|
المشهد اللبناني الجديد .. أكثر من تسوية وأقل من حل
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 2296 - 2008 / 5 / 29 - 10:23
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أفرزت الأحداث الأخيرة في دائرة المشهد البناني ، في أوا سط أيار 2008 ، نتائج سوف تبنى عليها متغيرات لبنانية هامة ، وسوف تؤثر ، دون أدنى ريب ، في صنع متغيرات المشرق العربي القادمة ، وربما يتسع قوسها ليشمل الشرق الأوسط برمته . بكلمة ، أنها أكثر من تسوية صراع بين الموالاة والمعارضة ، وأقل من حل لأزمة تمتد جذورها إلى نظام الطوائف المعتمد عام 1943 قبل أن تمتد إلى دمشق وطهران والرياض وواشنطن ، وأكبر من العناوين المذهبية التي طرحت تعسفاً واعتباطاً . من أكثرها وضوحاً تحت الضوء ، أن لبنان بمقتضى موازين القوى الجديدة ، التي صنعتها تلك الأحداث ، قد انتقل من موضوع للسياسة في التدواول الإقليمي والدولي إلى مركز مسؤولية قوى الداخل اللبناني ، لإعادة بناء وتفعيل مؤسسات الدولة . ومهما حصل من مناوشات سياسية وغير سياسية ، هنا وهناك ، فإن الاشتباك الكبير قد شكل مشهداً لبنانياً جديداً ومسار السمت اللبناني الجديد قد انطلق .
ومن البديهي ، أن قوى المعارضة اللبنانية ، التي جسدت تفوقها على الأرض ، وضمنت في إعلان الدوحة أهدافها ، بالمشاركة بالثلث الضامن ( المعطل ) بالحكم ، وإجراء النتخابات نيابية وفق قانون توافقي تأمل أن يحقق لها الأكثرية في الرلمان القادم ، وربط مصير سلاح المقاومة بعد بناء الدولة القادرة على مواجهة العدوانية الإسرائيلية وعبر الحوار الداخلي التوافقي ، سيكون لها ، إن لم يجر اختراق يقلب موازين القوى مرة أخرى ، القدرة على أن تلعب ، وخاصة حزب الله ، دوراً هاماً إن لم يكن مقرراً في مصير ومستقبل لبنان .
من هنا يمكن فهم تكرار السيد حسن نصر الله ، بعدم وجود برنامج لدى حزب الله للسيطرة على الحكم في لبنان . وهو وإن علل ذلك ، بأن لبنان المتعدد المذاهب محكوم بالديمقراطية التوافقية والمشاركة المسلحة بالثلث المعطل ( الفيتو ) ، فإنه يعتمد بوضوح على أنه ، من خلال امتلاكه ناصية المقاومةالمكرسة لتحقيق " ا ستراتيجية تحرير الأرض العربية من احتلال الكيان الصهيوني " ، ومن خلال تحالفاته التي هو فيها يملك الوزن الأقوى والأفعل ، قادر على امتلاك الدور الأهم في حكم لبنان .
وا ستطراداً يفهم التعفف السوري مؤخراً عن التدخل في الشأن اللبناني . فهذا التعفف، وإن برره بإلتزامه بالقررات العربية وغيرها ، فإنه بعد أن حسم حلفاؤه ، خلال ساعات ، تحديد موازين القوى لصالحهم ، لم يعد بحاجة لغمس يديه بالعجين اللبناني المرهق .
كما يضاف إلى ذلك ، أن النظام السوري ، قد انتقل ، بتزامن لافت مع إعلان الدوحة ، من " الممانعة " إلى " المطاوعة " .. إلى فتح باب التسوية حول الجولان مع إ سرائيل . وتقاسم بهذا الانتقال الأضواء مع المشهد اللبناني الأخير . بيد أنه على الرغم من محاولات الإعلام الرسمي فصل هذا التزامن عن علاقته بما حدث في لبنان لإبعاد شبهة الصفقة عن التحولات السياسية السورية من لبنان إلى الجولان .. فإن الوسيط التركي والطرف الإسرلئيلي يتوليان مع الرضى الدولي السافر عما يخفيه هذا الإعلام . الجدير بالذكر في هذا الصدد ، أنه إذا كان الوضع اللبناني المأزوم بصراعاته الطائفية والتدخلات الخارجية ، قد ا ستدعى الحسم المسلح لتعديل موازين القوى وتعديل المسار السياسي ، فإن الوضع السوري لايستدعي تعديل موازين قوى داخلية . فهو مفرغ ، بالقمع والتشريد بآليات قانون الطواريء والأحكام العرفية ، من القوى الفاعلة المفروض وجودها في الطرف الآخر من الموازين . وبذا يتمتع النظام بحرية دون معوقات ذات وزن في مسار التسوية حول الجولان ، إن على مستوى شروط هذه التسوية أو على مستوى الإصرار على مبدأ التحرير ..
