديد حيال نظام هواري بومدين . من هنا  كانت بنية النظام الجديد هي ذاتها التي كانت للقديم ، و لو مع مناخات جديدة ( تخفيف القمع ، و السكوت عن اللغة الإيديولوجية القديمة للنظام السابق من دون تغييرها ) أتت من ضرورات تقديم النظام الجديد لنفسه في حلة أخرى تطلبتها عملية إعادة إنتاجه لنفسه ، ومن إحساسه بعمق التذمر الاجتماعي من أزمات النظام السابق ( و لو أن هذا التذمر لم ينطلق من مرحلته الصامتة إلى الناطقة ، بعد ) ، إضافة إلى كون الأجواء الدولية لم يعد مقبولاً لديها ممارسات كالتي ارتكبت في الماضي .في السنوات الثلاث السابقة من عمر النظام الجديد ، لم يظهر انقسام في بنية السلطة السورية ، كالذي ظهر في مصر بعد أشهر من وفاة عبد الناصر أو في جزائر ما بعد بومدين ، مقسماً إياها إلى تيارين متصادمين ، كما أن عمق الأزمات الداخلية ، مرفوقة مع تضعضع الدور الإقليمي و مع تحول النظام السوري إلى طبعة قديمة من مخلفات الحرب الباردة بأجهزته و بناه و أيديولوجيته ، لم تؤد به إلى ذلك كما حصل في إيران بين الإصلاحيين و المحافظين بعد عام 1997 ، حيث أعطى الرضا الدولي ، إضافة إلى عدم وجود أخطار على النظام من المجتمع أو المعارضة ، خلفية ملائمة لعدم حدوث ذلك الانقسام .على هذه الخلفية لم يحصل ( إصلاح ) ، أو ( تطوير و تحديث ) ، في سوريا العهد الجديد ، حيث لم تكن البنية القائمة عائقاً أمام ذلك ، فقط ، و إنما الأهم من ذلك أنها لم تجد مصالحها في هذين الحيزين ، رغم أن الثاني هو أدنى بكثير من متطلبات ( الإصلاح ) ، بل إن المراقب يجد بأن الإدارة قد ازدادت فساداً عن ما قبل عام 2000 ، و كذلك ( القضاء ) ، و ازداد خراب ( التعليم ) ، فيما لم تحصل إجراءات جزئية أو شاملة ، للانطلاق في معالجة الأزمة الاقتصادية ، بينما نجد في الموضوع السياسي انعدام البوادر نحو تغيير جزئي أو كلي باتجاه السماح للمجتمع بأن يطلق تعبيراته السياسية و الفكرية الحرة ، و لا باتجاه نزع واحدية حزب البعث ، أو التخلي عن الشكل المتخشب لأجهزة السلطة الملحقة ( جبهة - منظمات ) ، هذا إذا لم نتحدث عن أمور أولية لذلك ، مثل تبيض السجون ، و كشف مصير المفقودين ، و رفع التجريد المدني عن السجناء السياسيين السابقين و التعويض لهم ، و السماح للمنفيين السياسيين بالعودة ، و رفع حالة الطوارئ و الأحكام العرفية و إلغاء المحاكم الاستثنائية .على صعيد السياسة الخارجية ، و خاصة أمام متطلبات ( القطب الواحد ) ، كانت استجابة السلطة السورية الجديدة أكبر و أكثر ، و هو شيء ظهر بوضوح في موضوع الإسلاميين بعد ( 11 أيلول ) ، و في استجابتها ، الجزئية أو الكلية ، للطلبات و المتطلبات الأمريكية بعد سقوط بغداد في يوم 9 نيسان 2003 ، و هو أمر ، حتى و لو تم بتعرج و تلكؤ و ممانعات ، يدل على ميل السلطة الجديدة إلى تقديم الفاتورة في السياسة الخارجية ( و ربما في الاقتصاد أيضاً ) ، لأخذ غطاء دولي جديد لها ، بعد المتغيرات الإقليمية العاصفة التي أدت إلى جعل الولايات المتحدة " جاراً إقليمياً " عند الحدود الشرقية لسوريا ، من دون تغيير في بنية النظام السوري الداخلية و في علاقته بالمجتمع ، مثلما حصل في الصين بعد عام 1990 و توافق بكين مع ( القطب الواحد ) في موضوع الكويت ، و كما حصل مع الأنظمة العربية ( مصر - السعودية ) التي توافقت مع واشنطن في موضوعي ( العراق ) و ( التسوية ) في الفترة الفاصلة بين عامي 1991 - 2001 ، حتى ( 11 أيلول ) الذي أظهر اهتزازات في العلاقات الأمريكية - السعودية ، أو تجاه النظام المصري بعد ظهور أطروحات أمريكية جديدة ( لم تنتصر في إدارة بوش الابن بعد ) لربط موضوع " الإرهاب " مع ديكتاتورية الأنظمة  العربية .في هذا الإطار ، يبدو أن عدم وجود مجتمع متحرك و فاعل سياسياً يكون ضاغطاً و معارضاً للسلطة إضافة إلى الجو الدولي الراضي عن النظام الجديد ، قد جعل الأخير مرتاحاً و غير مضغوطاً من أجل ( الإصلاح ) ، ولا حتى ( التطوير و التحديث ) ، رغم تقديمه لخطاب يوحي بذلك ، كما أن العاملان المذكوران هما السبب في عدم وجود حالة فرز داخل النظام يمكن أن تؤدي إلى نشوء تيارين ، كما حصل في إيران 1997 و ما بعدها ، نتيجةً للعاملين المذكورين .إذا درسنا تجارب بلدان أخرى يمكن أن نحدد سبباً آخر لعدم استجابة النظام السوري للمتغيرات من أجل فتح صفحة ( الإصلاح ) : لم تستطيع تجارب انتقالية أن تحدد حدود الإصلاح إلا من خلال ملاقاتها لقوى اجتماعية لم تكن من القوى التقليدية المساندة للنظام ، و أن تستفيد من تلك القوى في تشكيل قاعدة جديدة لها بعد تصفية القوى المناوئة لها الموروثة من السلطة السابقة ، و هذا ما أتاح لها أن تجعل ( الإصلاح ) مضبوطاً و مسيطراً عليه و ضمن سقوف محددة ( تجربة السادات بين عامي 1971 - 1974 ) .فيما في تجارب أخرى ( الجزائر بين عامي 1988 - 1992 ) كانت ملاقاة جناح من السلطة للمتغيرات المفروضة من تحت مؤدياً إلى أوضاع غير مسيطر عليها ، و إلى سقوف كانت تتجه نحو تجاوز النظام ، حتى حسم الانقلاب العسكري ذلك و أوقفه ، بينما احتاجت القوى الحاكمة في الصين ( حزيران 1989 ) إلى استخدام العنف ضد الطلاب ، مطمئنة إلى نجاحاتها الاقتصادية التي أمنت لها قاعدة اجتماعية قوية ، مثلما استند الجيش الجزائري إلى قاعدة اجتماعية مرموقة القوة معادية للإسلاميين ( العلمانيون + البربر + النساء ) كظهير للانقلاب العسكري .لا تملك السلطة السورية ، الحالية و السابقة ، قاعدة اجتماعية يمكن مقارنتها ، من حيث قوة التمثيل الاجتماعي ، بالحالات الثلاث السابقة ، بل هي ذات حدود ضيقة التمثيل قامت بتغطيتها عبر طلاء ( العنف ) و ( الرضا الدولي ) ، و يبدو أنها تعي ذلك مما جعل بعض المسؤولين يتحدثون عن مخاطر تكرار تجربة غورباتشوف أو " الجزأرة " ، مما يوحي بإدراك لمخاطر الانطلاق في مجرى " عملية إصلاحية " لا تستطيع قاعدة السلطة الاجتماعية تحديد مداها أو سقوفها أو التحكم بمجرياتها و خاصة من خلال الوعي بأن عملية من هذا النوع ستؤدي إلى نشوء توازنات اجتماعية جديدة ، إما بحكم نزول قوى جديدة إلى ساحة الفعل السياسي أو بحكم تفتت و انقسام أو تداعي القوى الحاكمة عبر مجرى هذه العملية انطلاقاً من تلاقيها مع قوى أخرى أو رؤيتها بأن المصلحة تكمن في مغادرة المركب القديم .يمكن ، أيضاً ، لمقارنة تجربة ( 16 ت 2 1970 ) مع تجربة ( ما بعد 10 حزيران 2000 ) أن تساعد على توضيح ذلك أكثر :ما جرى من متغيرات و تحولات ، تجاه ما جرى بين عامي 1963 - 1970 و خاصة تجاه تجربة ( ما بعد 23 شباط 1966 ) ، من قبل نظام ( 16 ت2 ) ، كانت ( إذا لم نذكر السياستين الدولية و العربية ) أكبر و أوسع مدى من ما جرى في النظام الجديد الحالي خلال السنوات الثلاث السابقة ، حيث خفف النظام السابق من القبضة الأمنية على المجتمع خلال النصف الأول من السبعينيات ، و انفتح على قوى اجتماعية جديدة ( التجار و الفئات الوسطى ) ، و اعترف بالقوى السياسية القائمة و لو من أجل احتوائها عبر " الجبهة " ، ووضع حداً لتصادم النظام السابق ، عبر يسارية فجة و متطرفة ، مع التقاليد و الأفكار الدينية .من الممكن أن يؤدي هذا الوضع إلى انسداد أفق ( الإصلاح ) في سوريا ، عبر تقديم فواتير " ملائمة " للقطب الواحد في مجال السياسة الخارجية ، للالتفاف أساساً على مطلب الإصلاح السياسي عبر الانفراد بالداخل من خلال رضا و غطاء دوليين ، و أيضاً إذا لم يكن ممكناً تفادي الإصلاح الاقتصادي ، الذي يمكن أن تضغط باتجاهه عوامل مثل ( الشراكة الأوروبية ) ، فإن ذلك يمكن أن يساعد السلطة على جعل الإصلاح الاقتصادي مضبوطاً و محدداً و معزولاً عن الإصلاح السياسي .من المحتمل أن يحصل ذلك ، و خاصة إذا استمرت التوازنات الداخلية لغير صالح المجتمع ، و إذا لم يستطع الأخير أن يعطي حركة تفرض على السلطة جدولاً ، تدريجياً أو غيره ، من أجل الإصلاح السياسي بالتزامن و الترافق مع الإصلاح الاقتصادي و الإداري و القانوني .كيفما كانت الاحتمالات ، فمن المؤكد أن الأوضاع السورية قد وصلت إلى حال لا يمكن أن تستطيع الاستمرار عليه للفترة القادمة ، من الفساد الإداري البالغ الاستشراء ضد مصالح فئات واسعة من المجتمع و لو أنه يتيح ارتباط مصالح فئات أخرى مستفيدة منه مع الوضع القائم ، إلى الاقتصاد المتداعي الذي ، إضافة إلى جعل سوريا خارج عصر التقنية الحديثة ، أصبح أفقه مسدوداً ببناه و أشكاله و طرقه الإنتاجية ، إلى مجتمع تشعر غالبية طبقاته و شرائحه و فئاته بعدم تمثيل السلطة لها و لمصالحها مع وضع معاشي أصبحت فيه سوريا تعود تدريجياً إلى العزلة و الضعف الإقليمي بالترافق مع استشراس العدو الإسرائيلي المحتل لفلسطين و الجولان و هو المدعوم من ( القطب الواحد ) الذي وضع يده المباشرة على المنطقة العربية عبر البوابة العراقية .***   ***   ***
 
 
