|
دولة..دولتان...دولة
ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 2298 - 2008 / 5 / 31 - 05:10
المحور:
القضية الفلسطينية
في إحتفاليات الذكرى الستين لقيام دولة إسرائيل، وهي نفسها ذكرى النكبة العربية، إعيد إفتتاح ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي أو الصراع العربي الصهيوني كما يريد البعض تسميته، وإذا كان التركيز على هذا الصراع قد تكثف إعلاميا في شهر آيار فإنه بشكل عام كان الصراع الاطول في التاريخ الحديث والاكثر إثارة. لقد تضافرت عوامل عديدة لدفع هذا الصراع مرة أخرى الى مركز الاهتمام منها الازمة الانسانية في غزة ووعود وتعهدات الرئيس بوش بالتوصل الى حل للصراع قبل نهاية فترته الرئاسية، وهي التعهدات التي أثارت الكثير من الشكوك حول مصداقيتها ودوافعها وواقعيتها، كما إن التجاذب الايراني الامريكي غالبا ما يدفع واشنطن الى التقدم بخطوات نحو محاولة إيجاد حل للقضية الفلسطينية كجزء من الترضية التي تريد من خلالها جذب دول وأطراف عربية للتحالف معها في عدائها مع طهران، وجوهر الحل الذي يسعى الرئيس بوش ومن قبله بعض رؤساء الولايات المتحدة، هو التوصل الى إقامة دولتين إحداهما اسرائيلية والاخرى فلسطينية تتعايشان بسلام وتعاون ولكن تحول دون ذلك الكثير من العقبات والتراكمات التي خلفتها عقود طويلة من الصراع الدامي بين الطرفين. لقد حاول كل من الاسرائليين والفلسطينيين على حد سواء التمسك بما يسمونه الحقوق التأريخية المدعومة بتراث مقدس يثبت أحقية كل طرف منهما بجميع (فلسطين/ اسرائيل) التي يصفها البعض (من النهر الى البحر)، وهو ما فشل في تحقيقه الطرفان، فلا الاسرائيليون تمكنوا من تهجير جميع الفلسطينيين أو تذويبهم ولا الفلسطينيون نجحوا في إعادة اليهود (الاسرائيليين) الى مواطنهم السابقة، ووقف خلف كل من الطرفين دول ومنظمات وقوى تدعمهما في مسعاهما المتضاد، والنتيجة فشل الطرفين في تحقيق أحلامهما ولم يخرجا من هذه الحلقة المفرغة حتى بداية التسعينيات حيث شعرت الولايات المتحدة بالحاجة الى إرضاء العرب عبر إيجاد عملية سلام في الشرق الاوسط على خلفية حدثين، الاول إجتياح صدام للكويت ومن ثم حرب تحرير الكويت وما تطلبه من تحالف دولي واسع إحتاج الى قاعدة كبيرة في المنطقة العربية، والحدث الثاني هو إنهيار الاتحاد السوفيتي وما خلفه من فراغ ستراتيجي في الشرق الاوسط وهو ما سمح بظهور القطب الامريكي الاوحد، هذا القطب الذي حاول إثبات أبوته للعالم عبر الاهتمام بالجميع دون إستثناء، وقد أثبتت هذه الحركة الامريكية عقم الابوة السياسية. لقد خرج الطرفان، الفلسطيني والاسرائيلي من عقدة الارض الموحدة لدولة موحدة بهوية قومية وثقافية موحدة، لكنهما دخلا في عقدة أرض الواقع الممزقة، حيث توزع الفلسطينيون والاسرائيليون على الارض بشكل متداخل يمنع التوصل الى حدود حقيقية تفصل بينهما، فالحدود بين الاحياء العربية والاسرائيلية تقوم على الازقة والحارات وبساتين الزيتون والبرتقال، كما إن علاقات إقتصادية وثقافية ومصالح مالية وأمنية أمتدت بينهما عبر الزمن، وما كان كيانين مستقلين تفصل بينهما جدران الكراهية أصبح جسدا سياميا يعيش حالة من التناقض والتضاد والصراع، يرفض وجوده الموحد، كما يعجز عن الانفصال، وما حصل في