|
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (2) .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2293 - 2008 / 5 / 26 - 09:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فمسألة اقتتال الصحابة هي نتيجة طبيعية وحتمية لاستغلال الدين في المجال السياسي . فالصحابة اقتتلوا لأسباب سياسية محضة حتى أتت على من بقي من الصحابة ، كما يقول الشيخ ياسين نفسه ( فتكت الفتن المائجة بخيار الصحابة ، بل بعامتهم بعد كسر الباب بمقتل عمر . قال سعيد بن المسيب التابعي الجليل رضي الله عنه : " وقعت الفتنة الأولى ـ يعني مقتل عثمان ـ فلم يبق من أصحاب بدر أحد . ثم وقعت الفتنة الثانية ـ يعني الحَرّة ـ فلم يبق من أصحاب الحديبية أحد . ثم وقعت الفتنة الثالثة ، فلم ترتفع وبالناس طبَّاخٌ " رواه البخاري . المراد لم يبق من الصحابة أحد يذكر . والطباخ في اللغة القوة والسِّمَن " (ص 37 سنة الله) . وتصف السيدة عائشة حالة الفتنة وفظاعة القتل والنهب والاغتصاب ، في خطبتها أمام الرسل الذين أرسلهم الوالي عثمان بن حنيف ، الذي عينه علي قائلة ( إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزّاع القبائل غزوا حرم رسول الله (ص) وأحدثوا فيه الأحداث ، وآووا فيه المحدثين ، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله ، مع ما نالوا من قتل أمام المسلمين بلا تِرة ولا عذر ، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه ، وانتهبوا المال الحرام ، وأحلوا البلد الحرام ، والشهر الحرام ، ومزقوا الأعراض والجلود ، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارّين مضّرين غير نافعين ولا متقين ، لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون . فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا ، وما ينبغي أن يأتوا في إصلاح هذا )( ص 149،150 الفتنة) . وهذه البشاعة والوحشية لا يرتكبهما إلا حشد كبير من المقاتلين الذين نزعوا رداء الإيمان وفضيلة الشورى . يقول ابن كثير في وصف حالة الهياج : (وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون، وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر، وهم قريب من ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم، فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح، فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلاً، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب علي، فبلغ الأمر علياً فقال: ما للناس؟ فقالوا: بيتنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه، ولبسوا اللأمة، وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر الله قدراً مقدراً، وقامت على الحرب على ساق وقدم، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان، فنشبت الحرب، وتواقف الفريقان، وقد اجتمع مع علي عشرون ألفاً، والتف على عائشة ومن معها نحوا من ثلاثين ألفاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والسابئة أصحاب ابن السوداء قبحه الله لا يفترون عن القتل، ومنادي علي ينادي: ألا كفوا ألا كفوا، فلا يسمع أحد...) . ولم يكن الاقتتال بين الصحابة الذي فجر الفتنة محصورا في الزمان والمكان ، بل تكرر عبرهما ، مما يدل على خطورة العامل السياسي الذي يفقد المسلمين الرشد والاعتبار . يقول الشيخ ياسين (في سنة 36 تقاتل الصحابة في واقعة الجمل ، فكانت قارعة لا يزال صداها يتردد في ضمير الأمة . وفي سنة 37 واقعة صفين ، الكارثة العظيمة . وفي سنة 51 مقتل حجر بن عدي وأصحابه بالشام ، وذكرى مقتله حية في ذاكرة المسلمين ، لا سيما الشيعة ، لأنها من أبشع المظالم . وفي سنة 61 وقعت أبشعهن وأفظعهن مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه سيد شباب أهل الجنة .. في سنة 63 غزا جيش يزيد المدينة عقر دار الإسلام لما قام ضده علماؤها . قتل ستّاً وثلاث مئة نفْس من الصحابة وأبناء الصحابة ، وحملت ألف امرأة من هتك رعاع الجيش لأعراض طاهرة في بقعة تضم المسجد الشريف والجسم الشريف بعد أن كانت مهدا للإسلام .. سنة 67 فتنة المختار الثقفي وحربه لعبد الله بن الزبير . سنة 73 نصب الحجاج بن يوسف الثقفي المنجنيق على جبل أبي قُبيس أشهرا يقذف مكة والكعبة . وقُتل عبد الله بن الزبير الصحابي المظلوم الثائر على الظلم ومع خلق كثير )( ص 