من أجل مرحلة انتقالية سورية نحو نظام ديموقراطي
في مرحلة 1979 - 1982 كان هناك " عامل ذاتي " قائم من أجل التغيير ، و لو أنه غير مكتمل أدواتياً و برامجياً عند المعارضتين الديموقراطية و الإسلامية ، من دون عامل موضوعي لذلك ، فيما كان هناك في مرحلة 2000 - 2003 افتقاد للعامل الذاتي مع وجود عامل موضوعي ، و لو أن الأخير كان صامتاً ، مع الإشارة إلى عدم وجود العامل الدولي ، أو الإقليمي كعاملين مساعدين على ( التغيير ) أو ( الإصلاح ) ، في المرحلتين المذكورتين .ربما ، تفسر هذه اللوحة هزيمة المعارضة السورية في مجابهة أوائل الثمانينيات ، إلا أنها ، بتحديدها لملامح لوحة ( ما بعد 10 حزيران 2000 ) ، يمكن أن تحدد انعدام التوازن القائم بين مجتمع صامت عن السياسة ( و لو كان ناقماً و غير راض ) و بين سلطة موحدة مدعومة من الخارج الدولي و الإقليمي ، إلا أن ذلك لا يكفي لتفسير بؤس الأداء المعارض في المرحلة السورية الجديدة .في عام 1980 ، و من خلال ميثاق " التجمع " و بيانه ، كانت المعارضة الديموقراطية تملك ( الرؤية ) للمرحلة ، و ( البرنامج ) ، و ( المطالب ) ، و قد استند تحركها إلى ذلك ، و في الشهر الأخير من عام 1989 عندما انتقل " التجمع " من ( التغيير ) إلى ( الإصلاح ) كان ذلك مستنداً إلى رؤية للتوازنات بعد هزيمة المعارضة السورية ، بشقيها الإسلامي و الديمقراطي ، في أحداث 1979 - 1982 ، و إذا كان " التجمع " لم يستطع أن يقدم برنامجاً على أساس ذلك فإنه قدم سياسة استندت إلى تكتيك تفادي الضربات عبر ( السياسة ) ، و كانت مطالبه السياسية ، و خطابه ، مستنداً إلى هذه المعادلة .في مرحلة ( ما بعد 10 حزيران 2000 ) لم تستطع المعارضة الديمقراطية السورية امتلاك ثالوث ( الرؤية ) و ( البرنامج ) و ( المطالب ) ، و حتى لم تستطع أن تصل إلى مستوى أداء ما بعد عام 1989 ، الذي أضعف مكانة المعارضة و جعلها أضعف ، معنوياً و سياسياً إذا لم نقل تنظيمياً حتى من مرحلة ما بعد 1982 التي كانت فيها المعارضة مثخنة الجراح و مهزومة و مضروبة أمنياً ، إلا أنها حافظت على وجودها مع هالة ووزن معنويان و سياسيان عَوّضا كثيراً عن الهزيمة الأمنية - التنظيمية ، فيما لم تدخل فيها المعارضة في تنازلات و تخبطات سياسية ، انبنت على قاعدة رسم السياسة المعارضة انطلاقاً من قراءة ( الخطوط الخضر و الصفر و الحمر ) عند النظام مثلما حصل في مرحلة التسعينيات .لم يكن هناك رؤية مقدمة لطبيعة النظام الجديد ، و آلية علاقته بالنظام السابق له ، و لم تدرس طبيعة القوى - التي هي موجودة ضمن النظام القديم - التي أتت بالجديد ، و لم يكن كافياً ، و لا بديلاً ، الاكتفاء بالحديث عن عملية الوراثة ، فيما لم تقدم دراسة تعطي رؤية للقوى التي يستند إليها النظام الجديد من ناحية كونها تمثل انزياحاً أو طرحاً لبعض القوى الموجودة في القديم بعد استبعادها ، أم أن الأمر هو في إطار الاستمرارية للقوى القديمة التي كانت موجودة في السابق ، من دون أية انزياحات أو استبعادات لبعضها .من هنا لم يكن ما قدم من طروحات تمثل دراسة لواقع النظام الجديد و طبيعة قواه المستند عليها ، وإنما مجرد " تحليلات رغبوية " رأت أن من المصلحة تصويره في إطار تياري ( الحرس القديم ) و ( الحرس الجديد ) ، أو أن ذلك من الممكن أن يشكل سقفاً تشتغل تحته المعارضة من دون إغضاب النظام مع مراهنة على أن ذلك هو الممكن ، أو أن الأمور يمكن أن تدفع باتجاه مراهنات و استقطابات تشجع ما كان يظن أنه موجود هناك ، أو يمكن أن يوجد .في إطار مجتمع مهزوم و صامت عن السياسة و يداوي جراحه التي ألحقها النظام به ، و في ظل رضا دولي عن هذا النظام ، يشكل انفراز النظام القائم إلى تيارين متباعدين ، إصلاحي و محافظ ، مدخلاً إلى ( الإصلاح ) أو ( التغيير ) ، أما بناء السياسة المعارضة على الرغبة في ذلك ، أو على تشجيع لفظي لذلك أو على مراهنة لا تؤيدها الوقائع في ذلك ، فإن هذين العاملين لا يمكن أن يشكلا سياسة ، و إنما شيئاً آخر .أتت التخبطات عند المثقفين و أحزاب " التجمع " و التراجعات السريعة عن الطروحات التي قدمت في السبعة أشهر الأولى للعهد الجديد ( بيان الألف مثلاً ) ، على خلفية المفاجأة من سقوط مراهنات الأشهر تلك ، و لم يكن ذلك تراجعاً تكتيكياً انبنى على رؤية لتوازنات جديدة ، و إنما على فقدان للرؤية تجاه المرحلة الجديدة و طبيعتها و توازناتها و قواها ، مما جعلها قفزاً تراجعياً من موقع إلى آخر من دون رؤية ناظمة في الموقعين ، الشيء الذي ينطبق أيضاً على سياسة " التجمع " في الفترة اللاحقة لاعتقالات شهر أيلول من عام 2001 .من هنا ، فإن ما قدم من طروحات لا يمكن تسميته برنامجاً ، ما دام يفتقد الرؤية لطبيعة المرحلة التي يريد ذلك البرنامج تغييرها أو إصلاحها عبر معارضتها ، و إنما مطالب سياسية تفتقد إلى ( الرؤية ) و ( البرنامج ) : لذلك كانت تراجعات و تقدمات المعارضة السورية ، في السنوات الثلاث السابقة ، لا تستند إلىذلك و إلى رؤية للتوازنات الممكنة عبر ذلك ، و إنما إلى تحين الفرص من أجل تلك الطروحات المطلبية السياسية لتقديمها عبر ظرف " يعتبر " ملائماً لذلك ، مثلما جرى في الأشهر السبعة السابقة لشباط 2001 ، أو لما حصل في الفترة اللاحقة لسقوط بغداد .كان ذلك تراجعاً في الأداء المعارض بالقياس إلى مراحل ( 1989 - 2000 ) و ( 1982 - 1989 ) و ( 1979 - 1982 ) ، وكذلك في المردودية ، فيما أظهرت المرحلة السورية الجديدة ، من جهة أخرى ، بوادر انقسامات في الرؤى و السياسات بين المعارضين لم تكن موجودة من قبل ، إضافة إلى ما ظهر من ضعف تنظيمي و سياسي ، و من عدم قدرة المعارضين على التواصل أو تحريك الفئات الاجتماعية ذات المصلحة ، مما بيّن حدود المعارضة و عدم تمثيلها لقوى و فئات من المجتمع ، رغم كون الأخير متباعداً عن النظام و ناقماً و غير راضٍ عن الأوضاع القائمة .لا يمكن بناء السياسة على تحين الفرص ، ولا على سياسات غير مبنية على الوقائع القائمة ، و هما أمران قد بينت الوقائع السورية عملية وصولهما إلى الطريق المسدود و الفشل ، في السنوات الثلاث من عمر       . العهد الجديد ..          إذا كانت تجربة مفتوحة نسبياً , أمام الضوء مع حرية نسبية للحركة كالذي جرى في فترة ( ما بعد 10 حزيران 2000 ) , قد كشفت إخفاق المعارضة السورية , بتنظيماتها الحزبية و هيئاتها بما فيها تلك التي انضوى تحتها المثقفون , في إبقاء الرأس فوق الماء على صعيد الرؤى و البرامج و الممارسة , فكيف يمكن للأمور أن تكون عليه في حال عودة السياسة إلى المجتمع , من حيث قدرة أطياف المعارضة على أن تكون ذات طابع تمثيلي للمجتمع السوري , بدلاً من أن يبحث هذا الأخير عن حالات سياسية خارجة عن ما هو قائم , في السلطة و المعارضة و " الجبهة " ؟ ..... ألا يمكن , في هذه الحالة من هشاشة المعارضة و ليس ضعفها ( هذا الأمر الأخير الذي يفصله خيط رفيع عن القوة في حال توفر الرؤى و البرامج القادرة على التحول إلى فعل تمثيلي لمجتمعها ) أن تتحدد خريطة القوى السياسية السورية المستقبلية , في حال عودة المجتمع للسياسة , بين تخومي بقايا السلطة القائمة و بين ما يفرز من قوى جديدة , كما حصل في أغلب بلدان ( المعسكر الشرقي) السابق ؟ ....هنا : هل مرض المعارضة , مثل الذي يعانيه ( التجمع الوطني الديمقراطي ) الآن , هو قابل للعلاج , أم أنه سيؤدي إلى الوفاة؟..... أخيراً : في حال حصول الاحتمال الأخير , ما هو البدائل للأطر القائمة في المعارضة ؟ ...... مثلاً : هل سيكون احداها بحث المعارضة السورية القائمة عن إطار عريض لتجميع القوى , بكل أطيافها الإسلامية و القومية و الماركسية و ما يلوح في الأفق في بداية انفراز تيار ليبرالي قوي بانت إرهاصاته مع ظاهرة رياض سيف , الشيء الذي يمكن أن ينقل المعارضة السورية إلى وضعية قادرة على تشكيل رقم أساسي في المعادلة السياسية السورية ؟ .. أم : أنها غير قادرة على  ذلك ؟........
