|
هدف العدوان: استبدال السلطة الفلسطينية بوصاية دولية
يعقوب بن افرات
الحوار المتمدن-العدد: 135 - 2002 / 5 / 19 - 08:55
المحور:
القضية الفلسطينية
الاسم المضلِّل الذي استُخدم للعدوان الاسرائيلي الاخير، "الجدار الواقي"، جاء بهدف خلق الانطباع ان اسرائيل تستخدم حقها بالدفاع عن النفس، الا ان الحقيقة ان هذه كانت خطوة استراتيجية من الدرجة الاولى جاءت لتغير الوضع في المناطق الفلسطينية بشكل جذري. هدف العدوان هو تهيئة البيئة لفرض الرؤية الاسرائيلية للتسوية مع الفلسطينيين. الآلية لذلك هي القضاء التام على السلطة الفلسطينية كعنصر ذي سيادة على المناطق أ، والتراجع بذلك عما تم اقراره في اتفاقية اوسلو الثانية التي أُبرمت بين عرفات ورابين في القاهرة عام 1994.
بهذا الاجتياح يكون اوسلو قد لفظ انفاسه الاخيرة بعد طول احتضار، ويكون دور السلطة الفلسطينية قد انحصر في ان تشكل عنوانا سياسيا للتفاوض على تسوية تضمن الامن لاسرائيل، ولا تغير كثيرا الوضع الذي كان عليه الفلسطينيون قبل الانتفاضة. المطلوب اليوم هو اعادة جدولة اتفاق اوسلو بعد ان فشل في ضمان الامن الاسرائيلي، وانتهى الى حمام الدم الذي راح ضحيته آلاف الفلسطينيين ودُمّرت بسببه المدن والمخيمات الفلسطينية وفي مقدمتها مخيم جنين.
وجود سلطة فلسطينية تتولى الامن الاسرائيلي في المدن الفلسطينية اعتبر انجازا استراتيجيا لاسرائيل، وما كانت اسرائيل لتقوم بعدوانها الا بعد ان اقتنعت تماما بعجز هذه السلطة عن القيام بدورها. ولم تُجدِ في تغيير هذه القناعة الجديدة محاولات السلطة انكار مسؤوليتها عن العمليات الانتحارية التي سبّبت لاسرائيل ضربات موجعة، ونشرت الرعب بين سكانها، واضرت باقتصادها وهيبتها الامنية في المنطقة. فقد منحت اسرائيل عرفات كل الفرص الممكنة لقمع المقاومة والانتفاضة، ولكن ما حدث على ارض الواقع كان تدهور مكانة السلطة وعلو نجم منظمات المقاومة، التنظيم وحماس والجهاد الاسلامي.
من جانبها، تصرّ السلطة على تحميل مسؤولية ما يحدث لرئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئل شارون، وذلك تهربا من مواجهة الحقيقة الكامنة في طبيعة اتفاق اوسلو الذي اجّل عمدا المسائل المصيرية، القدس والاستيطان والعودة، الى مرحلة "الحل النهائي" دون ان يحدد سلفا طبيعة وآفاق هذا الحل.
واذا كان هدف السلطة من خلال التركيز على شارون والتهاون في منع العمليات الانتحارية ان تثبت فشل رئيس الوزراء الاسرائيلي في تحقيق السلام والامن، سعيا لإحداث شرخ في الشارع الاسرائيلي تمهيدا لاسقاط شارون، فالواقع انها هي التي وقعت في الفخ عندما ادى تهاونها هذا الى إفقادها اهم حلفائها في الساحة السياسية الاسرائيلية من اتباع يوسي بيلين ويوسي سريد، وخلقت العمليات الانتحارية المتكررة اجماعا صهيونيا عريضا وراء حكومة الوحدة مطالبا بانتهاج سياسة صارمة ضد السلطة والشعب الفلسطيني في آن.
اهداف شارون الاستراتيجية
عندما اجتاح الجيش الاسرائيلي المدن الفلسطينية لم تكن الاهداف جليّة. الهدف المعلن كان السعي لتقويض البنية التحتية للارهاب، ولكن لم يجتهد المسؤولون الاسرائيليون لتوضيح القصد من ذلك، الامر الذي فتح المجال لعدة تفسيرات. حسب البعض كان الهدف سعي اسرائيل للانتقام من الشعب الفلسطيني ومعاقبته على دعمه للعمليات الانتحارية، ورأى البعض الآخر ان الهدف هو تحقيق حلم شارون في إبعاد عرفات لافساح المجال امام تبلور قيادة جديدة ملائمة لاسرائيل، وذهب آخرون الى ان الهدف هو القضاء التام على اركان السلطة الفلسطينية نفسها. لا شك ان كل هذه الاحتمالات كانت واردة، ولكن بعد انتهاء هذه المرحلة من العدوان يمكننا تحديد اهدافه بوضوح اكبر.
نلاحظ اولا، ان المدينة الاولى التي تعرضت للاجتياح كانت رام الله، ولكن القتال الاشد كان في مدينتي نابلس وجنين، اما قطاع غزة فبقي خارج مخطط العدوان. وبينما كان الهدف من اجتياح رام الله عزل عرفات ومحاصرته، ففي نابلس وجنين كان الهدف كسر شوكة المقاومة التي تحركت بحرية كاملة وشكلت مصدرا رئيسيا للعمليات الانتحارية. من هنا يمكن الاستنتاج ان الضفة الغربية تعرضت ل"علاج خاص" كانت له اهداف ثلاثة: اولا ضرب القوات المسلحة غير النظامية، ثانيا ترهيب السكان، وثالثا محو اي وجود للسلطة في هذه المناطق بهدف خلق فراغ سلطوي متعمد.
ولتمرير هذه الرسالة تمت محاصرة المقاطعة في رام الله وتدمير السور المحيط بها وقصف المباني التي شكّلت المقر الرئيسي للسلطة، بمعنى انه لم يبق اليوم مركز لهذه السلطة في الضفة الغربية. وليس النفوذ السياسي للسلطة وحده المستهدف بل دورها الامني ايضا. على هذا دل قصف مركز الامن الوقائي في بيتونيا الذي يرأسه جبريل الرجوب، رغم انه مقرب جدا من الاسرائيليين ومن وكالة الاستخبارات الامريكية ولم يُتّهم بالمشاركة في الانتفاضة. وامعانا في تدمير كل ما يرمز لوجود سلطة في الضفة قام الجيش الاسرائيلي باقتحام الوزارات المختلفة ومصادرة سجلاتها، كما اقتحم اخيرا مبنى الاذاعة.
اشارة اضافية في اتجاه قصقصة اجنحة السلطة، كانت اعتقال زعيم التنظيم في الضفة، مروان البرغوثي، الذي اصبح الناطق بلسان المقاومة ضد اسرائيل. فمن خلال التنظيم وكتائب شهداء الاقصى، الذراع العسكري لفتح، تمكنت السلطة من السيطرة على الشارع، خاصة بعد ان بدأ دورها يتراجع ازاء ازدياد نفوذ حماس التي تبنت قسطا وافرا من العمليات، في حين عجزت السلطة عن اعلان الحرب على اسرائيل واشراك اجهزتها الامنية في الانتفاضة كيلا تتعرض للطرد من المناطق الفلسطينية بحجة خرق الاتفاقات الامنية في اوسلو.
