|
إشكاليات التيار الديني في العراق
شلال الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 2303 - 2008 / 6 / 5 - 10:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد قوض حكم البعث كافة الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني خلال سنوات حكمه فإنتكس المجتمع بإتجاه المؤسسات البدائية تجلت بعد سقوط النظام بنكوص حضاري إلى قيم مهلهلة من العشائرية والعنصرية والطائفية تصدت لعملية التغيير بوحشية دموية قل نظيرها ، هذه القيم كان يتعكز عليها النظام البائد وكان لأمريكا دور كبير في هذا النكوص الحضاري بما فرضته من حصار وحشي على الشعب العراقي طيلة ثلاثة عشر عاماً ألتي سبقت إنهيار الصنم بل وطيلة الفترة التي أعقبت سقوط عبد الكريم قاسم . إن حالة التخلف السياسي والإقتصادي والثقافي ناتجة عن المنع والتحريم وسيطرة العقلية العشائرية والدكتاتورية طيلة عقود النظام البائد وحالة الإرتداد والجهالة هي مرحلة سرعان ما تنحسر تبعاً لتسارع الأحداث والإمكانيات المادية التي يتمتع بها العراق . ويطمح الشعب العراقي أن يكون نموذج الحكم الديمقراطي قاطرة تحدث دفعة ونهوض وحركة وتجديد في الوضع الراكد والمتحجر والمتخلف والمتردي الذي نعاني منه محلياً وإقليمياً. والنظام الجديد يفرض آلية ديمقراطية تتقبل الرأي الآخر حتى لو كان معارضاً ، ما بالك لو كان الرأي الآخر غرضه المشورة والتقويم وتأشير مواطن الخلل وفي هذه الأسطر نشير إلى إشكاليات التيار السياسي الديني وذلك لجملة أمور منها . إنه يستند إلى أوسع قاعدة جماهيرية نضالية كانت ولا زالت العمود الفقري لكل نشاط وطني . للتيار الديني من التضحيات والنضال والمطاولة في صراع الطغاة على امتداد التاريخ وأقربها الطاغية صدام. إمتاز بتضحية قياداته ومن هم على رأس الهرم في الصدارة الدينية وهذه ميزة ينفرد بها التيار الديني الاسلامي على كل التيارات السياسية الأخرى وهي مؤشر مصداقيته . للمؤسسة الدينية مقومات مادية متجذرة في أرض العراق وعلى امتداد ألف عام. استناداً إلى أضخم واكبر وأعمق وأشمل تراث فكري وثقافي لا نبالغ إذا قلنا على صعيد العالم كله. وإذ نؤشر إشكاليات التيار الديني لا يعني إن التيارات الأخرى تخلو من الإشكاليات : أولاً : إشكالية التداخل بين شيعة العراق وشيعة إيران ، وقد صم العرب والأمريكان آذانهم عن الاختلاف بين المشروعين السياسيين العراقي والإيراني وذلك للحصول على مزيد من التنازلات ومن كلا الطرفين العراقي والإيراني . ثانياً: إشكالية الوجود خارج إطار حركة الزمن الأمريكي: في الوقت الذي تخوض فيه التيارات السياسية الدينية غمار العملية السياسية عليها أن تعي أن العراق هو التجربة الوحيدة والفريدة والشاذة التي تخوض فيها هذه التيارات الدينية السياسية العملية الديمقراطية تحت المظلة الأمريكية بشكل فاعل وقوي وحر ، وأن الغرب بعمومه وأمريكا بشكل خاص لا يستهويها ذلك بل على (عماها) وهم يتربصون ويتحينون الفرص ويتصيدون الأخطاء ويزرعون المطبات ويعمدون إلى ان تجهز التيارات الدينية على بعضها البعض لكي يضيق بها الشعب ويلفظها خارج العملية الديمقراطية بأسرع وقت. ثالثاً : صادر التيار السياسي الديني الرموز الدينية وإحتكرها والتي هي باليقين ثروة وطنية وإنسانية لعموم الشعب والعالم بل وصادر الذات الإلهية وحجب رحمتها عن الآخرين وهي لا تقر بأن الطريق إلى الله سبحانه وتعالى بعدد أنفس الخلائق وقد لا يمر من خلال أي مقر حزبي لهذه التيارات ، وقد حاولت أن توظف المؤسسة الدينية بإتجاه مصالحها السياسية وما نتج من جراء ذلك من إساءة بالغة واستنزاف خطير لرصيد المؤسسة الدينية العظيم في تاريخ العراق ونفوس الشعب العراقي . ثالثاً : إشكالية الشيزوفرينيا السياسية : ليست المشاركة في العملية الديمقراطية هو ما يجعل منك ديمقراطياً بل المطلوب أبعد من ذلك من خلال طرح وثيقة صريحة وواضحة من قبل التيارات الدينية في أنها تؤمن وتتبنى وتحترم وتلتزم بالعملية الديمقراطية وأن يتبنى هيكلها التنظيمي العملية الديمقراطية وأن تتخلى عن نظام الزعامة الوراثية وأن لا تحيط زعمائها بالقدسية الدينية والرمزية . رابعاً : إشكالية الظل الثقيل وفرض أسلمه على الشارع حد القمع الذي تفرضه القواعد الجماهيرية للتيار الديني والذي يصل بك حد اليقين أن الديمقراطية التي تتبناها ما هي إلا حصان طروادة الذي يشق طريقه حيث فردوس البرلمان والرئاسة بشقيها والمناصب الوزارية والدرجات الخاصة و أسلمه الشارع ماهي الا شكليات ومظاهر إن لم تكن طائفية فإنها مفتعلة وغير صادقة وتأتي على يد أحداث وهي إن كان لها أول فليس لها آخر. خامساً : التداخل القيادي ما بين الرموز الدينية والقيادات السياسية الدينية اذا ما ابتعدت الرموز الدينية عن القيادة المباشرة للتيارات السياسية الدينية يمكنها عندئذ حل إشكالية القيادة الفردية الأحادية الدكتاتورية وتجاوز الزعامة الوراثية البعيدة عن النهج الديمقراطي وعدم تكفير الآخرين فيما لو تجرءوا على نقدها وتقويمها لما لهذه الرموز من قداسة . كما يمكن للقيادات السياسية التحرك بمساحة أكبر ومرونة أطوع تبعاً لإحتياجات العمل السياسي. سادساً : إشكالية الإستثمار والتطفل على العاطفة الدينية وما يترتب على ذلك من تنشيط وتحفيز وتخندق وإنشطار وإحتقان طائفي تسرب إلى مفاصل الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية أثر بشكل كبير على النسيج الإجتماعي والعقد الإجتماعي . سابعاً : إشكالية تسييس المساجد وجعلها قنوات إعلامية من جانب وأسلمة المؤسسات الحكومية من جانب آخر فإذا ذهبت إلى المسجد تجده مؤسسة سياسية وإذا ذهبت إلى مؤسسة حكومية وجدتها مسجداً دينياً وكان الأجدر أن تبني هذه التيارات مؤسسة مجتمع مدني منفصلة عن الدولة والمؤسسة الدينية بما يحفظ للمؤسسة الدينية إستقلالها وقداستها وهيبتها وكذلك بالنسبة للمؤسسات الحكومية .
