السبت 6 ربيع الاول 1423 هـ الموافق 18 مايو 2002
قال الأمين العام للحزب الشيوعي السوري يوسف فيصل بأن عضوية حزبه في الجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة لا تمنعه من الاعتراف ان الجبهة لا تمثل الشارع السوري وان الاحزاب المشاركة تبدو احيانا مجرد ديكور.
الا انه اكد في حواره مع «البيان» ان الجبهة تشكل اساس الوحدة الوطنية ـ تاليا نص الحوار: ـ كيف ترون عمل الجبهة الوطنية وهل تمثل بالفعل كل القوى السياسية في الشارع السوري؟ ـ اعتقد ان عمل الجبهة الوطنية التقدمية يسير في الظروف الراهنة بشكل افضل فبعد ركود دام عدة سنوات عاد النشاط الى عمل الجبهة وارتكز هذا النشاط على موقعين: الاول هو قرار المؤتمر التاسع لحزب البعث العربي الاشتراكي المتعلق بأهمية وضرورة تفعيل الجبهة الوطنية التقدمية والثاني هو الموقف الذي اعلنه الرئيس بشار الاسد في خطاب القسم عن اهمية الجبهة الوطنية التقدمية واهمية نشاطها وفعاليتها السياسية.
وبعد هذين الموقفين عادت اجتماعات القيادة المركزية وبدأت ببحث القضايا الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة امام البلاد.
وكان من أبرز نشاطات الجبهة في هذه الفترة الاجتماع الحاشد الذي عقد لاول مرة منذ ثلاثين عاما لجميع فروع الجبهة الوطنية التقدمية في المحافظات مع القيادة المركزية وقيادات حزب البعث والاحزاب الاخرى المشكلة للجبهة واستمع الى تقارير من رئيس الوزراء ووزير الخارجية ومن الدكتور زهير مشارقة نائب رئيس الجمهورية نائب رئيس الجبهة وساد الاجتماع نقاش عميق وموسع وفيه الكثير من الصراحة حول مختلف الامور المطروحة المرتبطة بعمل الجبهة بشكل عام، وخاصة حول نشاط القيادة المركزية والفروع، وتقرر ان يعقد مثل هذا الاجتماع دوريا كل ستة اشهر وان يقوم اعضاء القيادة المركزية بزيارات ميدانية للفروع.
نطالب بتفعيل الدور السياسي للجبهة
وقد انعكس تأثير هذا الاجتماع مباشرة، فقد تحولت اجتماعات الفروع من اجتماعات شكلية لاحياء المناسبات الوطنية والحزبية، الى اجتماعات عمل تناقش اوضاع الاحياء والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والادارية، ان دور الجبهة واحزابها ليس محصورا في العمل في هذه المؤسسات الجبهوية ويبرز وجود احزاب الجبهة كذلك في مجمل الهيكلية التنظيمية الادارية، فمجلس الوزراء يضم ثمانية وزراء ومجلس الشعب يضم 36 نائبا من احزاب الجبهة، ويتم مثل هذا التمثيل في النقابات العمالية والمهنية ومجالس الادارة المحلية، ويظهر عمل الجبهة في هذه المؤسسات بشكل واضح، فالوزير الجبهوي هو سيد وزارته عموما، وهو يناقش في مجلس الوزراء بحرية كاملة ويعالج جميع قضايا البلاد التي تطرح امام الاجتماع الدوري لمجلس الوزراء وعبر لجانه المختلفة، وتتمثل الجبهة كذلك بعدد من المدراء العامين، ويجرى البحث حاليا لتعيين وكلاء وزارات من الجبهة.
وهكذا يمكن القول ان الجبهة تشغل طيفا واسعا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد.
ومع ذلك استطيع ان اقول ان ذلك ليس كافيا، وان من الضروري، تنشيط وتفعيل العمل الجبهوي اكثر فاكثر، خصوصا في ميدان توسيع العمل الجماهيري والديمقراطي في البلاد.