ورغم الفوضى التي خلقتها اسرائيل في الضفة، الا انها حرصت على عدم القضاء على السلطة كعنوان سياسي للتفاوض. ففي حين اعتبرت عرفات عدوا، لم تعلن الحرب رسميا على السلطة. إقرارٌ لهذا جاء في ملحق "يديعوت احرونوت" (26/4) على لسان عوزي ديان، رئيس مجلس الامن القومي، الذي قال: "سيكون من الخطأ القضاء على السلطة الفلسطينية كعنوان، لان العنوان في هذه الحالة سيكون 3.5 مليون فلسطيني، الامر الذي سيضطرنا لادارة حياة الفلسطينيين والسيطرة عليهم، وهذا خطأ على المدى البعيد. ليست كل المنظمات في السلطة داعمة للارهاب، ولذلك يجب توخي الحذر والدقة في انتقاء الشخصيات التي سيتم المس بها".
ان عدم المس بسلامة السلطة في غزة هو مسألة على قدر كبير من الاهمية. ولتوضيح هذه النقطة بالذات علينا الذكير ان اتفاق اوسلو بدأ بالصيغة التي حددها رئيس الوزراء حينها، يتسحاق رابين، "غزة اولا". ففي اواخر الانتفاضة الاولى ساد اجماع في اسرائيل حول ضرورة الخروج من غزة. ولكن قضية الضفة الغربية كانت دائما اكثر تعقيدا. ففي الضفة الغربية مصالح استراتيجية لاسرائيل تتعلق بعلاقاتها مع الاردن، وبرغبتها في حفظ امن المملكة. ان اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة حقيقية، امر يهدد مستقبل المملكة التي يعتبر معظم سكانها فلسطينيين. التخبط في مسألة مستقبل الضفة الغربية شغل رابين طيلة المفاوضات حول الحل المستقبلي، وتوصل الى انه من الافضل اقامة نظامين للحكم منفصلين: واحد لعرفات في غزة، والثاني في الضفة الغربية لفيصل الحسيني و"قيادات الداخل" التي مثّلها الوفد الفلسطيني في مدريد.
عن الموقع الحساس للضفة الغربية في نظر اسرائيل كتبنا في ايلول (سبتمبر) 1993 بعد الاعلان عن اتفاق اوسلو، في كتيب عنوانه "غزة – اريحا اولا: خطوة عل طريق الدولة ام شكل جديد للاستعمار الاسرائيلي". حول الفرق بين غزة والضفة الغربية جاء في الكتيّب ما يلي: "من ناحية ثانية فاننا عندما نتحدث عن صفقة غزة مقابل الضفة الغربية، فاننا نتحدث عن قيام نوعين من الانظمة مختلفين ومرتبطين في الوقت نفسه. فرابين الذي اراد التخلص من غزة ينظر الى الضفة الغربية بصورة مختلفة تماما ويعتبرها منطقة استراتيجية من الدرجة الاولى بالنسبة لاسرائيل. ففي حين سيتمتع عرفات بسيطرة واسعة على قطاع غزة هي اكثر بقليل من حكم ذاتي او هي حكم ذاتي موسع، فان التواجد الاسرائيلي في الضفة الغربية سيكون اكثر كثافة. كما ان مهمة الاشراف على الحكم الذاتي التي رشح فيصل الحسيني لكي يلعب دورا مركزيا في ادارتها، سوف تكون اكثر التصاقا وملازمة.
"وقد جاء الاقتراح الاسرائيلي المدعوم امريكيا بانشاء نظامين يشكلان مركزي قوة منفصلين بتقاسم وظيفي بين الحسيني وعرفات، لتجيير اتفاق اعلان المبادئ والتأكد من بقائه وسيلة للسيطرة على مجرى الامور عبر تقسيم الصلاحيات وابقاء الطرفين ضعيفين مرتبطين ببعضهما وكلاهما باسرائيل". (ص 34)
وحول عدم رغبة اسرائيل بالتنازل التام عن الضفة، كتبنا ايضا: "في احسن الاحوال، فان اسرائيل ستنقل "جزءا" من السلطة في مناطق محددة في الضفة الغربية الى طرف فلسطيني بعد ان يكون الاخير قد اثبت قدرته على ضمان الامن في غزة. وبعد خمس سنوات من ترتيبات من هذا القبيل فان قدرة الفلسطينيين على المطالبة بالانسحاب الكامل وازالة المستوطنات وبسط السيادة الوطنية الفلسطينية والاعتراف بالقدس العربية كعاصمة لدولة فلسطين ستكون قد ضعفت او تلاشت تماما. ولم يكن من قبيل الصدفة اسقاط خيار الدولة الفلسطينية من مبادئ الاتفاق حتى كموضوع للنقاش في المرحلة النهائية". (ص 27-28)
والحال الآن ان فيصل الحسيني مات، وعرفات الذي عارض هذا الترتيب في حينه يواجه اليوم نفس الاقتراح ولكن موقعه هذه المرة اضعف بكثير. فهو محاصر في رام الله بعد ان اثبت فشله في حماية الامن الاسرائيلي ولم يؤسس في المدن الفلسطينية التي "حررها" سوى سلطة دكتاتورية فاسدة. هذه حقيقة يدركها وزير الخارجية الامريكي، كولن باول، الذي لم يأت للمنطقة بهدف وقف النار الذي تعجز السلطة عن الالتزام به، بل لتسويق المشروع الاسرائيلي الجديد الساعي لاعادة الشعب الفلسطيني سنوات الى الوراء.
مشروع شارون يحظى باجماع لقد اخطأت السلطة الفلسطينية قراءة الخريطة السياسية عندما ركّزت على شخص شارون، واتهمته بمحاولة القضاء عليها واعادة احتلال المناطق الفلسطينية. الحقيقة ان الطرف الماثل امام السلطة هو حكومة وحدة تعبر عن اجماع سياسي وشعبي اسرائيلي عريض تبلور بعد فشل قمة كامب ديفيد، وقد اخذت على عاتقها مهمة محددة هي اخماد الانتفاضة.
ان نهج شارون السياسي الحالي مستمد من استيعابه لعبر اجتياحه للبنان عام 1982، هذا الاجتياح الذي انتهى بالانسحاب بعد 18 عاما بعد ان سددت المقاومة اللبنانية ضربات قاصمة لاسرائيل. الدرس الاهم الذي تعلمه شارون هو اهمية تنسيق كل خطواته مع الولايات المتحدة، الامر الذي يفسر رضا ادارة الرئيس الامريكي، جورج بوش، عن سياسته.