ثامناً : إشكالية الدين والقومية : هناك واقع عربي لدينا قواسم مشتركة معه أبرزها الخضوع لأمريكا ! ، ومثلما نقر بأن التكفيريين قد أساءوا للإسلام كذلك يمكن أن نقر بأن بعض القوميين قد أساءوا إلى القومية العربية لذا فمن الأجدى تخفيف حدة التوتر والصراع والمقاطعة مع التيارات القومية والدول العربية ، وإذا لم يكن هناك تيار قومي يستحق التفاعل معه على الأقل تجنب الصدام مع ما يمثل منظومة قيمية قومية وإيجاد قنوات للتعامل من خلال الطروحات الإنسانية والإجتماعية لما له من إنعكاسات على الوسط السياسي عربياً وعالمياً بل حتى لا مبرر للتقاطعات مع القومية العربية لكونها واقع وإرث وتراث من الخطأ القفز عليه وتجاهله. تاسعاً : الجمود العقائدي (الدوغمائية) التي تقف عند محددات لا تتجاوزها وقوالب جامدة واختلطت فيها تعاليم الدين مع التقاليد العشائرية ، والأجدر الدفع بإتجاه الفكر الإسلامي في مختلف الإتجاهات وتفجير حالة السكون التي أدت على الجمود والتطرف كما ان الحالة الساكنة تخلق حقوق مضاعفة وتاليه لأصنام جديدة ونكوص وعوده إلى الدكتاتورية من جديد . عاشراً : إشكالية القيادات الرديفة والكوادر المؤهلة علمياً ومهنياً وعدم إعتماد الهيئآت الإستشارية التي غالباً ما يحول دونها وراثية الزعامة (والثقافة الموسوعية) التي يدعيها القائد السياسي الديني ، وتغليب الولاء على الكفاءة والأقربون أولى بالمعروف والتي أثبتت عدم كفاءتها وجاهزيتها. حادي عشر : إختراقات التيار الديني من قبل عناصر أمية تجلببت بجلباب الدين وإدعت العلمية وأصبح البلد طوفاناً من علماء الدين من كافة الملل والنحل والمذاهب تجاوز عددهم أضعاف أنبياء بني إسرائيل منهم الذي وظف لأغراض مخابراتية نكالاً بالتيار الديني ولا تستغرب إذا سمعت أن هناك دورات سريعة لا تتعدى ستة شهور لتخريج المعممين وعلماء دين! . ثاني عشر : تشضي التنظيم الديني سرعان ما تتشضى التيارات الدينية وتنشطر ، وهذا إنعكاس للجو غير الديمقراطي في النظام الداخلي ، وإدعاء الجميع العصمة عملياً وإن كان لا يدعيها بالقول الصريح فتعمد كوادره إلى تشكيل تيارات جديدة عندما تصل وجهات النظر إلى حالة تقاطع متمسكة كل منها بوجهة نظرها حد الإيمان المطلق إذا لم يصل الأمر إلى تكفير الشق الآخر . وما بين هذا وذاك يتم سحق الأبرياء. ثالث عشر : إشكالية التمويل والولاء الخارجيين وحتى التمويل الداخلي على حساب المال العام تطور بعد ذلك إلى الاتاوة والتجاوز على المال الخاص والسيطرة على موارد الدولة ومؤسساتها . رابع عشر : تغليب الولاء الفئوي على الولاء الوطني وأثره على الوحدة الوطنية . خامس عشر : كثرة الخطاب السياسي على حساب المنجز العملي وإنزلاقه إلى الخطاب الطائفي والمزايدة على الآخرين في الجانب الإيماني وأنه الأقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، وخلق رموز جديدة تصل حد التأليه وظل الله في الأرض والولاية والخلافة ، وما في ذلك من خطورة مصادرة رأي الشارع . بعد الذي ذكرناه لا بد من تأشير أخطر النتائج التي أوصلتنا إليها هذه الإشكاليات وهي في الوقت الذي كانت فيه الزعامات الدينية تشارك جميع الحكومات المتعاقبة في ولاء الجماهير وإنشدادها عاطفياً معها لكونها الأقرب من مظلوميتها نلاحظ أن الأمور آلت إلى إرتخاء قبضة المراجع الدينية على نبض الشارع وحركته بسبب سيطرة القيادات السياسية الدينية وليها لرقبة الدين الذي طالما جاهدت هذه المراجع العظام وأفنت عمرها في سبيل خدمته والمحافظة على نقائه وتجسيد المثل الأخلاقية العظيمة التي جاء بها الإسلام في سلوكياتها ومعيشها .
#شلال_الشمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تصادم القوى.. العراق بين السندان الأمريكي ومطرقة التيار الدي
...
-
التيار الليبرالي .. بين منصة الإحتياط وتثوير العملية السياسي
...
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|