|
نقد المنهج السياسي والوسائل المحتملة في التجديد
كامل الدلفي
الحوار المتمدن-العدد: 2292 - 2008 / 5 / 25 - 03:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لاشك أن خلاصة التقييم الواقعي للتجربة السياسية في العراق ما بعد 2003 تؤكد على أن تلك التجربة تمثل وحها صادقا لتناقضات أزمة العدالة والحرية المتأصلة في بنية الدولة والمجتمع العراقيين بوصفها جزء من منظومة الدولة والمجتمع (العربيين والإسلاميين) الخاضعين لمستويات تأثير تلك الأزمة الممتدة منذ سبعة قرون . ان واحدا من أهم عوامل الأزمة واستمرارها يكمن في جهل المنطقة بنقاط حيويتها وقوتها ولو كان بالأمكان استثمارها وتفعيلها بصورة أمثل لصار ممكنا الحديث عن التجاوز والأنسنة والحضارة بشكل بديهي . يشكل التنوع الديني والمذهبي والأثني والتعدد الثقافي والأنثربولوجي ، وحدة حقيقية لأنطلوجيا المنطقة وعاملا نوعيا في قوتها وصلابتها وجذريتها ، الا أنه على العكس صار الأستثمار لهذا العامل يسير بالضد من السياق الطبيعي التأريخي ما أنتج أكبر عدد من الحرائق والخرائب ومعالم النكوص التي هددت قيم الأستقرار والتعايش المشترك . والعراق كأنموذج سكاني متنوع ، دخل الأزمة الهوياتية في سياق التجاهل السافر لتاريخيته ، المألوفة وتقطع انسيابية التأريخ في عقد محتدمة عالية الموجة تخطت تأثيراتها الأهتمام بمصادر الغنى والقوة واستخدمت قواعد السلوك الأقلوي ( هذا لي وهذا لك ) بعيارية لصوص الليل ، وقد دفعت قوى برانية مختلفة الى تجسيد الشعور والممارسة النافرتين وتعبئة الأنا الأقل بمكاييل الحقوق الوهم من أجل سهولة السيطرة على الجميع كلا على انفراد . اننا ندرك جيدا دور العامل البراني وطول موجته التأريخية في التدخل بشؤون المنطقة وصولا الى قناعة ذهنية محلية مفادها أن الحل والتحول والأنتقال والتغيير هي مفردات خارجية لا تملك المنطقة حيلة في انتاجها وكل ذلك يأتي عبر الجهل التام الذي تمارسه المنطقة بحق ذاتها في عدم مقدرتها على اكتشاف مكامن القوة منها لذلك صار مشروع النهضة والأصلاح والتقدم والمدنية والحضارة يؤجل باستمرار ولم يعلن عن نقطة الشروع الحقيقي له وان بدأ فعلا ذات لحظة فأنه يتعثر بعد أن يأخذ شوطا قصيرا .. كما ويظل رهينا ضمن محكمات العامل الخارجي . لقد لعب برنامج هذا لي وهذا لك في العراق دورا فتاكا وقد أسمته القاموسية العراقية بالمحاصصة كمصطلح يردف بنعوت مختلفة من مثل الطائفية والعرقية والأثنية وما شابه ، وكانت تأثيراته بالغة في تشتيت القوة العراقية والحؤول دون انجاز مهام التغيير أو استكمال اشتراطات الأنتقال نحو الديمقراطية . ان جزء من المنظومة السياسية التي أقرت منذ البدء هذا البرنامج وتماهت مع أطروحته أحست فيما بعد بجسامة الخطر المحدق بها وبالوحدة الوطنية ، فسارعت الى طرح المشاريع التي تطوق تأثيره وتحتوي نتائجه وافرازاته مثل مشروع المصالحة الوطنية ومشاريع أخرى تصب بنفس الأتجاه ورغم قدرة هذه المشاريع على أن تخفف من التأثيرات ، الا انها لم تكن حاسمة بما فيه الكفاية لأقتلاع المحاصصة واقعا وذهنا ، فبرنامج المحاصصة ليس برنامجا يحتاج للأصلاح وسد الفراغات ، بل ان الموقف أزاءه هو النقض الكامل فكرا وممارسة ، والمباشرة في الدخول الى فضاءات برامجية ذات حيوية وفاعلية في معالجة المعضلات والأخطاء والأنكسارات التي خلقتها ماكنة المحاصصة . دونما شك لا يرقى الى هذا الوصف برنامج لا يؤمن بالمواطنة