آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 2300 - 2008 / 6 / 2 - 11:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما كنا في سجن تدمر, كانوا يجلبون لنا جريدة البعث الناطقة باسم الحزب الحاكم في سوريا لبضعة ساعات.
قرأنا خبراً مسراً, في 25 أيار من العام 2000مفاده:
أمر أيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنسحاب الجيش الذي لا يقهرمن الجنوب اللبناني دون قيد أو شرط.
كان لدينا ربع قنينة كحول طبي/ سبيرتو/ ضروري جداً لتعقيم ركبة رفيق لنا لديه ألتهاب مزمن, مصاب بالجرثومة الزرقاء/ جرثومة المشافي/. كان ألتهابه طويلاً أمتد إلى سبعة عشرة عاماً, أصيب بها عندما كان مع المقاومة في حرب لبنان إسرائيل عام 1982 وما بعدها.
وضعنا في الكأس البلاستيكي القديم لكل واحد منا بضعة قطرات من هذا الكحول مع الماء وتحلقنا حول بعضنا كالأيتام. كنا قد بقينا خمسة أفراد من الحزب الشيوعي المكتب السياسي وحزب العمل الشيوعي في ذلك الكهف المظلم الذي يسمى مقبرة الموت, سجن تدمر.
كانت الدموع تترقرق من مآقينا فرحاً لهذا الانتصار العربي الأول منذ قيام إسرائيل. حيينا حزب الله وأمينه العام وبكينا وغنينا بصوت مبحوح جاف, لأن الغناء والكلام ممنوع. غنينا لهذا الانتصار, غنينا لغسل العار الذي لحق بنا منذ زمن طويل. قلنا وقتها:
إنه زمن النصر.. وكرد فعل على وضعنا المأساوي قلنا بأنفعال وعفوية:
يجب أن يوظف هذا الانتصارفي مشروع نهضوي عربي, تغييري يقود إلى تغيير الاوضاع العربية يبدأ من لبنان ويرفرف في السماء العربية, مع عدم نسياننا ما فعله حزب الله من قتل لأهم الشخصيات الوطنية اللبنانية, الشخصيات البارزة في الحزب الشيوعي ومفكريه, مهدي عامل وحسين مروة.
في لحظة غسل العار, الهزائم التي منينا بها والذل الذي لحق بنا على أيدي أنظمتنا المشبوهة حاولنا أن ننسنى التركيب الطائفي لحزب الله وأمتداداته وتداخلاته مع أنظمة طائفية كإيران وسوريا وقلنا هذا وقت إنكسار إسرائيل, علينا أن نفرح ونسكر, وعلى إسرائيل أن تذوق الانكسار, طعم العار الذي ذقناه.
في غمرة الفرح نسينا في تلك اللحظات أن من سيحررنا من عدوقادم من وراء البحارهو عدو داخلي, عدو المستقبل والحداثة والحياة المعاصرة ليرمينا في معمعان الماضي وصراعاته ويسعى من وراء هذا الصراع مع إسرائيل ليكرس فكرولاية الفقيه والمستقبل القادم من وراء عمامة الجهل والتخلف.
هل كان يدرك باراك أن أنسحاب الجيش الإسرائيلي من الحدود الجنوبية اللبنانية سيعطي النتائج التي توقعها:
أن يوظف هذا النصر في المعادلة اللبنانية الصعبة, أن يوظف سلاح المقاومة الذي احتكرها حزب الله لنفسه في تحسين موقعه في المعادلة الطائفية السياسية العميقة والاستفادة منها في الشأن اللبناني بدلاً من إسرائيل. هل كانت إسرائيل ورئيس وزراءها بارك يملكون هذا العمق والبعد الاستراتيجي نتيجة تجاربهم مع النظام العربي أن هذا النصر سيكرس في هزيمة الداخل العربي المهزوم اصلاً. هل كانوا يدركون أن هذه التجربة المريضة, التجربة اللبنانية, النظام السياسي الطائفي اللبناني يمكن أن يكون نسخة مكررة في أكثر من نظام عربي قادم إلى الطائفية مثلما يحدث للعراق, ويمكن أن ينسخ عنه كربون متعدد يمكن أن يطبع في أكثر من دولة عربية كسوريا أو مصرأو السودان نتيجة توفر الأرضية العملية لهذا الاستنساخ.
