|
مسّلة الجوع : أين سلال الغذاء العربية !!
سيار الجميل
الحوار المتمدن-العدد: 2303 - 2008 / 6 / 5 - 10:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كانت قد اكتشفت وثيقة فرعونية قديمة بمصر تتضمن خطاب احد ملوكها في مسّلة تؤرخ للجوع البشري لأول مرة قبل خمسة الاف سنة ، قال فيها : "إنني أنوح من أعلى عرشي المرتفع، بسبب البؤس الشامل الذي شاء ألا تأتي مياه النيل طوال سبع سنوات في أيامي. إن الحبوب نادرة، وكل فرد اصبح سارقاً لجاره. ويريد الناس أن يركظوا ولكنهم لا يستطيعون. الأطفال يبكون، والشبان يترنحون كالشيوخ، فقد تحطمت نفوسهم، وأيديهم تظل على صدورهم. ومجلس كبار البلاط مقفر. والخزائن فُتحت، ولكنها لا تحتوي على شيء سوى الهواء. لقد نفذ كل شيء". واستعيد ها هنا هذا " النص " نظرا للهلع الذي يصيبنا نحن في منطقتنا جراء المعاناة من المعيشة اليومية وارتفاع الاسعار للغذاء والدواء والمحروقات والسكن .. وصراع مجتمعاتنا من اجل البقاء ، ولكن الفرص غير متكافئة ابدا في حياة اي مجتمع من مجتمعاتنا .. انني اليوم لا اريد ان اقدّم بانوراما تشاؤمية لمن لا مشكلة مستعصية عنده ، ويعيش رخاء بسبب امكاناته او ثرواته او سلطته في اي مجتمع ، ولكن ينبغي ان يدرك الجميع بدءا بالمسؤولين الحاكمين وانتهاء بالمواطنين العاديين ان ثمة مجاعة قادمة ينبغي التنبيه لها في ظل اوضاع لا تبشّر بخير ابدا .. وينبغي الرد على كل الخاملين والكسالى والمثرثرين والعاطلين الذين ليس لهم اي شعور بالمسؤولية وخطورة ما تتعّرض له مجتمعاتنا التي فتحنا عيوننا منذ صغرنا على مشاكلها ، وكنّا ولم نزل نصغي لمن يردد دوما ان مصائبنا ثلاث : الفقر والجوع والمرض . هنا نسأل من قبيل استعادة التفكير بالمصير ، للعمل على خلق استراتيجية جديدة من اجل المستقبل .. خصوصا وان الغذاء اصبح جزءا حيويا من الصفقات السياسية بين الدول القوية والنظم السياسية الضعيفة . يتساءل البعض : لماذا خبا وهج الناس سياسيا وثقافيا وفكريا ؟ من دون ان يفكّر كيف يعيش الناس في عواصمهم المزدحمة ومدنهم الكئيبة واريافهم الكسيحة . ان كل مجتمعاتنا لا تفّكر الا في ارزاقها وكيف تعيش . لم تعد الهموم السياسية والاوجاع القومية تشغل البال .. لم تعد الاصلاحات والديمقراطية استراتيجية اولوية في التفكير العربي اليوم .. وبنفس الوقت ، لم يعد الشباب يلتصقون بالواقع وبات الجيل الجديد وكأنه منفصم عن واقعه وهارب الى وهج الماضي ومتاهة المجهول ، فلم نجد عنده اية آمال ولا اية مشروعات كالتي كان تتّغنى بها الاجيال السابقة. لقد نجحت السياسات المعاصرة اليوم سواء من النظم السياسية او على يد الاحزاب والتيارات المسيطرة ان تشغل الجيل الجديد بالاوهام والتصورات والشعارات والاغاني الصاخبة وكل الفراغات .. ان الجوع سيغدو مسلّة عربية قريبا ، وستندر فرص الاستدامة في الحياة ، وسيهدد وجودنا في المستقبل .. السكان في حالة ازدياد ديموغرافي غير طبيعية ، المياه قليلة وتشح يوما بعد آخر .. اخفاق كل كياناتنا السياسية في تبني استراتيجيات وقائية بعد ان اخفقت اهم بلداننا العربية الزراعية في بناء ثورات زراعية ! اذ كانت سهول العراق وبنادر مصر وغابات السودان ومروج سوريا تعتبر كلها بلا استثناء سلال غذاء عربية لو طبقت فيها مشروعات اروائية وزراعية متطورة كما جرى في بلدان اوربية وآسيوية اخرى ، ومنها بلدان مجاورة ! ان كلا من تركيا واسرائيل يعدان من اهم بلدان المنطقة تطويرا للثروات الانتاجية الزراعية والحيوانية والتربية السمكية وعلوم الجينات الزراعية . علينا ان نسأل أنفسنا : ما الذي اعاقنا منذ خمسين سنة في جعل عدة بيئات عربية غنية بعناصر الانتاج والمياه والانسان تموت سلالها الغذائية ، وباتت تعيش على الاستيرادات او على المساعدات ؟ ما الذي جنته النظم السياسية العربية بحق مجتمعاتنا العربية التي لا تعرف ما الذي تأكله وتقتات عليه اليوم ؟ بل وباتت بعض حكوماتنا لا تستطيع تنفيذ اية سياسات داخلية زراعية كونها ربطت نفسها بمصالح امريكية ومواثيق دولية ! ما جناية الملايين من الناس الذين تركوا اراضيهم الزراعية ليقطنوا حول احزمة المدن البائسة ، ويغدو هؤلاء عالة حقيقية على المدن ، بل وقنابل موقوتة ضدها ؟ ما الذي جعل مجتمعاتنا تركض لهاثا وراء الدولة من اجل راتب شهري دون انتاج حقيقي يومي ؟ ما الذي ضّييع فرص الاكتفاء الذاتي في دول عربية كانت تصدر الى العالم كله القمح والشعير والقطن والجلود والصمغ والارز والتبوغ .. ؟ ما الذي فعلته نظم الاصلاح الزراعي التي تشدقّت بها النظم الثورية العربية في اهم بلداننا الزراعية ؟ ما الذي فعلته دول المغرب العربي ازاء شح المياه الجوفية وشح الامطار ؟ لماذا اعتمدت مجتمعاتنا في غذائها على ما هو مستورد من الخارج ، وخصوصا القمح والشعير والارز باعتبارها اساس الغذاء اليومي لعيش الانسان ؟ اين تونس الخضراء واين اليمن السعيد ؟ اين بلاد وادي الرافدين ؟ اين مصر هبة النيل ؟ اين سهوب الجزائر ؟ اين الريف المغربي ؟ اين الجبال ؟ اين السواحل والدواخل ؟ واخيرا : ما الذي يمكننا فعله اليوم ؟ اقول مناشدا كل عالمنا العربي العمل الجاد لبدء استراتيجية جديدة خاصة بالانتاج الزراعي ، والعمل على حلحلة المشكلات الداخلية ، والاسراع باحياء المشروعات الاستراتيجية الانتاجية العربية التي لم تر النور ابدا ، والاستفادة من خبرات وتجارب العالم كله في هذا الجانب ، فالمسألة خطيرة جدا ، وينبغي التوقف عندها وتسهيل فرص العمل .. او دعونا ننتظر اجتياح المجاعة لكل مجتمعاتنا لا سمح الله .
#سيار_الجميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكالية - التاريخ - في الثقافة العراقية
-
وقفة عند مؤرخي اسرائيل الجدد
-
شرانق الماضوية والقطيعة التاريخية
-
امريكا مطالبة باعتذار تاريخي !!
-
قصة التحّول التاريخي من عالم بريطانيا القديم الى عالم امريكا
...
-
ثقافة الكراهية .. فجيعة التاريخ !
-
البرلمانيون العرب .. هل يمثلون مجتمعاتهم ؟
-
مار بولص فرج رحو : علامة تاريخية فارقة على طريق العراق
-
قمّة خطابية ام ورشة عمل قيادية !؟
-
ديميتري مدفيديف: الخروج من عباءة بوتين
-
كاسترو : استراحة آخر محارب
-
الى كبير اساقفة الموصل .. في محنته !
-
كوسوفو : الاستقلال أم الاضمحلال ؟
-
الظاهرة المدنية مستعارة والظاهرة الدينية مصنوعة
-
دمعة حزن على رحيل الصديق رجاء النقاش
-
ستشرق الشمس في بلاد الشمس
-
تقرير اتلانتيك : شرق اوسط جديد بعد العراق!
-
التدمير الخّلاق من أجل شرق أوسط جديد !
-
مكابدات تكنولوجيا الاعلام المعاصر
-
الموصل في اعناقكم جميعا مجرد اسئلة موجّهة الى المسؤولين الام
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|