طلال احمد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2299 - 2008 / 6 / 1 - 07:55
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
هل في العراق نظام حكم ديمقراطي حقيقي ..؟ سؤال يدورفي اذهان الكثير وقبل الجواب عليه نقول :-
في العراق الأن مجلس نيابي تم انتخابه بطريقة حره ولكن غير نزيهه , وعن طريق هذا المجلس انبثقت حكومة اغلبية برلمانية طبقا للأساليب الديمقراطية و اشرك في الحكومة ممثلين عن بقية الأحزاب التي تشكل الأقلية وسميت بحكومة الوحدة الوطنية, كما ان رئيس الجمهورية هو الأخر انتخبه البرلمان وانتخب معه اثنان من النواب ليشكلوا مجلس رئاسة يعتبر رمزاً صارخا لمبدأ المحاصصة الطائفية والعنصرية المطبق في البلاد على اوسع نطاق.
هذا الأطارمن الحكم لا يمكن ان نطلق عليه صفة الديمقراطية , فالديمقراطية كما نعرف هي نظام حكم ينبع من رغبة الشعب بالأختيار وفق ضوابط متفق عليها,
والديمقراطية هي فكر وممارسة تترعرع في اجواء من الحرية واحترام الرأي الأخر و الأقرار بحقوق الأنسان.
في رسالة وجهها احد الساسة العراقيين المعروفين الى مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد في لندن بتاريخ( 6 / 12 / 2002 ) قال فيها(سيكون المد الأسلامي خطراً حقيقياًعلى العراق وهذا يتطلب الحذر الشديد و اليقضة).بعد سقوط النظام فشلت الولايات المتحدة في اقامة نظام ديمقراطي ليبرالي علماني , انما اقامت مكانه نظاماً طائفياً من طراز فريد , وقد اصبح جلياً ان الكثير مما يعانيه العراق الأن سببه تركيبة الحكم وغياب الديمقراطية الحقيقية والفكر العلماني .
لعل من المهم ان نؤكد هنا ان ما حصل بعد( 9 /4 /2003 )لم يكن نصراً للتيار الوطني العراقي الذي عانى الكثير من الحكم الدكتاتوري , فالمشروع الوطني غاب تماما عن الساحة العراقية ليحل محله المشروع الطائفي والعنصري , و برزت في الساحة قوتان الأولى تقول ان الشيعة غيبوا وهمشوا منذ وفاة الرسول (ص) قبل 1400عام , وقد ان لهم ان ينشغلوا موقعهم الحقيقي بأعتبارهم يمثلون الأكثرية في البلاد .اما القوة الثانية فتقول ان الاكراد عانوا الكثير من الحكومات العراقية المتعاقبة وقد ان لهم ان يشغلوا موقعهم الحقيقي بأعتبارهم القومية الثانية في العراق.
من هذا المنطلق اسرعت الاحزاب الشيعية و الاحزاب الكوردية الى اقامة حلف ستراتيجي بينهما دون الالتفات الى جوهر المشروع الوطني الذي يجب ان يوضع في قمة العملية السياسية التي يراد بها النهوض بهذا البلد من الكبوة التي عاشها طيلة (35 عاماً) .
لقد اختزلت القضية الوطنية وجرى تحويلها الى مشروع خاص للسلطة الحاكمة وفق منظور طائفي وعنصري ضيق, ومن المؤسف ان نشير هنا الى ان الجانب الامريكي شارك بشكل فاعل في دعم وتثبيت هذه النتيجة , وقد غاب دوره المنتظر في تدعيم ركائز النظام الديمقراطي والعلماني الحقيقي في العراق .
لقد اصبح جلياً صعوبة اقامة نظام ديمقراطي بمفهوم عصري بعد ان سيطرت القوى الاسلامية على كل مفاصل الدولة وعلى ثقافة الشارع العراقي,وهذا يعني بالضبط الابتعاد عن اقامة الدولة المدنية وبنفس الوقت الاقتراب من اسلمة نظام الحكم في البلاد . وقد جرى كل شئ وفق خطى محسوبة ايدها ودعمها الجانب الامريكي, وقد كتب دستوراً جديداً مشوهاً خلال فترة زمنية قياسية,واعد الدستور بعيداً عن معايير الحداثة لدولة تقدمية يراد بها ان تكون نموذجاً وسط دول الشرق الاوسط,واصبح صورة حية عكست اجندات معروفة طائفية وعنصرية , وبذلك اضاع الدستور الهوية العراقية , ولعل مايؤكد هذه الحقيقة هو مانصت عليه المادة (2- اولاً) اذ تقول ان الاسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر اساسي للتشريع ثم تقول لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام,وتقول لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. هذا المدخل في الدستور يحمل في طياته تناقضاً كبيراً فمن غير المعقول خلق توئمة بين الدين والدمقراطية.وفي الدستور مواد اخرى خلقت حالة من الارتباك منها المتعلقة بالاقاليم وعلاقتها مع الحكومة المركزية وعلاقة الاقاليم فيمابينها , وهذا الامر ظهر على شكل خلافات حادة بين الحكومة الفيدرالية وحكومة كردستان وعلى الاخص مايتعلق بالاستثمارات البترولية.ومن حيث العموم فأن مسألة الاقاليم تدعو الى الاستغراب فالعراق لم يكن بحاجة الى تشكيل اقاليم في اية فترة من تاريخه , ولاتوجد ضرورة تدعو لتأسيس الاقاليم عدا مايتعلق بالمناطق الكردية.