أظهرت الوقائع السورية توحد بنية النظام ، أثناء الانتقال من القديم إلى الجديد ، و في مجابهة المعارضة ، و في طريقة التعامل مع المجتمع، و في مواجهة تحديات السياسة الخارجية ومتعرجاتها و استحقاقاتها .وفق المنظور لا تستطيع المعارضة ، ولا المجتمع السوري ، تشكيل عوامل ضغط على النظام يمكن أن تؤدي به إلى طرح سياسة جديدة ، أو إلى الإنفراز إلى تيارين متصارعين حول الخيارات الممكنة ، فيما من الممكن لمتطلبات " التلاؤم " و " الاستجابة " مع المتغيرات الإقليمية ، الناتجة عن سقوط بغداد بأيدي واشنطن ، و متطلبات الدخول في ( الشراكة الأوروبية ) و ( منظمة التجارة العالمية ) ، أن تؤديا إلى ذلك ، بكل ما يعنيه الأمر من انفراز قوى النظام ، وقاعدته الاقتصادية - الاجتماعية ، وفق خطي مجابهة أو ملاقاة الوضع الجديد ، وما يعنيه ذلك من استحقاقات سياسية ، و اقتصادية ، و أيديولوجية ، إلا إذا استطاع النظام تدبر صفقة ، تشمل السياسة الخارجية و الاقتصاد فقط ، مع ( القطب الواحد ) و ( الجماعة الأوروبية ) .يمكن لهذا الاحتمال ، بسيناريوهاته الممكنة ، أن يتيح للمعارضة السورية مجالاً من أجل التحرك ، إذا امتلكت ( الرؤية ) و ( البرنامج ) و ( المطالب ) ، مستغلة عدم قدرة النظام القائم على المراوحة في المكان ، بعد أن أصبحت سياساته الداخلية في مأزق كبير بعد تحول بناه و أجهزته و أيديولوجيته و طريقة حكمه إلى طرز قديمة عائدة لأيام الحرب الباردة ، و بعد أن أصبح من خلال المسكنات غير قادر على حل الأزمة الاقتصادية ، و بعد أن أصبح الفساد الإداري المستفحل عبئاً على السلطة ولو أنه مازال يؤمن مؤقتاً لها فئات راضية و ذات مصلحة في الأوضاع القائمة ، فيما توحي الحقائق الإقليمية الجديدة باتجاه أمريكي إلى إضعاف الدور السوري الإقليمي ، بخلاف فترة ما بعد 1976 ، إضافة إلى أن البنى الداخلية و الذاتية للنظام لم تعد عوامل مساعدة على استمرار هذا الدور ، ولا على مجابهة الضغوطات الخارجية .لا يعني ذلك دعوة إلى سلوك طريق أحمد الجلبي ، الذي بيّن مدى الضرائب الباهظة التي يمكن أن تتولد عن ذلك على حساب استقلال البلاد ، و إنما من أجل انتهاج سياسة تقوم بإدارة ممكنات الوقائع القادمة ، و التي توحي سحبها و غيومها بقرب الهطول ، لتحقيق برنامج ديموقراطي ، ترى المعارضة أن تحقيق مستحقاته ، كما تبين بجلاء تجربة بغداد ، هو الطريق الوحيد للتحصين الوطني في وجه الرياح الخارجية القادمة ، سواء بقي النظام القائم موحداً أمام متطلبات الخارج ، أم لا ، وهما احتمالان يتيحان مجالان كبيران للفعل المعارض من أجل أن يأخذ أبعاداً تتجاوز حجمه الضعيف و غير المؤثر الراهن ، و هو أمر ممكن تحقيقه سواء استجاب النظام إلى دعوات " المصالحة الوطنية " من أجل تحصين الوطن عبر نشر أجواء و مناخات ديموقراطية ، أم لم يستجب .ليس ذلك دعوة إلى المغامرة ، حيث أن التصلب في الرؤى السياسية ، و الوضوح ، لا يعنيان عدم الاعتدال ولا عدم سلوك طريق الممكنات و التمرحل السياسي ، كما أنه لا يعني النَوَسان بين طرح ( كل شيء ) و ( اللاشيء ) ، كما جرى في الأشهر الأولى من عام 2001 عند بعض المعارضين .إن الولوج إلى منزل الديموقراطية ، يمر عبر " عتبات " و " سلم " و " باب " ، يمثلهم جميعاً البرنامج الانتقالي المدرج أدناه :1. الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين ، و تعويضهم مع السابقين عن الفترة التي قضوها ، و إلغاء الأحكام و التجريد المدني الصادرين بحقهم أو ببعضهم ، و السماح للمنفيين السياسيين بالعودة من دون مساءلة ، و كشف مصير المفقودين .2. رفع حالة الطوارئ و إلغاء الأحكام العرفية و المحاكم الاستثنائية .3. حق كافة التعبيرات السياسية و الثقافية و الاجتماعية في التحزب و التجمع و التظاهر و الإضراب ، و في حرية امتلاك و استخدام وسائل الإعلام ( صحف -  إذاعة  -  تلفزيون )  .4. إبعاد القضاء و التعليم و مناهجه ، و التعيينات الإدارية ، عن التحزب ووقف استئثار أي حزب بوسائل الإعلام .5. الدعوة إلى مؤتمر وطني عام لكافة التعبيرات السياسية و الاجتماعية و الثقافية ، للوصول إلى وضع ( قانون الأحزاب ) و ( قانون الانتخاب ) ، و صياغة ( ميثاق و طني ) ينظم العلاقة بين كل هذه القوى .6. الدعوة ، على إثر تحقيق البند السابق ، إلى انتخاب ( جمعية تأسيسية ) تضع مسودة دستور جديد يعرض على استفتاء عام ، لتتحول بعده إلى برلمان للبلاد .