وخلافا لمواقفه من حزب العمل في حرب لبنان، فان شارون يدرك اليوم تماما ان العمل حليف وشريك لا بد منه لتطبيق سياسته تجاه الفلسطينيين وضمان رضا الامريكيين عنه وبالتالي ضمان بقائه في الحكم. ولكن الدرس الاهم الذي تعلمه هو عدم الخوض في مشاريع ضخمة تسعى لتغيير خريطة الشرق الاوسط من المشرق للمغرب كما كان يطمح عندما اجتاح لبنان، بل التركيز بدل ذلك على مهمة مركزية استراتيجية واحدة وهي حل القضية الفلسطينية بطريقة تضمن لاسرائيل امنها الاستراتيجي.
ان الفلسطينيين لا يواجهون اليوم هولاكو جديدا متعطشا لارتكاب المجازر والمذابح بحقهم وتدمير حضارتهم، كما تصوره السلطة الفلسطينية. انهم امام رئيس حكومة يستخدم تفوقه العسكري وكل جبروته التدميري لتحقيق اهداف محددة اتفق عليها مع الادارة الامريكية ومع شركائه في الحكومة. وقد اجمعت كل هذه الاطراف على ان السلطة الفلسطينية لا تصلح لدور الشريك في العملية السلمية التي تهدف اولا واخيرا لضمان المصالح الاستراتيجية الاسرائيلية مقابل منح الفلسطينيين دولة ضعيفة دون صلاحيات ودون سيادة كاملة.
الاجتياح الاخير لم يأتِ عفوا او كرد فعل عصبي على العملية الانتحارية في نتانيا بعيد الفصح اليهودي، بل هو نتيجة لخطة مدروسة جاءت بعد ان استنفذت كل الوسائل الاخرى ولم يبق امام الحكومة الاسرائيلية سوى ان تقوم باجتياحها تحسبا لموقعها الاستراتيجي في المنطقة واعلانا منها عن عدم استعدادها للرضوخ للهجمات الانتحارية التي اصبحت سلاحا استراتيجيا في يد الفلسطينيين. ان العملية التي بدأت العد التنازلي باتجاه القيام بهذا العدوان كانت في عملية تل ابيب "دولفيناريوم" في 1/6/2001 التي راح ضحيتها اكثر من 20 شابا وفتاة من الاسرائيليين.
منذ ذلك التاريخ بدأت اسرائيل تكثف ضغطها على السلطة الفلسطينية، مستخدمة كل الوسائل الممكنة من قصف جوي وحصار محكم على المناطق الفلسطينية وحتى اغتيال قيادات ونشيطي الانتفاضة. وكانت الرسالة من هذا النهج واضحة: اذا لم تقم السلطة بمهمتها الرئيسية في ضبط الامور وقمع من يعتدي على اسرائيل، فان اسرائيل ستؤدي هذا العمل بنفسها. ولكن كان من الواضح ايضا ثمن التدخل الاسرائيلي المباشر في المناطق الفلسطينية. فقد انحسرت صدقية السلطة وتراجع دورها لصالح نظام المجموعات المسلحة التي تفتقد مركزا رئيسيا يدير عملياتها، الامر الذي سبب حالة من الفوضى العارمة في المناطق الفلسطينية.
وقد اقتصر الدور الامريكي على تسويق المطالب الاسرائيلية للجانب الفلسطيني، من خلال وسطاء امثال ميتشل وتينت واخيرا زيني. وكان قبول السلطة بالخطط التي اقترحها هؤلاء مجرد خطوة دبلوماسية في حين انها عجزت عن تنفيذها على ارض الواقع، وذلك لوقوعها بين مطرقة الامريكيين وسندان الشعب الغاضب. فالمطلب الامريكي من السلطة كان عمليا قمع الانتفاضة كمقدمة للتفاوض، ولكن القيام بذلك في جو تتصاعد فيه الكراهية للمحتل وحليفه الامريكي في صفوف الجماهير، كان سيعرّض عرفات للاتهام بانه لحد جديد.
من هنا، وخلافا لما تروّج له رموز السلطة، فان قرار تقويضها لم يصدر منذ تشكيل حكومة الوحدة برئاسة شارون، بل جاء كخيار استراتيجي بعد ان استنفذت الخيارات الاخرى. فتقويض السلطة ليس امرا سهلا، نظرا للفراغ السلطوي الذي سيتبعه، ولكن فشل عرفات في الخيار الاساسي الذي طرح عليه، وهو تحمل مهمة قمع شعبه لاجباره على قبول الرؤية الاسرائيلية للحل النهائي، ادى في النهاية لصدور قرار خلع السلطة وخلق فراغ سلطوي متعمد تمهيدا لاحداث نظام بديل للنظام الذي خلقه اتفاق اوسلو.
الاساس للنظام البديل المطروح هو رؤية شارون المعتمدة على الاعتراف باقامة الدولة الفلسطينية ولكن فقط في الحل النهائي، وحتى الوصول الى الوضع النهائي يجب المرور اولا بفترة انتقالية طويلة الامد لاختبار جدية الفلسطينيين في التعايش مع التفوق الاسرائيلي والاعتراف بحاجاتها الامنية. الآلية لتنفيذ هذه الخطة تكون بعقد مؤتمر دولي جديد، يمكن ان يسمى مدريد 2، وفيه يحظى هذا البرنامج بدعم عربي ودولي لتمكين الطرف الفلسطيني من تنفيذ الخطة المجحفة بحق الفلسطينيين.
الحدود الجغرافية لهذه الخطة ستكون حسب البيئة التي مهد لها العدوان الاسرائيلي. غزة التي لم تتعرض للعدوان ستتحول الى مركز السلطة الفلسطينية مع امكانية مستقبلية لازالة المستوطنات منها. اما في الضفة الغربية فستعيد القوات الاسرائيلية تموضعها لتحيطها من كل جانب، فستنتشر مثلا في غور الاردن، منطقة الخليل، والشريط الحدودي المتاخم للساحل الاسرائيلي والكتل الاستيطانية المحيطة بالمناطق الفلسطينية. هذه الاخيرة ستتمتع بتواصل اقليمي محدود جدا ومحصور في منطقة الجبل بين جنين شمالا ورام الله جنوبا. اما بما يتعلق بوجود سلطة فلسطينية في هذه المناطق فستكون موضوعا للبحث في المؤتمر الدولي الذي يتم الترويج له كمخرج وحيد من الدوامة التي دخلت اليها المنطقة.
11 ايلول يقلب قوانين اللعبة
ان نهج السلطة الفلسطينية التي توعدت باستمرار العمليات الانتحارية ما دام شارون في السلطة، لم يسع لاحداث انشقاق في الشارع الاسرائيلي فحسب، بل كان موجها ايضا للادارة الامريكية والرئيس بوش تحديدا الذي امتنع عن مقابلة عرفات منذ تولى منصبه في كانون ثان (يناير) 2001. لقد حاول عرفات الضغط على الادارة الامريكية من خلال السعودية ومصر لحمل بوش على الضغط على شارون لتغيير موقفه من السلطة وفتح الطريق امام المفاوضات.
ولكن بوش ظل على موقفه، متجنبا الوقوع في المستنقع الذي وقع فيه سلفه الرئيس كلينتون الذي التقى عرفات مرات عديدة دون ان ينجح في حمله على الرضوخ لرؤية براك للسلام. وقد ساهم موقف بوش هذا في التشكيك بشرعية عرفات والسلطة الفلسطينية، وتحول الى ورقة سياسية في يد اسرائيل التي اشترطت لقاء بوش بعرفات بموافقة فلسطينية مسبقة على شروطها.
