|
احتلال العراق وقصة الانتحال والمخابرات “العظيمة”
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2297 - 2008 / 5 / 30 - 10:37
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
بابتسامة عريضة ووجه سمح مدّ لي يده وقدّم نفسه: أنا ابراهيم المرعشي بلغة انجليزية طليقة متقطعة بكلمات عربية، لكنها تأتي بلكنة أجنبية، وخلال ثوانٍ مددت له يدي ولكن لساني سبقني، هل لك علاقة بالمرعشي الطالب الذي استعان بأطروحته رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ليبرر مزاعمه بوجود أسلحة دمار شامل على العراق، لا سيما أن الحيلة المفبركة كان قد نقلها إلى إدارة الرئيس بوش التي وظفتها أجهزته لشنّ الحرب على العراق، والتي روّج لها واستند إليها كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة السابق في خطابه الشهير في الأمم المتحدة عشية احتلال العراق؟ وقبل ان يبادر المرعشي إلى الجواب أمطرته بسؤال آخر، ألا تكون انت المعني، علماً بأنني تصوّرت أن الشخص المقصود أكبر منك؟ أجابني بسرعة وبضحكة ممزوجة بالألم: نعم أنا ابراهيم المرعشي الذي تم استغلال أطروحتي.
قلت له ألا تحدثني ولديّ بعض الفراغات التي أريد أن أملأها عبرك، فقد كانت تشكل نقصاً في معلوماتي، كما أن لديّ اسئلة سأطرحها عليك؟ القصة تبدأ كالآتي: إنه تسلم رسالة في البريد الالكتروني من كلين رانكولا (جامعة كامبردج) الذي سأله ما إذا كان قد تعاون مع المخابرات البريطانية للإفراج عن ملف بعنوان “العراق بنيته التحتية الخداع والتخويف” (4 فبراير/شباط 2003)، فأجابه حسب قول محدثي بالنفي، لكن الرسالة تضمنت فحوى مقالة كان قد نشرها في سبتمبر/أيلول 2002 بعنوان “العراق: شبكة الاستخبارات دليل وتحليل” ولم يكن لإبراهيم المرعشي طالب الدكتوراه آنذاك علاقة بذلك، فقد تناول في أطروحته: أزمة الخليج عام 1990 وقوات الأمن العراقية.
لم تنفع ردود كلين على شبكة الانترنت التي نشرت جزءاً من أطروحة ابراهيم المرعشي ومحتويات الملف لا سيما تسليط الضوء على الفقرات والصفحات والمواقع التي تم نسخها مباشرة من الأطروحة ورغم ان مراسل القناة الرابعة البريطانية الإخبارية نشر ملخصاً لتقرير كلين بعد يومين من نشر الملف أي 6 فبراير/شباط ،2003 موضحاً أن تقرير المخابرات البريطانية استند بشكل رئيسي الى أطروحة المرعشي بالدرجة الاساسية ومصدرين آخرين، إلا ان الهجوم الإعلامي والدبلوماسي المكثّف كان قد سبق الهجوم العسكري حيث غطّت سماء الساحة السياسية الدولية أدخنة كثيفة تقول إن العراق يمتلك أسلحة دمارٍ شاملٍ بالاستناد إلى معلومات مدوّنة في أطروحة، كان قد مضى عليها يومذاك 13 عاماً على الأقل 1990 2003 وربما لتبرير قصة الخداع تلك، تم تعزيزها بشهادات من جماعات تنتسب إلى المعارضة العراقية، لا سيما المتعاونة مع واشنطن. وكان الأمر يتطلب لإمرار تلك الفريّة حشداً شعبياً للعمل العسكري العدواني ضد العراق، وهو الذي أثار حفيظة صاحب المقالة الأطروحة الذي استخدم اسمه لتبرير الهجوم، الذي دفع العراق والمنطقة ثمنها غالياً وما يزال ينزف دماً. وعندما سألته هل سكت أو ماذا فعلت؟ أجابني: ان أليستر كامبل طبيب ترحال توني بلير ومدير مركز معلومات التحالف (الذي هو وحدة من وحدات وزارة الخارجية البريطانية) وافق بعد الغزو 25 يونيو/حزيران 2003 على تقديم شهادة إلى لجنة مختصّة أكّد فيها استخدام أطروحة المرعشي، كما قام كامبل بالإدلاء بشهادته في ديسمبر/كانون الاول 2003 حيث أكد دوره في تكليف مجموعة الاتصالات العراقية لكتابة الملف عن المخابرات العراقية ودورها في عرقلة عملية التفتيش التي تقوم بها فرق الامم المتحدة. ويبدو ان الحكومة البريطانية كانت في عجلة من أمرها لتجميع معلومات من أين أتت لإمرار مخططها القاضي بضرب العراق، ولم يكن يهمهم إن ظهر المقال أو لم يظهر أو إن اختفى اسم صاحبه أو لم يختف. وقد اعتذر كامبل بعد الإدلاء بشهادته بعدّة ايام من المرعشي عبر رسالة وجّهها إليه بالبريد لكن المحذور كان قد حصل والضرر قد وقع وهو مستمر حتى هذه اللحظة حيث يشهد العراق احتلالاً مستمراً وعنفاً متواصلاً وانقساماً ومحاصصة مذهبية وإثنية، وميليشيات وفساداً ورشى وتبديد للمال العام، والأكثر من ذلك غياب أو ضعف مرجعية الدولة على حساب مرجعيات مصغّرة.