وفاعلية الجبهة ليست مرتبطة فقط بنشاط مؤسساتها، وهو شيء هام بحد ذاته، انما هي مرتبطة ايضا بنشاط وفاعلية احزابها، وكلما كان الحزب عضو الجبهة، فاعلا ونشيطا وجماهيريا وقادرا على التحرك والفعل في مختلف المجالات انعكس ذلك على الجبهة ذاتها وعلى نظرة جميع المواطنين اليها، فالاحزاب لا يجوز ان تكون عائقا لعمل الجبهة او تستمد قوتها الاساسية من الجبهة، بل عليها ان تتحول الى حامل لها معزز لدورها فالجبهة هي اطار تنشط ضمنه خلايا حية هي الاحزاب وتنظيماتها المختلفة.
حزبنا يحاول «نمذجة» الدور الجبهوي
ونحن في الحزب الشيوعي السوري، نحاول تقديم نموذج حي عن الدور المطلوب من الاحزاب الجبهوية، سواء فيما يتصل بحياتنا الداخلية وعقد مؤتمرات علنية واجراء مناقشات حرة داخلها، وتنظيم انتخابات ديمقراطية للهيئات، وكذلك باصدار صحيفة مميزة تجد صدى لها بين الجماهير، اضافة للمبادرات السياسية المختلفة.
واعتقد ان القرار الاخير الصادر عن رئيس الجمهورية، بالسماح لاحزاب الجبهة بالعمل بين الطلاب، سيتيح امكانية جديدة وضرورية لتوسيع نشاط هذه الاحزاب في هذا الميدان الهام الذي يحتاج الى عناية خاصة واهتمام استثنائي.
والجبهة الوطنية التقدمية لا تمثل جميع القوى السياسية في الشارع السوري ولا تمثل الوحدة الوطنية، ولكنها تشكل اساس هذه الوحدة وتمثل القوة الشعبية الضاربة في هذا المجال، فالجبهة تضم الى جانب حزب البعث والحزب الشيوعي السوري وحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الوحدويين الاشتراكيين، وحركة الاشتراكيين العرب، تضم الاتحاد العام لنقابات العمال واتحاد الفلاحين وشبيبة الثورة، وهذه القوى الحزبية والجماهيرية، هي القوى الشعبية ذات التمثيل والتأثير الواسعين، وهناك قوى تدعم الجبهة ولكنها ليست في عدادها كالحزب السوري القومي الاجتماعي والاتحاد العربي الديمقراطي وغرف التجارة والصناعة، وتجمعات اخرى تنشط لكي تتشكل في احزاب تؤيد الجبهة والى جانب هؤلاء، توجد قوى معارضة كبعض الحركات الاسلامية وطيف من المثقفين، ومجموعات يسارية تتجمع في تحالف يحمل اسم التجمع الوطني الديمقراطي وهو يضم الاتحاد العربي الاشتراكي الديمقراطي والحزب الشيوعي «المكتب السياسي» وحزب العمال الثوري.
ـ توجه انتقادات حادة لاحزاب الجبهة وتعرف بأنها احزاب الحاقية، وتبنت الخيار الالحاقي بحزب البعث العربي الاشتراكي وانها مجرد ديكور شكلي فقدت قدرتها الادائية في الشارع السوري، وانها تقتصر على الامناء العامين وبعض المقربين لكل امين عام؟ ـ مثل هذه الافكار طرحت سابقا ولاتزال تطرح في الشارع السوري ولا يمكن نفيها بشكل كامل، اذ ان بعض الظاهرات في الحياة الداخلية لبعض الاحزاب الجبهوية تعطي مثل هذا الانطباع، سواء اكان الامر يرتبط بامتلاك الامين العام حقوقا واسعة جدا، كتعيين اعضاء المكتب السياسي مثلا، او بممارسة الفردية في التعبير عن سياسة حزبه، دون استشارة الهيئات القيادية.
