مروان توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 2304 - 2008 / 6 / 6 - 02:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التوقيت
عند تساوي ساعات الليل مع ساعات النهار في بداية الربيع من كل عام في التقويم المعاصر يأتي عيد الفصح ,وفيه أو في اليوم الذي يليه يصبح النهار أطول من الليل ويتغلب الضوء متمثلا بالشمس على الظلام بعد الشتاء الطويل وهكذا حتى قدوم الخريف لتنعكس الاية فتزداد دقائق الليل فيه تدريجيا وتتناقص دقائق النهار ليتغلب الظلام على الضياء حيث تنزل الشمس جنوبا عن محورها تديجيا حتى يوم 21-22 ديسمبر (كانون الاول) ثم تتوقف عن ذلك لمدة ثلاثة ايام وبعدها تعود لتصعد شمالا في يوم 25 ديسمبر. في تلك الايام الثلاث من يوم 22 ألى يوم 25علل القدماء ذلك التوقف لحركة الشمس ثم العودة من جديد في يوم 25 ديسمبر بأنه ميلاد الشمس!
وكما احتفلت الاقوام الماضية على اختلاف منشأها وتقاليدها بميلاد الشمس في يوم 25 ديسمبر فأنها كذلك احتفلت بيوم الربيع الاول وبتغلب الضياء من جديد متمثلا بالشمس على الظلام ( وهو صدد موضوعنا في هذا المقال), وتقدست تلك الاحتفالات حيث كانت طقوس أكثر مما هي احتفالات عابرة وتميزت بدقة التوقيت الذي بني على علم الفلك . كان بعث الحياة وتجددها يستمد من انتصار الشمس على الظلمة في بداية الربيع وكأن بعث الحياة ذلك ما هو الا ميلاد الشمس من جديد و(قيامة) للضوء بعد اندحار.
في أيام الفصح يُحتفل بقيامة المخلص يسوع(ع) من قبره حيث بعث في ذلك اليوم في ميلاد جديد ولذا اطلق على يوم البعث ذلك بعيد القيامة, حيث يعود للحياة بعد أن مات على الصليب فداء لبني البشر, وما تغير توقيت عيد الفصح وتوقيت القيامة من الموت في كل عام الا بسبب الاستناد على توقيت تعادل النهار مع الليل في بدايات الربيع من كل عام, حيث يزحف التوقيت في التقويم ويتأخر حسب دورة الشمس والارض في الافلاك , فليس هناك يوما معينا ثابتا لعيد القيامة في التقويم وأنما الاعتماد على تساوي طول الليل مع النهار الذي بدوره يتغير في كل عام في دورة الفلك.
الاساطير في التاريخ
نتيجة لانبعاث الحياة في الربيع من جديد متمثلة بالشمس واحتفال الناس بذلك البعث, زخرت كتب التاريخ تحكي اساطير الشعوب في الاجيال الغابرة, تلك الاساطير التي مجدت ذلك اليوم (يوم الربيع) وقدسته . عموما يمكننا القول أن قصة (عودة الربيع) تدور حول موت وبعث وتمثلت في حضارات مختلفة بتشابه عجيب يحكي تفكير الانسان المتشابه ويحكي حب الشعوب للاساطير والحكايات رغم تباين الازمنة والامكنة .
ففي بابل وادي الرافدين هناك مرة عشتار وتموز واخرى سميرأميس ونمرود, وفي سوريا عشتاروت وبعل , في اليونان هناك نجد أفروديت وأدونيس , وفي مصر أيزيس واوزيريس. تتداخل هذه الاساطير مع بعضها وتستعار الاسماء وتبدل وتتغير مع الزمان والموقع الجغرافي ولكنها تحمل ذات المعنى للاسطورة الاولى, والاسطورة الاولى هي الاقدم وهي اصل الاساطير حيث تأخذ الاولوية بحكم الزمان, وكما يقال بأن وادي الرافدين هو مهد الحضارات واقدمها فمن السهل تقصي اصل الاساطير وتتبع منشأها في بلاد الرافدين. ولفهم هذا التداخل في التسميات للالهة علينا بقراءة سريعة لاسطورة سميرأميس في بلاد الرافدين وتتطور اسمها ودورها في يوم الربيع المقدس حيث هي الاقدم بين باقي الاساطير.
