|
خطاب نصر الله في ميزان الخطأ والصواب!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2295 - 2008 / 5 / 28 - 08:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله كان في خطابه الأخير، الذي ألقاه في "عيد المقاومة والتحرير"، كما في كل خطاباته السابقة، مخاطباً للعقل والمنطق، ومُقْنِعاً لكونه يحرص دائماً على تسليح خطابه بحجج مؤيَّدة بالحقائق الواقعة.
أمران دائماً يحرص السيد نصر الله على إظهارهما وتأكيدهما والاستمساك بهما، وقد أكسباه مزيداً من الثقل الشعبي والسياسي، وهما التشبُّث بخيار المقاومة الصلبة ذات الكفاءة العسكرية والقتالية والذكاء السياسي.. والزهد في الحكم والسلطة.
على أنَّه، هذه المرَّة، وقع في خطأ كان يمكنه اجتنابه، وينبغي له اجتنابه، فدفاعه الشخصي عن "ولاية الفقيه" أضعف كثيراً من التأثير الإيجابي للخطاب في جماهير عربية أخرى من خارج الطائفة الشيعية، ومن خارج الطوائف الإسلامية على وجه العموم.
السيد نصر الله حُرٌّ في الإيمان بخرافة المهدي المنتظَر، وبالعقيدة السياسية المشتقة من هذه الخرافة، وهي عقيدة "ولاية الفقيه"، وبضرورة طاعة "الإمام القائد المرجع السيد الخامنئي قدس سره"، بوصفه تجسيداً آنياً لـ "ولاية الفقيه"؛ ولكن هذه الحرية يجب ألاَّ تُتَرْجَم بمواقف تضر بخيار المقاومة، وبالسعي إلى إكسابه مزيداً من الوزن الشعبي والسياسي ليس على النطاق اللبناني فحسب وإنما على النطاق القومي العربي، فشعوبنا، في الميزان الواقعي لمصالحها، إنَّما تحتاج إلى قيادة سياسية تجمع بين خيار المقاومة، الذي مثَّله "حزب الله" خير تمثيل، وبين نبذ كل ما يمت بصلة إلى الحكم الديني، أو إلى ما يسمى "حكم الله على الأرض"، أكان في شكل "الخلافة الإسلامية" أم في شكل "ولاية الفقيه"، التي من حيث الجوهر لا تختلف عن "ولاية الفقيه الأخرى"، التي تتجسَّد آنياً بـ "فرعون العصر" الرئيس جورج بوش.
لنَتْرُك الآن هذا الجانب الميثولوجي الضار سياسياً من خطاب السيد نصر الله، ولنستمسك، تفكيراً وبحثاً، في جانبه الواقعي المنطقي المتمثِّل بخيار المقاومة، أو ما يسمى "استراتيجية التحرير والدفاع"، التي نجحت لبنانياً، ويريد لها السيد نصر الله الآن التعميم، أي التعريب.
إنَّ الاستنتاج السياسي الأهم الذي يمكن استخلاصه من الخطاب الأخير للسيد نصر الله هو أنَّ "حزب الله" يملك الآن من التفوُّق السياسي والعسكري ما يسمح له بأن يبلغ علانية إلى كل خصومه في الداخل والخارج أنَّ سلاحه سيظل "إلى الأبد" في يده، وأنَّه لن يتخلى عنه أبداً، فالاستراتيجية الدفاعية التي يريد الحزب للدولة اللبنانية تبنيها والتزامها إنَّما تقوم، في جوهرها، على التعاون الدائم بين جيش نظامي قوي، يملك من الوسائل العسكرية ومن العقيدة السياسية والقتالية ومن مقوِّمات وحدته الداخلية ما يسمح له بالدفاع عن الوطن وبتحرير مزارع شبعا وتلاك كفر شوبا، وبين مقاومة قوية تحتفظ بسلاحها من غير أن تُظْهِرَه، وتَظْهَر فيه، ومن غير أن تستعمله في أي صراع أو نزاع سياسي داخلي، أي بين اللبنانيين.
لقد أراد السيد نصر الله أن يقول إنَّ تحرير مزارع شبعا وتلا كفر شوبا، سلماً أم حرباً، لا يعني، ويجب ألا يعني، انتفاء الحاجة إلى احتفاظ "حزب الله" بسلاحه وترسانته، فالمقاومة التي يمثِّلها ويقودها هذا الحزب يجب أن تستمر وتبقى من أجل الدفاع عن لبنان بعد تحرير البقية الباقية من أرضه المحتلة إسرائيلياً.
وهذا إنما يعني، أيضاً، أنَّ "السلاح غير الشرعي"، والذي يجب نزعه من أيادي اللبنانيين، هو "سلاح الميليشيات والأحزاب والتنظيمات"، أي كل سلاح يمكن استخدامه في الصراع السياسي الداخلي، أو كل سلاح عدا سلاح الجيش، وسلاح المقاومة، أي "حزب الله"، في المقام الأول.