ولكن بعد احداث 11 ايلول 2001 تغير الموقف الامريكي تغييرا نوعيا. فقد كانت صدمة الامريكيين ان الاعتداء الذي ضرب هيبتهم كقوة عظمى عالمية وحيدة، لم يأت من الدول التي يعتبرونها عدوة مثل كوريا الشمالية، كوبا، ايران او العراق، بل من اكثر الدول قرباً لامريكا - السعودية. وكانت النتيجة الفورية لهذا الوضع الجديد ارتفاع اسهم اسرائيل في نظر الامريكيين الذين تزايدت شكوكهم في قدرة الانظمة العربية جميعها على محاربة ما تسميه الارهاب، وبكلمات اخرى ضمان مصالحها الاستراتيجية في العالم.
وقد اسهمت اعتداءات 11 ايلول في ادراك امريكا ان السلطة الفلسطينية ليست وحدها العاجزة عن مواجهة الاسلام السياسي المتطرف، بل هذا حال الانظمة العربية عامة، من مصر والاردن ودول الخليج. فقد زاد نفوذ التيار الاسلامي ازاء اخفاق هذه الانظمة الثرية والفاسدة في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لشعوبها وعلى رأسها البطالة.
ولابطال ذريعة الانظمة، وعلى رأسها السعودية، التي اشترطت مكافحة التيار الاسلامي بان تنتهج امريكا موقفا اكثر فاعلية واقل انحيازا لاسرائيل بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، اعلن الرئيس بوش عن ضرورة اقامة دولة فلسطينية بجوار اسرائيل لحل النزاع.
وجاءت المبادرة السعودية لتكمل رؤية بوش السياسية لحل القضية الفلسطينية، وهي تشكل عمليا الغطاء العربي للمبادرة الامريكية التي يجري العمل على تنفيذها من خلال مؤتمر دولي جديد، يلتزم به العرب بالتطبيع مع اسرائيل مقابل انسحاب القوات العسكرية من المناطق الفلسطينية. وليس في هذا الموقف العربي تغيير استراتيجي، اذ ان معظم الدول العربية تقيم علاقات على مستويات مختلفة مع اسرائيل، ولكن الجديد هو محاولة خلق مناخ جديد، بعد ان اصبحت امريكا واسرائيل هدفا لحملة تحريضية كبيرة جدا في الاعلام العربي الرسمي، خلق الانطباع بان الدول العربية تتماشى مع المزاج الشعبي الذي يميل نحو المواجهة.
الحقيقة المرة ان الاجتياح الاسرائيلي للضفة الغربية يأتي في اطار الرؤية الامريكية والحدود التي رسمتها المبادرة السعودية. والمفارقة ان هذا الاجتياح الذي جاء بعد يوم من تبني القمة العربية في بيروت للمبادرة السعودية، قصد تسهيل الطريق امام تحويل هذه المبادرة من مجرد تصريح الى حاجة ملحة يجب تحقيقها، وذلك خلافا لما روج له الاعلام العربي من ان الحرب هي الرد الاسرائيلي على مبادرات السلام التي اتى بها العرب. واكبر دليل على ذلك ان شارون لم يعارض هذه المبادرة بل وافق على جزء منها، اما بوش فلا يتوقف عن الثناء على ولي العهد السعودي ومبادرته في كل مناسبة.
ان هذه المبادرة تدخل في اطار الحملة الامريكية ضد الارهاب، ليس في اطار إضعاف اسرائيل وتحقيق الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني. عندما يثني بوش على المبادرة السعودية، فانه في نفس الوقت يعترف بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، بمعنى ان من حقها بث الدمار في الضفة الغربية وتقويض السلطة الفلسطينية، في حين يوجه كل اللوم لعرفات ويتهمه باحباط المبادرة من خلال عدم محاربته الكافية للارهاب. وليس في هذا ازدواجية في الموقف الامريكي، بل هذه سياسة شاملة ترغب في تسوية القضية الفلسطينية بالطريق التي تضمن المصالح الاستراتيجية الامريكية في المنطقة، وتضمن التفوق الاسرائيلي على العرب وتضمن ايضا سلامة الانظمة العربية الصديقة لامريكا والتي تستضيف قواعدها العسكرية.
وتندرج مطالبة امريكا لاسرائيل بالانسحاب الفوري من المناطق التي اجتاحتها وموافقتها على قرار مجلس الامن بهذا الخصوص، في اطار الاهداف الاسرائيلية للاجتياح. فاسرائيل اعلنت مرارا وتكرارا ان البقاء في المناطق التي اجتاحتها اخيرا، ليس من مصلحتها الاستراتيجية. فبعد ان استخلصت العبر من الانتفاضة الاولى، توصلت اسرائيل الى ان من مصلحتها ان تدير الاحتلال بطريقة غير مباشرة، وتقرر مصير المناطق الفلسطينية دون ان تحتك بالسكان الفلسطينيين وتتعرض لمقاومتهم، ودون ان تتحمل العبء الاقتصادي لاعالة ثلاثة ونصف ملايين فلسطيني.
ان احداث 11 ايلول غيّرت خريطة العالم، واسرائيل تدرك تماما انها لا تتمتع باستقلالية القرار خارج السياسة الامريكية العامة. فالاقتصاد الاسرائيلي مرتبط اليوم عضويا بالاقتصاد الامريكي، والامن الاسرائيلي موظف لصالح الامن الامريكي. ومن هنا، فليس من الصحيح اقامة فرق بين ما يقوم به شارون وما تسعى اليه الادارة الامريكية. ان الرؤية المستقبلية للامريكيين تستند الى تثبيت التفوق الاسرائيلي على حساب العرب في المنطقة، وفي هذا السياق لا تعدو القضية الفلسطينية ان تكون سوى عقبة من الضروري ازالتها من خلال اقامة شبه دولة دون مراعاة لحل المشكلة من جذورها وتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في العودة والاستقلال.
مؤتمر مدريد 2
بعد ان اجتاحت اسرائيل الضفة الغربية لتدمير البنية التحتية المدنية، بعث الرئيس بوش وزير خارجيته، كولن باول، للتوصل الى نوع من الهدنة. ولكن باول لم يسرع للوصول الى المنطقة لوقف الدمار حالا، بل فضل اولا ان يجول في عدة دول عربية وان يزور مدريد حيث اجتمع مع مندوبين عن الاتحاد الاوروبي ووزير الخارجية الروسي اضافة الى امين عام الامم المتحدة، كوفي انان.