غزة منذ الانسحاب الاسرائيلي منها يشهد على ذلك. لقد أحدث الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حالة مشوشة من التناقض والاتصال يجعل معها الحل أكثر صعوبة، لكنه ليس مستحيلا وهو يبدأ من تساؤل محدد "أيهما أبقى، التأريخ أم الجغرافيا؟". المقصود بهذا السؤال هو إن التأريخ القديم والحديث والمعاصر يحفظ الكثير من حلقات الدم والعنف مما يؤدي الى تكوين مشاعر الكراهية لتهيمن فكرة الفصل بين الشعبين كحل جذري للصراع، رغم إن الفصل سيجعلهما في كل الاحوال جارين مرتبطين بكثير من الاواصر والمصالح والعلاقات وهنا نخرج من حلقة التأريخ لندخل حلقة الجغرافيا التي تأبى توفير فرص الفصل خاصة بسبب الانتشار السكاني الذي يعني أي تعديل فيه سكب المزيد من وقود الكراهية في فرن الصراع، وعليه تبدو حلقة التأريخ أضعف من حلقة الجغرافيا وهو ما يؤدي الى ان العيش المشترك أسهل من الانفصال، لكن ذلك يستوجب القيام بخطوات عملية لإعدام تاريخ الكراهية، وجوهر هذه العملية هو السعي الى بناء دولة علمانية حديثة تتعامل مع المواطنين بمنهج المساواة، دولة ينتمي إليها المواطنون برابطة تفوق رابطة الغيب التي تدفع الى مزيد من الصراعات. إن هذا التصور ليس مجرد إستنساخ للمنطق الهيجلي المتحرك من الوحدة الى الصراع الى الوحدة، بل هو أساسا نهاية معتدلة تنتج عن اليأس من نهاية أبدية ينتصر فيها أحد الطرفين على الآخر، وهي أيضا بداية ضخمة للعيش المشترك في دولة واحدة بين ثقافات وديانات وقوميات مختلفة بعد أن صار مفهوم العيش المشترك معضلة شرق أوسطية موجودة في كل دول المنطقة التي تعيش شعوبها تحت تأثير مخدرات التأريخ بتطرف مميت يعيقها عن لمس حقائق الحياة اليومية ويحجبها عن رؤية المستقبل.
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاصصة مبتكرة
-
إمكانية ترميم الحكومة
-
المقامة اللبنانية عراقيا
-
هل إقتربت الحرب؟
-
وقود رخيص جدا
-
الانشقاقات والابواب المغلقة
-
قبل الإنتخابات
-
جولات المصالحة العراقية
-
الأول من آيار 00 العمال في عالم متغير
-
طرق مهملة في العراق
-
جيران العراق...آمال محبطة
-
السياسة الإمامية ( نظرية السيد محمد الصدر )
-
الخروج من حلقة التناقض
-
سياسة الكتمان
-
سيادة الدولة...مبادئ ومصالح
-
الحاجة الى معايير جديدة
-
عوامل العنف الكامنة
-
خصخصة الحرب في العراق
-
تفعيل قانون الأقاليم
-
كفاءة الديمقراطية في العراق
المزيد.....
-
العقل المدبر وراء -ديب سيك-: من هو ليانج وينفينج؟
-
بانتظار قرارات القضاء.. البحرية الإيطالية تنقل إلى ألبانيا 4
...
-
احتجاجات حاشدة في دالاس ضد سياسات ترامب للهجرة وترحيل الأسر
...
-
العراق.. الأمين العام لمنظمة -بدر- يعلق على إقالة رئيس هيئة
...
-
رويترز: صور تظهر تشييد الصين منشأة كبيرة للأبحاث النووية
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل مشروع قانون لفرض عقوبات على الجنا
...
-
انفجار في سفينة حاويات في البحر الأحمر
-
إعلام إسرائيلي يكشف عن وعد -حماس- لأسرتي البرغوثي وسعدات
-
رئيسة الحكومة الإيطالية تخضع للتحقيق القضائي بعد قرار الإفرا
...
-
مصر.. الجامعات تحسم مصير طلاب المنح الأمريكية بعد تعليق إدار
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|