والديمقراطية أساسا له ، أن أي برنامج سياسي معول عليه للخروج من الأزمة يحتاج الى تأسيسات واقعية وعقلية . وان التحول الى منهج المبادرة يقتضي تعميق وفرز الفروضات الأساسية التي تستكمل بناءه ومزاياه وخصائصه بوصفه أداة عملية ممكنة وحيدة لبناء المشروع النهضوي والحداثوي في العراق . في الوقت عينه لابد من التنويه ان التحول الى منهج جديد ليس بالعملية السهلة أو التي لا تعتري طريقها صعوبات أو تعقيدات ومن الجائز ان الامر برمته لا يحدث اصلا ، فالصعوبات كامنة بالمنهج السياسي القائم الذي لو تقاربنا من نقده فلابد ان نساير بنقدنا مستويين محددين هما التصور والممارسة وان نضع أسئلتنا النقدية فيهما وعنهما ، الاسئلة عن مجمل التجارب السياسية التي أجرتها الفعالية السياسية وتسجيل نتائجها وطريقة تنفيذها وتحققها وعن مستوى التلقي لدى الرأي العام سلبا ام ايجابا بهذا نتحقق من الفروضات الاساسية التي شكلت نسيج المنهج السياسي المسير للعملية السياسية ، ولا نكتفي بالوصف العام الذي يحدد لنا ملامح الوجه السطحي والصفات والمزايا فان صفة المنهج القائم نراها فلكلورية مدعمة بانتقائية من عناصر منهجية اخرى فشيء من المنهج الديني وشئ من المنهج البراغماتي ولقاحات تهو يميه هنا وهناك ساعدت هذه الاتتقائية باندفاع ديماغوجية عاليه مميزة جعلت الخطاب السياسي منحازا الى الديمقراطيه بالتمام اما الممارسه فمنحازة الى الفلكلور السياسي والاجتماعي بالتمام أيضا وبالشكل الذي تركت التجربة فيه انطباعات عالية عند المتلقي عن مناخات فروسطية ومؤ شرات سلطانية وبصمات توليتارية بنسب متفاوتة . نستنتج ان الخلافات العاليه في خيمة السياسة لم تكن وليدة اصطدام المناهج بل اصطدام المشيئات التأريخية في المنهج الواحد المختلفة فى الهدف القديم والهدف الجديد . ان النقد المنهجي مسألة على غاية من الضرورة والاهمية حينما يأبى بنفسه ان يكون قدحا او تجريحا او شتما بل استفاضة فى تحليل السبب والنتيجة والحسي والمجرد والثنائيات والمقولات الواردة في قوائم الحساب السياسي ( الحقل والبيدر ) من اجل ان يصب الجهد فى مصب التأسيس النهضوي والحداثي فى العراق . فالجدوى من السؤال في المنهج .. هل ان مياه النهر جارية ام راكدة ؟
#كامل_الدلفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحديات الديمقراطية في العراق
-
قراءة في الازمة التركية العراقية
-
اسلاك شائكة
-
مقاربة حول دور المراة في المصالحة الوطنية
-
هل ينبغي ان نرسم المواطنة بريشة الاحتلال?
-
ثقوب عراقية - الثقب الثاني لوحات مقلوبة
-
ثقوب عراقية الثقب الثالث ثلوج محترقة
-
ثقوب عراقية قصص قصيرة جدا
-
مركز الان للثقافة الديمقراطية في مؤتمر لمناقشة قانون الصحافة
...
-
الامن وبرودةالموقف الاجتماعي في بناء وطن خال من الارهاب
-
نحن وحوار الحضارات كشف في حسابات المفهوم
-
لماذا يعتقد المثقف العربي بقداسة السياسي العربي ؟
-
الحلقة الثانية السبي البابلي المعاكس
-
السبي البابلي المعاكس
-
مؤسسات المجتمع المدني- فوبيا التمويل ومحددات الاستقلال اوالت
...
-
حرية التعبيرعن الرأي... قراءة في ادراك المعنى والسلوك
-
اراه ... انتصار اليسار في ذاكرة الطاهر وطار
-
هادي العلوي .. الشيخ الرفيق الاكاديمي
-
جدل الحرية في ماوراء العقلانية الأمريكية
-
نظرة في اسلوب النضال المعاصر- الايكلوجي والديمقراطي
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|