ابراهيم علاء الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2299 - 2008 / 6 / 1 - 07:56
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
قد ينزعج منا البعض اذا قلنا ان اجواء الفرح والاحتفال في لبنان مؤقته, لان ما حدث في الدوحة ليس الا هدنة , لن تلبث العناصر العميقة للخلاف ان تفجر الصراع من جديد. اما المظاهر الاحتفالية وما اشاعته بنفوس العامة من امال واماني بالاستقرار والهدوء والانتقال من حالة الصراع الى حالة التوافق والتاخي والسلام, فذلك لأن كل ما يحدث في بيروت او من اجلها يجب ان يكون مثيرا مبالغا فيه الى حد الزيف أوالتزييف، بل والخداع والتضليل، سواء أكان الحدث فرحا او ترحا، وذلك لسببين رئيسيين الاول لأن هذه المدينة تشبه السيدة (الغندورة) التي تمتلك سحر اغواء الرجال وتأبى الا ان تكون مميزة في كافة المحافل, والثاني لان معظم اللبنانيين لديهم موهبة التسويق بالفطرة بغض النظر عن دينهم او مذهبهم ذكورا واناثا.
لذا نجحت بيروت باغواء الشعراء والادباء والفنانين والتجار والسماسرة والوكلاء والاثرياء والفقراء والملوك والرؤساء والثوار والاصدقاء والاعداء.
وبات لكل منهم (نقابة) بغض النظر عن اسمها او صفاتها تمثلهم , ولكل منها اغراضها واهدافها ومراميها، ولكنها كلها تشترك بهدف رئيسي هو ان تحتل حيزا مهما في قلب السيدة (الغندورة).
وهذا الحيز المهم هو الموقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي, وبالتالي فان التنافس امر طبيعي بين الجميع وهو حق مشروع لكل منهم.
ولانها بيروت بكل ما تتسم به من فتنة واغواء فان التنافس بين محبيها او عشاقها او اصدقائها او اعدائها يتدرج من الاشكال اللطيفة المليئة بالمجاملات والنفاق وحلاوة اللسان وبوس اللحى والايادي, الى الصراع باشكاله المختلفة ليصل في الكثير من الاحيان الى الدامي العنيف سواء على شكل مناوشات مسلحة احيانا او حرب اهلية مدمرة في بعض الاحيان.
وأي كان شكل الصراع فان الاصطفافات والتكلات والتحالفات تكون مرافقة لها وتتشكل وفق مصالح كل منها فلا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة الا مع العدو الصهيوني نظريا على الاقل لدى بعضها.
ورغم المآسي والجراح التي تتحملها بيروت (رمز لبنان كله) فان التنافس والصراع ظاهرة صحية وايجابية ومطلوبة لما لها من دور عظيم في ارتقاء الامم والشعوب والمجتمعات, فالمجتمع المتحرك الحيوي النشيط هو المجتمع المبدع الذي يستطيع الارتقاء والنمو ، وصناعة الحضارة والتحضر والارتقاء بالعلوم والمعرفة , ويضع اقدامه على طريق المستقبل، بالانتقال من مجتمع القبيلة والعشيرة والطائفة والمذهب الى مجتمع التكامل والمساواة ودولة القانون والعدالة.
واظن ان ما شهده لبنان منذ الاستقلال، من حركة تفاعل وحراك هائل لبناء هذه الدولة المنشودة متجاوزا بذلك محيطه الاقليمي ومحيط جيرانه الاقليميين، ليصل الى في تجاوزه الى ازعاج بعض من هم فاعلون بقوة على المسرح الدولي.
ومن هنا تاخذ عملية المنافسة والصراع في لبنان البعد الاقليمي والدولي في معظم الاحيان خصوصا في ظل وجود العدو القومي على حدودها الجنوبية الذي تتعارض مصالحه مع وجود دولة قوية حضارية متطورة نظرا لانه يعتبر لبنان هدفا لاطماعه التوسعية ونقطة ضعف يجب استثمارها لاضعاف بعض القوى المؤثرة اقليميا وخصوصا سوريا.
واذا كان التاريخ السياسي للبنان منذ الاستقلال وحتى الان هو تاريخ صراع بين القوى المحلية وحلفائها الاقليميين والدوليين على شكل الدولة ومضمونها وطبيعتها وحقوق كل (نقابة) (تفاديا لذكر المصطلحات الدارجة) في خيرات الوطن وكيف تتوفر قواعد لاقتسام عادل لهذه الخيرات .
ولان لبنان منذ الاستقلال لم يكن سوى شركة تساهم فيها الطوائف والمذاهب والملل والنحل ولكل منها اسهمهما نسبة الى عددها (غير الموثوق) او نفوذها او قوة تحالفاتها الخارجية، ولأن الملكية لا بد وان تتغير حسب تغير قوة المساهمين وامكاناتهم.
ولان قوانين زيادة حصص الملكية لاسهم الوطن (لبنان) ليست كقوانين ملكية الشركات المساهمة, فقوانين الملكية بالشركة (لبنان) تقوم على حرص القوى التي تمكنت في ظرف تاريخي محدد من امتلاك حصة رئيسية مؤثرة في الوطن ان تحافظ على هذه الملكية , فيما القوى الاخرى ومن منطلق شعورها ب (الغبن) عند توزيع الاسهم في مرحلة الاستقلال وبما انها امتلكت من القوة والنفوذ والتحالفات ما يؤهلها فانها وهذا منطقي ان تسعى بكل السبل لتحسين ملكيتها في هذا الوطن (الشركة).
ولأن الستين سنة الماضية منذ الاستقلال وحتى الان شهدت متغيرات هائلة ديمغرافية واقتصادية وسياسية واجتماعية وبالتالي في لبنان فان من المستحيل الابقاء على ماكانت عليه الحال عشية الاستقلال.