جدير بالذكر ان أطروحة المرعشي استندت الى وثائق لقوات الأمن العراقية في الكويت بعد غزوها في اغسطس/آب 1990 إلى 28 فبراير/شباط ،1991 وقام هو بتصنيفها في قسم الوثائق في جامعة هارفارد وهي وثائق متاحة للجميع لاسيما للباحثين والدارسين.
للأسف الشديد إن دولة ديمقراطية عريقة مثل بريطانيا استندت حكومتها الى مقالة للمرعشي باعتبارها واحدة من الوثائق النهائية لمشاركتها في الحرب على العراق، الأمر الذي يلوم المرعشي نفسه عليه وإن كان قد حصل بطريقة غير مباشرة، لكن بلده الاصلي العراق كما يقول تحمّل بسبب ذلك الكثير لاسيما قتل المدنيين والأبرياء. ورغم تحفّظ الMI6 على الوثائق، إلا أن الأمر كان قد مرّ سريعاً في وسط الضجة الإعلامية والدبلوماسية، لاسيما وقد ترافقت مع حملة انتهاكات النظام السابق لحقوق الإنسان.
إن فضيحة الانتحال كان يراد لها خدمة القصة الأساسية وهي الحرب، وساهمت وسائل الاعلام المقربة من توني بلير في الترويج لها باعتبارها معلومات مؤكدة، لاسيما إهمال اسم كاتب المقال المرعشي باعتباره طالب دكتوراه، الأمر الذي اعطى انطباعاً أن دوافع سياسية وثيقة كانت تقف وراءه لا سيما استخدام “إسرائيل” له، وهو الأمر الذي يثير شكوكاً حول مقالة كتبها الاسكندر كوكبرن بعنوان “المخابرات العظيمة” من دون الرجوع إلى مصادر معلوماته قبل نشر الخبر كما يقتضي العمل المهني، علماً بأن مقالة المرعشي كانت مجرد بحث أكاديمي للشبكة المعقدة التي تأسست عليها أجهزة الأمن العراقية، لا سيما وأن مصادرها حديثة لبحث وضع يمتد بين 12 و13 عاماً.
إنها قضية انتحال بامتياز وتلفيق لحرب غير مشروعة ولم تحظ بترخيص دوليّ رغم كل الهيمنة على الأمم المتحدة، ولم تتحول إلى واقع احتلال الاّ بقرار صادر عن مجلس الأمن في 22 مايو/أيار 2003 برقم 1483 يحكمه القانون الدولي واتفاقيات جنيف، ورغم ادّعاء استعادة السيادة فإن واقع الحال مازال كما كان حيث السيادة معوّمة والكرامة الوطنية مجروحة والدولة تعاني من التشظّي وضعف الهيبة.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معاهدة عراقية - أمريكية سيعلن عنها في يوليو
-
المحاكمة: المنظور والمحظور!
-
الاستثناء العربي والمرجعية الدولية للديمقراطية
-
المعاهدة الأميركية - العراقية: ابتزاز أم أمر واقع؟!
-
جدلية الإصلاح العربي: الساكن والمتحرك!
-
ثقافة الخوف والإرهاب!
-
في أزمة الشرعية
-
المواطنة والفقر
-
التشكيك بحقوق الإنسان!
-
جدل المواطنة والهوية!
-
مسيحيو العراق... قرابين على مذابح عيد الفصح!
-
دمشق عاصمة الثقافة: شجون فلسطين والفكر العربي
-
جدل قانوني أميركي!
-
رحمة بالأبرياء العراقيين!
-
بعيداً عن السياسة: سؤال الضحايا إلى أين؟
-
الدولة والمواطنة «المنقوصة»!
-
سلّة ساركوزي المتوسطية اتحاد أم شراكة؟!
-
التسامح وأوروبا: فصل الخيط الأسود عن الخيط الأبيض!
-
استحقاقات المواطنة «العضوية»
-
حقوق الإنسان الصورة والظل!
المزيد.....
-
الرئيس التركي أردوغان: اتخذنا الخطوة الأولى لبداية جديدة بين
...
-
قوات -قسد- تسقط طائرة أمريكية مسيرة
-
-CBS NEWS-: ترامب يوجه دعوة إلى شي جين بينغ لحضور حفل تنصيبه
...
-
مجلس النواب الأمريكي يصادق على الميزانية الدفاعية بحجم 884 م
...
-
العراق.. استهداف -مفرزة إرهابية- في كركوك (فيديو)
-
موسكو تقوم بتحديث وسائل النقل العام
-
قوات كردية تسقط بالخطأ طائرة أميركية بدون طيار في سوريا
-
رئيس الإمارات وملك الأردن يبحثان التطورات الإقليمية
-
أوكرانيا على موعد مع صاروخ روسيا -الرهيب-
-
فيديو.. اكتشاف نفق سري ضخم في جبال القلمون
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|