كما يضاف إلى ذلك ، أن لبننة الحل اللبناني ، إذا جاز التعبير ، ومن ثم اكتسابه الغطاء العربي ، والبناء على ماتم الاتفاق عليه في الدوحة ، وفتح مجال التسوية حول الجولان المحتل ، لايلغي ا ستمرار التأثير المتبادل ، للإتفاق والاختلاف بين سوريا ولبنان ، وإنما ينقله إلى مستوى أكثر إثارة . فحزب الله يعتمد ويطالب باسترتيجية التحرير وإنهاء إ سرائيل . والنظام السوري يعتمد ويطالب بالتسوية مع إ سرائيل . وإذا أخذنا بعين الاعتبار ، أن سوريا تشكل بالنسبة لحزب الله المجال الحيوي للإمداد بقومات المقاومة منها وعبرها . وأن حزب الله في لبنان هو الركن والساعد الصديق الضارب بالنسبة لسوريا في مواجهة إسرائيل في حالة الحرب واللاحرب ، فما هي انعكاسات تعارض الخيارات الاستراتيجية إزاء إ سرائيل على العلاقات الثنائية التاريخية فيما بينهما ، وتأثير ذلك على كل من سوريا ولبنان ، سيما وأن مستحيلات كثيرة تحول دون تحول حزب الله المقاوم إلى حزب سياسي ( معتدل ) ، وأن النظام السوري يعتبر ا ستعادة ما يمكن ا ستعادته من الجولان قفزة نوعية في ضمان ا ستقراره وا ستدامته وا ستعادة دوره الإقليمي ؟ .
والمعطى الجديد البارز تحت الضوء أيضاً ، بغض النظر عن تقييم هذه الدولة أوتلك أو الموقف المسبق منها سلباً أم إيجاباً ، هو أن شرقاً أوسطياً بملامح وتعددية جديد بدأ ، على أنقاض إخفاق المشروع الأمريكي الشرق أوسطي ، يتبلور . تبرز فيه ، بعد احتلال العراق وتدمير مقومات الدولة فيه ، وبعد عزل مصر باتفاقيات كامب ديفيد وا ستقالتها من دورها الإقليمي ، تبرز دول انتزعت بحضورها الفاعل دوراً إقليمياً لايمكن تجاهله في تقرير مصير المنطقة . وهي تركيا والسعودية وسوريا وإيران وإسرائيل . وهذه الدول هي الأقوى عسكرياً ، وباستثناء سوريا ، هي الأقوى اقتصادياً في المنطقة . وعليه ، ليس محض صدفة أن يكون عراب التسوية الآن بين سوريا وا سرائيل هو تركيا . كما أنه ليس محض صدفة أيضاً أن تشارك تركيا وإيران وسوريا والسعودية في حوار ومقررات الدوحة حول لبنان . ويستدل من خلفيات المصالح السياسية والاقتصادية الاستراتيجية لهذه الدول ، أنها بصدد التعاطي مع التسويات السياسية لتبريد الحدود الساخنة فيما بينها ، وخلق سوق اقتصادي تكاملي منفتح على التجارة العالمية أكثر من التعاطي بإشعال هذه الحدود بالحروب المدمرة . سيما وأن كلاً منها يمتلك القدرة العسكرية التي تصل إلى كامل مساحة جغرافيا الطرف الآخر .
وتطرح الأحداث اللبنانية الأخيرة والمتغيرات الناتجة عنها السؤال حول تأثر الداخل السوري سلباً أم إيجاباً بهذه الأحداث والمتغيرات ، وتحديداً في المجال السياسي .. خاصة وأن النظام بعد انعقاد مؤتمر القمة العربية في دمشق ، وبعد ا شتراكه الإيجابي " المشكور " عربياً ودولياً في إنجاح مؤتمر الدوحة حول لبنان ، وبعد ولوجه المعلن للمفاوضات غير المباشرة مع إ سرائيل حول الجولان برعاية تركية ، الأمر الذي فتح له عدداً من الأبواب العربية والدولية التي كانت مغلقة بوجهه ، يشعر أنه لم يعد بحاجة إلى عباءة المظهر الديمقراطي .. بيد أن هذا لايعني أن أمام قوى التغيير الديمقراطي صعوبات جديدة ، وإنما أمامها أن تختار اساليب سياسية وآليات عمل جديدة .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بديل نقابي مستقل .. مرة ثانية - إلى النقابي المعتقل مروان ال
...
-
مجزرة معيشية جديدة
-
الطبقة العاملة والجماهير الشعبية في مصر تنتزع المبادرة
-
بديل نقابي مطلبي ممكن
-
قمة تحت خط العجز
-
حتى تنهض المعارضة وتحقق التغيير
-
يوم المرأة العالمي وسمات المرحلة الراهنة
-
انتصاراً لشعب غزة البطل
-
وتبقى المعارضة عصية على القمع وعلى الانتهاء
-
حول وحدة الطبقة العاملة والحركة النقابية
-
المواطنة و- هيبة الدولة - والرعب
-
ليس من طريق آخر للفوز بالحرية
-
الأعزة في غزة لستم وحدكم
-
الحرية والحياة لعارف دليلة
-
السؤال الجدي في المشهد المعارض
-
دفاعاً عن الوطن والديمقراطية
-
غزة تحت حصار النار والموت
-
التحدي الديمقراطي وإرهاب السلطة
-
في التحالف ضد الاستبداد
-
مع - الحوار المتمدن - .. مع اليسار والديمقراطية والعلمانية
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|