سميراميس زوجة كوش تتزوج ابنها بعد وفاة كوش والابن هو نمرود كما يؤكد ذلك سفر التكوين في التوراة 10-8-10, النمرود يصعد الى السماء بعد موته ويسمى بأسم جديد وهو بعل(اله الشمس), ادعت سميراميس أن نمرود (بعل) عاد الى الارض بشكل النار والضوء ولذا جرت عادة ايقاد الشموع في المعابد استحضارا للاله نمرود, ثم تدعي سميراميس انها (سميراميس) اصلا جاءت من القمر وجاءت الى الارض بشكل بيضة سقطت في الفرات في يوم تعادل النهار مع الليل وهو أو يوم في الربيع- في الاساطير الاخرى فينوس الهة الجمال ايضا ولدت من بيضة سقطت من السماء- ومن الرواية تقدست البيضة فصارت طقس من طقوس عيد الربيع حيث يحتفل بتلوين البيض في عيد الربيع ابتهاجا بسميراميس. عند تقادم الاسطورة مع الزمن وتباين الامكنة سميت سميراميس ب(عشتار) وسميت البيضة المقدسة ببيضة عشتار! وادعت الاسطورة أن عشتار حملت من بعل بواسطة ضياءه (حيث ان بعل صار في السماء وهو اله الشمس) لذا حملت من اشعاع نوره فحملها حصل من غير مواقعة جنسية وكأنه حمل حصل لعذراء, ويأتي وليدها المقدس تموز ثم يأتي اليوم الذي يقتل تموز وهو في رحلة صيده حيث يقتله خنزير بري, وتقول عشتار للناس أن تموز صعد الى ابيه اله الشمس بعل , عند ذلك سميت عشتار بأم الاله وملكة السماء, وجرت العادة بصوم الاربعين يوما حزنا على تموز ويمتنع الصائم عن اكل اللحوم ثم ينتهي الصوم عند يوم الربيع الأول وفي أول يوم بعد يوم الربيع وعندها يعود تموز للحياة و يحتفل بوليمة خنزير انتقاما للاله تموز الذي قتله الخنزير البري. (ومن المفيد أن نذكر أن الطائفة اليزيدية المعاصرة في شمال العراق والتي تعود في القدم بتعاليمها الى العهد البابلي تصوم الاربعين يوما لحد عهدنا المعاصر , كما تحتفل بيوم عيد مولد الملاك قبل قيامته حيث ولد الملاك في يوم 25 ديسمبر
( كانون الاول ) -انظر بداية المقالة-, وتسمى الوليمة او الاحتفال بوليمة يزد , ولانريد التفصيل في هذا لئلا نخرج عن الموضوع الاصلي).
ونزحف قليلا الى الشمال حيث الالهة (سبل) الهة الخصب العذراء في فرجيا , تضع (سبل) وليدها (أتيس) الذي يصلب ليموت ثم يبعث كل عام في بدايات الربيع في أواخر أذار!
وكذلك يقوم اوزيريس ويدعى احيانا (كريست)! المصري –واحيانا الاله حورس- من موته ليبعث في عيد الربيع ويرحل نحو أبيه الاله (رع) الهة الشمس تماما كما حصل لتموز البابلي من قبل.
تقام نفس الاحتفالات ببعث الحياة في عيد الربيع في أوربا تمجيدا لملكة السماء في اساطير اوربا واسمها استر أو ايستور
Easter, Estore
لاحظ ايها القارئ التشابه في الاسم بين عشتار واستر وايستور وعشتار, وكذلك التشابه في التواريخ.
