|
جدلية السياسي والتقني في قضية تعليق بث -النشرة المغاربية-
مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 2294 - 2008 / 5 / 27 - 09:45
المحور:
المجتمع المدني
ما هي الأسباب الخفية والمعلنة لتوقيف بث "النشرة المغاربية"؟ وهل الخلاف بين مسؤولي القناة بالدوحة والرباط ذو صبغة تقنية أم سياسية؟ وما هي طبيعة الاتفاقات التي على أساسها حصلت "الجزيرة" على وضعية "الاستثناء"؟ وهل حقا، هناك تفكير في نقل بث نشرة المغرب المغربي إلى مدريد أو باريس؟ لا زال قرار توقيف بث "نشرة المغرب العربي" بقناة الجزيرة يثير العديد من التساؤلات، في ظل عدم الإفصاح عن الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار. فمسؤولو القناة القطرية يؤكدون على استغرابهم بفجائية هذا القرار، في حين يصر مسؤولو الرباط على كون الأمر مجرد مشكل تقني ويتطلب الوقت الكافي لمعالجته، مع العلم أن الجوانب السياسية لهذا الموضوع تظل حاضرة بكل ثقلها.
ـ أسباب الخلاف جاء حصول قناة الجزيرة على البث من الرباط قبل سنتين، رحب المغرب بهذا العرض لكونه يشكل ورقة رابحة له من شأنها أن تعزز موقعه الحقوقي، خاصة وأنه تزامن مع ظرفية الانفتاح السياسي واتساع دائرة الحريات الفردية والجماعية، إذ لم يكن أمام القناة القطرية من خيار سوى المغرب مقارنة مع باقي البلدان المغاربية. ومن الطبيعي أن يخضع مثل هذا الموضوع لترتيبات سياسية، توجت باتفاق بين الرباط ومسؤولي القناة بالدوحة، تستفيد منه هذه الأخيرة مقابل احترامها لمجموعة من الشروط السياسية التي تشكل أساس ثوابت وإجماع مكونات الأمة. خلف هذا الموضوع انقسامات داخل الدوائر المتحكمة في صنع القرار السياسي، حيث أبدت بعض الجهات معارضتها لهذا العرض لأسباب مرتبطة بالخط التحريري للقناة، وخاصة أسلوب وطريقة تعاملها مع القضايا المرتبطة بالإسلام السياسي، ولكن خيار الانفتاح هو الذي انتصر في نهاية المطاف، لتحصل الجزيرة على هذا الامتياز الاستثنائي الذي مكنها من التواصل مع أزيد من ستين مليون متلقي بالمنطقة المغاربية. نجحت القناة القطرية بفعل عوامل مرتبطة بالمهنية والاحترافية وكفاءة طاقاتها البشرية واعتماد قانون القرب وغير ذلك من العوامل من اكتساح الساحة الإعلامية، إذ استطاعت في ظرف وجيز خلق رموز سياسية، كما استطاعت أن تتحول إلى صوت حقيقي لمختلف الفاعلين المتواجدين خارج الحقل السياسي الرسمي. ففي "نشرة المغرب العربي" ألفنا متابعة احتجاجات المعطلين ومشاهدة صور القمع الذي ينالهم من طرف القوات الأمنية في كل لحظة، ونداءات عائلات "السلفية الجهادية" المطالبة بإطلاق سراح أبنائها، وصرخات نشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية، ومطالب الحركة الحقوقية وفضحها للإنتهاكات التي تعرفها حقوق الإنسان، هذا فضلا عن تحركات "المغرب الرسمي"، لكن بدرجة أقل من حيث الاهتمام الذي توليه لـ"المغرب الحقوقي" أو "المغرب الآخر". تحولت "نشرة المغرب العربي" إلى سلطة لدرجة أن مسؤوليها بدأوا يفكرون في الزيادة من الحجم الزمني لبثها. لكن السؤال الذي يظل عالقا: لماذا انتقلت هذه النشرة من الرباط إلى الدوحة؟ ثلاث قضايا أساسية، حسب أحد المصادر الرسمية، أغضبت الدوائر المتحكمة في القرار السياسي: ـ أولها البرودة التي تعاملت بها القناة مع المستجدات الأخيرة التي عرفتها قضية الصحراء. فبعد التجاوب الدولي الذي حظي به مقترح الحكم الذاتي وتقرير الأمم المتحدة وكذا تصريح السفير الأمريكي داخل نفس الهيئة لم تقم القناة المذكورة بإعطائها المكانة الإعلامية التي تستحقها، بل الأكثر من ذلك، يضيف نفس المصدر، حاولت تذويب الموقف المغربي وسط الموقف الجزائري وجبهة البوليساريو. ـ ثانيها اتهامات الصحافي والمؤرخ المصري حسنين هيكل للمغرب بكونه تعاون مع الإدارة الفرنسية الاستعمارية ضد رموز حركة جبهة التحرير بالجزائر. هذا الكلام، يضيف مصدر رسمي، يأتي في ظرفية توصف بالحساسة تمر منها العلاقات المغربية الجزائرية، كما يأتي بعد مؤتمر طنجة وتعالي أصوات مدنية وسياسية تطالب بفتح الحدود وعودة الدفء إلى العلاقة بين الجارتين. وهي الاتهامات التي من شأنها أن تصب الزيت في النار وبالتالي تساعد على تعميق التوتر داخل المنطقة المغاربية اعتبارا لمكانة وقوة هذا الرجل. ـ ثالثها التركيز على بعض القضايا الاجتماعية التي تشكل أساس الأزمة الخانقة في ظل غياب أفق سياسي واضح. فالنشرة، يضيف نفس المصدر، تصف المغرب ببرميل من بارود قابل للانفجار في أية لحظة. وقبل هذا وذاك عدم التزامها باحترام التعددية السياسية في الانتخابات التشريعية الأخيرة (بالرغم من إلحاح الحكومة المغربية على هذا الموضوع)، حيث توجد تسجيلات لدى الدوائر المختصة تفيد أن التوازن لم يحترم وأن حزبا سياسيا معينا استفاد أكثر من غيره من الحضور في برامج القناة.
ـ نحو مراجعة الإتفاق اعتبرت الدوائر الرسمية أن قرار التوقيف ذو صبغة تقنية، وأكد وزير الإتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة أن قناة الجزيرة يجب أن تسوي وضعيها القانوني والتقني مع الهيئة العاليا للسمعي البصري، مؤكدا أن مكتب الرباط سيبقى مفتوحا وسيواصل الصحافيون فيه عملهم بحرية. وفي نفس السياق أشارت مصادر من داخل الهيئة العليا للسمعي البصري أن القناة تتماطل في تسوية وضعها القانوني. وخلافا للطرفين، يؤكد مسؤولو القناة أن الهيئة هي من تتماطل في تسوية وضعيتها، قبل أن تتدخل الوكالة الوطنية لتقنين الإتصالات لوقف البث. لقد تم تدبير ملف القناة القطرية، يضيف مصدرنا، بشكل سياسي، إذ حظيت بوضعية الاستثناء في أفق استكمال مسلسل التحرير الذي شهده الفضاء السمعي البصري في أفق أن تلتزم القناة المذكورة بدفتر التحملات التي يخول لها وضعية قانونية سليمة للإشتغال فوق التراب المغربي. وبالرغم من كون قناة الجزيرة أنشأت شركة وانخرطت في هذا المسلسل، فإن وضعية المؤقت هي السائدة، إذ ظلت تستفيد من تراخيص مؤقتة قبل أن تتدخل الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات للتأكيد أن القناة لم تسو وضعيتها القانونية. من المؤكد أن القرار الذي تحكم في توقيف بث" نشرة المغرب العربي" ذو صبغة سياسية صرفة لاعتبارات متعددة، منها حساسية قطاع الإعلام وخاصة السمعي البصري الذي ظل محتكرا من قبل الدولة لتمرير خطابها السياسي