قبل أن تستلم مجموعة البكر – صدام السلطة بالألتفاف على المتعاونين معها من خارج المنظومة التكريتية بعد أنقلاب 17 تموز 68 حدث أنشقاق كبير في حزب البعث وضمن مؤتمر قومي عام تم طرد ميشيل عفلق بالنظر لأتسام أفكاره باليمينية والأنغلاق الفكري والتحجر والجمود في الفكر كما طرد معه جميع الذين يحملون أفكاره البالية والعقيمة والشوفينية ومن ضمن من تم طردهم من حزب البعث مجموعة البكر – صدام التي كانت توصف بالتحجر الفكري والأنغلاق السياسي وعدم قدرتها على التطور وكونها تمثل الكفة اليمينية المقيتة في الفكر السياسي البعثي المتذبذبة ، وبعد هذا فقد بقي الجناح الشرعي للبعث متمثلاً بالقيادة القومية التي يرأسها حينذاك في دمشق السيد نور الدين الأتاسي ومن أعضائها صلاح جديد وحافظ الأسد ويوسف زعين وغيرهم من أعضاء القيادة القومية .
كانت القيادة القومية الهيئة السياسية العليا للحزب القطري السوري الحاكم حين قام أنقلاب تموز 68 ومن بعده الأنقلاب على الأتقلاب في 30 تموز 1968 ، وسيطرة البكر – صدام ( مجموعة تكريت ) على السلطة ومن ثم فرض الجناح اليميني المطرود من فكر وشرعية البعث الى الواجهة بأعتبار أن البكر الفارغ سياسياً والذي لايمت لأي فكر أو أيدلوجيا بصلة هو الأمين القطري لما يسمى بكتلة اليمين في حزب البعث والذي هو حكماً عضواً في القيادة القومية غير الشرعية للحزب المذكور والتي تم تجميعها من فلول اليمين المطرود من صفوف الحزب .
حاولت مجموعة البكر منذ الأيام الأولى للأنقلاب استمالة عدد من قيادات وكوادر الحزب الحقيقي الا انها جوبهت برفض قاطع وموقف حازم يؤكد عدم شرعية الأنقلابيين وعدم وجود أية صلة لهم بحزب أسمه حزب البعث العربي الأشتراكي .
وعلى هذا الأساس دشنت الأجهزة القمعية حملات شرسة في ملاحقة و أعتقال وتعذيب البعثيين وزجهم في معتقل قصر النهاية والأمن العامة وتصفية بعض رموزهم وقياداتهم بالأغتيال والتعذيب الجسدي الذي كان يشرف عليه صدام نفسه من خلال جهاز ( حنين ) سيء الصيت والجلاد ناظم كزار في معتقل قصر النهاية المرعب وفي أقبية زنزنات الأمن العامة .
وحاولت السلطة العراقية من خلال ماتوفر لها من أمكانيات مالية وسياسية لململة بعض العرب ممن يطمحون بالحصول على مالم يستطيعوا تحقيقه و مايحلمون به في حياتهم ، بالأضافة الى وجود عناصر عافها الزمن وتركتها الجماهير لبداءة أفكارها وسطحية أعتقادها وعدم قدرتها على التأثيرفي الجماهير لتصطف الى جانب السلطة العراقية الحاكمة لتصير طوع يديها مستعدة لبيع أنفسها بأي ثمن ، حيث أستطاعت أن تلم هذه العناصر وتعمل على تجميعها بعد أن وجدت أنها متروكة ولاطلب عليها فأستغلت فراغها وحاجتها لتشرع في تشكيل قيادات قطرية وقيادة قومية كارتونية هزيلة لاعلاقة لها بالفكر أو التنظيم القومي أو التطور الفكري الأنساني فبدت أشبه ماتكون بخراعات المزرعة ليس لها واجب أو مهمة سوى الزعم والأدعاء والظهور في المناسبات فأشترت منها مواقفها وأجرت منها ضميرها بالرغم من سباتها وانتهاء صلاحيتها ، وليس اكثر دلالة على هذا من بقاء هذه الخراعات التي لم تجد السلطة العراقية لها بديل طيلة الفترة التي تمتد منذ بداية الأنقلاب في تموز 68 ولغاية أحتلال بغداد في 9 نيسان 2003 ، بأستثناء من تم أعدامه وتصفيته منهم .
وبقيت الحملة الأمنية والمخابراتية الشرسة التي تشنها سلطة بغداد ضد تنظيم حزب البعث وماعرفه أهل العراق ( تنظيم اليسار ) او ما أطلقت عليه الاجهزة الأمنية العراقية جزافاً
( تنظيمات المنشقين ) للتدليل على كونهم الأصل وأن غيرهم من أنشق عليهم .
وعملت الأجهزة الأمنية العراقية وبأشراف مباشر وأكيد من صدام نفسه سواء من خلال مكتب العلاقات العامة أو من خلال جهاز الأمن العام أو جهاز المخابرات الذي تم أنشاؤه حديثاُ بأشراف مباشر منه وبقيادة برزان التكريني الأخ غير الشقيق للجلاد العراقي ، عملت بهدف بلبلة وأقلاق الشارع السوري وبث الرعب من خلال عمليات الأغتيالات والتفجيرات التي حصلت في دمشق وأعترف منفذوها بضلوع السلطة والشخصيات الأمنية العراقية بهذه الأعمال ، بالأضافة الى قرار السلطة الذي أصدره صدام بأعدام جميع من تشك الأجهزة الأمنية بتعاطفه أو تعاونه أو تقاربه مع مجموعة البعث اليسار .
وكدليل على النهج التآمري والأساليب الخسيسة لسلطة صدام فقد وضعت النظام السوري امامها والعمل بكل الوسائل والأساليب من أجل وضع العراقيل في مسيرته في كافة مناحي الحياة والتآمر من أجل قلب النظام والعمل على بث روح الفرقة والحث على الحرب الأهلية في سورية ومد يد العون للعناصر المعادية للسلطة ، وبالتالي عمدت سلطة بغداد الى التقاطع الأنساني والسياسي والأقتصادي والدبلوماسي وعلى كافة الأصعدة مع السلطة السورية .
ولهذا رحلت أعداد كثيرة من الضحايا تحت هذا الأتهام ، وعملت الأجهزة الأمنية على أكتشاف خيوط لهذا التنظيم عمدت وبشكل سريع وبعيد عن جميع الأعراف والقوانين الى تصفية هذه المجاميع بصمت مريب ودون محاكمات أصولية .
وحين حاول البكر أن يستعيد شيء من صحوة الضمير والعقل في أن يعيد التقارب بين سوريا والعراق من أجل العمل القومي والمصلحة القومية بادر صدام ومجموعته المسيطرة على السلطة الى أجهاض هذا التقارب وتصفية ماسمي بأعضاء القيادة القطرية في مجزرة بشعة كانت الضحايا تصفق لها لينفرد بالسلطة ممتطياً ظهر مايسمى بتنظيمات اليمين لحزب البعث في العراق ليصبح الأمين القطري والأمين العام المساعد للحزب .
وأستمر مسلسل الدم ونحر القرابين مستمراً لم يتوقف في يوم ما ولم تهدأ فورة الغضب والحقد الذي يجتاح عقل الطاغية العراقي في معاداة كل ما له علاقة بحزب البعث وسورية وحافظ الأسد وبذل صدام جهوداً مضنية من أجل العمل على الأساءة لحافظ الأسد ولسورية وبذل الأموال ووظف العديد من الكتاب وقام بطبع الكتب التي تسيء للطائفة العلوية ولشخص الراحل حافظ الأسد ووظف المئات من المرتبطين بجهاز المخابرات العراقي ومن وكلاء جهاز الأمن العامة من بين العراقيين الذين وفدوا الى سورية والتي احتضنتهم وآوتهم ليقدموا تقاريرهم بحق أخوتهم وبحق سورية ايضاً .