أصل التسمية
لعيد الفصح عدة الفاظ حسب اختلاف اللغات ولكنه يحمل معنيان رئيسيان احدهما المعنى اللاتيني (الأوربي) , والثاني المعنى الاخر الشرقي كما ذكر في الكتاب المقدس (ومن المفيد ان اللفظ اللاتيني (ايستر) ذكر في ترجمة جيمس في ذكره لحادثة حدثت في ذلك التاريخ حيث يقول الكتاب المقدس في اعمال الرسل 12:4 (ولما تم القبض عليه وضعه في السجن تحت حراسة اربع مجموعات من الجنود الجنود قاصدا جلبه بعد ذلك في يوم (الايستر) ليمثل أمام الناس), وهو قول يبين لنا معرفة الناس بذلك اليوم قبل حصول الصلب, ويسوق البعض أن ادخال كلمة ايستر في الترجمة دليل على وجودها في الواقع قبل عملية صلب المسيح , فقد كان الناس يؤرخون ويذكرون يوم (ايستر) قبل حادثة صلب المسيح! فتأمل ايها القارئ.
لنبدأ باللفظ اللاتيني الاوربي, ثم نعود للفظ الشرقي .
الاسم اللاتيني أو الاوربي حاليا لعيد الفصح هو (ايستر) ,
أستور أو ايستر تعتبر ألهة الربيع والفجر في الانجلوساكسون ( انجلترا) وهي ذات الالهة في اوربا ماقبل قدوم المسيحية , وكان يحتفل بعيد استر أو ايستور أو ايستر في بداية الربيع عند تساوي الليل والنهار. لاحظ التشابه في الاسم بين ايستر وعشتار حيث يمكننا تقصي التسلسل التاريخي والعودة الى عشتار البابلية في التي كانت تكنى بملكة السماء في بلاد الرافدين . في المانيا تسمى (ايستر) بأسم (اوستيرن) ويقال ان الجذر اللغوي لكلمة (اوستيرن) في الالمانية يعود الى معنى (بعث الحياة), وهناك استنتاج اخر يقول أن المعنى يعود الى (ايست) أي الى الشرق حيث تشرق الشمس من الشرق(ايست) وهو استنتاج ضعيف اذا ماقورن بغيره, حيث علمنا أن معنى اسم ايستر هو اسم لالهة الربيع في اوربا في اللغة اللاتينية القديمة فهذا التحليل اقوى, ويمكننا القبول بأصل المعنى اذا ما عدنا الى بابل حيث عشتار التي كانت تمثل الخصب والربيع فليس من المستبعد أن اصل الكلمة من بلاد مهد الحضارات وسرى الاسم الى اوربا ليتحول الى ايستر الهة الخصب والربيع.
اما الاسم الشرقي فهو عيد الفصح ,والفصح أخذ من اليهود حيث سموا ذلك اليوم (بسياح) ثم حور في العربية الى فصح , وتعني (بسياح) العبور أو الأجتياز , ولمعنى (العبور) أصلان:
* الاصل الاول هو أن عبور اليهود للبحر أثناء هربهم من فرعون كان في يوم عيد الربيع- حيث يحتفل المصريون الفراعنة بعيد الربيع ايضا وهو عيد بعث الحياة عندهم – فأختار موسى (ع) ذلك اليوم ليباغت المصريين حيث كانوا في احتفال اليوم المقدس ذلك (عيد الربيع), ولما عبر اليهود البحر أختاروا ذلك اليوم عيدا لهم وسموه بيوم العبور واعتبروه أول يوم في التقويم اليهودي . ومن المفيد أن نذكر أن عيد شم النسيم الذي لازال حاليا قائما في مصر هو نفسه عيد الربيع فأصل الاسم كان يسمى عيد (شموش) بالمصرية القديمة (القبطية) وتعني شموش عودة الحياة ثم تغير الاسم مع الزمن ليصبح عيد (شم) ثم اضيف اليها النسيم وتعني نسمة الربيع التي تعلن وصول العيد , ويحتفل بعيد شم النسيم في مصر كل عام في أول يوم من أيام الربيع منذ عهود الفراعنة . كان المصريون القدامى يؤمنون أن الاله (رع) الهة الشمس يمر بسفينته في سماء مصر في عيد الربيع (شم النسيم) ليرسو حينا على قمة الهرم ثم يستأنف المسير ولفتت هذه الظاهرة العالم الفرنسي اندريه بوشيه عام 1934 ليدرس هذه الظاهرة ويخرج بأن ضوء الشمس في عيد الربيع ينشطر وكأنما (يصلب) في جهة الهرم الى شطرين متساويين تماما في ذلك اليوم فقط, أما باقي أيام السنة فلا تتم عملية الشطر المتساوية لاختلاف زاوية الشروق والغروب, مما يبين لنا أن بناء الهرم اخذ بالاعتبار هذا اليوم وتوقيت الشمس ( الاله رع) فيه, وهي حقيقة تـؤكدها معرفة المصريين بعلوم الفلك.