***   ***   ***
 
 
 
قضايـا و إشـكالاتأمام العمـل السياســي السـوري
- 1-تغيرت البيئة الجغرافية السياسية المحيطة بسوريا في الفترة اللاحقة ل 9 / نيسان / 2003’ مما قلب تلك اللوحة الاقليمية التي حصلت في منطقة الشرق الاوسط منذ حزيران 1976.من الممكن لذلك أن يؤدي إلى إرجاع سوريا إلى الوضع الذي كانت عليه في الخمسينيات, و ما أدى إليه ذلك من إضعاف مكانتها الإقليمية.ربما, لا يحصل ذلك, إلا أن المؤكد أن ذلك الدور الإقليمي السوري, كما كان مطلوباً دولياً في الربع الأخير من القرن العشرين, قد أصبح في طور الأفول مع سقوط بغداد, الشيء الذي يمكن أن يشمل لبنان, كما توحي مؤشرات (( قانون محاسبة سوريا )) المربوط بالوضع اللبناني, وخاصة مع وجود (( تربة لبنانية قوية )) تميل إلى حصول ذلك.سيؤدي هذا التغير في الدور الإقليمي إلى التأثيرعلى الاوضاع الداخلية ,بعد أن كان ذلك الدور الإقليمي السابق مترافقا مع سكوت ( الدولي ) على الأوضاع الداخلية ,  كما أن ذلك الدور الإقليمي المتضخم كان يترافق مع مساعدات اقتصادية سخيّة, كما حصل في فترة 1976- 1984 من دول الخليج, أو كما جرى من قبل الأخيرة عقب اشتراك السلطة السورية في ( التحالف ) عامي 1990- 1991.من الواضح عبر (( قانون محاسبة سوريا )) أن هناك مطالب و (( مستحقات )) تريد الولايات المتحدة أن تدفعها السلطة السورية, من الجليّ أنها متعلقة حتى الآن بالأوضاع الإقليمية, ولكن من المؤكد أن نجاح واشنطن في ذلك لن يؤدي فقط إلى تغيير الوضع الإقليمي للنظام السوري, و إنما إلى إنشاء وضعية أخرى تؤثر على الأوضاع الداخلية أو تجلب مستحقات في الاقتصاد و الثقافة و الإيديولوجية, تماماً كما أدى تحوّل السادات مباشر بعد حرب 1973 للتحالف مع الأمريكان إلى  سياسة الانفتاح الاقتصادي.ربما, يؤدي ذلك إلى تخفيف قبضة النظام السوري على المجتمع, أو جعلها أقل وطأة, و أكثر ضعفاً, وربما أيضاً يؤدي ذلك إلى (( انفتاح )) معين من قبل السلطة السورية على المعارضة و المجتمع0 كيف ستنهج  المعارضة السورية حيال هذه المستجدات, هل على طريقة ( أحمد ألجلبي ) أم على طريقة ( هيثم منّاع )؟..أم.ستختار طريقاً ثالثاً, لا يؤدي إلى  تشكيلها لغطاء محلي للاحتلال أو للضغط و التدخل الخارجيين و لا إلى التحاق مجاني بالنظام ضد ( الخارج )، يمكن أن يجعلها قادرة على استخلاص مكاسب على صعيد ( الديمقراطية ) مقابل مواقف معينة تؤديها على صعيد ( المسألة الوطنية )؟.من الممكن أن يفضّل النظام السوري صفقة مع ( الخارج )، ربما تشمل ( السياسة الخارجية ) و ( الاقتصاد ) دون ( السياسة الداخلية ), على أن يقوم بصفقة مع ( الداخل ), إلا أن المؤشرات القائمة تدّل على صعوبة تكرار سيناريو 1990 - 1991, وعلى أن الشروط الأميركية و المطالب قد وصلت إلى نقطة بات من الصعب على النظام القيام بها وفق بنيته القائمة, إلا إذا قام بانزياح داخلها و حيالها, كما فعل السادات تجاه الناصريين و اليساريين بين عامي 1971 - 1974 من أجل تشكيل مناخ ملائم للتحوّل نحو التحالف مع الغرب, بدلاً من السوفييت, و للاتجاه نحو( الانفتاح الاقتصادي ).حتى الآن لم تعط السلطة السورية القائمة مؤشرات على قدرتها على إنجاز تحولات في المجالات كافة, في السياسة الخارجية, و في السياسة الداخلية, و في الاقتصاد, و في الإدارة, مفضلة بقاء الوضع القائم كما هو ضمن الثبات( الستاتيكو ), وهو ما نجحت فيه في السنوات الثلاث الأولى من العهد الجديد, فيما تدل مؤشرات النصف الثاني من عام 2003 على أن الغيوم قد تجمعت باتجاه استحقاقات تجاوز ( الستاتيكو ) القائم.تعطي المؤشرات الدولية أضواء تدل على رغبة دولية في تغيير سياسات النظام السوري, وليس تغييره: إن احتمال استجابة النظام أو ممانعته, سيؤديان إلى احتمال انشطار داخل النظام, مما يمكن أن يؤدي إلى حصول الواقعة السياسية المتمثلة في نشوء ( تيارين ) داخله, لهما أطروحات متباينة اتجاه السياستين الداخلية و الخارجية, الاقتصاد, و الإيديولوجية, و ربما كان ميل الفئات الجديدة التي شكّلت (( البرجوازية الجديدة )) في العقود الثلاث المنصرمة تحت رعاية النظام و عباءته و حمايته ( و ليس (( البرجوازية البيروقراطية ))  أو (( الطفيلية )), بوصفهما مصطلحين غير دقيقين وصفياً, باعتبار أن الشكل الرأسمالي السوري القائم قد خرج من رحم السلطة و قطاع الدولة في الاقتصاد أو ما يسمى ب (( القطاع العام )) ) إلى تحويل ما يحملوه من نقد إلى رأسمال استثماري و لو تحت حماية السلطة و رعايتها بدلاً من تهريب المسروقات إلى الخارج ( كما توحي مؤشرات استثمارية جديدة, أحدها الخلوي ) مؤشراً إلى اتجاهات جديدة تتطلب من السلطة, إن تغلب اتجاه هؤلاء, تكيفات اقتصادية و إدارية و قانونية ( تتجاوز ما هو قائم ) مع ما يستتبع ذلك من تكيفات في السياسة الخارجية إضافة إلى أشكال تجميلية على صعيد السياسة الداخلية, مثلما هو حاصل في مصر حالياً, حيث لم تكن إشارة الرئيس بوش في خطابه الأخير عن( الديمقراطية في الشرق الأوسط ), إلى ( النموذج المصري ) آتية من فراغ.إن حصل ذلك, فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى إفراز استقطابات داخل السلطة تطفو إلى السطح, مثلما حصل في مصر من تحالف بين أنور السادات و عثمان أحمد عثمان, هذا الأخير الذي خرج من شركة ( المقاولون العرب )  و دورها الإنشائي في عهد عبد الناصر إلى أدوار اقتصادية- سياسية في عهد السادات، الشيء الذي يمكن أن يشمل سوريا بمفاعيله, في ظل اندفاع رجال الأعمال في المنطقة العربية نحو السياسة ( رفيق الحريري, عصام فارس ...).من المحتمل أن الشراسة التي تمّ فيها التعامل مع رياض سيف قد أتت من كونه استثناءً كرجل أعمال ليبرالي و بعيد عن السلطة, هو على طرف نقيض و معاكس لما يمثله كل أولئك, مما يؤشر إلى حدود الليبرالية الاقتصادية و مترافقاتها السياسية, و القانونية- الدستورية, التي يمكن أن تعطيها ( البرجوازية الجديدة ) في سورية القادمة, إن برز رجل الأعمال إلى الواجهة و توازى في  ذلك مع ( الضابط ) و ( رجل الأمن ) في صنع القرار بالسلطة السورية الحالية.
- 2-أعطت أحداث (11/ أيلول ) مؤشرات إلى أن (الإسلام ), و الذي يبدو أن متطرفي واشنطن من ( المحافظين الجدد) لا يفّرقوه عن الإسلاميين, قد وضعته الولايات المتحدة, في فترة ما بعد الحرب الباردة و بالذات بعد عمليتي واشنطن و نيويورك, في الوضعية التي كانت بها ( الشيوعية ) بين عامي 1947- 1989, و ( النازية ) بين عامي 1933- 1945.بالتأكيد, إن حرب الأمريكان  على ما يسمى ب ( الإرهاب ) تدخل في إطار استكمال وضع اليد على منطقة الشرق الأوسط بعد أن وصلت حمم أزماتها إلى العاصمتين الاقتصادية والسياسية للعالم في ( 11/ أيلول / 2001 ) ،  أو أنها ذريعة لتطويق أنظمة و تحجيمها ( باكستان- إيران...) أو إسقاطها ( العراق ), إلا أن ذلك سيوّلد الاصطدام أو الاحتكاك ليس فقط بعقيدة أو إيديولوجية سياسية ( الشيوعية ), أو نظام سياسي ( النازية ), و إنما مع دين يعتنقه خمس سكان المعمورة.حاولت إدارة بوش مداراة ذلك, إلا أن ممارساتها, و ما تشعر به المجتمعات الإسلامية بغالبيتها ،يدلان على أن إيجاد الخيط الرفيع أو السميك, بين ( الإسلام ) و ( الإسلاميين ), ليست يسيرة في غبار هذه المعركة, لصالح نظرية ( الفسطاطين ) التي يبدو أن ( بن لادن ) يجد شركاء في واشنطن مؤيدين لعملية الإيمان بها.سيؤدي ذلك إلى تنامي اتجاه المجتمعات الإسلامية نحو التديّن, و ربما نحو الإسلام السياسي, بعد أن أظهرت مؤشرات النصف الثاني من التسعينيات بدايةاتجاه  الأصولية, والتي بدأ صعودها عقب هزيمة 1967, نحو التراجع و الضعف بعد أنفكاك تحالفها مع الغرب بعد انهيار السوفييت و بعد أن هزمت أمام الأنظمة المحلية ( تونس - الجزائر - مصر ): تدل المؤشرات على أن سوريا لن تكون خارج هذه الموجة, وخاصة مع موجة التديّن الشعائري و الطقوسي القوية التي شهدها البلد بعد 1982 إثر هزيمة الإخوان المسلمين أمام السلطة، ولا يعرف إن كان ذلك سيترجم إلى شكل سياسي, عبر (الإخوان )  أم غيرهم, في حال اتجاه السلطة نحو تخفيف القبضة, أم أن ذلك سينتظر عودة المجتمع إلى السياسة مما سيجعل الأمر يأخذ مراحل أطول أو أبعد مدى؟.السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار: ما تأثير ذلك على اللوحة السياسية السورية القادم من حيث تضاريس خارطتها بين ( اليسار بفرعيه:  القومي والماركسي ) و ( الليبراليون ) و ( الإسلاميون )؟...ثم: في حال فعلت أميركا مع الإسلام و الإسلاميين, ما فعلته مع السوفييت و هتلر فما تأثير ذلك على اللوحة السياسية في البلدان العربية والإسلامية, و خاصة إذا قام اليسار و الليبراليون, في هذه البلدان, بأدوار شبيهة بما قام به الشيوعيون العراقيون عبر اشتراكهم في ( مجلس الحكم ) أو بما قام به الليبراليون هناك ( الجلبي, الباججي )؟... أي: ما هي مفاعيل السيناريو العراقي, في حال تكراره ببلدان أخرى, عندما انحصرت المقاومة المسلحة للأمريكان في البعثيين و الإسلاميين, و السلمية في إسلاميين محددين (مقتدى الصدر )؟... بعبارة أخرى: ألا يؤدي هذا السيناريو إلى كوارث على اليساريين و الليبراليين, شبيهة بما حصل مع الأخيرين, مثل حزب الوفد المصري لما تعاون مع بريطانيا ضد الملك في حادثة ( 4 / شباط /42), أو بما جرى مع الشيوعيين لما قبلوا بقرار تقسيم فلسطين و قيام دولة إسرائيل؟....