وإذا كان من مهمة ينبغي لـ "الحوار الهادئ"، الذي تحدَّث عنه، والتزمه، الرئيس اللبناني الجديد العماد ميشال سليمان، إنجازها فإنَّ هذه المهمة تنحصر، أو يجب أن تنحصر، على ما قاله ضمناً السيد حسن نصر الله، في تنظيم الوجود العسكري والقتالي الدائم للمقاومة، وفي تنظيم علاقة التعاون بأوجهها كافة بين الجيش والمقاومة، بما يُظْهِر ويؤكِّد سيادة الدولة اللبنانية عسكرياً وامنياً على الأراضي اللبنانية كافة، وبما يمنع قوى ما، داخلية أو خارجية، من استخدام الجيش في ضرب المقاومة، أو نزع سلاحها.
إنَّها ليست "دولة في داخل دولة"، وإنَّما "مقاومة جنباً إلى جنب مع الجيش النظامي في داخل الدولة نفسها".
وتوصُّلاً إلى هذا الهدف الاستراتيجي لـ "حزب الله" لا بأس من أن يُظْهِر الأمين العام للحزب، ويلتزم، هذا الزهد في السلطة، والترفُّع والتنزُّه عنها، ما دام في وسعه أن يكون متوِّجاً للملوك، والرقبة التي تحرِّك رأس السلطة.
على أنَّ لبنان ليس بالبلد، أو المجتمع، الذي تتنزَّه السياسة فيه عن المآرب الطائفية، فـ "حزب الله"، بإصراره على الاحتفاظ بسلاحه إلى الأبد، بوصفه سلاحاً شرعياً للمقاومة، وبترفُّعه عن السلطة والحقائب الوزارية والمقاعد البرلمانية، توصُّلاً إلى ذلك، أو في مقابل ذلك، إنَّما يؤسِّس، في الوقت نفسه، لوجود سياسي قوي للطائفة الشيعية، التي عانت كثيراً من التهميش الاقتصادي والسياسي.
ولعلَّ خير دليل على أنَّ "حزب الله" سيوظِّف انتصاره العسكري الداخلي الأخير، والذي يتجنَّب، عن ذكاء الحديث عنه والمباهاة به، في لعبة الحفاظ على المقاومة مع سلاحها وليس في لعبة السلطة والحكم، هو هذا الحرص النظري الذي أظهره السيد نصر الله، في خطابه، على إثبات أنَّ "الإجماع اللبناني" على المقاومة، وجوداً وبقاءً وسلاحاً، ليس بمَصْدر من مصادر الشرعية التي تحظى، أو يمكن أن تحظى، بها، وكأنَّه أراد أن يقول لخصوم الحزب في الداخل والخارج إنَّ المقاومة ستبقى مع سلاحها ولو لم يحظَ هذا بـ "إجماع لبناني"؛ أمَّا "الصفقة الضمنية"، التي يقترحها الحزب ويريدها ويسعى إليها، فهي "خذوا السلطة واتركوا لنا المقاومة مع سلاحها".
لقد تحدَّث السيد نصر الله، غير مرَّة، في خطابه، عن "المرحلة الجديدة" التي يعيشها لبنان مذ انتهت المعارك الأخيرة في بيروت الغربية والجبل، والتي قوامها، أو أهم خواصها السياسية والاستراتيجية، ليس إنهاء الوجود العسكري للحزب، بـ "الحوار الهادئ" أو بـ "الحوار بالحديد والنار"، وإنَّما الإبقاء على المقاومة خياراً للتحرير والدفاع، مع السعي إلى تعميم، أو تعريب، هذا النموذج الجديد الذي يقوم على المزواجة والشراكة العسكرية والقتالية والدفاعية بين الجيش النظامي والمقاومة ضمن الدولة الواحدة.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأُميَّة الديمقراطية!
-
مفاوضات للسلام أم لاجتناب مخاطر حرب؟!
-
-الأمن الغذائي- أوَّلاً!
-
القوميون العرب الجُدُد!
-
عندما -يُعرِّف- الرئيس بوش الدول!
-
سنة فلسطينية حاسمة!
-
إنَّما -التعريب- كلمة يراد بها -التدويل-!
-
ذاك انقلاب.. أمَّا هذا فلا!
-
-قصة التيه- في نسختها اللبنانية!
-
ليس صراعاً بين عليٍّ وعُمَر!
-
كيف تُشْعَل الحروب.. لبنان مثالاً!
-
لو كان اقتصادنا الحُرُّ.. حُرَّاً!
-
-المسخ عبر التعريف- في مفاوضات سرية!
-
حرب حكومية على -أفيون الفقراء-!
-
فوضى الكلام عن السلام!
-
أما حان لعمال العالم أن يتَّحِدوا؟!
-
تعريف جديد ل -المرأة الزانية-!
-
-حماس- تتحدَّث بلسانين!
-
من بروكسل جاء الجواب!
-
طوفان التصويب وأحزاب سفينة نوح!
المزيد.....
-
هآرتس: إيهود باراك مؤسس الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب
-
الاحتلال يسلم عددا من الاسرى المحررين قرارات بالابعاد عن الم
...
-
هآرتس: الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب أسسها إيهود باراك
-
السويد ترحل رجل دين ايراني دون تقديم توضيحات
-
10 أشخاص من الطائفة العلوية ضحايا مجزرة ارهابية وسط سوريا
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|