يختلف التوقيت احيانا بين عيد الفصح المسيحي وبين عيد الفصح اليهودي واحيانا يتقارب والسبب ان التقويم العبري يستخدم السنة القمرية وبذلك حصل الاختلاف , اما التوقيت المسيحي للفصح فقد ثبت بأن يكون في أول يوم أحد بعد أن يكون القمر بدرا وعند تساوي الليل والنهار في أول الربيع!
* الاصل الثاني لأسم الفصح (بسياح): تعود التسمية الى تعليل التوراة لها في سفر الخروج حيث ذكر أن ملك الموت لما كان ينزل بالموت والعذاب على أهل مصر الفرعونية كان يمر على بيوت اليهود ولكن عذابه لايصيبهم اذا ماهم لطخوا عتبات أبوابهم بدم القرابين, فعندما يرى الملاك أن عتبة الباب عليها أثار دماء القرابين كان ( يعبر ويجتاز= بسياح) ويمر بسلام دون أن ينزل عليهم العذاب فكلمة (بسياح) تعني عبور عذاب الله أو عبور الموت وتجاوزه عن بيوت اليهود . وأن كان اصل المعنى الاول ارجح من هذا التفسير والدليل أن اليهود جعلوا يوم عبورهم البحر أول يوم في تقويمهم الديني والرسمي .
طقوس عيد الفصح في التاريخ
صوم الاربيعن: يطلق على صوم الاربيعن في اوربا و في البلاد التي تتكلم الانكليزية بكلمة (لنت) وتعني (لنت) في الالمانية ربيع وفي لغة الانجلوساكسون تشير (لنت) الى شهر اذار , ومن تحليل التسمية يبدو لنا أن الصوم له علاقة بفصل الربيع وبدايته. يمتنع الصائم المسيحي حسب طائفته عن تناول بعض الاطعمة فالبعض يهجر اللحم تماما طوال الاربعين يوما, والبعض يكتفي بالصوم في بعض أيام الاربعين ويقلل الوجبات في باقي الايام, وبعض الطوائف تمتنع عن كل ماهو حيواني كالبيض والحليب وحتى عن زيت الزيتون وتتوقف المعاشرة الزوجية في البعض لطوال مدة الاربيعن يوما. ليس هناك قانون واضح في كيفية الصوم ولكن يطلق على فترة الاربعين يوما قبل يوم الفصح بصوم الاربعين.
يقال أن الكتاب المقدس لم يذكر الصوم ولم يسن ذلك ,وليس هناك تعاليم عن كيفية الصوم هذه فمن أين أتى هذا الصوم ودخل المسيحية؟
يقول الباحث الانجيلي جوناس كاسينوس وهو من القرن الخامس عشر الميلادي بأنه بحث عن أصل الصوم في الكتاب المقدس فلم يجد له أصلا!