- 3-في بداية الألفية الثالثة فشل مسار التسوية الذي بدأ في ( مدريد) بعد حرب 1991, و كان أحد نتائجها: كان تكيّف النظام السوري مع عالم ما بعد الحرب الباردة قد مرّ عبر بابي ( حفر الباطن ) و ( مدريد ).من الواضح أن اضطراب الشرق الأوسط قد أتى على خلفية فشل التسوية في المسارين السوري و الفلسطيني في ربيع و صيف 2000: أتت الانتفاضة و انتخاب شارون إثر ذلك, ثم أتى ( 11/ أيلول ) ليقنع الولايات المتحدة بأن هذه المنطقة مصدراً للّهب و الحمم و أنها يمكن أن تؤدي باضطراباتها و مشاكلها إلى خربطة الوضع الدولي الجديد,أو إلى استغلال ذلك من قبل قوى كبرى أخرى لفرض نفسها على ( القطب الواحد ) للعالم, مما جعل واشنطن لا تكتفي بالهيمنة و السيطرة الأميركية، كماحصل في عام 1991, بل بدأت تشعر بالحاجة إلى وضع اليد الأميركية المباشرة على المنطقة من أجل ( إعادة تشكيلها ), وفقاً لما صرح الوزير كولن باول قبل أسابيع من غزو العراق,والذي يبدو أنه بمثابة( البوابة ) إلى تحقيق ذلك.في التسعينيات استطاع النظام الحفاظ على دور رئيسي في المنطقة من خلال مشاركته ب ( التسوية ), و حتى وجوده في لبنان لم يكن بمعزل عن ذلك: من الواضح الآن أن النظام السوري بعد اضطراب مسار التسوية, و بعد ضعف ورقة حزب الله عقب انسحاب أيار 2000, و إثر سقوط بغداد وما ترتب عليه لم يجد له مقعداً محدداً في( الشرق الأوسط الجديد ) الأميركي . .ما هي مفاعيل ذلك على النظام السوري, و بالتالي على سوريا كجغرافية سياسية ، من حيث فرض استعادة الجولان, و خاصة بعد تناقص قوة ووزن الورقة اللبنانية الموجودة بين يدي السلطة السورية؟...هل ستشمل الترتيبات الأميركية, الممهدة للتسوية, إخراج الجيش السوري من لبنان, و إنهاء النفوذ السياسي لدمشق على بيروت؟...ثمّ ما هي فرص استعادة الجولان كاملاً، أو قريباً من ذلك كما أوحت مفاوضات العقد الأخير من القرن العشرين, في ظل الوضع المستجد إقليمياً في السنوات الثلاث اللاحقة لفشل عملية التسوية؟....
- 4-توحي فرص إنشاء مشهد ديمقراطي "ما" في الشرق الأوسط بمؤشرات تدل على أن وزن ( الدولي) في عملية تحقيق الديمقراطية سيكون أكبر من وزن العوامل المحلية الضاغطة من أجل ذلك, هذا طبعاً إذا لم تستطع الأنظمة القائمة ( مصر- الجزائر- سوريا ) إيجاد معادلة مع الأمريكان تؤدي إلى بقاء الوضع القائم, مع تقديم ما تريد الولايات المتحدة إقليمياً, مع ديكورات تجميلية على صعيد السياسة الداخلية باتجاه " ديمقراطية محدودة و مقيدة ".في حال اتجاه واشنطن إلى تجاوز الأنظمة القائمة،في وضع شبيه بما حصل مع انقلاب المشهد الإقليمي بعد حرب 1948 و ما ترافق معه من انهيار قوتي لندن و باريس التقليديتين لصالح موسكو و واشنطن, فإن ذلك و في حال كون واشنطن جدّية تجاه " طرحها الديمقراطي " سيؤدي إلى افتراق ( الوطني ) و ( الديمقراطي ) على الصعيد العملي, وهذا ما سيؤدي إلى اصطفافات موضوعية, كما يحصل في العراق الآن, تصبح فيها القوى الديمقراطية حليفة أو مترافقة مع الاحتلال, بينما قوى المقاومة تأتي من فلول النظام السابق أو من السلفيين الإسلاميين, اللهم إلا إذا استطاعت القوى الديمقراطية العربية أن تجمع مقاومة الاحتلال مع طرحها الديمقراطي, أو أن تختط خطاً ثالثاً بين أحمد الجلبي و هيثم منّاع, في تفارق مع تقاليد السياسة العربية المتخندقة بين الأبيض والأسود, من دون أن تعرف اللون الرمادي أو البني.الآن, بعد هزيمة النموذج السوفيتي الاقتصادي, فإن انتصار نموذج ( اقتصاد السوق ) عالمياً سيوجب على الجميع سلوك هذا الخيار الاقتصادي, وليس بالضرورة مع مترتباته السياسية, المتمثلة في ( الديمقراطية السياسية ): هذه إحدى آثار ( العولمة ), التي أصبحت واقعاً موضوعياً محلياً في كل بلد لا يمكن تجاهلها و إغماض العين عنها, لها ايجابياتها ( تزعزع الأنظمة المستبدة, حرية تبادل المعلومات, تجاوز أنماط اقتصادية فاشلة شكّلت قاعدة لنشوء رأسمالية وحشية حوّلت ، عبر تلك الأنظمة و " قطاعها العام" ،البلد إلى مزرعة لأفراد معينين و استباحت حقوق و أملاك و حيوات باقي أفراد المجتمع...). و سلبياتها ( تقّوض الكثير من عناصر الإنتاج المحلي إن لم يستطع منافسة البضائع الأجنبية, احتمال سيطرة الرأسمال الأجنبي على الاقتصاديات المحلية...).من الممكن أن يؤدي هذا الوضع الأخير, في حال تحقق الديمقراطية السياسية, إلى ترافق ذلك مع فقدان ( الاستقلال الاقتصادي ) جزئياً أو إلى حدود كبيرة و واسعة, مثلما هو حاصل الآن في العراق أو في أوروبا الشرقية, تماماً مثلما أدى إلى افتراق ( الوطني ) و ( الديمقراطي ) في حالة البلدان المذكورة.- 5-قدّمت سوريا تجربة سياسية مميزة عن باقي البلدان العربية خلال مسار القرن العشرين: كانت معظم الأفكار السياسية الكبرى قد خرجت منها ( الكواكبي, رشيد رضا, ميشيل عفلق, مصطفى السباعي, ياسين الحافظ ), فيما لعبت شخصيات معينة أدواراً مفصلية تجاوزت أحزابها إلى التأثير على مسار حركة بأكملها ( خالد بكداش, مثلاً ).تتميز الحياة السياسية السورية المعاصرة بخصائص تفتقدها معظم البلدان العربية الأخرى: عدم وجود صدام أو تناقض بين ( الإسلاميين ) و ( اليساريين ), عدم وجود جسور مقطوعة بين القوى السياسية القائمة, وجود إجماع سياسي(يجمع القومي و الإسلامي و الماركسي و الليبرالي) على البرنامج السياسي الديمقراطي ,عدم وجود استقطابات مؤدية إلى حدوث انشقاق في المعارضة السياسية كما هو حاصل في مصر و تونس و الجزائر, قدرة المعارضة السورية على الاستمرار رغم القمع العنيف من دون حصول مسح لطاولة العمل السياسي المعارض طوال العقدين الأخيرين من القرن العشرين بخلاف العراق مثلاً الذي تحولّت فيه المعارضة إلى فعل خارجي أو إلى مناطق الأكراد المحمية من ( التحالف ) بعد عام 1991.تدل المؤشرات على أن سوريا قد دخلت, منذ حزيران 2000, في مرحلة انتقالية على الصعيد السياسي, شبيهة بتلك المرحلة الانتقالية التي امتدت بين تاريخي 22 / شباط / 1958 - 8 / آذار / 1963 ): سيتحدد الكثير من ملامح المستقبل السياسي السوري إذا استطاعت مكونات المعارضة السياسية القائمة أن تتحول إلى رقم أساسي في المعادلة السورية الراهنة عبر مراجعة تجربتها و مفاهيمها باتجاه إنشاء رؤى جديدة, و برنامج و ممارسة سياسية جديدين, للقطع مع التجربة الماضية التي أثبتت فشلها و وصولها إلى الطريق المسدود.