ولكنني اقول بصراحة كاملة، بأن هذا الامر مغالاة كبيرة، ومجانبة للحقائق الواقعية وتعميما غير مقبول، واذا اردت ان اتحدث عن حزبنا فإنني اقول بأن القيادة السياسية والتنظيمية الفعلية هي بيد اللجنة المركزية المكونة من 85 رفيقا، وبيد المكتب السياسي المكون من 16 رفيقا في الفترة ما بين اجتماعين للجنة الركزية، ويحدد النظام الداخلي حقوق وصلاحيات الامين العام، كما يحدد حقوق اللجنة المركزية واللجان المتعلقة في المحافظات ونحن نحترم ذلك احتراما كاملا، ونعقد مؤتمرات دورية كل 4 ـ 5 سنوات، مفتوحة للاعلام ولممثلي احزاب الجبهة الوطنية التقدمية، ومنذ اقرار ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية عام 1972 اعلن الرئيس الراحل حافظ الاسد، ان احزاب الجبهة حرة تماما في نشاطها الداخلي وفي تنظيماتها ومؤتمراتها وقد اعلنا في حينه، اننا في الحزب الشيوعي، نلتزم بكل ماهو متفق عليه ومقر في قيادة الجبهة الوطنية التقدمية، اما ما هو غير متفق عليه، فللحزب كامل الحرية في التعبير عن رأيه وقد مارسنا ذلك عمليا.
واعتقد ان ظهور هذا الانطباع يعود، طبعا، في جزء منه الى اوضاع بعض الاحزاب، ولكنه يعود في جزء اخر الى نمط الحياة السياسية التي انبعثت في البلاد، ففي فترة معينة، ظهرت فكرة تفتيت الاحزاب والتضييق عليها، ولكنه تبين فيما بعد خطأها الكبير وضررها على النظام بمجموعه واستبعدت الفكرة، واخذت تحل محلها فكرة «ان قوة كل حزب هي قوة للجبهة» وقوة الجبهة هي قوة للاحزاب، وتمثل ذلك عمليا، بالسماح باصدار صحف خاصة للاحزاب تطبع دون رقابة وتوزع علنا في الاسواق، وبقرار السماح بالعمل بين الطلاب، وبتوسيع المشاركة الفعلية في الادارة كتعيين وكلاء للوزارات واستشارة الجبهة في مختلف القضايا المفصلية التي تجابهها البلاد.
ان اللقاء الجبهوي الواسع الذي ذكرته، قد اثبت عمليا وفعليا، بأن احزاب الجبهة تملك مؤسسات فاعلة، وقيادات نشطة، وهو يدحض عمليا تلك الافكار الواردة في السؤال.
ان هناك ضغطا على الجبهة الوطنية التقدمية من عدة اتجاهات من قوى اليسار الموجودة خارج الجبهة الذي يريد بعضها، تطوير عمل الجبهة وتحسينه، في حين ان سلوك البعض الاخر من هذه القوى لا يتسم بالمسئولية المطلوبة ولا يخدم هدف التطوير والتحسين الذي نعمل له جميعا، كما يأتي الضغط من اليمين سواء بقواه الاجتماعية او السياسية الاسلامية، وهو يريد تغيير النهج الاجتماعي للبلاد والانفتاح الكامل على الغرب، وتصفية التحولات الاجتماعية والاقتصادية التقدمية، كما ان هناك ضغطا على الجبهة من القوى البيروقراطية التي تستغل مراكزها للتسلط والفساد ومنع تطوير البلاد في الاتجاه الديمقراطي.
مثل هذه الوقائع يجب ادراكها والتحليل الطبقي يوضح الصورة تماما.
توحيد الاحزاب عملية ايديولوجية
ـ ان المطروح اليوم على الصعيد السياسي هو توحيد الاحزاب التي تعود لمنبت واحد كالحزب الشيوعي على سبيل المثال، هل هناك مساع لتوحيد هذه الاحزاب لكي يتاح لبقية التيارات التي هي خارج الجبهة ولها ثقل شعبي وارث نضالي طويل؟.
