|
اتفاقية نيفاشا ومستقبل الشراكة
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 2304 - 2008 / 6 / 6 - 08:46
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
لاشك في أن توقيع اتفاق نيفاشا للسلام كان انجازا هاما أوقف نزيف الحرب بين الشمال والجنوب الذي استمر لحوالى 22 عاما ، وفتح الطريق لمواصلةالصراع من اجل التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية وتوحيد البلاد على اسس طوعية ، ورفع المظالم والضرر الذي لحق بالمواطنين خلال السنوات الماضية ، وأهمهااستعادة حقوق الالاف من ضحايا الفصل التعسفي من العمل من المدنيين والعسكريين . المتابع لمسار تنفيذ اتفاقية نيفاشا حتى الآن ، يلحظ انه تم تنفيذ الهياكل الحكومية والدستورية التى اشارت لها الاتفاقية مثل اجازة الدستور الانتقالي لعام 2005 م ، تعيين النائب الاول والثاني ، تكوين حكومة الوحدة الوطنية ، المجلس الوطني ، مجالس الولايات ، نائب رئيس حكومة الجنوب ، المجلس التشريعي الانتقالي لجنوب السودان ، الدستور الانتقالي للجنوب ، دساتير الولايات ، حكومات الولايات ، بعثة التقديرات المشتركة JAM ، صندوق المانحين ، المفوضية القومية للبترول ، مفوضية التقويم ، المفوضية السياسية لوقف اطلاق النار ، المفوضية القومية للخدمات القضائية ، المحكمة الدستورية ، مجلس ادارة بنك السودان ، اصدار العملة الجديدة ، ..... الخ . ولكن مسار التنفيذ حتى الان يتعلق بالشكل لاالجوهر ، لأن الركائز الأساسية التى قامت عليها اتفاقية السلام لم يتم فيها شئ مثل التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات التى تتعارض مع الدستور الانتقالي ، ويعتبر ذلك جزءا هاما من اتفاقية نيفاشا ، كما جاء في الفقرة ( 2 – 15 ) من بروتوكول مشاكوس ( التحول الديمقراطي يعنى الانتقال بالسودان الى حكم يفسح المجال لكل القوى السياسية وينهى كل مظاهر الشمولية خلال فترة انتقالية يحكمها دستور يصون الحقوق الانسانية والسياسية لجميع شعب السودان ، وتم تضمين ذلك في الدستور الانتقالي ). ومن القضايا الجوهرية الثانية والتى تعتبر ركيزة هامة لنجاح الاتفاق معالجة التدهور الاقتصادي والاجتماعي وتحسين احوال الناس المعيشية ، وهذا المطلب مازال بعيد المنال ، رغم النص عليه في اتفاق نيفاشا الفقرة ( 2 – 5 – 1 ) والذي جاء فيها : ( ايجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان ، ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام ، بل ايضا بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية التى تحترم الحقوق الانسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني ) . ويعتبر هذان مطلبان هامان للجماهير ، فبدون تحقيقهما يظل الاتفاق منقوصا ، وقد أشار د . منصور خالد لذلك في مقالات نشرها في صحيفة الرأى العام ( 24 / 3 / 2007 م ) بقوله : ( المواطن في الجنوب ينتظر عائدات السلام ، على رأسها الأمن والتنمية بشكل ملحوظ ، فلن يرى المواطن الجنوبي معنى للسلام ، ناهيك أن يعنى بأمر الوحدة ، وتلك مسئولية حكومة الجنوب والحكومة القومية ) . هذا وقد لخص الممثل الخاص للأمين العام السابق – برونك – في بيانه الى مجلس الأمن الاوضاع في جنوب السودان والذي أشار فيه الى : - خطر المجموعات المسلحة