للاسباب السالفة الذكر فان استمرار الصراع وتارجحه من السياسي الهاديء او العنيف او الصراع الدامي المرير لا بد وان يتواصل طالما استمرت اسبابه وهذه الحقيقة ليست اكتشافا عبقريا بل هي حقيقة لطالما برهنت على صحتها , حيث واجهت صيغة التعايش القائمة على توزيع غير عادل للاسهم رفضا دوريا منذ عام 1958، حتى لنستطيع القول ان مطلب التغيير وتحسين شروط المشاركة بالشركة (الوطن) ادى الى حدوث دورات عنف قاسية كل عشرة الى خمسة عشر سنة.
اذن مالجديد في اتفاق الدوحة وما هي نقاط الخلاف بينه وبين اتفاق الطائف سوى انه حسن شروط المشاركة لبعض (النقابات) (بعض فصائل المعارضة)، لكنه بالتاكيد لم يكن حلا جذريا للصراع الداخلي اللبناني مما يجعلنا نؤكد انه لم يخرج عن كونه هدنة مؤقتة قد تطول وقد تقصر لكنه بكل الاحوال مجرد هدنة لا اكثر ولا اقل.
ونؤكد على انه هدنة لان عناصر الصراع الداخلي في لبنان ما زالت على حالها منذ الاستقلال وحتى الان وتتمثل هذه العناصر بما يلي :
اولا : التباين الهائل في وجهات النظر وتباين واختلاف بل ويمكن القول تناقض المصالح بين مكونات الشعب اللبناني حول شكل ومضمون واهداف الدولة المراد اقامتها في لبنان.
ثانيا : الاختلاف حول هوية لبنان (هناك من يشعر بان اضفاء صفة العروبة على لبنان فيه انتقاص من حقوقه واعتداء على لبنان وسيادته).
ثالثا : الاختلاف على النظرة والموقف من اسرائيل ففيما تعتبرها بعض القوى عدوا رئيسيا يجب محاربته ووقف عدوانه فان البعض الاخر يرى بها جارة يمكن مهادنتها والعيش بسلام معها.
رابعا : هناك تناقضات كبرى بين الاطراف ناتجة عن تحالفات وعلاقات القوى المحلية مع الخارج .
خامسا : التناقضات الهائلة على المستويات الفكرية والثقافية والدينية والمذهبية.
سادسا : طبيعة البنى الاقتصادية في اقتصاد قائم على تجارة وصناعة الخدمات مما يخلق فوارق هائلة بين الطبقات ويؤدي الى شيوع الفقر والحاجة في مقابل طبقة فاحشة الثراء.
سابعا : ضعف البنى الهيكلية على الصعد الاجتماعية والذي تنعدم فيها أي مظلة للرعاية الاجتماعية للطبقات الشعبية ولعامة اللبنانيين ومنهم غالبية سكان بيروت ومعظم سكان القرى في الجنوب والبقاع والشمال.
ما سبق ذكره من عناصر وغيرها اقل اهمية او ناتجة عنها تشكل مفجرا للصراع العنيف في دورات متتالية (ما بين عشرة الى خمسة عشر سنة ) واعتقد ان مدة الدورات سيقل زمنها نظرا لتوفر عناصر لم تكن متوفرة سابقا ومن اهمها القوة العسكرية التي يمتلكها حزب الله وحلفاؤه من احزاب المعارضة والتي سوف تستخدم بالتاكيد لانتزاع المزيد من المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بالاضافة الى زيادة الوعي بشكل عام الى جانب عمق الاصطفافات الطائفية والمذهبية.
وفي هذا السياق جاء خطاب نصر الله بمناسبة ذكرى تحرير جنوب لبنان, فقد كرر اكثر من مرة ذكر بعض المسائل الخلافية واتبعها بعبارة (ليس وقتها الان).
فما حصل ان حزب الله استخدم القوة لفرض شروطه ونجح بذلك فانتزع ومعه المعارضة مواقع اكثر في السلطة وتمكن من افشال خطة الاغلبية الرامية الى اضعاف القوى المعارضة لبرنامجها السياسي والاداري والاقتصادي وأبعد سلاحه عن طاولة البحث والتصارع.
اذن قوى الاغلبية تراجعت وقوى المعارضة تقدمت , لكن ذلك لم يلغي برنامج اي منهما, وكل ما حصل انه تم التاجيل (اي ان الوقت غير مناسب) لتحقيق الاهداف القصوى لاي منهما فحدث التصالح والوفاق لا اكثر ولا اقل.
اما كيف تكون الجولات المقبلة وما هي درجة حدتها وكيف سيتم التعامل معها فهذا ما ستكشف عنه الايام.
ولن يصل اللبنانيون للاسف الى حل حقيقي استراتيجي دائم يمكن الشعب اللبناني النشيط والحيوي الذي يمتلك مهارات في كل الميادين من بناء وطن قوى يمتلك مقومات الحضارة والارتقاء والنمو والتطور, الا بنظام سياسي ديمقراطي حقيقي لا تمييز فيه بين الطوائف والمذاهب والملل والنحل, وهذا لا يتحقق بقرار او بمجرد الرغبة والامنيات انه ينتج عن صراع طويل وعلى كل الاصعدة وتؤثر فيه مجموعة كبيرة من العوامل الداخلية والخارجية.
وهذا الحال لا ينطبق على لبنان وحده بل على كل الدول العربية فبغير الدولة الديمقراطية العلمانية لا يمكن لبلادنا ان تخرج من دائرة الصراعات المدمرة لطاقاتها وامكاناتها .
#ابراهيم_علاء_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