وقد خرج باول من مدريد وبيده تفويض شبه دولي وموافقة مغربية، مصرية، اردنية وسعودية للوصول مع الاطراف المعنية الى اتفاق. الآلية المطروحة للوصول الى هذا الاتفاق هي عقد مؤتمر دولي جديد يعبر عن رؤية استراتيجية مبنية على الاسس الثلاثة التالية، كما بيّنها باول في مؤتمر صحافي باسرائيل: "اولا، الامن ووقف الارهاب والعنف من قبل الاسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء؛ ثانيا، اجراء مفاوضات جدية وسريعة لاعادة الامل والوصول الى تسوية سياسية؛ وثالثا، تقديم الدعم الاقتصادي والانساني لمعالجة الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني". (نيويورك تايمز، 18/4)
شارون من جانبه سارع للتصريح برغبته في عقد مؤتمر دولي. وكان في هذا التصريح انحراف عن الموقف الاسرائيلي التقليدي الذي تجنب المؤتمرات الدولية لحل النزاع. فقد لجأت اسرائيل الى مسار اوسلو الانفرادي، بعد ان وصلت مفاوضات مدريد وواشنطن الى طريق مسدود لرفض اسرائيل الاستناد للشرعية الدولية، وكانت النتيجة الوضع المتفجر الذي نحن بصدده الآن.
كيف غيّرت اسرائيل موقفها واصبحت الآن معنية بمؤتمر دولي من هذا القبيل؟ يمكن التطرق الى عنصرين اساسيين في هذا المضمار. العنصر الاول يتعلق بشطب اسرائيل لدور السلطة الفلسطينية كمرجعية سيادية في الضفة الغربية، وعدم رغبتها في نفس الوقت بالعودة للاحتلال المباشر، الامر الذي يضطرها للجوء الى طرف ثالث يأخذ على عاتقه ادارة هذه المناطق. وقد كتب مارتين انديك، سفير امريكا السابق في اسرائيل، في "يديعوت احرونوت" (26/4)، مقالا جاء فيه: "بسبب فشل قيادة عرفات وانهيار مؤسسات السلطة الفلسطينية، سيستوجب الحل فرض وصاية دولية لفترة ثلاث سنوات، تصادر من عرفات السيطرة على الدولة الفلسطينية".
في هذا الاتجاه، ودون التطرق بوضوح لمشروع الوصاية التي يتم الاعداد لها، كتب الصحافي اليكس فيشمان في "يديعوت احرونوت" (19/4) ان "اعضاء الحكومة فوجئوا لسماع شارون يتحدث عن امكانية وصول قوات دولية وحول ضرورة الاستعداد لمثل هذه الحالة". ويرى هذا المصدر ان اقتراح شارون نشر القوات الاسرائيلية في مناطق عازلة، يأتي ضمن السعي لرسم حدود بين الجيش الاسرائيلي والقوات الدولية التي يحتمل وصولها للمنطقة. ويسعى شارون الى ان تكون المرجعية لوجود مثل هذه القوات مؤتمرا دوليا ينعقد على اسس توافق عليها اسرائيل، وليس انتدابا صادرا عن مجلس الامن.
اما العنصر الثاني فهو "بلقنة" المناطق الفلسطينية، وذلك اعتمادا تحديدا على التجربة في كوسوفو، حيث يلعب الانتداب الدولي وقوات حلف شمال الاطلسي (ناتو) دورا امنيا فعالا في قمع القوات غير النظامية. التصريح المذكور لباول الذي يركّز على الوضع الانساني العصيب في المناطق المحتلة، يذكّر كثيرا، وليس بالصدفة، بالوضع في البلقان. فامريكا تسعى لتأزيم الوضع ونشر الخراب في المناطق الفلسطينية من خلال اعطاء الضوء الاخضر لشارون، حتى تدخل قواتها المنطقة كما لو كانت قوة سلام جاءت لانقاذ الشعب الفلسطيني.
وقد بدأ الوزير النرويجي السابق تاريا لارسن، مندوب الامم المتحدة، بالترويج لفكرة "الكارثة الانسانية" في المناطق وتحديدا جنين. المفارقة ان لارسن هذا هو احد اهم مهندسي اتفاق اوسلو الذي أدخل الشعب الفلسطيني لهذه الورطة. ويأتي التغيير في الموقف تعبيرا عن نهاية مرحلة اتفاق اوسلو، وبداية مرحلة مدريد جديدة استراتيجيتها: تمويه الاحتلال الاجنبي بغطاء المساعدات الانسانية.
لقد كان لارسن وراء اتفاق اوسلو ووراء تمويل فساد السلطة الفلسطينية، ويعتبر في نفس الوقت صديقا حميما لاسرائيل وتحديدا لوزير الخارجية، شمعون بيرس. ولكن بعد ان انتهى دور السلطة، راح لارسن يتحدث باسم الامم المتحدة التي ستتحمل المسؤولية الرسمية عن ادارة هذه المناطق. التمويل هذه المرة سيأتي من المصارف الدولية، مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وسيكون للمنظمات غير الحكومية وجزء من البرجوازية الفلسطينية، دور مهم في تسهيل عملية اعادة البناء التي تهدف الى ضمان الاستقرار الامني ومنع السيادة الحقيقية للفلسطينيين.
وكما اسلفنا لم يأت باول للحصول على وقف لاطلاق النار، بل لاقناع عرفات بان نفوذه في الضفة الغربية انتهى. ويدرك عرفات تماما ان قبوله اقتراح التنازل عن الضفة مقابل الحصول على دولة في غزة، سيدخله في دوامة سياسية كبيرة جدا، وسيحوّله من طالب للشهادة فداء للقدس الى ذليل مهزوم في قفص غزة. ما تبقى لعرفات في وضعه الضعيف جدا، هو التفاوض على شروط استسلامه وليس على تحقيق مكاسب جديدة، فالمعركة حسمت امريكيا ودوليا وعربيا.
في هذا الاتجاه كتب الصحافي امير اورن في "هآرتس" (19/4): "بعد اعتقال البرغوثي، وفقدان جبريل الرجوب نفوذه، واعتبار رؤساء الاجهزة الامنية الاخرى شركاء في الارهاب، لم يعد في الضفة الغربية قيادة يمكن الحديث معها. هذه مصيبة. وليكون بالامكان التخلص منها يحتاج شارون الى توجه مختلف، مثلا ان تكون غزة هي الدولة الفلسطينية، ليس بشكل نهائي، يرأسها محمد دحلان (الرئيس الفخري: عرفات)، وتكون دون مستوطنات. اما عن الضفة الغربية فسيكون الحديث ممكنا فقط بعد ان يستعيد الفلسطينيون قواهم".
في هذه المفاوضات سيحاول عرفات ان يضمن له ولاتباعه مصالحهم في الضفة الغربية، من الوظائف واحتكارات الوقود والسجائر، وحصصهم في المساعدات والدعم المالي الذي سيُصبّ على الضفة، كما سيطالب بنوع من الحضور السياسي لمنظمة فتح ليتمكن من السيطرة على الساحة السياسية ومنافسة المنظمات الاسلامية.
تفاوض عرفات في ظل حصاره في المقاطعة يضعف موقعه كثيرا، فالحصار سيف مسلط على رقبته يجبره على قبول الاقتراح الامريكي الاسرائيلي، والا سيكون النفي مصيره. ولم تكن زيارة باول للمقاطعة في رام الله اعترافا بالرئيس الفلسطيني، بل بحق اسرائيل في محاصرته وامعانا في الضغط عليه حتى يقبل المشاركة في المؤتمر. ويعتبر حضور عرفات المؤتمر امرا ضروريا لتمرير المخطط، وهو الامر الذي ادركه ووافق عليه شارون.