***   ***   ***
 
 
 
 
قسم الحزب
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الحزب الشيوعي السوريقضايا و إشكاليات
قدّم الحزب الشيوعي السوري ، منذ اختلافه مع السوفييت و أتباعهم المحليين في فترة 1969 - 1973 ، تجربة تدّعي التميز ، من حيث طرحها لقضايا جديدة على صعيد الحركة الشيوعية العربية ( الاستقلالية - الوحدة العربية - القضية الفلسطينية - عدم ربط الموقف من الأنظمة المحلية بالحسابات السوفيتية ) ، و من حيث تقديمها لأسلوب جديد في الممارسة و الخطاب السياسيين ، إضافة إلى كون هذه التجربة قد وضعت اللبنة الأولى ، منذ المؤتمر الخامس للحزب ( ك1 78 ) ، لعودة مطلب ( الديموقراطية ) إلى رأس جدول أعمال العمل السياسي السوري المعارض بعد غياب استمر منذ عام 1958 ، و هو ما تكرس مع " ميثاق التجمع " { نهاية 79 } و " بيانه " في آذار 1980 ، وصولاً إلى المرحلة السورية الراهنة .إلا أن هذا الحزب لم يستطع أن يقدم جديداً على الصعيد الفكري الماركسي ، يكون مختلفاً عن ما هو موجود عند السوفييت ، و لا على صعيد البناء و العلاقات التنظيمية للوصول إلى نموذج أو حزب جديد في التنظيم يكون مختلفاً عن التجارب الشيوعية الأخرى التي استندت إلى مفهوم التنظيم ، و تركيبه ، المقدمان في كتاب لينين " ما العمل ؟ " بعد أن لم يؤد هذا المفهوم اللينيني إلى أكثر من تفريخ ستالين و أشباهه في الأحزاب الأخرى ، و بعد أن كان هذا التركيب التنظيمي عائقاً لنشوء علاقات ديموقراطية في داخل الأحزاب الشيوعية و لقدرة القواعد على انتخاب حقيقي للقيادة و لمراقبتها و محاسبتها .لم يستطع هذا الحزب أن يقوم بهاتين المهمتين في السبعينيات و الثمانينيات ، و لم يستطع أيضاً أن ينجزهما في الفترة التي أعقبت سقوط السوفييت ، بل إننا إذا أردنا الحقيقة ، و الدقة في رصد الوقائع ، فإننا نجد أن الحزب الشيوعي السوري ، و بسبب عدم إنجاز هاتين المسألتين و على الرغم من اختلافه السابق مع السوفييت الذي لم يكن متجاوزاً للحدود السياسية -  التنظيمية  ( استقلالية  تنظيم في رسم سياساته ) ، قد أصابه الكثير من التخبط الفكري ( مما كانت بذوره قائمة من قبل ) على ضوء الانهيار السوفييتي ، إسوة بكثير من الأحزاب الشيوعية الأخرى التي كان مبرراً حصول ذلك لها بحكم تبعيتها الفكرية و السياسية و التنظيمية للسوفييت .كان ذلك مفهوماً إذا عرفنا حقيقة وجود اتجاهات فكرية متعددة في الحزب بدءاً من الاتجاه الستاليني وصولاً إلى المتأثرين بغرامشي و الشيوعية الأوروبية ، و ما بينهما ، إضافة إلى عدد لا بأس به لم يكن مقتنعاً بالماركسية ، و كانت عضويته قائمة على " الالتزام بالبرنامج السياسي " إلا أن الذي لم يكن مفهوماً أن مستوى النقاشات الفكرية ، و الطروحات ، التي حصلت بالحزب ، في فترة ما بعد 1991 ، لم يكن يوازِ ما قدم في ( قضايا الخلاف ) ، عامي 1971 - 1972 ، ولا ما قدمه الحزب من طروحات جديدة في ( المؤتمر الخامس ) ، حيث كان أغلبها عكساً لموضات سادت الساحة الفكرية العربية ، مثل " نهاية الأيديولوجيات " ، و مثل مقولة " نهاية مفهوم الحزب " لصالح شكل سياسي مطلبي يتحدد من خلال مطالبه السياسية و ليس عبر الفكر أو المنهج ، إلى مقولة " تعدد المصادر المعرفية " في تشكيل البرنامج السياسي ، وصولاً إلى إمكانية تشكل حركة سياسية واحدة مع " تعدد ألوانها الأيديولوجية " ، و هو إذا كان حقاً مشروعاً أن يطرحه صاحبه أو أصحابه ، إلا أن الواقع أن تلك الطروحات ، ضمن حياة فكرية و سياسية راقية و متقدمة ، كالذي هو موجود في الغرب ، لم تجد مكاناً لها لا في المقدمة و لا في المؤخرة ولا في الوسط ، فيما كان العكس هو القائم في الحياة الفكرية و السياسية العربية مما عبر عن حدود تأزم الأخيرة أكثر من أي شيء آخر و عن فقدان المعايير و المستوى ، الشيء الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول امتداد ذلك إلى تجربة سياسية متميزة مثل تجربة الحزب الشيوعي السوري ، و خاصة أن الطروحات و النقاشات التي تم تداولها فيه قد كانت انعكاساً باهتاً و ركيكاً لما كان يجري خارجه عربياً و سورياً بعكس فترة السبعينيات ، إضافة إلى شيء ملفت للنظر و هو فقدان الاستقامة الفكرية عند بعض أصحاب الطروحات ، سواء المذكورة أعلاه أو المتعلقة بتغيير اسم الحزب ، عندما لم يقولوا ما قال المنادون بالأخيرة ، في الأحزاب الشيوعية الأخرى ، من أن الوصول إلى تغيير الاسم سيأتي نتيجة لتغيير ( المنهج ) و ( الأيديولوجية ) ، و أن لا داعي إلى ممارسة الباطنية الفكرية أثناء الدعوة إلى ذلك ، أو أثناء عدم تقديم الاستتباعات الفكرية للطروحات السابقة المذكورة ، أو توضيحها من قبل الطارحين إياها ، ممارسين عبر ذلك عملية إخفاء النوايا الفكرية و الأيديولوجية و سياسة عدم وضع كل شيء فوق الطاولة الفكرية ، مع أن القضايا الفكرية تتطلب بطبيعتها العكس من ذلك إذا أريد الدخول في نقاش مجدٍ و منتج .كل أيديولوجية سياسية ، و التي هي مجموع تطبيق المنهج على مكان و زمان معينين للوصول إلى رؤية و برنامج سياسيين ، لا تقبل شريكاً لها في الحزب السياسي ، سواء كان ليبرالياً أو إسلامياً أو قومياً أو اشتراكياً - ديموقراطياً  أو ماركسياً ، إلا أن هذا المنهج المعرفي يمكن أن ينفتح و يستفيد لصالحه من مدارس معرفية و فكرية أخرى إلا أنه لا يمكن أن يتعايش معها في حزب واحد كمصدرين متشاركين لبرنامج سياسي واحد .في هذا الإطار يعبر اسم الحزب عن هويته المستمدة من منهجه و ليس من البرنامج السياسي الذي يمكن أن يكون ليبرالياً على الصعيد السياسي و الاقتصادي و الدستوري عند حزب ماركسي أو إسلامي أو قومي ، من دون أن يقلب له هويته بسبب ذلك ، و هذا ما يؤدي إلى أن يكون تغيير المنهج ، و الأيديولوجية معاً ، هما السبب و الإطار الطبيعي لعملية تغيير الاسم ، و ليس أي شيء آخر .من المؤكد أن الحزب الشيوعي السوري يعاني من مشكلة ناتجة عن وجود ثلاثة أحزاب تحمل هذا الاسم ، مما يطرح ضرورة تمييزه عن الاثنين الآخرين ، إذا أراد مؤتمره القادم الاستمرار في تبني المنهج الماركسي كمصدر معرفي تحليلي للرؤية و البرنامج السياسيين ، عبر إضافة شيء يميزه عنهما سواء كان ذلك بإضافة ما عرف به في العقود الثلاثة السابقة إلى اسمه الأصلي ، أي : الحزب الشيوعي السوري ( المكتب السياسي ) ، أو ربما إضافة شيء جديد على اسمه لتمييزه مثل : الحزب الشيوعي السوري ( الماركسي ) ، و هو علامة أضيفت للحزب الشيوعي الهندي ، الذي مثّل جناح الأكثرية عام 1964 ، تمييزاً له عن الجناح الموالي للسوفييت ، أما إذا أراد المؤتمر تغيير المنهج الماركسي و تبني منهجاً آخر فإن عملية تغيير الاسم ستكون طبيعية و منطقية ، ليعبر هذا الاسم الجديد عن الهوية الجديدة المكتسبة من منهج جديد توليدي لرؤيته و برنامجه السياسيين .من الضروري في هذا الإطار التمييز بين منهج كارل ماركس التحليلي و بين بعض خلاصاته التطبيقية التي مارسها عبر استخدامه لهذا المنهج في الاقتصاد و السياسة ، و التي يمكن لأي ماركسي أن يراها متآكلة و عفى عليها الزمن ، أو أصبحت أمام الوقائع غير صحيحة ، مثل نظريته عن ( ديكتاتورية البروليتاريا ) ، أو نظريته عن ( الثورة ) كأداة للتغيير ، إضافة إلى رؤيته الاقتصادية حول اتجاه الرأسمالية نحو منحى ( الإفقار المتزايد ) للفئات الوسطى و للطبقة العاملة ، فيما يبقى منهج ماركس المعرفي التحليلي ، الرابط بين السياسة ( في علاقة كلية واحدة ) و بين البنية الاقتصادية - الاجتماعية و الأفكار و الثقافة ، من أجل تقديم رؤية سياسية لمكان و زمان معينين ، صالحاً لتوليد برنامج سياسي عبر هذه الآلية .إذا كان هذا يمكن تطبيقه من قبل أي ماركسي على كارل ماركس ، فمن الطبيعي أن يطبق ذلك على خلاصات الماركسيين الآخرين ، سواء انجلز ، أو لينين ، ( أو غيرهما ) ، من حيث أن خلاصاتهما أو ما قدموه من جديد فكرياً لا يتيح لهما أن يكونا مشاركين تأسيسيين في الماركسية التي اكتمل منهجها مع مؤسسها ، مما يؤدي للوصول إلى استنتاج بضرورة اطراح مصطلحات ، استخدمت أساساً لغايات خاصة من قبل ستالين و السوفييت ، مثل مصطلح ( الماركسية اللينينية ) .