لقد سمعنا كثيرا وعلى امتداد التاريخ أن العنف يولد العنف المضاد. كما يسعى الجميع، في أي زمان وأي مكان أن يظلم أي شخص بسبب انتمائه أو توجهه الفكري أو الديني أو الإيديولوجي. كما سعى الجميع ولازال يسعى أن يعتقل أحد إلا بعد أخذ الإذن القانوني المبني على التهمة الحقيقية وليس استنادا على الظن.
لأن خرق هذه القواعد لا يمكن إلا أن يؤدي إلى الدخول في دوامة مفرغة لا حدود لها، قوامها بأن العنف لا يولد إلا عنفا مضادا. وبذلك يتوجب استئصال جذور الداء عن طريق فهم المشاكل وإيجاد الحلول الجذرية لبتر الأسباب من جذورها. ومن هذا الفهم ينبغي التعامل مع إشكالية التطرف ، وذلك عبر فهم المشكل الثقافي المسبب للتطرف وللانحراف الديني .
ولعل أول ما يجب الانتباه إليه هو أن الجهل والأمية وعدم قدرة الهيئات السياسية على استيعاب المجتمع وتأطيره. إن الفراغ السياسي إذا انضاف إلى الفراغ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والروحي من شأنه أن يؤدي إلى طريقة من الطرق لتأكيد الذات، وأبسط هذه الطرق هي عداء المجتمع وعداء الدولة اللذان يعتبران المسؤولان عن هذه الوضعية عن قصد أو غير قصد. علاوة على أن الفساد السياسي والمكر السياسي السائد ببلادنا أضحى يدفع الشباب المهمش ـ وما أكثرهم ـ إلى الاتجاه نحو أوساط أخرى ـ غير رسمية ـ لكن يعتقد فيها النزاهة.
وفي هذا الصدد تتحمل الأحزاب السياسية المغربية مسؤولية جسيمة لأنها بسلوكها منذ سنوات خلت ما زالت لم تجسد دورها، بل يبدو أنها ما زالت لم تفهمه وتعيه بعد. ولعل أكبر دليل على ذلك أنها تركت الشباب المغربي يبحثون عن طريق آخر. كما أن الجانب الاجتماعي والاقتصادي ساهم وبشكل كبير في توفير الشروط لجعل أغلب الشباب المغربي يعيش فراغا على جميع المستويات، وذلك بفعل البطالة وتراكم تخريج المؤسسات التعليمية للعاطلين. وزاد الطين بلة بتراجع المثقفين عن القيام بمهمتهم الكامنة في دفع المواطنين المجتمع إلى التنوير والانفتاح والإعداد الفعلي للمستقبل.
وفي ظل وضعية مثل هذه، فإن العنف لا يمكن أن يكون حلا ولا الإقصاء ولا التقزيم ولا التهميش. لأن المشاكل التي تعيشها البلاد حاليا مشاكل تتطلب حلا جماعيا تشارك في بلورته مختلف مقومات المجتمع، وهذا من شأنه ضمان استيعاب مختلف مكونات المجتمع المغربي. هذا هو السبيل الأسلم للاستعداد إلى الغد بالمغرب.