ان عقد المؤتمر ليس مرهونا فقط بموافقة عرفات، بل يجب تجنيد السوريين ايضا. فما يميز مؤتمر مدريد 2 خلافا لمدريد الاول انه سيركّز على النزاع الفلسطيني الاسرائيلي فقط، دون التطرق لقضية الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية. وفي حين كان معروفا ان مدريد 1 لن يثمر عن نتيجة، وتميزت جلساته بالتفاوض من اجل التفاوض، فان المؤتمر الجديد ستكون له مهمة عينية، وهي تسهيل ادخال القوات الدولية للمناطق الفلسطينية بهدف تحقيق الامن والهدوء في المنطقة، كي يتم للامريكيين التفرغ لمشاريعهم الاكبر واولها اسقاط نظام صدام حسين في العراق.
وقد عبر السوريون من خلال قصف حزب الله للحدود الشمالية لاسرائيل، عن قلقهم من عدم اخذ مصالحهم بالحسبان في الترتيب الجديد. وجاءت زيارة باول لسورية بهدف طمأنتها ان السلام مع الفلسطينيين لن يكون على حسابها. وتعرف امريكا ان الاستقرار في المنطقة يستوجب ارضاء السوريين، ولكنها افهمت السوريين ان عليهم ايضا تفهّم الحاجة الملحة لتهدئة الوضع في فلسطين اولا. الهدوء النسبي على الجبهة الشمالية لاسرائيل، كان اشارة الى ان بشار الاسد، كغيره من الزعماء العرب، يلجأ الى الخطاب العنيف ولكنه يتمسك في نفس الوقت بالمرونة الديبلوماسية، كيلا يغضب الامريكيين.
تلخيصاً لهذا الفصل نشير الى ان مؤتمر مدريد 2 يتبنى موقف شارون والامريكيين باستحالة الوصول الى حل نهائي مع الفلسطينيين، والبديل الممكن هو الوصول الى حل مرحلي طويل الامد. ان الاعتراف الامريكي والاسرائيلي بضرورة اقامة دولة فلسطينية ليس اكثر من ضريبة كلامية، دورها ان تمنح الافق السياسي المطلوب لادخال الفلسطينيين في دوامة الانتداب الدولي، الذي يهدف الى ضمان الامن لاسرائيل، ابقاء الاستيطان في الضفة الغربية والحفاظ على المصالح الاستراتيجية الامريكية في المنطقة.
انتفاضة دون برنامج وقيادة
كيف من شعار "الثورة حتى النصر" وصلنا الى الانتداب؟ في حين خاضت اسرائيل معركتها وقد حددت اهدافها الاستراتيجية، برز الخلل وتعدد الاهداف في الجانب الفلسطيني. فقد كانت انتفاضته منقسمة الى ثلاثة رؤوس: السلطة والتنظيم وحماس، وكل جسم قاد الانتفاضة باتجاه مختلف حسب برنامجه الخاص. وفيما اخذت الحكومة الاسرائيلية بحسبانها موازين القوى وتابعت التطورات الدولية والعربية، وتجنبت في تحركاتها عدم توسيع رقعة المعركة ضد الفلسطينيين لتتحول الى حرب شاملة مع الدول العربية المحيطة، انغلق الطرف الفلسطيني على نفسه، وتحرك خارج نطاق موازين القوى الراهنة.
السلطة والتنظيم وفلسفة الهزيمة
السلطة الفلسطينية التي تعتبر المرجعية الاولى، حسب الاتفاقات، لما يحدث في المناطق الخاضعة لسيطرتها، رفعت يدها عن الانتفاضة منذ انطلاقتها. قوات الامن الفلسطينية اكتفت بالتفرج، دون التدخل، على الشباب والفتية والاطفال الفلسطينيين يقاومون بالحجارة ويسقطون تحت وابل رصاص الجيش الاسرائيلي. لقد عجزت السلطة عن وقف الانتفاضة او المشاركة فيها، مما اضعف مكانتها وافقدها دورها القيادي. واقتصر دورها على التفاوض مع الامريكيين حول الخطط المختلفة التي طالبتها بان تدير ظهرها لشعبها وتلتزم بالاتفاقيات الامنية مع اسرائيل.
الى الفراغ الذي تركته السلطة دخل تنظيم فتح برئاسة مروان البرغوثي، وتحول التنظيم الى الحزب الحاكم بالفعل في الشارع الفلسطيني. وقد نهج التنظيم مسلكا مغايرا تماما للسلطة عندما بدأ عملياته العسكرية ضد الجيش الاسرائيلي، الامر الذي خلق الانطباع بان هناك فصلا تاما بين عرفات والبرغوثي رغم ان الاخير يأتمر بامر الرئيس الفلسطيني الذي يعتبر الزعيم الاول لمنظمة فتح.
التعايش الغريب الذي نشأ بين سلطة تدين الاعمال المسلحة من جهة، وبين حزب تابع لها يقوم بهذه العمليات، زاد البلبلة وضرب اكثر بمصداقية السلطة في نظر الشعب. وكان التعبير الامثل لهذا الوضع الادعاء بان السلطة ضعيفة ولذلك فعليها ان تتفاوض، اما نحن في فتح فلسنا ملزمين باتفاقات ولا بما تلتزم به السلطة.
ولم تكن هذه الازدواجية بغير موافقة عرفات، بل خدمت مصلحته ومصلحة البرغوثي في آن معاً. فالبرغوثي يمثل الكوادر المحلية للانتفاضة الاولى، التي استثنيت من اي موقع ذي نفوذ حقيقي في السلطة، او بعبارة اخرى لم تحصل على حصة في الامتيازات، من مناصب واحتكارات، التي مُنحت باغلبيتها للقيادات العائدة من تونس. وقد اعتلت هذه الكوادر موجة الانتقادات الشعبية ضد "جماعة تونس"، وكانت الانتفاضة بالنسبة لها فرصة لبناء مركز قوة لتغيير تركيبة السلطة لصالحها.
ولكن المنافسة على الشارع مع حماس والجهاد الاسلامي، ادت الى تصعيد مستمر في الاسلوب والاهداف، عندما انتقل التنظيم من الهجمات المسلحة ضد الجيش والمستوطنين داخل المناطق المحتلة وتبنى الهجمات الانتحارية في قلب اسرائيل.
والحقيقة ان فتح لم تنشط حسب خطة مدروسة تأخذ بالحسبان كل الاحتمالات او موازين القوى. بل كان نشاطها نوعا من الانجرار وراء المزاج الشعبي الغاضب، ووراء نهج قتالي فرضته حماس على الشعب الفلسطيني حسب اعتبارات وهمية لها علاقة بالصحوة الاسلامية وليس بالواقع الفلسطيني الراهن الذي يخضع لاعتبارات دولية واقليمية لا تشجع مثل هذه المواجهة الشاملة، التي ترفضها الانظمة العربية المحورية وبضمنها السلطة الفلسطينية وتصر بدلها على استراتيجية السلام.