على هذا الصعيد من الضروري لحزب ، يريد أن يعصرن بنيته التنظيمية و يقدم شكلاً حديثاً للحزب و متقدماً ، أن يتخلى عن مفهوم التنظيم اللينيني ، الذي لم يؤد إلى أكثر من إنشاء ديكتاتورية للأمين العام أو للمكتب السياسي ، و مَنَعَ إنشاء آلية للمراقبة و المحاسبة من القاعدة تجاه القيادات ، الفرعية و المنطقية و المركزية ، و أدى إلى عدم قدرة هذه القاعدة على استخدام آلية ديموقراطية انتخابية للقيادة لتعكس الأخيرة مزاج و آراء أكثرية الحزب ، فيما كان وضع الأقلية بالحزب متميزاً بالتهميش و انعدام القدرة على إبداء و توصيل آرائها لمجموع الحزب .لا يمكن هنا تقديم " روشيته " لشكل الحزب البديل ، و الذي يجب فتح نقاش واسع عشية المؤتمر من أجل بلورته و انضاجه ، و لكن على الأقل يمكن تحديد ما نرفضه ، عبر ما جربناه نحن الشيوعيون ، ممثلاً في مفهوم التنظيم المقدم في " ما العمل ؟ " و آلياته التطبيقية الفاشلة التي جرى تقديمها على مدار قرن كامل في شتى أرجاء المعمورة .مع ذلك يمكن طرح قضايا للنقاش :1. هل يجب إضافة الاقتناع بالمنهج الفكري كأحد شروط العضوية ، أم يكتفى بالبرنامج السياسي ؟2. هل العضوية في إحدى هيئات الحزب ستبقى شرطاً للعضوية ، أم يمكن الاستغناء عن هذا الشرط ، أو جعله غير ملزم ، باتجاه إعطاء الأعضاء الشكل الذي يرتئوه ، وفق ظروفهم ، للعضوية في الحزب ، مع احتفاظهم بالحق في الانتخاب و الترشيح ، و حق الحزب ، بالمقابل ، في تكليفهم بمهام و إلزامهم بالالتزام بتعليمات الحزب و سياساته ؟…3. هل سيكون حق الأقلية في الحزب واصلاً إلى حدود تشكيل تيارات داخل التنظيم تكون معارضة لسياسات الأكثرية ، مع الحق في استخدام وسائل إعلام الحزب الداخلية لإيصال رأيها و الدعاية له داخل الهيئات المختلفة ، مع احتفاظ الأكثرية بحق إلزام الأقلية بتنفيذ السياسة المقررة خارج الحزب ؟ …4. هل يجب الاستمرار في إعطاء المكتب السياسي صلاحية " قيادة جميع أعمال الحزب " فيما بين اجتماعات المركزية ، أم يجب تجزئة و تفريق صلاحياته باتجاه حصره في القيادة السياسية ، مع تشكيل مكتب تنظيمي ، و مكتب إعلامي ، لتولي قيادة أعمال الحزب المختصة تحت إشراف هيئة السكرتاريا " التي تقود العمل اليومي للحزب " و من دون أن تكون عضوية اللجنة المركزية شرطاً للعضوية في تلك المكاتب المختصة ، التي يمكن أن تجمع أهل الاختصاص و الكفاءة في المجالات المذكورة ، و لكن مع شرط أن يكون تعيينهم و إقالتهم من اختصاص اللجنة المركزية و صلاحيتها حصراً ؟ …5. هل يحق لعدد من منظمات الحزب ، إذا كانت تمثل أكثر من نصف الأعضاء ، الدعوة إلى عقد مؤتمر عام بمن حضر ، إذا كانت الدعوة معللة بقضية أو مجموعة من القضايا ؟سيكون الوصول إلى شكل جديد للحزب الشيوعي عملية ضرورية ، من أجل إنشاء علاقات ديموقراطية في داخل حزب كان رائداً في الطرح السياسي للديموقراطية على مستوى المجتمع السوري ، مما سيجعل هناك تجاوزاً للحالة ، الموجودة في أحزاب ماركسية و قومية و إسلامية ، منادية بالديموقراطية ، عندما نرى كيف أن هناك تناقضاً و تفارقاً بين برنامجها السياسي الداعي للديموقراطية و بين علاقات تنظيمية داخلية غير ديموقراطية تسود تلك الأحزاب .بالتأكيد ستكون هذه العملية التنظيمية صعبة و معقدة المسار ، و خاصة إذا تم الأخذ بعين الاعتبار تراث حزب أوامري و مراتبي في تركيبته التنظيمية ، إضافة إلى أن الأعضاء ، حتى و هم يضحون في السجون و غيرها من أجل الديموقراطية ، هم نتاج تراث مجتمع لم يصل بعد إلى الديموقراطية ، تسود أسرته و مدرسته و حيّه أشكال أبوية متخلفة هي نتاج علاقات ما قبل رأسمالية .لم يلتفت اليسار العربي ، حتى بعد أن تبنى الديموقراطية بعد عقود من تبني " الديموقراطية الشعبية " و " الديموقراطية الثورية " و " التطور اللارأسمالي " ( و هي مصطلحات و مفاهيم ظل حزبنا يستعملها إلى عام 1976 ، حتى مارس القطيعة معها ) ، إلى أهمية الربط بين المرحلة الرأسمالية ، بمعناها الليبرالي في الاقتصاد و معناها البرجوازي الحقوقي - السياسي ، و بين ( الديموقراطية  ) ، و أن الأخيرة لا تطرح بالترابط مع ( الاشتراكية ) في مجتمع ما قبل رأسمالي ، أو لم ينجز مهام و مراحل التحول الرأسمالي و لم يحقق بعد ، عملية الوصول إلى تحقيق و تثبيت الحقوق الدستورية البرجوازية ( فصل السلطات - الحقوق الفردية في التملك و التحزب و الرأي و النشر و في السلوك و الزي ) ، إضافة إلى كون هذا المجتمع لم يحقق ناظماً عاماً لعلاقة ثالوث ( الفرد - المجتمع - الدولة ) ، ولم يحدد آليات ناظمة لعلاقة ( الدولة - السلطة ) ، و هي قضايا تطرح نفسها على جدول أعمال التحول الديموقراطي القادم في سوريا .هذه القضايا تمثل إشكاليات سياسية أمام الديموقراطيين ، إلا أنها أيضاً تتطلب تقديم معالجات فكرية لها ، لأنها ذات طابع فكري - سياسي بامتياز ، تثير قضايا أبعد من السياسة ، إلا أن الأخيرة لا يمكن أن تشتغل و تأخذ ديناميتها بدونها ، و خاصة في مجتمع ، مثل العربي ، فشلت التيارات الحديثة ( ليبرالية - قومية - ماركسية ) في أن تنتصر فكرياً بعد قرنين من " عصر النهضة " ليتصدر ، في أعقاب ذلك ، التيار الإسلامي الساحة الثقافية ، مستوعباً الفئات الاجتماعية الأكثر تعليماً و احتكاكاً بالتقنية و العلم و الأكثر دينامية في العملية الاقتصادية ، ثم ليتصدر عملية مجابهة السلطات الحاكمة ( مصر - تونس - الجزائر ) ، و مجابهة المحتل ( فلسطين بعد عام 1987 ) .يثير تصدر التيار الإسلامي ، المبني أساساً على فشل برامج التيارات الأخرى في السلطة و في المجتمع ، إشكاليات عديدة ، تعيد العرب إلى المربع الأول ، ربما لأن القفز عبر نظرية ( حرق المراحل ) يؤدي دائماً إلى ذلك : ما هي هوية العرب ، حضارياً و ثقافياً ، هل هي ستأتي عبر ( التغريب ) ، أم أن هذه الهوية هي مُكوَّنة و مُنجَزة عبر الحضارة و الثقافة الإسلاميتين ، و أن هذا لا علاقة له بالأسلمة ، و لا بالإسلام كدين و عقيدة و لا بالإسلاميين ، بل يشمل جميع العرب ، متدينين و غير متدينين ، مسلمين و غير مسلمين ، و كذلك لا يعيق عملية الأخذ من الثقافة الغربية ولا من التقنية الغربية ؟…مما يقود إلى طرح إشكالية العلاقة بين ( العروبة ) و ( الإسلام ) ؟ … ثم : هل هناك علاقة بين ( الديموقراطية ) و ( العلمانية ) ، أم أن الأخيرة يمكن أن ترتبط بالقسر السياسي و الاجتماعي كما في تركيا الأتاتوركية و بالتالي فهي ليست مرتبطة أو شرطاً ضرورياً للديموقراطية ؟ … و في هذا المجال : ألا يقدم التاريخ الغربي شكلين للعلمانية ، واحدة انتصرت ( Laicism ) ، و هي تعني عدم وجود نفوذ كهنوتي في جهاز الدولة و في السياسة مع حرية المتدينين في التنظيم و العمل السياسي ، و أخرى ( Secularism  ) التي تعني العلمانية كتنظيم للمجتمع و للتعليم حيث لا يسمح للكنيسة و لا للمتدينين بأي دور تعليمي أو سياسي بل يقتصر الدين على مجال الشعور الأخلاقي الفردي و الطقوسي ؟ … هنا : ألم تكن هزيمة العلمانية و العلمانيين ناتجة عن تقديمها عبر شكلها الثاني في العالم العربي ؟ … ثم : ألا يؤدي طرحها ، عبر الشكل الأول ، إلى إمكانية تقديم فضاء فكري - سياسي للمجتمع يتيح لكافة التعبيرات السياسية و الفكرية الحرية في الوجود ، بعيداً عن اسئصالية " العلمانيين " و عنف الإسلاميين ؟ … وصولاُ إلى نقطة : ألا يكون المجال مساعداً ، عبر ذلك ، لأن يكون ( التحديث ) ليس قائماً على " جماجم " الإسلاميين أو عبر التضاد مع ( الإسلام ) ، و إنما عبر مشاركتهم ضمن فضاء ديموقراطي تعددي يتيح الحريات السياسية و الفكرية للجميع ، في مجتمع ، كالعربي ، لم تُنجَز فيه ، بعد ، مهام ( التحرر الوطني ) و ( القومي ) ، و فشلت فيه عملية ( التحديث و التنمية ) و بناء ( مجتمع متقدم و عصري ) .
