أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سلام عبود - صرخة من أجل العراق















المزيد.....

صرخة من أجل العراق


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 713 - 2004 / 1 / 14 - 03:13
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


بقلم: مجموعة
(صرخة من أجل العراق) كتاب جديد صدر في بيروت عن دار النهار وشارك فيه اثنان وعشرون كاتبا عراقيا وعربيا. والكتاب ثمرة لأحد عشر عددا من ملحق النهار الأسبوعي الثقافي, امتدت من 16-2-3002 الى 27-4-3002 , وقد اشتمل الكتاب على عشرة فصول, كان فصلها التمهيدي الأول بقلم  عقل العويط وكاظم جهاد, والفصل الثاني: بغدار بشعرها الأخضر حتى الينابيع بقلم سلام عبود وجميل ملاعب وشاكر الأنباري والفصل الثالث: مرايا الديكتاتور كتبه محمد علي الأتاسي وعقل العويط, وفصل العراق على الجلجلة شارك فيه صبحي حديدي وديب حماد ومنعم الفقير, وفصل بيت لمنافي الحرية شارك فيه محمد الحجيري وسلام عبود وعبدالرحمن الماجدي, وفصل تحت العاصفة لهاشم شفيق وسعد هادي وفصل جرح في ضوء القمر لفاروق يوسف وجواد الأسدي, وفصل زئير في الرافدين شارك فيه بلال خبيز, جمال جمعة, ياسين الحاج صالح, مازن الرفاعي, فاروق يوسف. وفصل بابل أم برج بابل, شارك فيه  عصام الخفاجي, سلام عبود, جمانة حداد, هاشم شفيق. وفصل شعراء البعث وصدام شارك فيه سلام عبود, محمد الحجيري, الياس خوري. والكتاب صرخات احتجاج أدبية, شعرا ونثرا, انطلقت من مواقع مختلفة وزوايا متعددة ساعية  الى رؤية السماء العراقية المحترقة, والى مشاركة العراقيين كوابيس آلامهم وآمالهم.
ومن فصل بغداد بشعرها الأخضر حتى الينابيع,نقدم موضوع الكاتب العراقي سلام عبود: (وطن يبحث عن منفى?), الذي هو جواب عن استفتاء أدبي , في هيئة سيرة شخصية عن المنفى, سبق الغزو الأميركي للعراق.
وطن يبحث عن منفى
رغم أنني أحد كتاب المنفى, إلا أنني لا أعرف ما المقصود بكلمة (منفى). فهي كلمة بلا وطن. يستخدمها الهاربون من وجه الموت, والهاربون الى حتفهم. يستخدمها تجار المنافي, وتجار الثقافة والسياسة, يستخدمها مهربو المخدرات, ومقاولو الأنفار, يستخدمها بشر خائفون ضاقت بهم الأرض, ويستخدمها قتلة ضاق بهم الموت. يستخدمها الجميع. فماذا تعني حقا؟ ربما هي لا تعني شيئا بذاته, وإنما نعني الشيء الذي نريد لها أن تعنيه.
لا أعرف متى بدأت صلتي بهذا الشيء الذي يسمونه المنفى. هل بدأت منذ ذلك اليوم الذي وضعت فيه أقدامي للمرة الأولى خارج العراق عام 1973 ؟ أم منذ أن وجدت نفسي غريبا, مشكوكا لا في وطنيته فحسب, بل حتى في انتمائه الطبقي والفكري, في الفترة التالية لذبح تيار القيادة المركزية في العراق؟
لقد أوصدوا باب الوطن في وجوهنا, وهاهم الآن يوصدون أبواب المنافي في وجوهنا!