وما يدل على الضعف السياسي لدى البرغوثي هو طريقته الانتهازية في التعامل مع السلطة. فاذا كانت السلطة في نظره قد اخطأت عندما تبنت طريق المفاوضات وتخلت عن النضال المسلح، فكان عليه العمل على تغيير هذه السلطة بعد ان ثبت عجزها عن تحقيق وعدها للشعب بانهاء الاحتلال وازالة الاستيطان. ولكن البرغوثي اختار طريقة اخرى غريبة من نوعها، فقد تمسك بالحصانة التي تمتع بها كونه عضوا في تنظيم تابع لعرفات، واعلن في نفس الوقت الحرب ضد اسرائيل. الا ان هذه اللعبة لم تدم طويلا، عندما وضعت لها اسرائيل حدا ونزعت الحصانة عنه واعتقلته.
وما يثير الدهشة اكثر من ذلك ان نفس الاشخاص، مثل البرغوثي وزملائه، كانوا اول من تبنى "فلسفة الهزيمة" عندما حاولوا قبل ما يزيد عن ثماني سنوات تبرير تخليهم عن الكفاح المسلح وقبولهم بالحكم الذاتي الذي عرضه اتفاق اوسلو. وكان جوهر هذه الفلسفة ان العالم العربي ضدنا، والاتحاد السوفييتي انهار، وامريكا اصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم، ولم يبق للشعب الفلسطيني سوى القبول بما رفضه في عهد انور السادات. وتعرض كل من قاوم هذا الموقف للاتهام بأنه غير واقعي ومغامر. غير ان اصحاب هذه الفلسفة كما يبدو لاقوا صعوبة معنوية في تسويق الهزيمة، فراحوا يروّجون لهزيمة اوسلو النكراء على انها انتصار باهر تم للفلسطينيين بقيادة الاخ القائد ابو عمار، وان الدولة المستقلة باتت على مرمى حجر.
ولا بد لنا ان نتساءل، هل تغيرت المعطيات وموازين القوى التي كانت قبل عشر سنوات؟ هل ادت احداث 11 ايلول 2001 الى اي تحول لصالح الفلسطينيين؟ كيف تحولت فلسفة الهزيمة اليوم الى فلسفة المعركة الحاسمة: إما نحن وإما هم، والثورة حتى النصر؟ الحقيقة ان قيادة فتح لم تفكر جيدا عندما قبلت باتفاق اوسلو، كما انها لم تفكر جيدا عندما اعلنت الحرب الشاملة ضد اسرائيل دون ان تكون لها الاساليب والامكانيات وموازين القوى او حتى الحليف، لتحقيق مثل هذا الهدف.
جنين اسطورة ام مأساة؟
ان حركتي الجهاد وحماس، الرأس الثالث الذي ادار الانتفاضة واعلن انها انتفاضة الاسلام، استهترتا عمليا بكل العبر من الانتفاضة السابقة التي استمرت اكثر من ست سنوات دون ان تخلّف هذا الدمار الذي نشهده الآن. فالانتفاضة السابقة حسب منطق حماس لم تكن حقيقية، لانها كانت بقيادة وطنية قومية لا اسلامية، ولم تضع في برنامجها استهداف اسرائيل، بل كانت بطبيعتها شعبية لا مسلحة وانتحارية كما هي اليوم. الانتحار بالنسبة للتيار الاسلامي الراديكالي اصبح السلاح والبرنامج والعقيدة التي يمكنها حسم المعركة.
ان الاختبار الاهم لهذا النهج والبرنامج الانتحاري كان في مخيم جنين. في التقرير الذي اعدته قناة "الجزيرة" الفضائية عشية اقتحام الجيش للمخيم، قُدّم هذا الطرح الغريب على لسان المراسلة شيرين ابو عاقلة: "اذا اقتحم الجيش الاسرائيلي المخيم فسيرتكب مجزرة، وسيكون في هذا هزيمة له. اما اذا امتنع عن الاقتحام فسيكون هذا ايضا هزيمة له، وفي الحالتين فان الجيش الاسرائيلي هو المهزوم". ان هذا التقرير يعبر اكثر من اي شيء آخر عن العقلية العقيمة التي تبنتها المقاومة الاسلامية المسلحة التي لا تجد خطأ في نشاط مسلحين بين آلاف المدنيين، وتصور المذبحة المتوقع حدوثها نتيجة الاشتباك المسلح، كنوع من الهزيمة للعدو.
في صحيفة "الحياة" (28/4) كتب منير شفيق، احد منظري الحركة الاسلامية تحت عنوان "مخيم جنين ليس صبرا وشاتيلا": "مخيم جنين هو الذي انتصر في هذه المعركة لانه قاوم وقاتل وصمد طويلا وسقط شهيدا".
صحيح ان المذابح تفضح وجه العدو القبيح، ولكنها لا يمكن ان تعتبر هزيمة له بل للشعب الاعزل الذي لم يجد من يحميه من وحشية العدو، بل بالعكس عرّضه لها.
وخلافا لتنظيم فتح، لم تكن المقاومة الاسلامية في جنين انجرارا وراء مزاج شعبي، بل جاءت تنفيذا لرؤية فكرية عبر عنها رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، في مقابلة لقناة "الجزيرة". فقد صرح مشعل ان بمقدور حماس حسم المعركة ودحر اسرائيل في خمس سنوات لا اكثر اذا لم يتم اي تدخل من اية جهة. ان هذه الانتفاضة كانت فرصة حماس لتنفيذ برنامجها الذي يرى في الكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، وتكشف بذلك خطأ الحركات الوطنية القومية. فبينما ركزت الحركات الوطنية على تبني نهج حزب الله لدحر اسرائيل عن المناطق الفلسطينية كما اندحرت عن الجنوب اللبناني، فان لحماس كان مخطط ابعد بكثير. فقد كان اوسلو بالنسبة لحماس مشروعا فاشلا لا بد ان يسقط، وكانت الانتفاضة فرصة لا تعوض لتمسك بزمام الامور وتحقق مخططها دحر آخر يهودي عن كامل فلسطين الانتدابية، كما وعد مشعل.
ولكن هناك فرق كبير جدا بين محاولة كسب عواطف الجماهير من خلال الخطاب الديني الذي يوجه الغضب الشعبي النابع من الذل والاحباط ضد امريكا واليهود، وبين تحقيق مكاسب حقيقية على ارض الواقع والانتصار في مواجهة شاملة ومفتوحة مع هذا العدو. لقد تحولت حماس الى اسيرة لخطابها المتطرف الذي وعد الشعب بالانتقام وهزيمة اسرائيل، تماما كما وقعت السلطة اسيرة لوعودها بالسلام وتحقيق الدولة الفلسطينية.