كما يعلل الباحث جون لاندسير بأن صوم الاربعين ماهو الا عادة توارثتها الاجيال من العهود الوثنية حيث لم يكن صوم الاربعين واحيانا الستين يوما الا تبجيلا للالهة! فقد كان هذا الصوم معروفا في مصر تبجيلا للالهة أوزيريس وفي بلاد الرافدين كان تبجيلا للأله تموز وكذلك كان في سوريا وفي البلاد التي قدست أدونيس.
ويعقب الباحث الكساندر هسلوب بلفتة مفيدة حيث يقول ما معناه أن صوم الاربعين هو صوم بابلي ويستنتج أن بقايا طقوس هذا الصوم نفسه لاتزال قائمة في عصرنا الحالي عند الطائفة اليزيدية في شمال العراق (والصلة معروفة بين الديانة اليزيدية والديانات القديمة في بلاد مابين النهرين لمن تقصى أصول هذه الاديان) , ويضيف قائلا أن المصريين في عهود الفراعنة صاموا الايام التي سبقت عيد الربيع .
ولكني كاتب هذا المقال وجدت في انجيل لوقا 4:1:2 يقول ما معناه أن (المسيح(ع) كان في البرية لمدة أربعين يوما لم يأكل خلال تلك الايام شيئا وكان جائعا في اخرها ) وهو قول يؤتنس به كدليل على وجود الصوم في المسيحية , وأن كان التفصيل في كيفية الصوم غير واضح ولايوجد تأكيد على الصوم وكيفيته مما دفع الباحثون الذين ذكرناهم ألى انكار وجود الصوم في الكتاب المقدس!
توقيت الصوم هو الذي يفتح باب الشك, فعملية الصلب تمت قبل عيد الربيع وبعث المسيح في يوم الفصح وهو أول أيام الربيع وهذا التاريخ يشككنا لأنه يصادف بعث الالهة الوثنية في ذلك اليوم بالذات في الديانات السابقة ,وكأن يوم الصلب قد اقحم اقحاما في اسبوع الفصح وعلى خطى الديانات السابقة التي تبعث الهتها في يوم الربيع. وهناك نكتة يقولها متحججا من يدافع عن قيامة المسيح في يوم عيد الربيع وهي أن الشيطان أغوى البشرية وجعلها تمجد بعث الهتها الوثنية في يوم الربيع لتختلط الحكايات على الناس في صلب وقيامة المسيح وبذلك استطاع الشيطان تشتيت البشر عن اليوم الحقيقي لقيامة المسيح(ع) في يوم الربيع وذلك بترويجه لموت وبعث الهة وثنية تقمصت المسيح قبل قدومه كالاله تموز وغيره , فالشيطان جعل تلك الاوثان تتقمص شخصية المسيح(ع) ليضيع الناس عن الحقائق ويمجدوا تلك الاوثان بدل تمجيدهم للمسيح (ع) ! ولاندري هل الشيطان يعلم الغيب ويعلم بقدوم الانبياء وظهورهم , فعلم بقدوم عيسى(ع) قبل ظهوره بالاف السنين حتى قام بخلق نسخ مزورة من النبي عيسى(ع) في الشعوب الغابرة فصار كل اله وثني يصلب ثم يقوم في اول الربيع ليبعث الى ابيه ! ياللعجب, أم أن كل معضلة يواجهها التفكير الديني ويعجز عن اجابتها علميا يقوم بتعليقها على حجة الشيطان وعلى اغواء الابالسة! علما أن الالهة السابقون الذين تقول اساطيرهم أنهم يبعثون في يوم الربيع ماهم الا حقائق تاريخية موثقة بالشواهد , فليس هناك نسخ مزورة وانما حقائق واقعة سبقت صلب المسيح(ع) بسنين طويلة تحكي عين القيامة والبعث لابن الاله في اول الربيع,
وعلى نمط التحليل الديني و ردا على تلك الحجة يمكننا القول : ما ذنب عشرات الاجيال السابقة في عبادتها لوثن متقمصا الاله المخلص؟ , وماواجب الرسل والانبياء أليس عليهم أن يبينوا للناس حقيقة هذه الاوثان المتقمصة للمسيح(ع), ولكننا لانجد ذلك في تعاليم الانبياء والرسل فهم لم يذكروا تقمص وثن لشخصية المسيح(ع), وانما كانت دعوتهم تنهى عن عبادة الاوثان دون ذكر شئ عن التقمص , وأليس الاولى أن يبين الانبياء والرسل عملية التقمص العجيبة تلك في كتبهم, ولكننا لن نجد رواية لنبي تحدث عن هذا التقمص في التوراة أو في غيره.