الذي يشكل تهديدا . - استمرار حدة العنف : النزاعات القبلية ، النزاعات حول الأرض والماء ، نهب الماشية ، انتشار السلاح ، والمعارك الدائرة بين المستوطنين والرحل ، البطالة بين الشباب وانتشار الجريمة ، انعدام الانضباط بين الجنود الذين لم تدفع رواتبهم ، بالاضافة الى وجود مجموعات مسلحة أخرى ، وجيش الرب . - احتياج لمساعدات دولية لتدريب الجيش الشعبي ليصبح جيشا مهنيا وديمقراطيا . - يظل جنوب السودان في حاجة ماسة لاعادة البناء والحصول على المساعدات التنموية ، وقد اجبر انعدام الخدمات الأساسية مثل : الماء ، والصرف الصحى ، والرعاية الصحية والتعليم الناس على التشكيك فيما يحمله السلام من اختلاف في حياتهم وحياة اطفالهم . - ويختم حديثه عن الجنوب بقوله : يظل مواطنو جنوب السودان يعيشون في فقر ينفطر له القلب . ( الايام : 26 / 9 / 2006 ) . صحيح أن الاتفاقية اوقفت الحرب التى استمرت لاكثر من 22 عاما ، وهذا شئ ايجابي ، ولكن السؤال ماهى ضمانات استمرارية السلام ؟ أول هذه الضمانات تنفيذ الاتفاقية وماجاء في وثيقة حقوق الانسان في الدستور الانتقالي ، وانجاز التحول الديمقراطي بالغاء كل القوانين المقيدة للحريات والتى تتعارض مع الدستور الانتقالي . ثانيا : توفير احتياجات الناس الأساسية في الشمال والجنوب ( التعليم ، الصحة ، الخدمات ، تحسين الاوضاع المعيشية ، ... الخ ) ثالثا : شمول الاتفاقية لتشمل كل مناطق السودان الاخرى ، وعقد المؤتمر الجامع للانتقال من الثنائية الى الحل الشامل . رابعا : التنمية التى تجعل الناس يحسون بأن تغييرا حقيقيا تم في حياتهم . بدون تحقيق هذه الاضلاع الاربعة ، سوف يستمر تدهور الاوضاع ،والتى قد تؤدى الى تجدد الحرب مرة اخرى ، وتتكرر تجربةانهيار تجربة اتفاقية اديس ابابا والتى كان من اسبابها الثنائية ، عدم التحول الديمقراطي ، تدهور الاوضاع المعيشية في الشمال والجنوب . صحيح أن اتفاقية نيفاشا محاطة بضمانات دولية كثيفة ، ولكن العامل الحاسم الضمانات الداخلية التى تمثلها الاضلاع الاربعة المشار اليها سابقا . اذا تأملنا في حصاد العامين الماضيين من مسار تنفيذ الاتفاقية ، نلاحظ استمرار المؤتمر الوطني في نهجه الشمولي رغم تغير الاوضاع مثل انتهاكات حقوق الانسان التى تتمثل في اطلاق النار على المظاهرات السلمية : البجا في بورتسودان ، امرى ، الطلاب ، قمع المظاهرات السلمية ضد الزيادات في الاسعار وموكب المفصولين ، كبت حرية التعبير والرقابة على الصحف ، قمع احتجاجات المواطنين في مناطق السكن العشوائي على الازالة غير الانسانية لمساكنهم ، ..... الخ . تدهور الاوضاع المعيشية ويتجلى ذلك في ميزانيتى العامين 2006 ، 2007 ، والتى تم فيهما افقار الشعب السوداني ، اضافة للزيادات في الاسعار والجبايات وعدم دفع استحقاقات العاملين ، وكان من نتائج ذلك موجة الاضرابات الواسعة للعاملين والموظفين والمعلمين والتجار واصحاب البصات السفرية ، كما واصلت السلطة حملات تشريد العاملين واساتذة الجامعات بعد القرار التعسفي بالاستغناء عن الاساتذة الذين بلغوا سن ال65 عاما . كما استحكمت حلقة الازمة مع المجتمع الدولي بسبب ازمة دارفور وتسليم المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية ، وانهيار اتفاق ابوجا ، وتعثر تنفيذ اتفاق الشرق ، وعدم