إنهم يسعون الآن  لطردنا من منافينا, فإلى أي الأتياه علينا أن نسير؟
بعضهم يحسدنا لأننا عشنا بعيدا عن أنياب الأفعى. ولكن, هل كانت حيات المنفى بلا أنياب؟
الإحساس العميق بالغربة داهمني بقوة عظيمة في مطلع السبعينيات. كانت فكرة السفر تداعب خيالي, أما الهجرة فقد كانت فكرة غريبة علي, لم تطرأ على بالي قط. حينما غادرت العراق عام 1973 كنت في الثالثة والعشرين, وقد مضى عام واحد على تعييني مدرسا في ثانوية علي الغربي. بعض تلميذاتي كن يصغرنني ببضع سنوات. لم أخطط لمغادرة العراق. كل شيء حدث فجأة من تلقاء نفسه, كما لو أنني جزء من فيلم بوليسي. فقد اعتقلت في ناحية السلام وأنا في الطريق الى الأهوار لعمل تحقيق صحافي. وفي غرفة الأمن قرأت كتاب (فن التعذيب النفسي), وفي المساء أجريت تحقيقا صحافيا مع بعض الفلاحين المعتقلين( نحن شعب سوريالي!). لكن مسؤول شعبة الناحية لحزب البعث أمر جميع الزوارق بعدم نقلي, وهددني( كان برفقتي  صديق عزيز هو الاستاذ هشام الطائي ممثل الحزب الشيوعي السابق في المحافظة) بأنني لو شوهدت ثانية في المنطقة فسأختفي من الوجود. عند عودتي أخبرت بأن الأمن يتعقبني ويسأل عني. كانت هنالك جبهة تحالف مع البعث. لكن جهاز الأمن كان مصرا على أنني أتخفى تحت مظلة العمل كمراسل لجريدة طريق الشعب, وأنني ما زلت على صلة بتيار القيادة المركزية, ولم يكن ذلك صحيحا تماما. فقد فقدت صلتي بتيار القيادة المركزية قبل تخرجي من الجامعة بفترة وجيزة, بعد حلول أحد أقرب أصدقائي معتقلا في مديرية  أمن البصرة, إضافة الى اعتقال الشخص الذي أرتبط به تنظيميا, وهو الشاعر عبد الحسين الهنداوي. كان لدي موعد تنظيمي معه ولم يحضر, وفي اليوم التالي ذهبت الى مكان عمله في المطبعة بباب المعظم, لكن أحد العمال همس في أذني طالبا مني أن أهرب فورا, حالما فطن أنني جئت أسأل عن الهنداوي, فهربت. وفي اليوم التالي علمت أن الهنداوي وقع بأيدي رجال الأمن, وأن الأمن نصبا كمينا في المطبعة. كان ذلك آخر عهدي بالتنظيم. لكن جهاز الأمن كانت له وجهة نظره و تقديراته الخاصة. وعند عودتي من زيارتي الفاشلة للأهوار أخبرني  أحد قياديي الحزب الشيوعي بخطورة وضعي, وهو صديقي الشهيد كاظم طوفان (قتل على يد مسلحي الاتحاد الوطني الكردستاني), ثم أكد لي الخبر صديق عزيز آخر هو الشهيد أبو علي, عبد الحسين جابك ( قتل أيضا على يد مسلحي الاتحاد الوطني الكردستاني), وقد أسرا  لي بأن الشيوعيين – وهما قياديان- محرجون بسبب عملي مراسلا لطريق الشعب, وأن قيادة البعث في المحافظة تلح بالسؤال عني, ولم يعد بمقدور أحد منع جهاز الأمن من التقاطي في أي لحظة. وبعد تشاور مع كاظم وعبد الحسين تم على عجل ترتيب أمر سفري الى خارج العراق. سافرت الى بيروت ثم الى عدن, وهناك اصطدمت بقيادة الحزب الشيوعي العراقي, واتهمت مع استاذ الفلسفة الاسلامية د. توفيق رشدي بقيادة تمرد ضد الجبهة الوطنية وضد التحالف مع البعث. انتهت جولة الصراع الأولى لصالح التحالف بإطلاق سبع رصاصات على الشهيد توفيق رشدي. أما الجولة الثانية, التي جرت بعد بضعة أشهر, فقد أختتمت بتلفيق  حادثة تزعم انشقاق لم أقم به, تم على إثره اعتقالي وتسفيري من اليمن (اعتقل وسفر في القضية ذاتها عدد آخر من الضحايا المتهمين! جرى تسفيرهم ظلما الى سوريا), تم ذلك بعد ضغوط شديدة من قيادة الحزب الشيوعي, وبضغط مهني وأمني من قبل البعثة الكويتية, حيث كنت أعمل مدرسا فيها. وقد عرض الشيوعيون علي إصدار صحيفة يسارية معارضة في قبرص مقابل التعاون معهم, وبخلافه سيتم تسليمي للمخابرات السورية!), بيد