وفي قضية كركوك وضع جدولاً زمنياً لم يكن واقعيا وقد تعذر تنفيذه ضمن المدة المحددة مما استدعى تدخل ممثل الامين العام لللأمم المتحدة لاجراء تمديد زمني للجدول لمدة ستة اشهر,ومازلنا نعتقد ان هذه المسألة المعقدة لايمكن ان تجد طريقا للحل ضمن هذه الفترة الزمنية الضيقة .
المادة (41) من الدستور الخاصة بالمرأه اعدت بنفس رجعي وهي ترمي الى عودة المرأه الى الوراء وتمزيق قانون الاحوال الشخصية المرقم (188) لسنة (1959) الذي يعد مكسباً عضيماً للمرأه العراقية,والغريب هنا اننا نجد نصاً متناقضاً مع نص المادة المذكورة حيث اشترطت المادة (49- رابعاً) على ان تكون نسبة النساء في البرلمان بما لايقل عن الربع من عدد اعضاء المجلس . ويخيل الي ان الذي وضع المادة (41) هو غير الشخص الذي وضع المادة (49- رابعاً) وهنا يكمن الاشكال.
المادة (9- اولاً- ب) تحضر تكوين مليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة , وهذا يتعارض مع ماهو قائم عندما نجد ان اكثر الاحزاب الاسلامية المشاركة في الحكم تمتلك مليشيات مسلحة , وقد تعالت الاصوات منذ فترة مطالبة بحل المليشيات, وكان هذا الموضوع يرد كنص في كل مناهج الوزارات المختلفة الا انه لم تنطلق اي مبادرة لأنهاء وجود المليشيات, اخيراً قام السيد رئيس الوزراء مشكوراً بأجراءات شديدة ضد العصابات المسلحة في البصرة ومدينة الثورة والموصل , ويمكن الجزم ان تلك الاجراءات سوف تؤدي الى تحسن الوضع الامني العام في البلاد, غير اننا نقول ان اجراءات السيد رئيس الوزراء مازالت تمثل انصاف الحلول لأنها لم تشمل جميع المليشيات التابعة لأحزاب رئيسية معروفة كما انها لم تكن حاسمة لتأكيد عدم عودة البعض الى خرق النظام والقانون, فمن خلال الاتفاق الذي جرى بين الحكومة وبين التيار الصدري لأنهاء المجابهه داخل مدينة الثورة,نجد ان الاتفاق لم يتناول نزع سلاح المليشيات في المدينة , الامر الذي سيؤول الى قيام المقاتلين بأخفاء الاسلحة والهرب الى جهات اخرى ثم العودة ثانية عندما تتوفر ظروف مناسبة لهم.
لقد ثبت خلال مسيرة السنوات الخمس الماضية ان المليشيات مارست دوراً فاعلاً في اضعاف الحكومات المتعاقبة سياسياً واجتماعياً وعسكرياً ومن خلال النشاط الذي مارسته جرى تقسيم العاصمة بغداد الى كانتونات يقطنها سنة واخرى يقطنها شيعة , وقد افرزت تلك الظاهرة حالة من الانقسام المفجع بين ابناء الشعب العراقي الواحد, والذي لم يشهده طيلة عقود من الزمن. من خلال هذه التداعيات في البنية الاجتماعية والثقافية والانسانية اخذت تتكون حالة من الاحباط العام تمثلت في الفجوة الحاصلة بين الحكام والمحكومين مثقلة بمشاعر الاسى واليأس وانعدام الصورة لمستقبل العراق الموعود.
ان التغييرالنيساني الذي وقع انعش مشاعر العراقيين وامالهم في اقامة عراق جديد يهدف الى تحقيق السعادة التي فقدوها عبر العقود الماضية , وعلى عكس ذلك وجد المواطن نفسه وسط مستنقع من المشاكل والألام فقد تردت الاوضاع, وانعدمت الخدمات (فالكهرباء مثلاً لم يتقدم خطوة الى الامام انما تراجع الى الوراء) وتهشم الاقتصاد الوطني, وتدنى الاداء الحكومي وسط موجة عاتية من الفساد المالي والاداري سببها سيطرة الاحزاب الحاكمة على مرافق الدولة تبعا لمبدأ المحاصصة.
الحالة الراهنة في العراق تستدعي اصطفاف كل القوى الخيرة المؤمنة بالديمقراطية والحرية والعلمانية من اجل تحقيق اقامة الدولة المدنية التي ستنتشل البلاد من هذا الواقع المرير, وتنقله الى طريق الحداثة والحضارة والتقدم وتقضي على كل التشوهات التي رافقت عملية التغيير.
#طلال_احمد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