كما ان هذه الحجة لاتصمد أمام البحث العلمي والموضوعي, لأن وجود عشرات الالهة التي تشابهت ولادتها وموتها وبعثها مع قصة المسيح(ع) يدل على أن التفكير الانساني الساذج هو الغالب على لتفكير العميق المستنير, فالشعوب تعشق الاساطير والروايات المثيرة والافلام السينمائية المخيفة والمسلية وتأنف من قبول الحقيقة وقليل من الناس من يعزف عن ذلك ويبحث عن الحقيقة , وكيفية اندساس الاساطير وتراث الشعوب الوثني في واقع الحياة الانساني وفي تراث الاديان السماوية يبين لنا ذلك ويوضح تهافت هذه الحجة, فالولادة والبعث والقيامة للاوثان السابقة هي الاصل وما أتى بعد ذلك بحكم الزمن انما هو تقليد لما صار في الماضي , وانتشار الاساطير كالعدوى في الشعوب الغابرة هو الذي جعل القصة تتكرر في ازمنة وامكنة مختلفة , ويعضد ذلك سهولتها وحبكتها المثيرة المطعمة بالعواطف حيث موت وفرقة احباء وبعث من جديد , عواطف تستميل الناس الى حبها وتقبلها فاحتضنتها قلوب الناس قبل عقولهم حتى صارت من تراثهم وطقوسهم. وسنبين ذلك في اخر المقال بتفصيل اكثر حول كيفية اندساس الاساطير في الاديان وتغلبها على الدين نفسه نتيجة لسذاجة الناس وسخف عقولهم.
في عام 519 ميلادي صدر قرار بابوي في روما وفيه حدد الصوم بأربعين يوما وعلى أن يكون تماما قبل عيد الفصح وينتهي في عيد الفصح (عيد الربيع), ويبين لنا هذا القرار أن قبل سنة 519 ميلادية كان الصوم غير محدد ,ويبين الكاتب هسلوب ان الصوم في بعض المناطق كان ستين يوما وفي بعضها اربعين يوما ,وفي فلسطين والعراق لم يكن الصوم على اختلاف طول مدته الا تمجيدا للالهة عشتار(ايستر). اذن حدد الصوم بعد 519 من ميلاد المسيح(ع) وقبل ذلك لم يكن معروفا بوضوح.
البيض الملون:
يحتفل العالم في أول يوم الربيع وهو عيد الفصح بتلوين البيض وزخرفته وقد صار تلوين البيض طقسا من طقوس عيد الفصح في كل مكان فما هو أصل البيض وتلوينه؟ يعتبر البيض رمزا للخصب والتكاثر وتذكره في عيد الفصح ليس بالفعل الجديد فأن الاكلة الرئيسية في عيد شم النسيم المصري(عيد الربيع) هي البيض , وتلوين البيض في الديانة الزرادشتية- في يوم عيد النوروز وهو أول أيام الربيع- أمر يمكن مشاهدته في عصرنا الحالي على موائد العيد الزرادشتي حيث تقام منضدة توضع عليها اطباق طعام وبيض ملون باللون الاحمر. فمن أين اتى تلوين البيض؟ في عصرنا الحالي وفي أيام الفصح؟ .
النص الاتي مترجم بتصرف وعلى شكل نتف من بحث طويل للباحث جيمس بونويك قد يغنينا عن تعب التنقيب والبحث عن جواب , فهو يقول ( علق البيض في المعابد المصرية , حيث جسد البيض تجدد الحياة, كان البيض الملون في المعابد المصرية يعلن بداية الربيع وعهد جديد من تجدد... بعد سقوط البيضة الاسطورة في نهر الفرات فأنها فقست عن عشتار أو عن فينوس..)