أنني تمكنت من التوجه الى أثيوبيا بمساعدة من بعض السياسيين اليمنيين والمنظمات الفلسطينية(الديمقراطية وفتح). في أثيوبيا حاولت البقاء, لكن يد المخابرات لاحقتني, فذهبت الى الإمارات. عشت سنتين قبل أن يتم التعرف علي من قبل المخابرات العراقية. انتهى الأمر بملاحقة قادت الى اقناع السلطات اليمنية بضرورة عودتي, خشية أن يتم قتلي ويتهموا بالوقوف خلف ذلك. عند عودتي الى اليمن كان  الخلاف بين أجنحة الحزب الاشتراكي اليمني قد بدأ. فتعرضت الى ضغط شديد من قبل جهاز الأمن الخارجي, حتى انفجار الصراع بشكله الدموي عام 1986, وكان موقفي واضحا: الوقوف ضد من يقوم بأول إطلاقة, وكان رئيس الدولة هو الذي بدأ بإطلاق النار على حزبه. ولكن بعد فترة وجيزة, وعلى إثر مجموعة من المقالات الانتقادية كتبتها حول الديمقراطية بدأ جهاز المخابرات بممارسة دوره المعهود, فجرت ملاحقتي في العمل والسكن والنشر والسفر والتنقل. وحينما أمر جهاز الأمن أن تطرد ابنتي الأجنبية من روضة الأطفال(هي نصف أجنبية), أدرك بعض الأصدقاء اليمنيين أن الأمر دخل مرحلة الخطر, وأن علي أن أغادر فورا, مما جعلني أعجل بالسفر الى أوروبا, فألقى بنا الحظ في السويد.
لذلك, لم يكن المنفى نزهة أو قدرا رحيما, كما يظن بعض طالبي اللجوء السياسي. فقد كنت, ككثيرين غيري, قريبا جدا من الموت. كان المنفى درسا بشعا في قسوته. كان امتدادا لقسوة صدام بطرق وصور أخرى لا تقل خسة ونذالة. قسوة المهجر علمتني كيف أحارب مكشوف الصدر, وعلمتني كيف أدافع منفردا عن نفسي وعن إنسانيتي. لقد تعلمت خبايا الديموقراطية وأنا أقاتل ضد الشر المطلق وحيدا, أعزل. ولم أتعلمها من بوش أو بلير. بيد أن الصدمة الكبرى تلقيتها في المهجر الأوروبي, حينما وجدت أن حلم الديموقراطية اللبرالية يخفي تخت عباءته البيضاء عناكب سامة!
لقد استحال الوطن والمنفى شيئا واحدا. فالوطن والمنفى مجرد أرض يملكها الآخرون. أما نحن فأبالسة عصاة, لا وطن لنا ولا منفى. منفيون حتى في منافينا. ملايين المتظاهرين الرائعين المنادين بوقف الحرب يسيرون من حولي في شوارع أوروبا. أنا سعيد بينهم الى حد البكاء. سعيد بدفئهم. لكنني حزين الى حد الموت, لأنني لا أجد عبارة واحدة عن شعبي. لكم أنا أعزل ووحيد ,مهان وجريح! وكم أنت أعزل ووحيد وجريح يا شعبي المنسي!
هذا هو الوطن أيها السيد بوش, وهذا هو المنفى أيها السيد صدام!
هذا هو الوطن والمنفى أيها السادة بلير وشيراك!
2
في هذه اللحظة القاسية, لحظة التسابق الجنوني لتمزيق الوطن إربا, لا أرى سوى الظلمة, ظلمة الأرواح وظلمة الضمائر, ظلمة الغازات السامة وظلمة المشاريع السياسية الدونية. فقد انحط التفكير السياسي العراقي بشكل مروع, وأصبحت المقارنات السياسية تشبه مقارنات بائعي الفجل: من ينهب أقل من النفط صدام أم بوش؟ من سيحتلنا لفترة أقصر صدام أم بوش؟ من سيقتل منا أقل صدام أم بوش؟ من سيمنحنا حرية صحافة أكبر صدام أم بوش؟ وقبل أيام ظهر أحدهم يقول: من سيضربنا أقل بالكيميائيات صدام أم بوش؟
إن بؤس المرجعية السياسية العراقية وضحالتها جعلت حتى قادة فرق الإعدام يسهمون بنشاط في وضع معادلات تحرير العراقيين من محنتهم, وفق نظرية ليس هناك من هو أسوأ من صدام.
وحقا, ليس هناك من هو أسوأ من صدام. ولكن في الوقت نفسه ليس هناك ما هو أسوأ من فقدان الإرادة, وفقدان حرية الاختيار, وفقدان الكينونة الشخصية والوطنية, وفي الأخير فقدان معنى أن يكون الكائن إنسانا. ذلك الفقدان المخجل, الذي قاد الى مجيء صدام من قبل وسيقود الى مجيء ظلمة جدد, تحت الذرائع العقلية والأخلاقية ذاتها.