ـ ان توحيد الاحزاب ذات المنهج الواحد والايديولوجية الواحدة امر طبيعي وضروري. ومن المؤسف ان تبقى متفرقة في اكثر من فيصل.
وهذا الامر لاحظه حزبنا منذ مؤتمره السادس في عام 1968 ورفع شعار: وقف مسلسل الانقسامات وتحقيق مسلسل التوحيد، فقد وقعت عدة انقسامات في الحزب الشيوعي السوري، في عام 1974 وعام 1980 ونشأت عنها مجموعات حزبية.
وقد نظرنا الى عملية التوحيد كعملية فكرية وسياسية وتنظيمية وبالتالي فقد اجرينا ابحاثا مشتركة مع الفصائل القائمة شملت الموقف من الماركسية اللينية، ومن الجبهة الوطنية التقدمية، وتناولت قضايا الديمقراطية الداخلية واسس التنظيم وعندما نضجت هذه الابحاث التي استمرت بضعة شهور تحولنا الى العمل الاجرائي التوحيدي.
وهكذا فقد تم التوحيد في المؤتمر السادس عام 1986 مع الرفاق في «اتحاد الشيوعيين» وتم التوحيد في المؤتمر السابع الموحد مع « الحزب الشيوعي السوري، منظمات القاعدة» وقد صيغت في كلا المؤتمرين وثائق تعكس ما اتفق عليه، كما انتخبت هيئات قيادية تضم الجميع ويعيش الحزب الشيوعي السوري حاليا، بشكل طبيعي وهو يعزز وحدته وتضامنه، وكان المؤتمر التاسع للحزب مرحلة هامة في تعزيز هذه الوحدة.
ومع ذلك لايزال يوجد فصيلان: الحزب الشيوعي السوري الذي نمثله، والحزب الشيوعي السوري التي تشغل الرفيقة وصال فرحة مركز الامين العام فيه، وهذان الحزبان ممثلان في القيادة المركزية للجبهة والوزارة وفي مجلس الشعب وباقي الهيئات الواقع كما يبدو، لم ينضج بعد مع الاسف لتحقيق وانجاز هذه الخطوة الهامة.
اما الحديث عن تنظيمات شيوعية اخرى، فهو يقتصر عمليا، على تنظيم الحزب الشيوعي ـ المكتب السياسي بقيادة الرفيق رياض الترك السجين حاليا، وحسب علمي فإن هذا التنظيم كان يعمل لجميع صفوفه ويعد لعقد مؤتمر له، لبحث مرجعيته الفكرية وامكانية تغيير اسمه، وطبيعي ان اي بحث معه، يرتبط بما سيقرره في هذا المؤتمر.ولا توجد تنظيمات شيوعية اخرى في البلد، ومن الطبيعي ان يوجد عدد هام من الشيوعيين السابقين الذين تركوا الحياة التنظيمية لاسباب مختلفة، بعضها سياسي او تنظيمي واحيانا شخصي، ونحن على صلة بعدد كبير منهم، وندعوهم الى النشاطات التي نقوم بها، ونقترح عليهم العودة الى الحزب. ان الحركة الشيوعية في سوريا قديمة ولها تاريخ طويل، وهي ككل حركة عقائدية، نشأت وتنشأ في داخلها آراء وتيارات واجتهادات وهو امر طبيعي يعكس واقع الحياة نفسها: ولكن غير الطبيعي ان تؤدي التباينات في الرأي الى الظواهر الانقسامية التي ذكرناها، وتخطى كل ذلك، لا يتم بقرار وانما بعمل ملموس، يحقق التقارب ثم التوافق على الاسس الفكرية والسياسية والتنظيمية وبدون ذلك، يبقى التوحيد عبارة عن تظاهرة تعيش ردحا من الزمن ثم تتبعثر.
البيان