38 ، 39 سنة الله) . هذا المصير المشئوم هو ما يخافه كل ديمقراطي حداثي كلما رفع الإسلاميون شعار "لا حكم إلا لله" أو "الإسلام هو الحل" . والتجارب التي تعانيها بعض الشعوب الإسلامية مع حكامها "الإسلاميين" تجسد بالملموس مخاطر استغلال السياسة للدين . وحزب العدالة والتنمية لا يشذ عن هذا النزوع . فقد تجرعت السيدة خديجة مفيد مرارة هذا النزوع بقولها ( وهناك ممارسة للإرهاب النفسي ضد كل من له حضور في الشأن العام، ومن له أداء سياسي في المجتمع وذلك من منطلق القول «إننا لا نولي هذا الأمر من طلبه»، وهذا استعمال للدين في السياسة، ففي الوقت الذي كنا نعمل على توظيف السياسة من أجل الدين، أصبح هؤلاء يوظفون الدين من أجل السياسة السياسوية، فالقول بشعار «إننا لا نولي أمرنا هذا من طلبه» وأنه يجب أن يكون الناس زاهدين في المسؤوليات فيه مغالطة لأن من ينخرط في حزب سياسي فإنه يفعل ذلك من أجل أن يؤدي دورا سياسيا )(المساء ) . بيّنٌ إذن أن الخلاف الحقيقي بيني وبين الأخ بلال التليدي ليس في قراءة النصوص والأحداث التاريخية ، لأن الاختلاف هنا أمر مطلوب ، بل هو خلاف بين تصورين لكل منهما مشروعه المجتمعي والقوى السياسية التي تسنده . ولما أتصدى للمشروع المجتمعي الذي يحمل الشيخ ياسين أو حزب العدالة والتنمية ، فإنما أحذّر من المخاطر المرتبطة بهذا المشروع أو ذاك على قيم ومبادئ حقوق الإنسان وما راكمه مجتمعنا ، بفعل نضالات قواه الحية وتضحياتها الجسيمة التي لا فضل فيها للإسلاميين ، من مكاسب حضارية وحقوقية ، التي على تواضعها ، يصر الإسلاميون على الإجهاز عليها بحجة "مصادمتها للشرع" . فمن التيارات الإسلامية من يرفض الديمقراطية رفضا قاطعا بعد تكفيرها وينعت حقوق الإنسان بـ"عقوق الإنسان" كما هو حال التيار الجهادي التكفيري ؛ ومنهم من يرفضها لكونها تحمل قيم الغرب العلمانية واللادينية ، ومن ثم فهي نبتة غريبة على التربة الإسلامية ، وهذا حال الشيخ ياسين الذي جعل للديمقراطية مساقا يقود حتما إلى جهنم ، فيما جعل للشورى سياقا يقرب إلى الله ويدخل الجنة . لهذا لا يقبل الشيخ الإقرار بحرية التعبير والاعتقاد كحق ثابت ومطلق . وقد سبق لي أن تطرقت بإسهاب لهذا الموضوع في سلسلة مقالات على مدى عشر سنوات . ومن باب التصحيح أخبر الأخ بلال أن كتبي المنشورة خمسة ، أحدها كان ردا على مواقف حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية من مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية ومساهمة في النقاش الفقهي حيث اعتمدت النساء الديمقراطيات على هذا العمل المتواضع كمرجع لها وقدمته للجنة الملكية الاستشارية التي كلفها الملك بدراسة المقترحات وتقديم مشاريع التعديلات على مدونة الأحوال الشخصية . وإذا كان الأخ بلال يعبر عن جهله لعملي المتواضع وأهميته في "الدراسات المقاربة لجماعة العدل والإحسان" ، فإني أنصحه بقراءة كتابات الباحثة الفرنسية/التونسية مليكة زغال والباحث الشهير إنياس دال خاصة عمله الأكاديمي الهام Les trois rois الذي صدر سنة 2004 بفرنسا دون الحديث عن المجلات والجرائد الوطنية والدولية .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (1)
-
أية إستراتيجية لمواجهة الإرهاب ؟
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(3)
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(2)
-
بلال التليدي : كبر مقتا أن تقول ما لا تفعل !!
-
ماذا لو شملت عقوبة الإعفاء من المهام كل المقصرين ؟
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(1)
-
على هامش فرار الإرهابيين : الدول لا تبنى بالعواطف .
-
مواقف الأحزاب والمنظمات الحقوقية والإعلام في مواجهة الإرهاب
...
-
المال -السايب- يشجع على النهب والتبذير .
-
الإسلاميون واليساريون أية علاقة ؟
-
الجماعات الإسلامية والنموذج المشرقي المفلس لأوضاع المرأة .
-
وإذا المستأسدون سئلوا لأي سبب جبنوا .
-
إلى أين يسير المغرب ؟
-
هذه مخططات الإرهاب فما هي مخططات الدولة والأحزاب ؟
-
الوهابية تعادي الحب وتنكر العلم وتكفر الديمقراطية .
-
في مواجهة الظلامية والعدمية
-
حركة لكل الديمقراطيين استنهاض للهمم واستنفار للطاقات .
-
هل المشروع الياسيني يتسع للقوى الحية ؟
-
ضرورة رفع الالتباس عن وثيقة -جميعا من أجل الخلاص-(2).
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|