إنهم يفرضون علينا حروبهم ويطلبون منا أن نختار – بحرية وموضوعية وشرف- أي حرب نفضل! أيها أقصر, وأيها أقل جرثومية وكيميائية! وفي هذا الإطار لا صدام ولا بوش أو كولن باول أو غيرهم بقادرين على منح الآخرين حريتهم وحق التمتع بحياتهم كبشر أحرار. إن بوش يصنع إرادته الشخصية, يصنع تاريخه الشخصي, يصنع كرامة وطنه وحريته من منظوره الشخصي ومصالحه, لكنه لا يصنع تاريخي وكرامتي وحريتي وإرادتي الشخصية. وإذا قدر له أن يصنعها لي فلا فرق حينئذ بين أن أكون عبدا لطاغية كصدام أو لغيره. فحينما يكون المرء مسلوب الإرادة, مسلوب التفكير, مسلوب المشيئة, يصبح مادة للاختبارات الموضوعة من خارجه, سواء كانت موضوعة من قبل صدام أو بوش. إن المسافة بين بوش وصدام فيما يتعلق بالحرية, بالاستقلال, بالهوية الثقافية, وبدرجة أساسية بحق الإنسان الطبيعي في التمتع بكينونته ككائن مسافة ضيقة الى أبعد الحدود, خاصة حينما ينظر المرء اليها من زاوية العلاقات الأخلاقية والروحية والثقافية, وبالتجرد من لعبة التقاطبات السياسية المصنوعة في مطابخ مهندسي عمليات القتل الجماعية المحليين والإقليميين والدوليين, الذين لا يختلفون عن بعضهم, من حيث الجوهر, إلا في المرتبة والدرجة. فرائحة الأجساد المحترقة المخلوطة بالبارود هي ذاتها, يشمها المرء في هيروشيما أو أدغال فيتنام أو في تورابورا,  أو في مخيم عين الحلوة أو جنين أو في حلبجة أو عبدان. إنها رائحة الموت, موت الضحايا وموت ضمير الأحياء. بيد أن ذلك يجب أن لا ينسينا أن المسافة الضيقة تلك قد تغدو مسافة عظيمة الاتساع الى حد بعيد, حينما تصبح مادة للمقارنات السياسية النفعية الآنية الرخيصة. فهي مسافة تتسع باتساع اليأس وباتساع دائرة الانحطاط الروحي والعمى العقلي والأخلاقي. فخلف غيمة الموت التي غطت سماء هيروشيما تنتشر شوارع تغص بالتويوتا والالكترونيات, وخلف كومة الجثث المتعفنة في عين الحلوة تنتصب بناية الجامعة الأمريكية, وخلف أتربة القنابل الهزازة في أفغانستان يتحدث كرزاي باللكنة الأميركية وهو يركب الليموزين المصفحة, وخلف قذائف قوات التحالف المشحونة بالمشعات والمدفوعة الثمن من عائدات النفط العراقي ستنتصب مستشفيات عصرية, تعاقدت على إنشائها مسبقا, قبل تسميم نزلائها, مؤسسات مالية أميركية, ستقبض أثمانها من نفط الشعب. مستشفيات عملاقة, عصرية, مخصصة لمكافحة سموم الحرب العراقية الإيرانية, وحرب الخليج الثانية, والثالثة, وربما الرابعة والخامسة أيضا.
4
الذين يؤيدون الحرب والاحتلال, غبي عليهم أن المشروع الأميركي الذي سيبدأ في العراق لن يتوقف ما لم يسحق (دول الشر)كلها! وأولها الجارة إيران. إن الذين يؤيدون الغزو تناسوا أن الطريق الى طهران يمر عبر بغداد, وأن الدم العراقي لا القطري أو الكويتي هو الذي سيسمد جبهات القتال القادمة, التي ستمتد من كردستان العراق حتى أفغانستان شرقا, ومن البصرة حتى بيروت غربا.