أن مسلسل ضحايا النظام العراقي البائد بحق تنظيمات حزب البعث والجناح اليساري طويل والقائمة التي تضم العديد من الأسماء العراقية العبقة التي رحلت تشكو ربها ظلم صدام وخسة النظام الذي أطبق بأظافره على أعناق العراقيين وكتم أنفاسهم طيلة السنوات التي سيطروا بها على السلطة ، وبعد مرحلة المخاض العسيرة التي أنجلت برحيل السلطة البائدة وأعتقال جرذها الكبير الذي كان يزعم ماليس فيه ويدعي بغير حقيقته ليكشف للعالم ليس فقط الخواء الروحي والفكري الذي يسيطر على عقله ، بل يثبت عدم وجود فكر أصلاً أو اية آيدلوجية فكرية تحكم العراق ، كما يثبت للعالم عدم تمتع قيادات هذه السلطة بأية قيم عربية أو عراقية لتصير مثلاً أو يمكن أن تترجم ماتقوم بأدعائه للناس التي تشاهد تهافتهم مثل أوراق مبللة أو قشور تافهة لاتقوي على التماسك والوقوف بوجه الشعب أو على الأقل بوجه الأحتلال .
وبعد هذه الحقائق يحق لنا أن نتسائل أين هو موقع هذه المجموعة التي أعطت ما أعطت للعراق وقدمت ماقدمت للوطن من شهداء وضحايا ومطلوبين لصدام فروا بجلودهم وأستعمل معهم مالم يستعمله مع غيرهم من قرارات ليس اقلها مخالفة حقوق الأنسان والشهامة والمروءة العربية حين أقدم على أصدار قرار بأعتقال ذويهم من الرجال والنساء وحجزهم بقرار رئاسي لحين تسليم أولادهم من المنتمين الى البعث – اليسار انفسهم الى السلطات العراقية أو تعاونهم معها حتى فقد العديد حياته في الحجز ومات الآخرين تحت وطأة الظلم والحرمان والعذاب .
أين صار مكان هذه المجموعة الوطنية العراقية التي ضحت وقدمت وصمدت وصبرت وواجهت الطغيان وفضحته وعملت جنباً الى جنب بكل قوة كرافد من روافد المعارضة العراقية من أجل اسقاط سلطة صدام التي تهاوت والى الأبد .
وللتاريخ فأن مجموعة اليسار الشرعية بالأضافة الى الحركة الأشتراكية العربية التنظيم المناضل الذي بقي يقارع صدام بقيادة المناضل العراقي عبد الأله النصراوي والقيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ومجموعة القوميين العراقيين بكافة تشكيلاتهم السياسية هم أول من بادر الى تشكيل أول حركة معارضة عراقية سياسية لسلطة بغداد البائدة بأسم (( التحالف الوطني العراقي )) وأصدرت صحيفة ناطقة بأسم هذا التحالف توزع سراً في العراق ويحكم على موزعها وقارئها وحائزها بالأعدام .
أين صارت هذه المجاميع في مجلس الحكم أو في بناء مؤسسات السلطة العراقية الجديدة ؟ وأين هي مقراتها وتنظيماتها ؟ وأين أحلامها التي كانت ترسمها للعراق الجديد النظيف من الأرهاب والطغيان والدكتاتورية ؟ وأين صحافتها وقياداتها ؟
ثمة أسئلة كثيرة تدور في أذهان المخلصين للعراق والذين ينظرون للأمور بتجرد لايدفعهم للسؤال سوى حرصهم على العراق من خلال مؤتمر وطني عام تحضره جميع القوى السياسية التي عارضت سلطة صدام دون أستثناء ، وتدعو الى معالجة عقلانية وحلول عملية للمشاكل العراقية وتدعو الى مصالحة وطنية بحجم محنة العراق وماخلفته الدكتاتورية طيلة سنوات حكمها الرهيبة ، وأن تضع العراق ومستقبل شعب العراق أمام عيونها حتى يمكن للجميع المساهمة الوطنية المشتركة ، وأخذ المساحة التي يستحقها من أجل بناء الوطن وأستعادة القيم العراقية الأصيلة ، فالعراق بحاجة للتوحد والتضامن ، والعراق بحاجة للتكاتف والأتحام الوطني ، والعراق بحاجة للعمل المشترك من أجل أعادة ماتم تدميره في كل الأصعدة من قبل السلطة البائدة .