وتشكيل صورتها داخل المجتمع، وبعد أن اضطرت إلى تحريره في ظل مسلسل الإنفتاح السياسي فإنها حرصت كل الحرص على وضعه ضمن أيادي "أميـنة" لا تخرج عن دائرة سلطتها ضمن انفتاح موجه ومراقب ومتحكم فيه. لا يمكن أن يكون حل هذا الموضوع إلا سياسيا، فالتأثير الذي أضحت تلعبه هذه القناة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي، لعب في أكثر من مناسبة أدوارا سلبية ضد الموقف الرسمي للمملكة، سواء في ما يهم قضية الوحدة الترابية أو العلاقة مع المحيط المغاربي الذي أضحى يشتكي بدوره من كل ما هو قادم من الجزيرة عبر تراب الرباط. تفيد العديد من المؤشرات أن ملف "الجزيرة" في طريقه إلى التسوية السياسية، فالحرص الذي أبداه "المغرب الرسمي"، لجعل سلطة الإعلام خاضعة لسلطة القانون يخفي وراءه نية الضغط أكثر من أجل الحصول على تسوية ترضيه على اعتبار أن المغرب لا يمكن أن يترك القناة القطرية تخرج عن فضائه. فهي ورقة سياسية ساهمت ـ بالرغم من الانتقادات الموجهة إليها ـ في تدويل قضية احتلال مدينتي سبتة ومليلية، وفي إبراز مكتسبات "العهد الجديد"، وتم توظيفها كمكسب سياسي عزز مكانة بلادنا على المستوى المغاربي والعربي خاصة في ظل الرفض الذي لا زالت تبديه بعض الأنظمة العربية للقناة المشاكسة. ومن هذا المنطلق فمراجعة الاتفاق بين الطرفين، هو الكفيل بعودة القناة إلى البث عبر الرباط علما أن الطرفين أبديا تفاؤلا يؤشر على عودة الدفء إلى العلاقة بين الرباط ومسؤولي القناة بالدوحة.
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مريم الدمناتي ناشطة امازيغية وباحثة في مجال التربية والتكوين
...
-
!! السي عباس الفاسي و-المهام-
-
مصطفى عنترة يتحدث في حوار للمشعل حول الإشاعة التي تنسج حول ا
...
-
مصطفى عنترة يتحدث في حوار لجريدة -المشعل- حول الإشاعة التي ت
...
-
متى تتصالح الأحزاب السياسية مع المكون الأمازيغي؟
-
الإعلامي والباحث مصطفى عنترة يتحدث في حوار مع جريدة -ازطا- ح
...
-
إعلان عن قرب تأسيس مجلس علمي للجالية المغربية المقيمة بالخار
...
-
تدني صورة الأمريكان في عيون المغاربة
-
ماذا بعد التخلص من محمد اليازغي ؟
-
تشكيلة المجلس الأعلى للجالية بالخارج لم تحظ بإجماع مغاربة ال
...
-
مصطفى عنترة، باحث مهتم بشؤون الحركة الأمازيغية، في تصريح لجر
...
-
براهيم أخياط عضو المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأماز
...
-
إذ بلقاسم يؤكد أن تقارير الحكومة لم تكن تنفي أن الأمازيغ هم
...
-
هل يجرؤ اليسار المغربي على الاعتراف بهزيمته القاسية في الانت
...
-
الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي يوجه مذكرة حول موضوع الدس
...
-
مصطفى عنترة في تصريح ليومية -بيان اليوم- حول موضوع إحداث قنا
...
-
رشيد نفيل يتحدث عن انتظارات الفاعلين الديمقراطيين من المجلس
...
-
مصطفى عنترة إعلامي وباحث جامعي يتحدث عن -ميثاق أكادير2-
-
عبد العزيز سارت رئيس التحالف العالمي لمغاربة الخارج ينتقد من
...
-
تأسيس حركة المطالبة بالحكم الذاتي لسوس الكبير
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|