لقد بينت التجارب الماضية لدولة إسرائيل أن النظام العربي يبغي من وراء صراعه معها إلى تحسين موقعه في الداخل والخارج كما حدث في حرب 1956 عندما خرج عبد الناصر منتصراً سياسياً, فوظف نصره في إفراغ الشارع المصري من السياسة, وتنصيب نفسه زعيماً وحيداً مثل الديك, وهكذا فعل حافظ الأسد في حرب ال73 الذي وظف حربه في تكريس واستقرارنظامه. لقد مد اخطبوط الاذرع الامنية بعد حرب تشرين في كل مكان من سوريا وعمل على الحفاظ على نظامه مدة طويلة. لقد عمل من خلال هذه الحرب المشبوهة على ضرب كل القوى السياسية الفاعلة وتكريس نفسه وعائلته في السلطة واستثمارالصراع العربي الاسرائيلي لخدمة أغراض وظيفية لا علاقة لها في الوطن والشأن العام, وما فعله صدام حسين بعد حربه مع ايران يدخل في نفس السياق, كان من نتائجها دخوله للكويت.
إنهم يمارسون البلطجة والقرصنة على شعوبهم ويسخروا السلاح نحو الداخل بدل توظيف هذا الانتصار في التنمية والحوار الوطني البناء ويكون في مصلحة الجميع. يؤكد التأريخ منذ وجدت إسرائيل أن حروبنا مشبوهة وأنظمتنا واحزابها تعمل على تكريس الشرخ في العمق الوطني في كل بلد لأحساسها بالعجزعن البناء والتطور.
اليوم التجربة مختلفة, الذي دخل في معمعان الصراع هو ميليشة مسلحة, يقوده حزب طائفي مستفيداً من عدة عوامل تؤهله للدخول في اللعبة الداخلية, هو وجود نظام طائفي في لبنان حاضن للملل والطوائف ومنتج لها ووجود دول لها مصلحة في مد أذرعها الاقليمية عبر هذا الحزب كسوريا وإيران, اللذان يسخران الشأن اللبناني في مكاسب سياسية واقليمية ودولية.
لقد خرج حزب الله اللبناني عام /2000/ من حربه مع اسرائيل وهو أكثر قوة وغطرسة, يبحث لنفسه عن مكان, عن دوريوظف بها نجاحه, أخترعوا مشكلة مزارع شبعا لتبريربقاء الجيش السوري في لبنان وبقاء سلاح حزب الله تحت السلاح, ليدخل في حرب عبثية أخرى مع إسرائيل في العام /2006/ لتأكيد دوره ودور سلاحه وفاسحاً المجال للقوى الاقليمية, إيران وسوريا أن تستثمران الشأن اللبناني لمصالحهما ومصالح أنظمتهما المتكلسة وكلاهما يعرف الصمت الخانع الذي صمتا به كلا الدولتان أثناء تلك الحرب وخاصة ذلك الرئيس المهوس الذي اسمه نجاد الذي لم نسمع منه كلمة واحدة يعلق بها على احداث الحرب طوال الاربعين يوماً من عمرها.
إن المعادلة السياسية اللبنانية المأزومة حاضن للصراعات الداخلية والاقليمية والدولية ومفرخ للأزمات ومنتج له, لأن النظام الطائفي كتكوين, كبنية, في الاسس الذي أنبنى عليها يخضع موضوعياً للتجاذبات مع هذا الطرف أو ذاك وإلى نزاعات يصل إلى حدود الصراع المسلح التي تكون نتائجه كارثية.
كلنا رأى كيف تبخرمقاتلي حزب الله من الشوارع في لمح البصر مثل خفافيش الليل بعد الأتفاق الذي تم في الدوحة ما بين الأقلمي والدولي وخاصة بعد المفاوضات المشبوهة ما بين النظام السوري والاسرائيلي ومباركة الشيطان الكبير, إيران.
كما قلت سابقاً إن في بنية النظام الطائفي اللبناني عوامل مشجعة على أن يكون في محل تقاطعات سياسية وتجاذبات عائلية كما يدخل فيها نزاعات وصراعات مع هذا الطرف أو ذاك الطرف يشارك فيه قوى متعددة ومتنوعة سواء في الداخل أو الخارج.
إنه نظام رجعي مأسورونتاج ماض ثقيل ورافض في بنيته للدولة القائمة على العقد الاجتماعي الذي يتساوى فيه الجميع أمام القانون. إنه أشبه بوكالة سياسية مكلفة على تسييرالتناقضات الداخلية والخارجية سواء إقليمية أو دولية.