ان القضية الفلسطينية ليست محورا اساسيا في المشروع الاسلامي، بل هي مجرد قضية اخرى من قضايا الامة الاسلامية مثل كشمير، افغانستان، الشيشان، الفيليبين وكوسوفو. وكما ان النهج الذي تبناه بن لادن عندما اعلن حربه على امريكا، حوّل الشعب الافغاني الى رهينة ولم يأخذ في الحسبان مصيره ولا الدمار الذي سيلحق به جراء رد الفعل على اعتداءاته في 11 ايلول 2001، كذلك تحول الشعب الفلسطيني الى رهينة لاستراتيجية النضال المسلح الذي تبنته حماس، دون ان يكون لها اي وسيلة لحماية هذا الشعب من رد فعل الجبروت الاسرائيلي.
بدل استخلاص العبر من احداث ايلول، وملاءمة اساليب النضال للمعطيات العالمية الجديدة الناجمة عنها، تبنت حماس نهج بن لادن في حربه الانتحارية ضد امريكا. وبهذه الطريقة ربطت مصير الشعب الفلسطيني بالحرب الامريكية ضد ما يسمى الارهاب، مما سهّل على امريكا ان تمنح الضوء الاخضر لاسرائيل لشن عدوانها الغاشم ضد الشعب الفلسطيني.
ولا بد لنا هنا من التساؤل: كيف اعتقدت قيادة حماس ان يكون بمقدورها هزم اسرائيل، في حين تعجز عن اسقاط السلطة الفلسطينية التي هي بلا شك اضعف كثيرا من اسرائيل؟ الحقيقة ان الحركات الاسلامية لم تستطع حتى الآن ان تبدل السلطة في اية دولة عربية ذات ثقل. فقد مُنيت بالفشل الذريع في الجزائر ومصر وسورية، اما في الاردن فتحرص على علاقة مميزة مع البلاط. والسؤال الاهم هو كيف يمكن لهذه الحركات اركاع اسرائيل ودحر الاحتلال، اذا كانت قد فشلت في اسقاط معظم الانظمة العربية التي تقيم علاقات مع اسرائيل؟
علينا ان نواجه الحقيقة
الحقيقة ان حماس لا تملك الامكانية الموضوعية للانتصار على اسرائيل من خلال برنامج متطرف وعمليات انتحارية، كما يستحيل ان تحقق السلطة الحرية والاستقلال عن طريق المفاوضات. وليس هذا لان المفاوضات اسلوب غير مقبول او ان النضال المسلح غير شرعي في مواجهة الاحتلال، فالمشكلة ليست في الاسلوب بل في موازين القوى العالمية والعربية الراهنة التي تمنع من كل الشعوب المضطهدة، وليس من الفلسطينيين فحسب، تحقيق المزيد من الحريات والاستقلال.
ان امكانية تحقيق الاهداف الوطنية لا تنحصر فقط في الارادة الذاتية والاستعدادات للتضحية مهما كانت عالية، بل هي مرهونة بقدرات عسكرية واقتصادية وسياسية هي غير متوفرة للشعب الفلسطيني اليوم. ولا يمكن لشعب ان يواجه عدوه دون ان تكون له قيادة واعية تسيّره وتوجهه لا تنجر وراء عواطفه واحباطه.
ان مصيبة الشعب الفلسطيني الكبرى عدم قدرته على افراز قيادة بديلة للقيادات الحالية. فقد انجر قبل ثماني سنوات فقط وراء احتفالات السلام المزيفة، وصوّت في اسرائيل لرموز حزب العمل الصهيوني، مثل شمعون بيرس وايهود براك. واليوم انقلب 180 درجة، ودخل في مواجهة شبه عفوية ضد الاحتلال، دون ان تكون له القدرات الموضوعية المطلوبة لتحقيق الهدف.
رغم فساد السلطة الفلسطينية وممارساتها غير الديموقراطية، لم تقم اية جهة بمحاولة حقيقية لاحداث قيادة بديلة. ويبقى عرفات المحاصر في المقاطعة دون بديل حتى الآن، رغم انه يفتقد الطريق والبرنامج وحتى الرؤية للمستقبل.
ان احد اهم العبر التي يجب استخلاصها من العدوان الاسرائيلي ومن الخسائر الفلسطينية الكبيرة في الارواح والممتلكات هو، ان النضال ضد الاحتلال عملية معقدة وطويلة الامد، ومرتبطة بتحولات اجتماعية وسياسية عميقة في العالم العربي وفي النطاق العالمي. ان البرنامج الوطني الذي يستند الى الانظمة العربية او المبادرة السعودية، لا يستطيع تحقيق شيء سوى المزيد من الضحايا. اما البرنامج الديني الفئوي الذي جعل من كل غير مسلم كافراً وفرض الجهاد ضده، فقد عزل الشعب الفلسطيني عن القوى الديموقراطية الحية في العالم وعرّضه لمزيد من المعاناة.
اذا اردنا انهاء الاحتلال فعلينا ان نضع القضية الفلسطينية في نطاقها الصحيح، وهو النطاق الأممي الذي يشمل الطبقة العاملة في كل مكان من اجل تغيير النظام الرأسمالي القائم. نعرف ان هناك من لا يؤمن بامكانية إحداث هذا التغيير، ويرى في الاشتراكية مشروعا فاشلا لا يمكن ان يتحقق، ولكن الحقيقة ان الذين عوّلوا على امريكا في تحقيق النصر، هم الذين فشلوا مرة تلو اخرى في كل امتحان حقيقي بينهم وبين اسرائيل.
ان النظام الرأسمالي الظالم لا بد ان ينتهي، وفقط بارادة الناس الاحرار الذين فقدوا الامل به. ان الشعب الفلسطيني ليس وحده، بل له حلفاء في العالم كله، ومعاناته هي نفسها معاناة الشعب المصري والسوري واللبناني. وهو كسائر هذه الشعوب يفتقد البديل السياسي الذي يمكن ان يقوده نحو التغيير. وعندما نقول التغيير لا نقصد العودة الف عام الى الوراء كما اراد بن لادن، بل التقدم نحو مستقبل افضل يعطي لكل انسان دوره في الانتاج والابداع والتعلم والحياة الكريمة.
الانسانية ككل تواجه مشكلة سياسية من الدرجة الاولى، فعرفات هو مجرد زعيم انضم لقائمة الزعماء في العالم العربي والعالم. ان بوش وشارون وبرلوسكوني وبلير وهيدر، كلهم ينتمون الى نفس النظام، يعملون لصالح الطبقة البرجوازية، ويلجأون للقوة لقمع كل معارضة لهذا النظام سواء في ايرلندا او كولومبيا او فلسطين. ان المعركة لإحداث بديل سياسي هي جزء من مجهود دولي، وهي شرط مسبق لا غنى عنه لتحقيق الحرية والاستقلال. ومن يسعى للقفز عن هذه المرحلة العصيبة التي تتطلب اعادة البناء، فسينتظره المزيد من الهزائم وسيكون الشعب اول وآخر من يدفع الثمن.
Al sabar 152 May 2002
#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فشل الاسلام السياسي .....هكذا اهدروا دماء الجزائر4
-
المعالم الفكرية للاسلام المتطرف
-
فضيحة "انرون" اكبر افلاس في تاريخ امريكا
-
فشل الاسلام السياسي
-
على نفسها جنت براقش ..امريكا تفقد القيادة
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|