|
عودة الروح الفرنسية لساركوزي ، و لكنها ليست كما نرغب
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2301 - 2008 / 6 / 3 - 04:23
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
هل تعلم ساركوزي من رأس توني بلير الطائرة ، أم إنه أفاق مع التراجع الملحوظ في شعبيته في الشارع الفرنسي ، أم الإثنان معاً ؟ منذ أكثر من عام بقليل ، جاء ساركوزي إلى سدة الحكم الفرنسية ، و هو يحمل أفكار قريبة من فكر بوش الإبن ، حتى نظر إليه البعض – آنذاك – على إنه النسخة الفرنسية للمحافظ الجديد ، و إنه سيقود فرنسا لتصبح نسخة أمريكية في إدارة إقتصادها ، و إلى الإلتحاق بالقطار الذي تقوده الولايات المتحدة في عالم السياسة الخارجية ، لتصبح فرنسا مثل بريطانيا في تبعيتها ، أو إنه – أي ساركوزي - سيكون المعادل الفرنسي لتشرشل ، و الذي سيربط العربة الفرنسية بالقاطرة الأمريكية . لكن ساركوزي تغير خلال العام الذي إنصرم – و التغير الذي أعنيه هو في ميدان السياسة الخارجية - و بخاصة خلال الأشهر الماضية ، فهناك إنحراف ساركوزي عن مساره الأمريكي الهوى الذي دخل به قصر الإليزيه ، و رجوعه – تدريجيا – للمسار الفرنسي التقليدي ، المتنافس دائما مع القوى الكبرى الأخرى - بدرجة لا يمكن مقارنتها بما كان عليه الحال أبان حقبة شيراك أو حتى ميتران - فالملاحظ أن ساركوزي لم يبتعد فقط – في مواقف متعددة - عن المسار الأمريكي ، و لم يعمل فقط للمحافظة على النفوذ الفرنسي في مناطقه التقليدية مثل شمال غرب أفريقيا ، و غرب أفريقيا ، بل وصل الأمر إلى التنافس مع الولايات المتحدة – و لو بطريق غير مباشر - في مناطق نفوذها الأثيرة ، فالحصول على قاعدة فرنسية في أحد إمارات دولة الإمارات ، هو دخول لمنطقة نفوذ أمريكي – بريطاني ، أو أنجلو- أمريكي ، لم تستطع أي قوة أخرى الدخول فيها ، و حتى بريطانيا اليوم لا تستطيع اللعب في تلك المنطقة بدون ضوء أخضر من الولايات المتحدة . في منطقة البحر المتوسط ، هناك إحياء فرنسي للفكرة القديمة ، فكرة البحر المتوسطية - تلك الفكرة التي سقطت منذ عقود طويلة من أذهان شعوب المتوسط - جاء ساركوزي فأعادها للأذهان ، و بلورها في فكرة إتحاد للمتوسط ، هذا أيضا دليل على تعاظم الإبتعاد عن الولايات المتحدة ، فدولة كمصر أصبح من المعروف إنها منطقة نفوذ أمريكية ، فإذا إنضمت للإتحاد المتوسطي ، فهذا معناه إقتطاع من مساحة النفوذ الأمريكي في مصر ، و لا أقول خروج تام من قبضة النفوذ الأمريكي ، كذلك فإن إتحاد المتوسط هو تسرب فرنسي لمناطق أخرى أمريكية النفوذ مثل تركيا ، كما إن الفكرة تعني إعادة الروح للتأثير الفرنسي في المنطقة المغاربية ، بعد أن تراجع بشدة خلال فترة شيراك لصالح الولايات المتحدة خاصة في المغرب و الجزائر . في أفريقيا ، و بعد التراجع الكبير للدور الفرنسي في غرب أفريقيا جنوب الصحراء في عهد شيراك ، ذلك التراجع الذي كان خير تمثيل له الهتافات التي دوت في العقد الماضي في كوت ديفوار ، حين إنطلق المواطنون يلعنون فرنسا و يرحبون بأمريكا ، و وصل الجزر الفرنسي لأقصاه مع التفكير الفرنسي في تقليص التواجد العسكري في غرب أفريقيا ، نلحظ اليوم تغير كبير ، ليس فقط بإلغاء فكرة الإنسحاب أو تقليص التواجد العسكري ، بل بالتفكير الجدي لدعم ذلك التواجد . كما يلحظ الدور الفرنسي النشط في ليبيا ، و في لبنان ، و الجسور التي تحاول فرنسا تشييدها مع سوريا ، و الفلسطينيين ، و المحاولات الفرنسية للظهور على مسرح السياسة العراقية و الأفغانية ، و بعض تلك الأدوار لا تلقى ترحيب على الإطلاق من الولايات المتحدة ، خاصة مع ليبيا و سوريا و الإتصالات مع أحد الفصائل الفلسطينية . ساركوزي إذا أفاق و عاد إلى فرنسيته ، و سواء كان السبب عظة و إعتبار لما حدث لبلير ، الذي خسر منصبه بسبب إنقياده الأعمى للولايات المتحدة ، أو بسبب ضغط فرنسي داخلي تمثل في تراجع شعبيته ، فالمهم لدينا الأن هو النتيجة التي نلحظها . و لكن عودة الروح الفرنسية لساركوزي ، لا تعني أنها عودة بالشكل الذي نأمله ، فالقضايا التي لها الأولوية لدينا كمواطنين مصريين لم يقترب منها ساركوزي البتة ، فعلى سبيل المثال لم يفتح ساركوزي قضية حقوق الإنسان في أي لقاء له مع أي مسئول مصري ، و لم يطل علينا أي مسئول فرنسي ينتقد الفساد المهول في مصر ، لهذا لا يجب التصفيق كثيرا للأفكار و الجهود التي يقوم بها ، فحتى نسمع عن فتحه لملف إنتهاكات حقوق الإنسان المصري ، و حتى تنقل لنا الأنباء نقده العلني لسجل آل مبارك في ميداني حقوق الإنسان و الفساد ، فلا يجب أن تلقى إعلانات ساركوزي عن إتحاد المتوسط أي ترحيب شعبي مصري . إنها ليست مطالبة للإدارة الفرنسية بأن تأتي لنا بالحرية و العدالة ، فهذا شأن مصري خالص ، و تلك مهمتنا كشعب ، و لا نقبل أن يقوم أي طرف أجنبي بعملنا نيابة عنا ، و لكنه نداء لفرنسا الرسمية بألا تكرر نفس الأخطاء المزمنة للولايات المتحدة ، و تكون نصيرة للطاغية ، و داعمة لنظام فاسد لا يحظى بأي شعبية ، و فاقد للشرعية في عين المواطن المصري . إنها دعوة لفرنسا الرسمية لأن تبني علاقتها مع مصر على أسس صحيحة راسخة ، فتقف على الحياد في صراع الشعب المصري مع طاغيته ، هذا إن لم تستطع أن تقف – معنوياً - مع الشعب المصري . إنها دعوة لفرنسا الرسمية لأن تعود للمبادئ التي قامت عليها ثورتها ، و التي سطرها فلاسفتها و مفكريها .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شارع الخليفة المأمون سابقاً ، الوجه الحقيقي لطاغية
-
المعارضة المصرية بين الدرس النيبالي و خيانة الرابع من مايو
-
دوحة ترحيل المشاكل للغد
-
الساركوزية هي أقرب للبونابرتية و ليست بأي حال ديجولية
-
حتى تعود مصر لمكانتها ، الحلقة الأولى
-
فوتوغرافية هذه الحقبة
-
فأغرقناه و من معه جميعاً ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
فأغرقناه و من معه جميعاُ ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
أمريكا على طريق روما ، طريق إلى حرب باردة ثانية
-
لماذا لا تنضم غزة إلى مصر ؟
-
إنهم الخوالف و الأعراب في ساعة العسرة
-
إنها ثورة الشعب المصري ، لا حزب العمل
-
ليبيا مصرية
-
إخلع محراثك اليوم ، فقد آن أوان الثورة ، آن أوان الحرية
-
إنها كنعان و ليست فلسطين ، و هم الكنعانيون ، و ليسوا فلسطيني
...
-
لنحبط معاً إقامة مؤتمر ويكيبيديا بالأسكندرية
-
روسيا تحتاجين إلى حلفاء ، فالردع النووي لا يكفي
-
إنتصار ماراثون ، إنتصار لكل الإنسانية
-
لنقيم جنازات شعبية رمزية لشهداء السادس من إبريل
-
تحية إلى محلة الثورة ، و تحية إلى كل أبطال ثورة 2008
المزيد.....
-
-بعد تفجيرات البيجر-.. موقع عبري ينشر تقريرا عن حرب بين إسرا
...
-
إسرائيل لا تمتلكها.. خبير عسكري يكشف لـ RT من وراء تفجيرات ل
...
-
ماذا وراء استقالة بريتون: كيف استنفذ المفوض الفرنسي صبر رئيس
...
-
ماذا نعرف عن جهاز -البيجر- الذي اخترقته إسرائيل وأصاب العشرا
...
-
ارتفاع عدد ضحايا إعصار -ياغي-: حصيلة القتلى تتجاوز 500 في جن
...
-
اندلاع حرائق في شمال إسرائيل بعد هجمات صاروخية من لبنان
-
نتنياهو يترأس اجتماعا عاجلا يضم وزير الدفاع وقيادات عسكرية و
...
-
مصادر لبنانية لـ RT: وقوع نحو 2000 مصاب في انفجار أجهزة لا س
...
-
-رويترز-: أكثر من ألف مصاب في لبنان إثر انفجار أجهزة اتصالات
...
-
مسؤول في حزب الله يصف تفجير أجهزة الاستدعاء بـ -أكبر خرق أمن
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|