مشروع لعين كهذا أحوج ما يكون الى صدام جديد, فمن أنت يا صدامنا القادم؟
5
القادمون من العراق يؤكدون باستمرار بأن كتابي (ثقافة العنف)و(ذبابة القيامة) منتشران بشكل واسع في العراق عن طريق الاستنساخ. حتى أن السلطة قامت بمناقشة الكتابين في صحافتها بعداء شديد, مماثل تماما من حيث الجوهر والروح للعداء الذي واجهاه من قبل بعض أدباء المهجر,من أجل الوقوف إعلاميا ضد رواجهما سريا بين أوساط الناس. ذلك أمر يفرحني ويعزز الأمل في نفسي. لكن الواقع أكثر قسوة وأشد مرارة من هذه المتعة البائسة المملوءة بالخوف والحرمان. فالواقع ليس رواية قابلة للاستنساخ. فلو عدت لا أعرف في أي شارع سأسير! وكيف سأقابل الذين ولدوا في غيابي وهم الآن آباء وأمهات؟ وما سأفعل بمن رحلوا ولم ينتظروا عودتي على متن دبابة غازية! كيف سأتعرف على قبورهم؟ وكيف سينظرون الي؟ لا أعرف ماذا يخبىء المستقبل القريب. ولا أريد أن أمنح نفسي جرأة أن أقول إنني أعرف. لكن ما أعرفه حق المعرفة, هو أنني في لحظة (فاخرة) مثل هذه, لن أترك من يريدون إعادة إنتاج دورة الشر مجددا يعيشون براحة ضمير. ما أستطيع أن أجزم به, وهو الشيء الوحيد الذي أمتلكه, هو أنني لن أتوانى لحظة في إقلاق ضمائرهم الميتة.
فالاحتمالات الموضوعة أمامنا مختصرة جدا ومركزة في شدة تقاطباتها: إما القبول بصدام أو بالاحتلال, إما طالبان أو الاحتلال, إما ابن لادن أو بوش, كما يدعي بوش نفسه. إن هذه الشرطية الظالمة هي المعادل الكامل لموضوع سلب الحرية العلني وسلب الإرادة التام والسافر. إنها عبودية عصر الأمركة. كم أنت أحمق أيها العالم المتجرد من مقاييسه الإنسانية والمنطقية الذي نعيش فيه! أين أخفيت ضميرك؟
إن الحقيقة في المجال السياسي والفلسفي والأخلاقي لا تختلف كثيرا عن الحقيقة في المجال العلمي البحت, إذ لا يتطلب البحث عنها وكشفها وجود عقل ثاقب وبصيرة فقط, بل يتطلب الأمر أيضا عنادا خاصا, وربما جنونا من العناد. فالحقيقة دائما عصية, حالها كحال الوعول البرية أو جراثيم الأيدز. إن مسؤوليتي العقلية والأخلاقية, التي دفعتني للهجرة, تشترط علي أن أواصل مشروعي الإنساني: الدفاع عن حق الإنسان في الحياة وعن حريته واستقلال إرادته. هذا أمر لا مساومة فيه, سواء تحققت العودة أم لم تتحقق. فليس لدي مهام أخرى أقوم بها كإنسان, غير ذلك. أما الأعداء, القدامى أو الجدد, فهم كثر, ولن يقل عددهم, لأن الطريق الى مملكة الخير لا يمر إلا عبر دروب يحرسها الأشرار بكفاءة وأمانة خلاقتين.



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صـدام عـمـيــلاً تـمـحــيـص الـمــصطلـح
- منابع الديكتاتورية.. صدام نموذجاً هل صنعته الطفولة أم صنعه ح ...
- عــلّــوكــي
- ظاهرة مقتدى الصدر: الجذور, الأسباب, النتائج
- مـن الـثــــورة الـى الـدولـــة
- يـوميات عربـيـة في أسـوج مـن الثورة الـمؤدبة الى الثورة الخج ...
- الـشــاعـرة الأســـوجـيــة اديـث ســودرغــران تـكـســر جــلـ ...
- مــن يـكـون -الـروائـــي- صـــدام حـســــيـن؟ عـن -زبــيــبـ ...
- إعــادة إعـمـــار الـثــقـــافـــة فـي الـعــــراق الـبــعــ ...
- الـمــــوت يـمـشـــي فـي نــومـــه
- أقــنـعـــة الـفـــرهـــــود
- هل استقر مهد الحضارات في بطون الدبابات؟
- ســقـط الـديـكــتـاتـور صـعـد الـيـانـكـي: تهـانـيـنـا
- المسألة العراقية بين خيار أسوأ الاحتمالات و خيار المبدئية ال ...
- الرهينة - من القصة القصيرة الى الرواية-


المزيد.....




- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سلام عبود - صرخة من أجل العراق