تنفيذ اتفاق القاهرة . اضافة لمقاومة متضررى سد مروى ومطالبهم بالحلول العادلة لقضيتهم ، مقاومة معارضي سد كجبار في اقصي الشمالية ، ونهوض كيان الوسط ، وكيان كردفان للتنمية من اجل تحقيق مطالبهم العادلة في التنمية واقتسام السلطة والثروة ، وانفجار الاوضاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق ، وشكوى الحركة الشعبية من تهميشها في الشراكة مع المؤتمر الوطني . كما أن المؤتمر الوطني مازال يعرقل تنفيذ الاتفاقية ، حتى الآن لم يحرز اى تقدم في موضوع ابيي والتى تعتبر المحك لنجاح الاتفاقية ، ونتيجة لذلك ظلت ابيي بلا أية شرطة رسمية أو خدمات صحية أو طبية عامة ، كما ظل الطرفان ( المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ) غير متفقين حول وضع المفوضية القومية للنفط ، كما أن حساب عائدات البترول وتوزيعها يفتقر الى الشفافية المطلوبة لضمان عدالتها ودقتها . وماتزال مسألة ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب دون حل . كما أن اللجنة السياسية لوقف اطلاق النار لم تحل حتى موضوع من المواضيع التى احالتها اليه اللجنة العسكرية لوقف اطلاق النار . ( الايام : 26 / 9 / 2006 ) . وبالتالى ، فان الخطر على الاتفاقية اصبح واضحا من المؤتمر الوطني الذي يتحمل المسئولية الاساسية في عرقلة التنفيذ ، وهذا وضع يهزم كل الوعود التى بشرت بها الاتفاقية في التحول الديمقراطي والوحدة الجاذبة ، والتنمية وتحسين احوال الناس المعيشية . واذا استمرت الاوضاع بتلك الحالة والتى تم فيها افراغ الاتفاقية من محتواها ، فان مستقبل الشراكة يصبح قاتما ، مما يتطلب مواصلة النهوض الجماهيري من اجل انتزاع التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية والحل الشامل لأزمة دارفوروبقية اقاليم السودان وتحقيق التنمية المتوازنة باعتبار ذلك الشرط لوحدة وازدهار البلاد .
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المتغيرات في الاوضاع المحلية والعالمية بعد المؤتمر الرابع لل
...
-
الماركسية وقضايا المناطق المهمشة في السودان
-
الاثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لنشأة وتطور سكك حديد
...
-
حول قرار عبد الواحد بفتح مكتب لحركته داخل اسرائيل
-
الرحلة من موسكو الي منسك
-
حول تجربة مشاركة التجمع في السلطة التشريعية والتنفيذية
-
وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لعام 2005م: التناقض بين ال
...
-
ملاحظات نقدية علي برامج الحركات الاقليمية والجهوية(3)
-
ملاحظات نقدية علي برامج الحركات الاقليمية والجهوية(2)
-
حول قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2004م
-
ملاحظات نقدية علي برامج الحركات الاقليمية والجهوية(1)
-
حول ابعاد اتفاق حزب الامة مع المؤتمر الوطني
-
تاريخ أول انقسام في الحزب الشيوعي السوداني
-
تاريخ الانقسام الثاني في الحزب الشيوعي السوداني: اغسطس 1964م
-
وداعا زين العابدين صديق البشير
-
في الذكري الثالثة لتوقيع اتفاقية نيفاشا: المآلات وحصاد الهشي
...
-
ما هي طبيعة وحدود الحركات الاقليمية والجهوية؟
-
دروس احداث امدرمان
-
هل اصبحت الماركسية في ذمة التاريخ؟
-
وداعا البروفيسور محمد سعيد القدال
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|