***   ***   ***
 
 
الحزب الشيوعي السوريمراجعة و نقد
اُستخدمت في الصراع مع السوفييت و خالد بكداش ، مفاهيم أتت من الترسانة الفكرية السوفيتيية ، مثل ( الديموقراطية الثورية ) و ( التطور اللارأسمالي ) ، كما أن " مشروع البرنامج " ( حزيران 1970 ) ، الذي أصبح موضعاً للخلاف مع السوفييت و بكداش ، يشير في تقييمه لنظام ( 23 شباط 1966 ) : " و إذا كان يتضح من ما سبق أن المرحلة التي تجتازها سوريا الآن لم تصبح ، بعد ، مرحلة بناء الاشتراكية ، فإنه ليتضح منها أيضاً ، أن التحولات الجارية فيها تشكل قفزة نوعية بالمقارنة مع النظام السابق ، و تتكون الآن شروط مادية و اجتماعية تسهِّل ، فيما إذا توافرت شروط أخرى ، سياسية بالدرجة الأولى ، عملية الوصول إلى الاشتراكية "لم يتم تجاوز هذه المفاهيم و التقييمات من قبل الحزب الشيوعي السوري ، بعد استقلاله عن السوفييت ، عبر مراجعة فكرية ، بل عبر رؤية سياسية للنظام الذي أتى إلى الحكم في دمشق بخريف 1970 ، و هو ما بدأ بالتجذر ، في صيف 1976 مع التدخل السوري في لبنان ضد المقاومة الفلسطينية و اليسار اللبناني ، مما أدى إلى وضع " البرنامج السياسي للحزب " ، الصادر في عام 1973 عن المؤتمر الرابع ، على الرف ، و هو المستند إلى " مشروع البرنامج " الصادر في عام 1970 . و في هذا الصدد ، فقد كانت هذه الرؤية للنظام السوري ، و التي وحَّدها الحزب لتشمل أيضاً نظام السادات في مصر ، مؤدية إلى رؤية لطبيعة المرحلة العربية التي اتجهت مع هذين النظامين إلى طريق " التسوية " مع إسرائيل ، و إلى بناء السياسات الداخلية و الخارجية على أساس ذلك من قبل هذين النظامين .عبر هذا التجذر في الموقف السياسي للحزب ، تجاه سياسات النظام ، بدأ الحزب ، منذ 1976 ، بالاتجاه نحو تبني مقولة ( الديموقراطية ) ، متخلياً بذلك عن شعار ( الديموقراطية الشعبية ) التي كانت أحد شعارات المؤتمر الرابع للحزب : حيث لم يكن ذلك بدوره مبنياً على رؤية فكرية - مفاهيمية لمقولة ( الديموقراطية ) ، كرؤية سياسية و برنامج و مطالب ، و لا على تحديد لطبيعة المرحلة الديموقراطية اقتصادياً ( مع أن " موضوعات المؤتمر الخامس " قد بنيت على رؤية اقتصادية ترى " القطاع العام " كمفرخة ، هو و جهاز السلطة ، للرأسمالية الجديدة ، و على كونه كان قاعدة اقتصادية للدولة الشمولية ) ، و لا على تحديد لطبيعة الحقوق الدستورية ، الموضوعة في البرنامج الديموقراطي ، إن كانت برجوازية { و هي فعلاً كذلك } أم لا .ليس صدفة أن اليسار السوفييتي ، الموجود في " الجبهة الوطنية التقدمية " و خارجها ، قد شنَّ هجوماً ضارياً على " موضوعات المؤتمر الخامس " ( ك1 78 ) ، و اتهمها بالنـزعة البرجوازية ، حيث دشنت هذه " الموضوعات " طريقاً جديداً لليسار السوري ( بعد عقدين من الافتراق عن مفهوم الديموقراطية السياسية ) مع تبني " برنامج التجمع " للديموقراطية وصولاً إلى تحول الديموقراطية إلى رأس جدول أعمال المعارضة السورية ، بعد ( 10 حزيران 2000 ) ، بأطيافها الليبرالية و الإسلامية ، و ضمن حركة المثقفين .بعد ربع قرن على المؤتمر الخامس ، لم يتجذر عند الحزب ، و لا عند المعارضين الآخرين ( باستثناء النائب الليبرالي رياض سيف ) ، ذلك الوعي بالترافقات الاقتصادية ، و بالطبيعة الحقوقية ، الخاصتان بمطلب ( الديموقراطية ) السياسي ، و يلاحظ بأن زخم الحركة الديموقراطية لم يكن ، في فترة 2000 - 2003 ، بالقوة التي كانت عليها في فترة 1978 - 1980 ، إضافة إلى كونها كانت موحدة بالرؤى للمرحلة آنذاك بخلاف المرحلة السورية الجديدة .إذا أردنا جردة لربع قرن يفصلنا عن المؤتمر الخامس للحزب ، فمن الممكن القول بأن الحزب ، الآن ، يواجه استحقاقات لم يقم بها بعد :1. مترتبات فكرية تفرض نفسها على كل حزب شيوعي في فترة ما بعد السوفييت .2. إنشاء رؤية للمرحلة السورية الجديدة من أجل تشكيل البرنامج الديموقراطي و مطالبه ، على أساس تلك الرؤية ، مع حسم الموقف تجاه المترافقات الاقتصادية للمرحلة الديموقراطية .إن عدم القيام بهذين الأمرين هو الذي أدى إلى فقدان الحزب للوضع المتميز ، في الخارطة السياسية السورية ، الذي كان يحتله في فترة السبعينيات حتى حملة 1980 ، و لولا السمعة المعنوية - السياسية للحزب ، و التي أتت من طروحات السبعينيات تجاه السوفييت و بكداش و من البرنامج الديموقراطي الذي قدمه ( المؤتمر الخامس ) و من التضحيات التي قدمها مجموع الحزب ، لكان الحزب في وضعية لم يستطع أن يكون فيها ، كما هو الآن ، الحزب السوري الوحيد الذي استطاع الاستمرار في الداخل و رأسه فوق الماء مجتازاً الملاحقات و الاعتقالات و المرحلة السرية وصولاً إلى المرحلة السورية الجديدة .السياسة لا تتحدد من خلال بقايا أحزاب ، أو نخب ثقافية معزولة عن المجتمع ، و لا عبر تنظيمات سرية فقدت التواصل مع المجتمع : كانت هذه الأبعاد الثلاثة هي المحددة لتخوم و أبعاد العمل السوري المعارض في مرحلة ( ما بعد 10 حزيران 2000 ) . مع ذلك فإن هذه الحالات ستوضع أمام امتحان ( تدل مؤشرات عديدة على قرب حدوثه ) يتمثل في عودة المجتمع السوري إلى السياسة بفعل عوامل عديدة ، من أهمها عجز النظام الجديد عن الاستمرار في شكل النظام القديم في ظل استفحال الأزمة العامة في سوريا الموروثة عن العهد السابق ، سياسياً و اقتصادياً ، و في ظل متغيرات دولية يبدو أنها تتجه إلى أن تفرض على نظام موروث من حقبة الحرب الباردة ، ببناه و أجهزته و تركيبته السلطوية و أيديولوجيته ، استحقاقات كبرى ، في الاقتصاد و السياسة الداخلية و الخارجية .هذا سيؤدي ، سواء فتح النظام الكوات المغلقة للعمل السياسي بمبادرة منه أم لا ، إلى إنشاء مناخ جديد سيؤدي إلى عودة " ما " للسياسة في سوريا على الصعيد الاجتماعي ، مما يفرض تحديات كبرى أمام جميع القوى السياسية السورية ، تتمثل في ضرورة أن تتجهز هذه القوى ، من حيث عدتها الفكرية و السياسية و من حيث بناها و أشكال عملها ، لكي تقدم أوراق اعتمادها للمجتمع السوري بعد عودته للسياسة إثر صمت سياسي بدأ عقب انتهاء أحداث 1979 - 1982 .إن وضع القوى السياسية السورية أمام مجتمعها العائد للسياسة ، سيكون محدداً وفقاً لقدرتها على أن تجد لها تمثيلاً اجتماعياً في مجتمع يتجه نحو حراك سياسي ، وهذا لا يمكن أن يقوم على سجلها الماضي ، الذي يبقى عاملاً ثانوياً أمام الرؤية للمرحلة ، و البرنامج السياسي ، و المطالب المتفرعة عن هذا البرنامج : بدون ذلك ، فمن الممكن لمجتمع ، تميز بالحيوية و الديناميكية مثل المجتمع السوري ، أن يكنّس التعبيرات السياسية القائمة ، باحثاً عن أخرى جديدة .
***   ***   ***(محمد سيد رصاص)



#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من كابول 79 إلى كابول 2002 حقائق جيو سياسية جديدة أضعفت مو ...
- ملامح السياسة الأميركية على إيقاع أحادي
- السياسي والجنرال-الترابي والبشير نموذجاً


المزيد.....




- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»


المزيد.....

- نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2 / عبد الرحمان النوضة
- اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض ... / سعيد العليمى
- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - محمد سيد رصاص - رأي آخر حيال موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري