|
قناة العربية والأزمة اللبنانية
يوسف هريمة
الحوار المتمدن-العدد: 2292 - 2008 / 5 / 25 - 02:39
المحور:
الصحافة والاعلام
يكاد المتتبع للأحداث اللبنانية الأخيرة يحتار أمام كمّ هائل من المعلومات وتضاربها وتناقضها، وتحميل الكلام الواحد ما لا يحتمل وتزييف الوقائع وقراءتها برؤى مختلفة، غالبا ما لا تكون المهنية أو الحرفية هي من تستحكم في عملياتها. هذا الواقع الإعلامي هو جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة العربية المتخلفة على جميع المستويات الثقافية منها والسياسية، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية المزرية لطبقات مسحوقة على حافة الانهيار الحياتي والمعيشي، المترتب عن هذا الغلاء الفاحش في أسعار المواد البترولية والغذائية المختلفة. صحيح أن الموضوعية أمر لا يمكن أن نتصورها في كمالها المطلق لالتصاقها بالبعد الإنساني الموجّه والمشبع بالخلفيات الفكرية والسياسية، ولكن السير نحو هذا الكمال هو من يحمل في أبعاده قيمة الإعلام الحقيقي، عبر نقل الوقائع والأحداث والكلام دون صبغه بصبغات طائفية دينية مذهبية خبيثة، إذ المفروض على الإعلامي تنوير الرأي العام قدر المستطاع بما توفر لديه من معطيات بعيدا عن تحيزاته، وإلا أصبح العمل الصحفي أو الإعلامي عموما عملا سياسيا وصوتا من أصوات المناصرة أو المعارضة لهذا الاتجاه أو ذاك. أقول هذا ونحن في زحمة توترات خطيرة يعرفها لبنان ساهمت فيها تصرفات وسياسات من هذا الفريق أو ذاك، أذكاها الإعلام العربي غير المهني في الكثير من قنواته الصحفية والفضائية، بدل أن تكون الصحافة طرفا محايدا ويكون الإعلامي رجلا ينقل الحقائق، بدل أن يصطف حزبيا ضد طرف آخر. ولعل أبرز ما سُجِّل في هذه الأزمة المفتعلة والناتجة عن حسابات خاطئة لفريق تراكمت أخطاؤه حتى فجرت الوضع وحركت ردود الأفعال المتباينة ما يلي: *- قناة العربية والتحريض المذهبي: إن المتتبع لمسار الأحداث الأخيرة والقارئ للتاريخ الحزبي لحزب الله يرى أن كل أدبياته تنأى عن البعد المذهبي بالرغم من تمذهبه الشيعي المعروف، إذ كل قياداته ومناصريه وإعلامه المرئي والمكتوب وخطابات مسؤوليه بمختلف مستوياتهم ظلوا ولا زالوا بمنأى عن هذه اللوثة العقائدية والمذهبية طيلة عقدين من الزمان. والغريب في الأمر هو أن تتصدى قناة تقول عن نفسها أنها عربية، بالرغم مما قد يقال حول مصدرية تمويلها أو الجهة الناطقة باسمها، فالمستهدف هنا هو الجسم الصحفي والساقط هنا هو المهنية والحرفية التي يجب أن يتصف بها الإعلام الحر أو من يصف نفسه بأنه أقرب للحقيقة. ولا يلبث المشاهد أن يقرأ وهو يشاهد هذا التوجيه الإيديولوجي الخطير والممنهج في آن واحد لهذه القناة عنصرية مذهبية خطيرة تنطق باسم السنة والسلفية الوهابية، في حين تتهم الغير باستخدام الشعار المذهبي على رأي الشاعر:" رمتني بدائها وانسلت ". لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم استئجار حتى عمامات السوء والناطقين الرسميين باسم الله والموقعين عن رب السنة، لينفخوا في هذا الصدام السياسي والقناعات الفكرية لمشروعين أحدهما يصطف في وجه أمريكا وإسرائيل والآخر يمانع في ذلك بمستويات عديدة. ولا يقل هذا العمل الديني عن العمل الإعلامي لأنه جزء منه بالضرورة، حين يصبح رجل الدين أداة طيعة يحركها السياسي وقت ما شاء وأنى شاء. لدى فما تعمله هذه القناة أو غيرها يضع الجسم الصحفي العربي برمته في مهب الريح، حين تتهم الغير بما تسعى إليه في كل لقاء أو برنامج أو حوار أو تلاوة للأخبار يجعلها مسؤولة عن إذكاء روح الفتنة الطائفية في هذه الأزمة، ومحاولة صبغ ما هو سياسي بلبوس الدين كما هو حال مشايخ الشر. *- انقلاب حزب الله…: تحت هذا العنوان المثير والمتكرر في كل لحظة من لحظات قناة العربية تقف المغالطة الكبرى للرأي العام العربي، بعد أن يتم التمهيد لذلك بالصبغة المذهبية وهي تصوير الصراع السياسي بين المشروعين السابقين بأنه انقلاب. فالكل يعرف بأن تحول شوارع بيروت إلى ما هو عليه الآن كان ناتجا عن قرارات خاطئة اتخذت في جنح ظلام استئثاري كان هدفه المس بمشروع مقاومة عمرها أكثر من 25 سنة حمت وما زالت تحمي لبنان من عدو متربص ليلا ونهارا، ولم تكن هذه الأحداث وليدة مذهبية طائفية كما تريد أن تصور لنا قناتنا الأقرب لإسرائيل وليس للحقيقة، ولا وليدة حتى صراع سياسي أو قناعات وتوجهات، بل هو المس بحماية المقاومة وكوادرها وبنيتها التحتية عبر قرارين ممهدين للصدام حتما بين الجيش والمقاومة، فتم التحرك وتغيير المعادلة…
*- قناة العربية والحرب الأهلية: من خلال هذا الهجوم الممنهج لوسيلة إعلامية صحفية تحمل قيم الصحافة ومواثيق الشرف المهني، يفترض أن تكون مساهمتها هي مساهمة تنويرية ثقافية ومراعية للحس الإنساني التي يلتزم به ميثاق الصحافة الحر والشريف، بدل أن تكون دافعة من دوافع حرب قد يمتد مداها إلى حيث يريده أعداء لبنان والعرب على حد سواء. فما تفعله هذه القناة كنموذج للقنوات المذهبية الطائفية هو مقتل للصحافة العربية التي تدعي الحرية والشرف المهني، ومقتل للجسم الإعلامي عموما حينما تسوِّق لمشاريع الطائفية والمذهبية والعنصريات المختلفة التي لن يستفيد منها إلا أصحاب هذه القرارات الخاصة والضيقة. هذا عن الإعلام الذي يسمى بالحر أما الإعلام الرسمي فقد توفي رحمه الله منذ زمان، ولم يعد يكافئ مواطنيه القتلى والضحايا إلا بسهرات غنائية يعزي فيها الأهالي بطريقته حفظا للسلامة العامة وأمن المواطن كما هي أحداث الدار البيضاء الأخيرة.
#يوسف_هريمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لعنة السياسة وسيف المذهبية
-
الدراسات المقارنة بين المعرفة والتحيز
-
أين الحقيقة...؟؟؟
-
عيدُ الأُمِّ شعلةٌ لا تنطفئ...
-
القرآنيون والتوظيف الإيديولوجي
-
مدخل إلى الكتاب المقدس؟؟؟
-
حتى الأقلام تبكي...
-
أكادير: تنمية بشرية أم جنسية
-
الثقافة العربية وسؤال النخبة؟؟؟
-
نظرية مالتوس وأزمة الزواج العربي
-
رمتني بنضالها وانسلت؟؟؟
-
الفن الملتزم وثقافة العولمة
-
وتكسًّرَ غُصن الزَّيتون...
-
سامر إسلامبولي وأزمة القرآنيين !!!
-
الفتوى وإشكالية الفقه الإسلامي
-
حيرةُ الحبِّ...؟؟؟
-
هدية للحوار المتمدن
-
طقس القضيب وتمظهراته الثقافية
-
العنصرية والأمثال الشعبية المغربية !!!
-
ويجعل الأقلام شيبا...؟؟؟
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|