إن الطائفة, كعلاقة سياسية كنتاج تأريخي محكوم شرط بقاءه على مساعدة الأخرين وهو مرهون لهذه الحماية التي تمده بسبل البقاء.
كل طائفة في لبنان تسعى للهيمنة على بقية الطوائف من خلال اللعبة الخارجية, بمعنى تكريس دولة عنصرية متمثلة بالطائفية السياسية مستبدلاً بذلك طائفة بأخرى أو الدوران في حلقة مفرغة لإعادة إنتاج نظام سياسي طائفي يفيد من تموضوعه الجديد في المعادلة الأقليمية والدولية ويتحول إلى رافع لأجندة الدول التي دعمته من أجل تحسين موقعه.
ليس هناك مسعى من كل القوى الطائفية اللبنانية المشاركة في الحرب, في الشبكة المعقدة للبنان إلا لإعادة إنتاج الطائفية السياسية. فالحرب هي حرب بين الطوائف, لا غالب ولا مغلوب ضمن نظام سياسي ضامن وحاضن لهذه الطوائف ومدد لها.
الحرب ضرورة للطوائف تعمل على إدامة وتجديد شباب النظام الطائفي, يعمل على تأبيد النظام واستمراره, مجدد شبابه ويعيد إنتاجه ضمن توازن قائم على الخوف من بعضهم.
إن اختلال التوازن الطائفي يجعل من الحرب ضرورية لإعادة توضوعات الطوائف ضمن اللعبة السياسية التي فرضها الواقع الجديد وهي الحلقة المفرغى التي تدور رحاها على صدور الناس البسطاء والفقراء الذين لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
إنهم يتقاتلون على الكعكة السياسية الداخلية, على المكاسب الخارجية ومد شبكة من العلاقات المشبوهة, عسكرية ومالية وسياسية واقتصادية مع الخارج, أنهم وكلاء حرب, وكلاء أزمات اقليمية ودولية في منطقة عميقة الشرخ, ضمن منطقة راقدة على بركان سياسي قريب من الأنفجار. لكل طائفة تحالفاتها وتداخلاتها ومصالحها العربية الاقليمية والدولية الموظفة في الشأن اللبناني المأزوم.
إن التجمع الكانتوني في الدولة اللبنانية قائم على وضع معقد, متعدد, تجمع سياسي مؤطربفكر طائفي نازي النزعة, قائم على رفض الآخروإلغاءه.
ما يجعل المعادلة الطائفية متوترة هوفي وجود طوائف قوية على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري في شبكة من العلاقات الأقليمية والدولية الداعمة لهذا الاستقطاب ورافع له ولكن باختلال هذه الوضع كما نرى الأن يتعوم هذا النظام ويكشف عن عمق الأزمة التي تعصف به والتي هي أزمة المنطقة العربية والبيئة الاقليمية التي تحيط به.
أن ما يسمى مقاومة/حزب الله/ هو توظيف سياسي متعدد الاغراض والاهداف, يسعى من خلاله حزب الله إلى تحسين موقع الطائفة الشيعية في المعادلة اللبنانية التي هي معادلة طائفية بامتياز, ومحاولته ليكون مهيمناً في المستقبل, ورفع مستوى الدول التي تقف وراءه في الصراع الدائرة في المنطقة وتحسين شأنها السياسي من خلال أفراغ ازماتها التي هي أزمات أنظمة فاسدة وفاقدة لأية مشروعية حقيقية على الأرض.
لذلك سعى ويسعى حزب الله من خلال اختلال المعادلة اللبنانية, اختلال توازناتها الداخلية إلى إدخال عنصر جديد في اللعبة السياسية المأزومة أصلاً واستثمارها بأبشع طريقة وأعني بذلك هو احتكار المقاومة وتوظيفها في المعادلة الداخلية للابتزاز السياسي والسيطرة على الوضع الداخلي لتوفر حاضن أقليمي وعربي ليغيرمن موقعه ويفرض شروطه التي هي شروط داخلية واقليمية ودولية.
إن الوضع اللبناني بارومترالمنطقة, مؤشرعلى التأزم, على وصول الخلافات العربية البينية, والاقليمية ونزاعاتها إلى عنق الزجاجة, حروب بالنيابة, أرضه لبنان وفضاءه إيران والنظام العربي والاقليمي والدولي.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