ثم يتحفنا الباحث الكساندر هسلوب بنص اخر ( تقول الاسطورة البابلية أن بيضة من السماء سقطت في نهر الفرات ودفعتها الاسماك نحو الساحل, ثم جلس الحمام عليها حتى فقست وولدت عشتار ثم دعيت عشتار بأسم فينوس في سوريا.. ومنذ ذلك الحين صارت البيضة مقدسة) انتهى كلام هسلوب.
ويستنتج الباحث كوبر بأن (الولادة من البيض انما هو تعبير عن الولادة من عذراء.)
حيوان الارنب في عيد الفصح:
بيع وشراء الحلويات والشكولاتا المصبوبة على شكل ارنب امر شائع في أيام عيد الفصح, وكذلك الدمى والتصاوير التي تصور الارنب, وقد اصبح اسم الارنب والبيض جزءا لاينفصل عن عيد الفصح , فما هو دخل الارنب بالصلب والقيامة ؟ النصين التاليين يغنيانا عن الخوض لايجاد تعليل لوجود الارنب في عيد الفصح.
يقول الباحث باناتي( ايستر الهة الخصب ويعني اسمها مع بعض التحوير فصل الربيع ايضا, هذه الالهة ايستر رُمز لها بالارنب البري في الماضي ثم اصبح الارنب المألوف بدلا عن الارنب البري رمزا لها ومنها جاء اسم ارنبة الفصح).
يقول الكاتب كوبر في كتابه تحت بيضة الفصح( الارنب البري هو رمز الولادة وتجدد الحياة في بداية فصل الربيع وهذا الرمز معروف قبل المسيحية, نعم الارنب البري أو الارنب ماهو الا تجسيد للالهة ايستر , الهة الربيع والفجر في اوربا).
اندساس الاسطورة في الدين
في التوراة وفي رؤيا حزقيال 8:13:16 نقرأ بعض النصوص التي تزدري الذين تركوا دينهم (اليهودي) وعادوا الى عبادة الهتهم القديمة.
...( ثم أتى بي الى مدخل بوابة بيت الرب وهي موجهة نحو الشمال ثم قال لي, توقف وانظر, هناك امرأة جالسة تنحب على تموز, ثم قال لي الا ترى هذا ياابن الانسان, ولكن مرة اخرى سترى من شكل هذا الكفر ما هو اعظم منه) وكذلك في نفس الرؤيا
(....هناك مايقارب 25 رجلا قد اداروا ظهورهم لبيت الرب وولوا وجوههم نحو الشرق, انهم يعبدون الشمس... )
من النص أعلاه يبدو لنا أن اندساس الاساطير في الديانة اليهودية موجود وكذلك يحصل في أي دين اخر , وتغلب عبادة الشمس على عبادة خالق الكون في الاقوام التي ذكرها التوراة قد حصل, وتزخر كتب التاريخ بقصص ترك اليهود لعبادة الله واختيارهم العجل مرة والاله بعل مرات اخرى, كما يرينا النص التالي من التوراة في سفر القضاة2:11:13
( ...اولاد اسرائيل فعلوا الخطيئة في عين الرب.. حيث هم نبذوا عبادة الرب, وعبدوا بعل وعشتاروت....)
فاندساس الاساطير السابقة في الديانة قد حصل وتأثيرها موجود . واليك القارئ نص التوراة الاتي من سفر الملوك 11:4:6 حول النبي سليمان(ع)
(ثم جاء الوقت الذي اصبح فيه سليمان شيخا كبيرا, وعندها قامت زوجاته باستمالة قلبه نحو عبادة الهة أخر.. حيث سليمان اتجه نحو عبادة (عشتاروت) الهة الزيدونين.. ومافعله سليمان انما هو خطيئة في عين الرب, حيث لم يتجه نحو عبادة الرب كما فعل ابيه داوود)! ويبين التوراة بعد ذلك كيف أن الملك ضاع من ورثة سليمان و انتهى لفعله الخطيئة بعبادة عشتاروت. (عشتاروت هي عينها عشتار البابلية وتغيرت اللفظة بحكم المكان واللغة).
النص السابق حول سليمان يبين لنا بوضوح تسلل الاسطورة في الدين وتغلبها ليس على السذج وعامة الناس فقط, وانما حتى على النبي المرسل والملك الحاكم.
للذين لايقبلون هذه النصوص كونها تنتقص من نبي مرسل نقول أن النص موجود في التوراة فأما
1-أن يكون سليمان برئ من هذا الدس على شخصيته كما يقول من يؤمن بعصمة الانبياء وعلى رأسهم الامامية في عصرنا وبالتالي هم يرفضون هذه النصوص, حيث يقولون ان هذا النص مزور والحط من الانبياء يقلب الدين رأسا على عقب, ولكن هذا يخرجنا عن الموضوع الاصلي فنحن لسنا في صدد مقارنة الاديان, وانما في صدد تأثير الاسطورة واندساسها في النصوص, والنص جلي كالشمس في اندساس اسطورة عشتار في الدين, والذي يرفض النص معناه انه يرفض الكتاب المقدس باكمله وبذلك يتلاشى البحث في الموضوع تماما.
2- وأما أن يكون سليمان فعلها فعلا وعبد عشتاروت كما يقول التوراة .
3- أو أن نصوص التوراة مكتوبه بواسطة احبار زورا التوراة وغيروا الكلام عن مواضعه ولكن هذا لايغير من الموضوع شيئا فالنص المزور المكتوب من مئات السنين انما هو وثيقة تاريخية تحكى حالة واقعية مرت بها الشعوب.
واذن عشتار ملكة السماء دخلت الدين شئنا أم ابينا وتمجيدها وتمجيد وليدها تموز اصبح واقعا ساريا الى عصرنا هذا وأن تغير اللفظ وتغير الاسم حيث يصبح مرة الهة الساكسون وربة الربيع والخصب( ايستر) ومرة (عشتاروت) واخرى (سبل) وهكذا فقد سرت الاسطورة الى العالم وتموز البابلي نجده يصبح
(كريشنا )أو (ديونسيس) أو (بوذا) أو (مثراس الهة الشمس) أو (المسيح ع) وفي كل حضارة اسم جديد والحكاية واحدة!..أن هذه الاسطورة اندست في الاديان السماوية وعشعشت في نصوصها وتداخلت في طقوسها وصارت واقع يحتفل به في يوم الربيع في عصرنا . أن هذا التشابه بين عيد الفصح وعيد الربيع في التسمية و التوقيت وفي بعث الاله في أول يوم الربيع وقيامته من موته وفي كون أمه حملت به من غير مواقعة , وفي طقوس الصوم والبيض الملون والارنب ,تشابه لايمكن تجاهله فهو ليس بتشابه في خاصية واحدة أو اثنتين لنقول هذا من قبيل المصادفة وانما التشابه في كافة الخواص والمزايا , وسيفتح هذا التشابه الباب لمن كانت هذه الحقائق جديدة عليه ليتقصى الحقيقة ويزداد معرفة.
مروان توفيق.... حزيران 2008
المصادر
1-The Holy Bible
2-Graves , kersey. The worlds’ sixteen crucified saviors ( 1875)
3-Hislop, Alexandr. The two Babylons( 1916)
4-Panti , Charles. Sacred Origins of Profund Things(1996)
5-Koster. Come Out of Her my People(1996)
6-John, Pratt. Newton’s date for the Crucifixion http://www.Johnpratt.com/items/doors/newton.htm
7- Larry Boemier. Asherah and Easter http://www.worldmissions.org
8-Panti, Charles. Panati’s Extaordinary origins of Everyday Things.
#مروان_توفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